قراءة في رواية الإرهابي_Terrorist_ لجون أبدايك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د/ أحمد الليثي
    مستشار أدبي
    • 23-05-2007
    • 3878

    قراءة في رواية الإرهابي_Terrorist_ لجون أبدايك

    [align=justify]يهتم الناقد الأدبي بمعايير معينة ينظر من خلالها إلى العمل الأدبي في محاولة لتقييمه على أسس مدروسة تخلو من الانحياز الشخصي، وتتسم بالموضوعية أكثر من أي اعتبار آخر. أو على الأقل هكذا ينبغي أن يكون الوضع.

    ويبحث عشاق الرواية عما يشبعون به نهمهم في الاطلاع على أعمال كُتاب يختلفون عن بعضهم بعضاً في أساليبهم اللغوية، وطرقهم السردية، ومعالجتهم لموضوع رواياتهم. وكل واحد منهم يبحث عن شيء معين، ومن لا يبحث عن شيء بذاته يترك نفسه يسبح مع ذلك التيار الذي صاغته يد المؤلف وعقله وقلبه وخياله.

    ويهتم الروائي بقراءة أعمال غيره لأنه -وهذا أضعف الإيمان- يعمل في نفس المجال، فتملي عليه المهنة ما تمليه أي مهنة أخرى على صاحبها من الدراية بما يدور في مجال عمله، وبالنزعات الجديدة والميول الحديثة ... إلخ. وفوق ذلك فالأدباء لا يفتئون يرددون -هم ومريدوهم- أن الأدب يعكس الواقع، ويغير الواقع، ويخلق واقعاً جديداً ... إلخ مما تزخر به كتابات أهل الأدب بغض النظر عن حظها من الصدق أو الكذب.

    أما أنا فببساطة "قارئ"، أقرأ ما تميل إليه نفسي، وأقرأ ما يعجبني وما لا يعجبني، وأقرأ ما يهم وما لايهم، ولو علمت بعدم أهميته قبل القراءة ما أضعت وقتي فيه. وأقرأ المؤلفات الشائكة المثيرة للجدل من باب العلم بالشيء.

    والرواية التي بين أيدينا اليوم -الإرهابي لجون أبدايك- ينبع رأيي فيها من أمور أرى أنها ذات أهمية بالنسبة للقارئ المسلم، والمثقف العربي، وهواة الرواية، ومتابعي السياسة، بل ودارسي العلوم الاجتماعية وغيرهم.

    يتناول أبدايك في روايته "الإرهابي" ما هو معتاد عليه في رواياته السابقة أي الموضوعات المتعلقة بالجنس والموت والدين والحياة بالمدارس الثانوية، بل ومدينة باترسون نفسها التي ظهرت ظهوراً واضحاً في روايته "In the Beauty of the Lilies". فيحتل الجنس وإيحاءته منذ البداية موقعاً كبيراً، أما الدين فينبغي علينا أن نعرف شيئاً مهماً عن أبدايك نفسه حين جاءته فكرة الرواية. فأبدايك ممن يعانون من "الخوف من الأنفاق"، إذ ترعبه فكرة أن يكون في نفق ثم ينفجر النفق وهو داخله ويموت غرقاً نتيجة اندفاع الماء. ومن هنا كانت فكرة أن يقوم أحمد مولوي عشماوي بطل روايته بمحاولة تفجير نفق لنكولن. هذه واحدة.

    أما الثانية فهي أن بطل الرواية في البداية كان مراهقاً نصرانياً، وهو ما يعد امتداداً لشخصية المراهق المضطرب الذي ظهر في قصة قديمة لأبدايك هي "Pigeon Feathers"، وفي تلك القصة نرى كيف خدع رجالُ الدين ذاك الشاب المراهق عن نفسه، وخانوا الثقة التي أولاهم إياها.

    وقد تخيل أبدايك بطل قصته "الإرهابي" من هذا المنطلق، وأنه شاب يرى كل من حوله شيطاناً مريداً يجاهد جهاد المستميت لتحويله عن دينه، والحيلولة بينه وبين ما يعتقده. وقد أوضح أبدايك أن هذه هي النظرة التي يعتقد أن أغلب العرب ينظرونها إلى عالم القرن الحادي والعشرين. فهذا الإرهابي لا يختلف كثيراً عمن يعيشون في العالم العربي، بل هو واحد منهم حتى وإن كان يعيش في أمريكا، وأمه من أصل غربي. فأحمد مولوي عشماوي ليس عربياً -وإن كان أبوه مصرياً- فقد ولد وعاش في أمريكا، وتركه أبوه وهو في الثالثة. بمعنى أن التأثير العربي غير موجود، بل ليس من أطراف المعادلة على الإطلاق. فهو أمريكي أكثر منه عربي. أما عقيدته فهي الإسلام. وهي عقيدة لم يبثها أبوه في نفسه، ولم تفعل أمه ذلك أيضاً. بل إن التأثير الأوضح هو تأثير الشيخ رشيد من الناحية العقدية، وفهم أحمد الخاص لهذه العقيدة. وهذا هو الواضح في الرواية. ولكن أبدايك يأبى إلا أن يغمض عينيه عن حقيقة أن العروبة ليست ديانة، وأن الإسلام ليس جنسية. فيخلط بين كون أحمد عشماوي مسلماً، وبين العرب. وهو بهذا إنما يلعب على وتر الخلط المغروس في رؤوس العامة في الغرب وهو أن العرب والمسلمين والإسلام شيء واحد. وإن لم يكن هذا هو الحال فسيجد القارئ عسراً شديداً في فهم سبب إشارة الرواية إلى كون بطلها مسلماً، وليس مجرد شاب أمريكي مراهق مضطرب، نصراني أو غير نصراني؟

