هو حلم أيّ طالب مدرس بالكاد تخلص من "قيود" مركز تكوين المدرسين والمدرسات، حلمٌ يُراوده بعفوية متعجرفة ويلاعبُ إحساساته المنكسرة بحنية مستفزّة، فيغدو كذاك الغزال السّارب حين ينفلت من قبضة غضنفر شرس، تراه يركض فرحا مستمتعا بالحرية بمعناها الخالص.. يجري بقوة دون اتجاه، وقد أشْبَل عليه الزّمن من الضيق والعبودية بين مزدوجتينأشبل .. يلاعب الظلال، يغازل الورود، يلامس صفحة السماء الزرقاء مبتهجا، ويمتطي نسمات ريح الصباح الشتوية حين تشرع في الهبوب.. أجل، لا يزور مثل هذا الشعور مدائن إحساس أي امرئ كان، سوى من مرّ من مثل هذه المراكز بحجراتها الملطخة بالأبيض والأزق، ذات الأبواب المنغلقة على نفسها والنوافذ المنفتحة على تلك الساحة الضيقة وقاعة الانتظار الفسيحة قرب مكتب السيد المدير.. حينها فقط تسْبلُ عيونه مطر دمعٍ قد يفسره البعض ألما وقد يعتقده البعض فرحا..
الحلم صار حقيقة في طرفة عين، وتلاشت غيمة السؤال التي كانت تحلق في سماء مستقبل الأولاد والبنات عفوا الطلاب والطالبات، هما سنتان مضتا بكل مسراتهما وأحزانهما، وأيامها التي مُزّقت صفحاتها العامرة ببقايا الذكريات الجميلة من سجلات أوائل شبابنا .. بلا إذن ولا ترخيص، تَعلّمْنا فيها الكثير ونحن نتَشَهّق، بعين طيبةٍ، على أساتذتنا الكرام رفقة باقي الطلاب والطالبات القادمين والقادمات من كل الاتجاهات، كلٌّ يحمل معه تمثلاته الخاصة في ذهنه الفتي، وكذلك كلٌّ يجرّ معه إرثه المعرفي الشخصي الخاص به، كلٌّ حسب أهوائه الغريبة يدندن للحياة الجديدة التي يراها هكذا من زاوية نظره الخاصّة، كلٌّ وأفكاره المجهرية يستطلع آراء الآخرين بكثير من الثقة الزائدة، كلٌّ يترجم تقاليد مدينته الأصلية أو عادات قريته الأم التي يحكي عنها ويصفها بالجميلة.. لكن الرغبة في تبديد حلكة الجهل ورسم قلوب الأمل بطبشورة القهر الوردية على لوحة الصبية البريئة كانت واحدة، نجحتْ في استقطاب اهتمام كل هؤلاء الطلبة واستطاعتِ التّأليف بين قلوبهم العطشى على اختلاف جنسهم ولسانهم، بدون أرقام تسجيل منظمة على ورقة بيضاء، بدون تكتيكات الإدارة وحرص الأساتذة على ضبط الصفوف الخشبية، بدون تصفيقات مدير الدروس وصرخات الحراس ورنات الأجراس...
هي تجربة ليست كباقي التجارب التي خُضناها ونحن تلامذة في الإعدادي أو حتى حين غيّرنا الوجهة إلى الثانوي، يومئذ أحسسنا بزغيبات متمردةٍ أبتْ إلا أن تأخذ لها مكانا في محيط ذقوننا المليئة حبيبات حمراء، فبدأتْ في نشر عساكرها ذوي القبعات السوداء بأنفة وإحساس بعظمةِ مراهقٍ، وشَعرْنا بصلابة عظامنا، خصوصا حين نقذف الكرة بعيدا بعيدا من الشارع الذي يشقّ حينا إلى حديقة الجارة فاطمة الممرضة.. ولمسنا حشْرجة أصواتنا التي صار ت رخمة، تعاكس طبلة أذن المارات بجانب الطريق المؤدية إلى التعاونية النسوية المتأبطات طوْق التطريز ونسيج الخيش وقطع القماش المنمق.. وكلما صرخنا عاليا تهتزّ حبال صوتنا اهتزازا..