    وحين يعلق أبدايك عن تغيير رأيه وجعل بطل روايته مسلماً بعد أن كان نصرانياً يقول لنا إن هذه النظرة هي النظرة التي ينظرها العرب للعالم في القرن الحادي والعشرين؟ فأبدايك يرسَّخ-عن جهل واضح أو عن قصد خبيث- لهذه الفكرة وهي عدم التفرقة بين العنصر أو العرق والعقيدة، فكل عربي مسلم، وكل مسلم عربي، حتى وإن كان هذا من الأوهام الباطلة. وإن كان للمرء أن يحسن الظن بأبدايك لمكانته في حقل الرواية الغربية (إن كان لهذا أي معنى أو قيمة)، وأن ينفي عنه هذا الجهل الواضح، فإن الخيار الباقي هو أنه فعل ذلك عن قصد خبيث. فهذا خياران أحلاهما مر. ولكن القصد يتسق مع حلقات "المؤامرة" الغربية المعادية للإسلام والمسلمين والساعية إلى تشويه صورة المسلمين والعرب. ولمن ينفون المؤامرة أقول ببساطة حين يكون المعتدي هو نفس المعتدي، وحين تكون الضحية هي نفس الضحية، وحين يكون الهدف هو نفس الهدف، ولقرون عديدة، فمن السخف القول بغير ذلك.
    وعلاوة على هذا فإن أبدايك عندما غيّر ديانة بطله برر ذلك بقوله إنه أراد أن يقول أشياء من وجهة نظر شخص إرهابي. فها نحن نرى أن أبدايك لم يكن ينظر إلى بطله على أنه مسلم أول الأمر، ثم حين أدخل الإرهاب في الموضوع رأى أن يُلبس بطله عباءة الإسلام حتى تتناسب صورته مع موضوع روايته. وما هذا إلا للاعتقاد العام السائد بين الجهلة في الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً الذين ينظرون إلى الإرهابي نفس النظرة. فما دام مسلماً، وما دام عربياً، فهو إرهابي إلى أن يثبت العكس. وليس العكس بثابت بعد أن تغيرت جميع مفاهيم العدالة الغربية -إن كان لها وجود في الأصل- ليس نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل نتيجة التطور الطبيعي للأحداث، ولمتطلبات الصراع بين الإسلام والعرب وأعدائهم الطبيعيين. فمن متطلبات المرحلة أن يُظهر أعداء الإسلام براثنهم، ويجيشوا جيوشهم المادية والإعلامية والمعنوية في وجه الصحوة الإسلامية التي بدأ العالم الإسلامي يشهدها منذ عدة سنوات، ومن أهم معالمها ظاهرة الحجاب، والانتفاضة، وهزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ثم تفككه وانهيار الشيوعية، وظهور جماعات ترفض الانحناء أمام الغطرسة الأمريكية في العالم الإسلامي وتتخذ من القوة وسيلة للرد على العدوان الغربي بزعامة الولايات المتحدة، وظهور شخصيات غربية تندد بمعايير الغرب المزدوجة عند التعامل مع العرب والمسلمين من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى ومن أشهرهم نوام تشومسكي وجورج غالواي والعشرات غيرهم ممن خلعوا عن أنفسهم ربقة الاستسلام لطغيان حكوماتهم، ورفعوا عن أعينهم تلك الغشاوة التي لا تزال تعمي عيون العامة. وغير هذه المظاهر هناك الكثير والكثير.

    ولو لم يكن أبدايك من الإمعات لما سار على هذا النهج، ولكان ترك الحرية لشخصية بطله تتطور من نفسها -على حد زعم أهل الأدب والرواية. ولكن أبدايك يلعب على هذا الوتر. وفي رأيي أن السبب هو أنه أراد وضع قدم له في هذا الموضوع. فما دام موضوع الساعة هو الإرهاب والمسلمين، فلأحولنّ بطلي إلى الإسلام، وليكونن إرهابياً؛ لأنه إن لم يكن كذلك فسيتردد كبار الناشرين في نشر كتابه، ولن يجني هو ولا ناشروه الملايين من بيع نسخ الرواية. فقراء الرواية ليسوا من أهل التخصص، بل أغلبيتهم الغالبة من العامة المغيبين فكرياً، ويمثلون سوقاً كبيرة لرواج هذا النوع من الفكر. واللوبي اليهودي يسيطر على سوق النشر في الغرب، وأبدايك ذي الخمسة وسبعين خريفاً (فقد ولد في شيلينجتون ببنسلڤانيا سنة 1932م) لا يريد أن يغضب أسياده. أما المسلمون فالكل يقول بإرهابيتهم فليس هناك ما يخسره أبدايك بترويجه لفكرة مقبولة. أما المعارضون فسيكون في مواجهتهم جيش جرار من المتصدين لهم بدعوى حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الأدب أو قلَّتِه، هذا فضلاً عن دعاوى الوطنية، والوقوف بجانب أصحاب القرار الأمريكي، والتصدي للإرهاب، والتوعية الفكرية ........ إلخ مما يضحكون به على الذقون، وأصحاب الذقون. المسألة محسوبة ومحلولة ومحسومة. فليكن البطل مسلماً، وليكن إرهابياً، وليكن مختلاً بسبب عقيدته، وليكن فقيراً. وهذه النقطة الأخيرة ستكون محل تعليق فيما بعد.
    [/align]
    د. أحمد الليثي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    ATI
    www.atinternational.org

    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
    *****
    فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.
  • د/ أحمد الليثي
    مستشار أدبي
    • 23-05-2007
    • 3878

    #2
    [align=justify]يقول أبدايك من خلال روايته بوجود كراهية وعداوة تجتاح قلوب المسلمين خاصة تجاه الغرب وأنظمته، فالرواية محاولة للنظر إلى هذا الموضوع من جانب أصحاب الكراهية والعداوة. ولا تتطرق الرواية إلى احتمالية وجود أسباب وراء تلك الكراهية والعداوة التي وسم بها أبدايك العالم الإسلامي والعربي كله. ففي اعتقاده أن الكراهية والعداوة غير مبررة، بل نابعة من عقل مريض، وفكر إرهابي يروي الإسلام جذوره. هذا فضلاً عن النفسيات الحاقدة التي تحركها الغيرة من التقدم الغربي، وما يتمتع به من حرية وديمقراطية. ونسى أبدايك أن جميع تلك الأفكار الخاصة بالحرية والمساوة والديمقراطية كانت كلها أقنعة سقطت عن وجه الغرب، لتكشف حقده الدفين، ووجهه القبيح وخاصة بعد أحداث سبتمبر. فقبل أحداث نيويورك وواشنطن كان الغربيون لا يزالون يتشدقون بديمقراطيتهم وحريتهم، وكلما سقط قناع لبسوا غيره. أما بعد تلك الأحداث فتغيرت المعادلة، وأضحى المتهم مذنباً حتى تثبت براءته، وإن ثبتت فهو مسلم أو عربي يعني أنه مذنب في جميع الأحوال. وليس هذا المفهوم بغريب في الفكر الغربي عامة والأمريكي خاصة. بل هو فكر راسخ في العقلية الأمريكية التي ترى في نفسها أنها منقذة العالم وحاميته والوصيّة عليه إن لم تكن خير شعوب الأرض. وما تاريخ العنصرية والاضطهاد العرقي والإرهاب الذري والنووي الأمريكي عنا ببعيد. وما أحداث التطهير العرقي بالبوسنة والهرسك في أوروبا بمفتعل. وما تقسيم العالم إلى قسمين "إما معنا أو علينا" إلا معلم من معالم البغض الغربي للإسلام وأهله.

    لا يجهل أبدايك مدى اهتمام "العالم" بهذا الموضوع، فهو الشاغل الشاغل "للرأي العام العالمي". وأقصد بهذا "الولايات المتحدة الأمريكية". فالنظام العالمي الجديد، وبوليس العالم، ومجلس الأمن، والأمم المتحدة، والأمن العالمي ... إلخ ما هي سوى كلمات فارغة ما لم تكن الولايات المتحدة هي المعنية. وسب استخدام هذه الألفاظ هو التعمية على السذج ومن شايعهم. وما أكثر الشعوب الساذجة ببلاهتها وحمقها وانصياعها وجبنها في هذا العالم. وقد صدق من قال "ليس بعد الجبن ذل".
    يعلم أبدايك أهمية الموضوع ويقول لمن يسأله عن سبب اختياره لموضوع روايته رغم أن الموضوع شائك، إنه قد صور بطل روايته على أنه شخصية محبوبة، وأن من الممكن التعاطف معه. وليس هذا لأن بطله إرهابي على طريقة روبين هود، بل يأتي الحب والتعاطف من كونه شاباً مضطرباً، والتعاطف من كونه يعاني من صراع داخلي بين دينه ومتطلبات بيئته الغربية، كل يشده في اتجاه، وهو حائر ممزق بينهما. ولا يرى أبدايك مخرجاً لهذا الشاب سوى أن يقتنع بأن القيام بعمل "إرهابي" هو المخرج، أي إن النجاة في الغرق، وأن هذا العمل إنما هو في الحقيقة عمل يقربه إلى الله زلفى. ومن هنا فرد أبدايك محاولة أخرى للتعمية والسخف. فتصوير البطل بهذه الطريقة يطغى عليه طغيان المحيط تلك الأحداث والتعليقات التي تغص بها الرواية، ويظهر فيها صوت المؤلف عالياً مدوياً. إن الشخصية المحورية في هذه الرواية -بمعنى تلك التي يعلو صوتها ولا يعلى عليه هو صوت أبدايك نفسه- وليس صوت أحمد عشماوي.[/align]
    د. أحمد الليثي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    ATI
    www.atinternational.org

    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
    *****
    فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