نعم، كانت أحلامنا مجرد تيجان زهرة قرنفل ذات خريف، تتطاير بحرية في رحاب ساحة المدرسة وحول حجرات الدراسة وخارج الأسوار العالية مراوغة أشجار الزيتون التي تحاصر الثانوية من كل جانب..
كلُّ ذلك كان في يوم من الأيام طبعا !
الحلم صار حقيقة في طرفة عين، وتلاشت غيمة السؤال التي كانت تحلق في سماء مستقبل الأولاد والبنات عفوا الطلاب والطالبات، هما سنتان مضتا بكل مسراتهما وأحزانهما، وأيامها التي مُزّقت صفحاتها العامرة ببقايا الذكريات الجميلة من سجلات أوائل شبابنا .. بلا إذن ولا ترخيص، تَعلّمْنا فيها الكثير ونحن نتَشَهّق، بعين طيبةٍ، على أساتذتنا الكرام رفقة باقي الطلاب والطالبات القادمين والقادمات من كل الاتجاهات، كلٌّ يحمل معه تمثلاته الخاصة في ذهنه الفتي، وكذلك كلٌّ يجرّ معه إرثه المعرفي الشخصي الخاص به، كلٌّ حسب أهوائه الغريبة يدندن للحياة الجديدة التي يراها هكذا من زاوية نظره الخاصّة، كلٌّ وأفكاره المجهرية يستطلع آراء الآخرين بكثير من الثقة الزائدة، كلٌّ يترجم تقاليد مدينته الأصلية أو عادات قريته الأم التي يحكي عنها ويصفها بالجميلة.. لكن الرغبة في تبديد حلكة الجهل ورسم قلوب الأمل بطبشورة القهر الوردية على لوحة الصبية البريئة كانت واحدة، نجحتْ في استقطاب اهتمام كل هؤلاء الطلبة واستطاعتِ التّأليف بين قلوبهم العطشى على اختلاف جنسهم ولسانهم، بدون أرقام تسجيل منظمة على ورقة بيضاء، بدون تكتيكات الإدارة وحرص الأساتذة على ضبط الصفوف الخشبية، بدون تصفيقات مدير الدروس وصرخات الحراس ورنات الأجراس...
هي تجربة ليست كباقي التجارب التي خُضناها ونحن تلامذة في الإعدادي أو حتى حين غيّرنا الوجهة إلى الثانوي، يومئذ أحسسنا بزغيبات متمردةٍ أبتْ إلا أن تأخذ لها مكانا في محيط ذقوننا المليئة حبيبات حمراء، فبدأتْ في نشر عساكرها ذوي القبعات السوداء بأنفة وإحساس بعظمةِ مراهقٍ، وشَعرْنا بصلابة عظامنا، خصوصا حين نقذف الكرة بعيدا بعيدا من الشارع الذي يشقّ حينا إلى حديقة الجارة فاطمة الممرضة.. ولمسنا حشْرجة أصواتنا التي صار ت رخمة، تعاكس طبلة أذن المارات بجانب الطريق المؤدية إلى التعاونية النسوية المتأبطات طوْق التطريز ونسيج الخيش وقطع القماش المنمق.. وكلما صرخنا عاليا تهتزّ حبال صوتنا اهتزازا..
نعم، كانت أحلامنا مجرد تيجان زهرة قرنفل ذات خريف، تتطاير بحرية في رحاب ساحة المدرسة وحول حجرات الدراسة وخارج الأسوار العالية مراوغة أشجار الزيتون التي تحاصر الثانوية من كل جانب..
كلُّ ذلك كان في يوم من الأيام طبعا !
تعليق