    تعليق

    • د/ أحمد الليثي
      مستشار أدبي
      • 23-05-2007
      • 3878

      #3
      [align=justify]صور أبدايك أحمد على أنه شخصية محببة، أو على الأقل هو أكثر الشخصيات قبولاً لدى القارئ من ناحية أنه أكثر الشخصيات التزاماً بالمثل الأخلاقية، وأعقدهم تفكيراً. وتبدو حيوية شخصيته من حقيقة أنه طالب بمدرسة ثانوية، وهي البيئة التي يشعر أبدايك بأنها بيئة مألوفة لديه لكثرة ما وردت برواياته. ومن ناحية أخرى فقد كان أبدايك في شبابه طالباً بمدرسة ثانوية، وكان أبوه مدرساً بمدرسة ثانوية. فلو كان تأثير المدرسة قد انحسر بتخرج أبدايك منها فقد لزمه هذا التأثير من واقع مهنة أبيه. ولكن العجيب أن أبدايك حين كان بالمدرسة الثانوية كان يتخذ لنفسه شعاراً يتعلق بمصدر معلوماته الموثوقة. وهذا المصدر هو جريدة النيويوركر. وقد لا يجد المرء أي غضاضة في هذا، ولكن الصدمة الحقيقة هي أن أبدايك كان يقارن بين الجريدة المذكورة في شعاره والقرآن الكريم الذي لم يلق قبولاً في نفس أبدايك وهو لا يزال مراهقاً، وظل على جهله به حتى أمسك به ثانية عندما شرع في كتابة روايته. وكان شعاره هو: "في جريدة النيويوركر، بدلاً من القرآن" (in The New Yorker instead of the Koran). ولم تكن علاقة أبدايك بالقرآن علاقة ودية، فهو لم يطلع عليه إلا مكرهاً لأنه كان مطالباً بذلك حين كان بالمدرسة الثانوية، ثم عاد إليه مرة ثانية حين كتب روايته "The Coup" سنة 1978م والتي كان صوت الراوي فيها هو الكولونيل Ellelloû الذي أراد أبدايك أن يصوره بطريقة ذات سمات معينة خاصة.

      ويرى أبدايك أن القرآن يخلو من الجمال اللغوي الذي تميل إليه الشخصية الغربية، فهو يعج بالتشريعات. أما الجانب الشعري فيه فيتسم بالغموض وعدم الوضوح. وكأنه بقوله هذا حجة على القرآن الذي لم يقرأه -إن كان قرأه- إلا ترجمة. أو أن من المفترض أن يتوافق القرآن الكريم ومزاجه الشخصي. فأي بلاهة بعد هذه البلاهة؟
      يرى أبدايك كذلك أن القرآن يذكر النار وعذابها كثيراً، كما يذكر وصف حال أهل النار وما يلاقونه من عذاب في أكثر من موضع، وخاصة ما يقومون به من "شرب المعادن المذابة". ولهذه الأسباب فهو كتاب غير محبب على الرغم من أن الآيات التي قد تتلو الحديث عن النار وعذابها قد تتحدث عن شيء يبلغ الغاية في الكرم والفضل من الله. ولكن ليس كرم الله وفضله هو المهم، ذلك أن القرآن يحتوي على حال آهل النار. ومن الصعب أن يحلل الإنسان بدقة سبب اعتقاد أبدايك هذا. فلو كان نصرانياً، فما أكثر الطوائف والفرق التي تنتمي للنصرانية، ولكل منها اعتقاد مختلف عن غيرها حول الجنة والنار. بل من المعتاد أن يكون لكل نصراني عقيدته الخاصة في الجنة والنار، بل وفي تفسير كتابه المقدس. ولا ينكر هذا إلا مجادل، لا يعلم من شئون العقائد شيئاً. ولكن المتفق عليه بين أهل النصرانية أنهم بعد موتهم سيدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب لأن ذنوبهم قد غفرت بصلب من صلب على الصليب، ذاك الذي فداهم، ومنح العالم دمه ليدخل الجنة كل من يؤمن به مخلصاً. وعلى هذا فإن وجود كتاب ينفي هذا ويتحدث عن سخافة هذه الفكرة، ويقر بوجود النار وأنها للعصاة من خلق الله، ويعدد بعضاً من أنواع العذاب ... إلخ يعد أمراً يبث الرعب في قلوب العصاة، ممن نبذوا دين الله، وتعاليم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ولذا فإن الخيار الأمثل هو إنكار هذا الكتاب وتعاليمه، والكفر به وبنبيه، وتشويه صورة اتباعه. ونسى أبدايك ومن سار على نهجه أن كل هذا "لا يغني من الحق شيئاً". والخلاصة أن أبدايك قرأ في القرآن ما لم يوافق هواه، فما كان منه إلا أن عاداه. ولو أن شخصاً غير أبدايك فعل مثل هذا الفعل لالتمسنا له العذر، أما من يفترض فيهم "المعرفة" فما أقبحه من فعل.

      يحدثنا أبدايك عن رأي أحمد عشماوي في مدرسي المدرسة، ويبرز لنا أن هناك خلطاً كبيراً في نفسيته، ووسوسة من شيطانه تشككه في الحياة بعد الموت. ثم ينتقل بعد ذلك ليغرق القارئ بصور العذاب والجحيم، ويخلطها بتساؤلات حول القوانين الخاصة بالديناميكية الحرارية، وكيف يمكن أن للنار والجنة أن يستمرا، وما هو مصدر الطاقة التي تجعلهما مستدامتين ... إلخ فيقول:
      Ahmad is eighteen. This is early April; …. In the year past he has grown three inches, to six feetmore unseen materialist forces, working their will upon him. He will not grow any taller, he thinks, in this life or the next. If there is a next, an inner devil murmurs. What evidence beyond the Prophet's blazing and divinely inspired words proves that there is a next? Where would it be hidden? Who would forever stoke Hell's boilers? What infinite source of energy would maintain opulent Eden, feeding its dark-eyed houris, swelling its heavy-hanging fruits, renewing the streams and splashing fountains in which God, as described in the ninth sura of the Qur'an, takes eternal good pleasure? What of the second law of thermodynamics?

      وينتقل بعد هذا ليجعله يشك في عقيدته، ويملأ نفسه ونفس قارئه بصور للنار والعذاب وغير ذلك مما هو واضح في جميع ثنايا الرواية، بغض النظر عن خلط أبدايك بين أسماء سور القرآن بعضها ببعضاً فيضع ترجمة لآيات من سورة ما ويسميها باسم سورة أخرى، وهو يعلم أن القارئ لن يفتح المصحف ليبحث عن تلك الآيات. فليست صحة المعلومة هي شغل أبدايك الشاغل.

      ولكن السؤال الآن لماذا يعد موضوع القرآن مهماً هنا؟ السبب هو وجود استشهادات متعددة بالقرآن في رواية "الإرهابي". ومن الاستشهادات التي تحتل مكاناً بارزا، حتى عند التعريف بالكتاب: Of those who plot, Allah is best (أي من بين من يحيكون المؤامرات الله هو أفضل من يحيكها) وهي ترجمة مشوهة خارجة عن السياق والفهم الصحيح لقوله تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". ويحاول أبدايك بهذا أن يقنع القارئ أن ما يقرأه على سبيل الترجمة الإنجليزية هو النص الأصلي. فالعقيدة النصرانية مثلاً تعتبر الترجمات نصوصاً. وبالطبع فإن القارئ الغربي العادي لا يدرك الفرق بين النص القرآني والترجمة، ولا يمكنه أن يدرك الفرق ما لم يقم بجهد كبير في البحث، وهو ما لا يفعله قراء الروايات. بل إن فكرة ابتعاد الترجمة عن النص الأصلي غير موجودة على الإطلاق في ذهن القارئ، بله خروج النص المستشهد به عن السياق.

      ويستخدم أبدايك وسيلة أخرى للنفاذ إلى القارئ والتعمية عليه، فيقوم بنقل بعض الآيات القرآنية –بحروف أعجمية - فيضعها في متن روايته. وليس ذلك إلا لإحداث فجوة عند القارئ بينه وبين القرآن، ولغرس الإحساس بأن هذا الكتاب ليس كتاباً يمكنه أن ينشيء معه علاقة أو نوعاً من أنواع الاتصال. والأكثر من ذلك أن يوهم القارئ بأنه يعرف معنى ما يستشهد به بالعربية حتى وإن كانت الحروف أعجمية. وقد استعان أبدايك بشادي ناصر في تلك الفقرات التي نقحر فيها آي القرآن الكريم. وشادي ناصر هذا مجرد طالب، حتى وإن كان من طلاب الدراسات العليا.

      ورغم كل هذا لا يسع أبدايك إلا أن يعترف بتأنيب ضميره حين وضع بكتابه ما لا يستطيع النطق به. ثم نجده يخبرنا أن "اللغة العربية لغة جميلة للغاية، وتحتاج للنطق بها إلى ليِّ لسانك بطريقة لا تعرفها الإنجليزية. وحين يسمع المرء الآذان يغمره أغرب شعور يملأ عليه كيانه، ويدفعه دفعاً من جماله إلى اعتناق الإسلام في الحال. إن شعوري هو أن تلك اللغة هي لغة الله، وحقيقة أنك لا تفهم هذه اللغة لا يعني سوى أن معرفتك بالله هي معرفة ناقصة قاصرة." وصدق أبدايك فيما قاله، ولكن شيئاً من هذا لا يبدو في روايته، ولا يعبر عنه من قريب أو بعيد على الرغم من ارتفاع صوته بالرواية.

      يقتصر تناول أبدايك لآي القرآن على ما انطوت عليه نفسه مما أراد التعبير عنه للقارئ خدمة لغرض هذا الإرهابي "المحبوب"، المراهق المضطرب، الذي يعاني من صراعات داخلية قد يكون لها ما يبررها.[/align]
      د. أحمد الليثي
      رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      ATI
      www.atinternational.org

      تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
      *****
      فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

      تعليق

      • د/ أحمد الليثي
        مستشار أدبي
        • 23-05-2007
        • 3878

        #4
        [align=justify]وفي هذا الجو المشحون بالرواية لا يمكن لأبدايك أن يسمح لقارئه بالخروج قبل أن يدلف إلى باب الجنس، وهو موضوع محبب لدى أبدايك. فهاهو جاك ليڤي يتقرب جنسياً من تيري (تيريسا) مالوي أم بطل الرواية، وهي لا ترده وتنشأ بينهما علاقة جنسية تمتد إلى عدد من المشاهد. وقد فعل المترجم خيراً إذ لم يضمَّن تلك المشاهد ترجمته وما ذلك إلا لفحشها وبذاءتها، وعدم خدمتها لغرض روائي سوى دغدغة عواطف المراهقين والمراهقات. وقد أضفى أبدايك الخبير بالمشاهد الروائية الجنسية الصارخة على جاك ليڤي وتيريسا عدداً من الصفات الواضحة في روايته فهما شخصان "عاديان" لا يعترفان بوجود إله، ويتسمان بالسخرية والتهكم، والتجاوب مع العصر الحديث، وكل هذه الصفات هي ما تجعلهما "محببين" وقريبين من القارئ – الغربي بالتأكيد، وخاصة ذاك اليهودي الذي لا يؤمن بعقيدة، ولا يهتم لأصحاب العقائد الأخرى.

        تدور أحداث الرواية حول أحمد مولوي عشماوي ذي الأصول المختلطة، فأبوه مصري رحل عنه وعن أمه واختفى ولم يبلغ أحمد الثالثة من العمر. أما أمه فأمريكية من أصل أيرلندي ذات ميول "الهيبيز". ويعيش أحمد في بلدة صناعية، هي نيو بروسبكت بشمال نيوجيرسي، وهي بلدة تنبعث منها رائحة الفقر والجنس والدونية بأشكالها المختلفة.

        تحول أحمد إلى الإسلام وهو في الحادية عشرة من العمر، وبدأ ينظر -كما يريد منا أبدايك أن نصدق- إلى كل شيء حوله من منظور إسلامي، فأصبح يرى في كل شيء حوله في المجتمع مصدر تهديد له ولعقيدته -التي لا يعرف أبدايك باعترافه عنها شيئاً ويحاول أن يقنعنا بتفسيراتها من خلال أحمد ذي الثمانية عشر ربيعاً- فيرى أحمد أن المجتمع غارق في المادية، منغمس في الملذات الحسية. ويدور بينه وبين مرشده الأكاديمي بالمدرسة حوار في بداية الرواية لا يمكن للقارئ أن يخطئ فيه صوت المؤلف وتعليقاته –وهو صوت مرتفع في الرواية بأكملها. وهذا المرشد المدرسي يهودي يدعى جاك ليڤي. أما الشخصية الأخرى التي تظهر منذ بداية الرواية فهي زميلة أحمد بمدرسته الثانوية "جوريلين غرانت". ولا حاجة للاستفاضة في مسألة فشل كل منهما في تحويل أحمد عما يعتبره "الصراط المستقيم"، إذ أن نصح جاك ليڤي له مغلف بنظرته الكئيبة للمجتمع والمستقبل وعلاقته بزوجته السمينة "بث"، أما جوريلين ذات البشرة السوداء فاهتماماتها ببطل القصة اهتمامات جنسية صريحة.
        وعلى هذا يخبرنا أبدايك أن أحمد عشماوي يعيش في منطقة فقيرة، وكذا الشيخ رشيد، وأحداث الرواية عموماً. وهو بذلك يروج لنفس الفكرة السمجة الخرقاء أن من أسباب "الإرهاب" الرئيسية الفقر، فضلاً عن الجهل (فبطل الرواية في الثامنة عشرة ، ويدرس بمدرسة ثانوية لا يتلقى فيها علوماً نافعة، وشيخه يبلغ سنه ما بين الثامنة والعشرين والثامنة والأربعين حسب وصف أبدايك)، وهي فكرة سائدة في أذهان الكثيرين من العامة، وهي نفس الفكرة التي كان يروجها "الساسة" الغربيون من قبل إلى أن تخلوا عنها وألقوا بها للعامة لتلوكها ألسنتهم، وتختلط بعقولهم. فمن يصفونهم بالإرهابيين، ويتهمونهم بالإرهاب لا لشيء سوى أنهم مسلمون اتضح أنهم ليسوا من الفقراء، وليسوا من الجهلة ناقصي التعليم. ودون الاستفاضة في تفنيد هذه الرؤية القاصرة، والرد عليها من جانب من يصفهم الغرب عموماً بالإرهابيين، سواء انطبق عليهم هذا الوصف أم لا، فإن التحليل الأمثل يكون من زاوية مختلفة. فأبدايك يقول لنا إنه أراد أن يقول شيئاً أو أشياء "من وجهة نظر "الإرهابي" - وليس المسلم لأن هذا مفهوم ضمناً. وعليه حت ينظر القارئ أيضاً إلى الإرهابي من نفس المنظور.

        إن زعيمة الإرهاب الأولى في العالم –كما هو معروف- هي أمريكا، ويتكون محور الشر العالمي من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، والأخيرتان أذرع للأولى التي تتحكم فيها الأخيرة، وهي مفارقة غريبة سمجة ساخرة. وهذه الدول الثلاث لا توصف بالفقر ولا الجهل –مع تحفظنا على المراد من كلمة الجهل هنا. ولو سلمنا جدلاً بأن الفقر سبب الإرهاب، وأن الشخص قد يكون مدفوعاً بحقد على "الأغنياء" ليقوم بعمل قوامه العنف فإن هذا الشخص محدود بالقدرات المتوفرة له. فما يمكن أن يسببه من ضرر محدود كذلك بما لديه من إمكانات. وإذا نظرنا إلى الولايات المتحدة مثلاً فهي ليست شخص، بل دولة بأكملها، بل إن قدراتها ليست قدرات مجموع أفرادها، بل تفوق هذا بكثير؛ ذلك أن الأفراد لا يتحكمون في مقدرات الدولة بل العكس هو الصحيح. وما للدولة من أسلحة وأنظمة وأجهزة عاملة وقدرات نافذة ووسائل مسيطرة تتحكم فيها يجعل منها أقوي من أي مجموعة كانت. وعلى هذا فما هو المبرر الأمريكي للإرهاب؟ أهو الفقر أم نقص التعليم؟

        ولكن أبدايك رغم هذا لا يقول في روايته إن سبب تحوِّل أحمد عشماوي إلى إرهابي هو فقره، أو نقص تعليمه، أو جهله. فهو يصوره شخصاً مضطرب التفكير، مشوش. يريد أن يفعل شيئاً في سبيل دينه وإرضاء ربه. يحاول الحفاظ على ماهيته الدينية، والتمسك بأهداب إسلامه بقدر ما يمكن لشاب يافع أن يفعل في مجتمع غربي مفتوح، لم يعرف غيره، ولم تقع عيناه إلا عليه منذ يوم ولدته أمه. وهذا الشاب يمر بتجارب عادية فينهي دراسته الثانوية بينما يدرس للحصول على رخصة لقيادة شاحنة، وينجح في اختبار القيادة. وما أن ينهي دراسته حتى يبدأ في العمل سائقاً بشركة أثاث. ويصاحبه في بعض مهام نقل الأساس تشارلي شهاب ابن صاحب الشركة لبناني الأصل. وبعد عدد من الحوارات يصعب الربط بينها وكيف تحول تشارلي من الحديث عن فتيات الإعلانات وجمالهن وفتنتهن وإعجابه الجسدي بهن، إلى الحديث عن سخطه عن أمريكا وغيرها من الدول التي تسير سيرها ضد العرب والمسلمين. وهذه النقلة تجعل القارئ يستغرب، بل يشعر بوجود شيء غير عادي. هناك شيء مفقود؛ فالأشياء لا تحدث بهذه الطريقة. والأدهى والأمرّ إن تشارلي شهاب هذا يتفق مع جوريلين ويقدم لها مبلغاً كبيراً من المال لتمارس البغاء مع أحمد حتى يفقد عذريته، ويدخل عالماً جديداً. فنرى تشارلي في جانب مخطط لعملية تفجير كبيرة يفترض أنها ستصيب أمريكا في مقتل بدافع الدين والقيام بعمل "جهادي" في سبيل الله، بينما يعمل قوّاداً في نفس الوقت، لا لسبب سوى أن يوقع من سيقوم بعملية تفجير الشاحنة (أحمد) في خطيئة الزنا. ويصور أبدايك هذا بصورة عادية، لا تتسم بالغرابة إطلاقاُ وكأن المسألة ليست فيها أي نوع من الغرابة، وغياب المصداقية، إن لم نقل السخف. والغريب أن الذي ينقذ أحمد من الوقوع في هذه الخطيئة هو أحمد نفسه. فمع ميله الجسدي لجوريلين إلا أنه لم يكن ليرى نفسه يطارحها الجنس مقابل المال، لمعرفته بها زميلة في المدرسة الثانوية. بل هو أميل إلى تخليص روحها مما تعيش فيه من حالة عدم الإيمان.

        نعم لقد صدق أبدايك حين قال إنه يريد أن يقول أشياء من وجهة نظر الإرهابي، وهذا الإرهابي لم يكن أحمد عشماوي، بل هو أمريكا نفسها. ومن هنا كان تصوير شخصية بطل الرواية وأحداثها من منظور أمريكي يصبغ الآخرين بصبغة أمريكا أولى بها. فالنقائص التي لا يمكن للقارئ أن يغفل عن رؤيتها في الرواية هي نقائص أمريكية. فالبطل أمريكي، وبيئة الأحداث أمريكية، والأخلاق أمريكية، والفقر والجهل أمريكيين ... إلخ. ولكن أياً من هذا لم يظهر في الرواية بنفس الوضوح الذي تظهر به عقيدة الإسلام. وقد استخدم أبدايك عدداً من الأدوات كي يخرس الصوت القائل بأمريكية جميع جوانب روايته. فكان اسم بطل الرواية أحمد عشماوي، وهو اسم غريب على الأذن الغربية. فلم يسم أبدايك بطله "آدم" مثلاً وهو اسم بين بين، ومنتشر بين العرب المسلمين الذين تزوجوا في الغرب وأنجبوا، ولم يُرِدوا أن يعطوا أبناءهم أسماء عربية غريبة على الأذن الغربية حتى يسهل قبول المجتمع لهم، ولم يردوا أن يعيب عليهم بنو جلدتهم تسميتهم لأبنائهم بأسماء غير إسلامية أو عربية كأنهم نزعوا أنفسهم من أصلهم الديني والقومي، فالحل إذاً أن يكونوا "كمن رقصت على السلم" فيكون الاختيار أسماء مثل آدم. المهم لم يسم أبدايك بطله آدم مثلاً، بل اختار له اسم أحمد الذي لا تخطئ أي أذن في أنه اسم شخص مسلم. وأبدايك يعلم أنه لو سماه محمداً لربما حدث ما لا يحمد عقباه، فاختار أيضاً أن يرقص على السلم، والفرق بين أحمد ومحمد ليس كبيراً. ثم جار الاسم "عشماوي" بما له من دلالات في الأذن العربية وخاصة المصرية، حيث أصبح الاسم علماً على من يقوم بتنفيذ أحكام الإعدام.
        ومن الأدوات الأخرى الاستشهاد بالقرآن الكريم، ونقحرة آياته، وانغلاق أحمد الفكري إلا عما يعتقد أنه الصراط المستقيم. وهذا الانغلاق الفكري أيضاً هو انغلاق من وجهة النظر الأمريكية؛ لأن الانفتاح الفكري الأمريكي كما يصوره أبدايك نفسه هو انفتاح على العهر والمخدرات والملذات الحسية عموماً وغير ذلك مما هو معروف ومنتشر في كثير من المجتمعات الغربية. وهذه النقطة مهمة للغاية ذلك أن البيئة التي يصورها لنا أبدايك وتدور فيها أحداث الرواية لا تخرجنا إلى فضاء فكري أرحب من هذا. فأبدايك وضع بطله وقارئه في محيط معين، ومن ثم فإن التأثير الأكبر والأوحد هو تأثير تلك البيئة. ولأن أحمد عشماوي كان يتصارع في داخله بين ما يعتقد صوابه وبين ما لا يختلف عاقلان على فساده كان هذا وراء "إرهابه" الذي قد يعتبره البعض إصلاحاً أو محاولة لعدم الذوبان في بيئة لا يخرج المرء منها سليماً بعقله أو بدنه أو عقيدته. ولعل هذا هو التطور الطبيعي لشخصية بطل الرواية، ولكنه تطور لم يسمح به أبدايك؛ وذلك لوجود أجندة مسبقة حكمت على بطل الرواية بمجرد قراءة عنوانها.

        وعلى الرغم من أن عنوان أي عمل هو في الأغلب آخر ما يضعه المؤلف إلا أنه أول ما تقع عليه عين القارئ، ويستخدم لأغراض الدعاية الإعلامية. فبطل الرواية محكوم عليه بأنه إرهابي قبل أن يفتح القارئ الغلاف. وللكلمة أثر كبير في النفسية الغربية. وحين يرى القارئ أن للبطل اسماً غريباً، اسماً عربياً مسلماً، ثم يجد استشهادات قرآنية، وحديث عن النار وعذابها بصورة ترعد الفرائص الأمريكية خاصة، وصراع داخلي يعتمل في نفس البطل بين ما يراه صواباً وما يمليه عليه مجتمعه ... إلخ، كل هذا يبني بين القارئ وبين بطل الرواية جداراً فاصلاً، حتى وإن كان جداراً به نافذة صغيرة ينظر منها القارئ إلى البطل. والحقيقة أنها نافذة مهمة فبدونها لن يعلم القارئ أحداث الرواية. ولكن الانفصال بين القارئ والرواية انفصال عقلي تام. فالقارئ لا يرى نفسه، ولا يريد أن يرى نفسه، ولا يسمح أبدايك للقارئ أن يرى نفسه في شخصية أحمد عشماوي. وإن قال قائل إن من السخف أن يرى أي قارئ نفسه في شخصية أحد المخلوقات الفضائية أو في شخص امرأة داعرة أو غير ذلك من الشخصيات الروائية المتعددة، فإن الأمر هنا يختلف فأحمد عشماوي شاب في الثامنة عشر، يدرس بمدرسة ثانوية عادية، يعيش في وسط أمريكي معروف، تتصارع في نفسه أفكار لا تختلف عن الكثيرين ممن هم في سنه ... إلخ، أي أنه شخصية لا تختلف عن الآلاف إن لم نقل الملايين من الشباب في أمريكا –إن لم نقل في العالم كله. فكيف لا يمكن أن يرى القارئ في وضعه ما يعايشه هو بنفسه؟ ولذا فإن الخروج من هذا المأزق هو جعل اسمه غريباً على الأذن، وجعله عربياً وهو ليس بعربي إطلاقاً، وجعله مسلماً، وجعله إرهابياً. كل ذلك خدمة لغرض الرواية، وهو غرض استهلاكي، وليس غرضاً أدبياً لأن الكاتب لم يسمح بتطور طبيعي للشخصية، وإنما حكم عليه منذ لحظة وقوع عين القارئ على عنوان الرواية.
        [/align]
        د. أحمد الليثي
        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
        ATI
        www.atinternational.org

        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
        *****
        فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

        تعليق

        • د/ أحمد الليثي
          مستشار أدبي
          • 23-05-2007
          • 3878

          #5
          [align=justify]والآن لننظر إلى عدد من الجوانب المهمة بالرواية لنبين بعض ما اختصرناه أو عممنا القول فيه عاليه.

          تقع الأحداث كما أسلفتُ في مدينة نيو بروسبكت وهو اسم لمنطقة غير موجودة، ولكنها تمثيل روائي لمنطقة باترسون التي يقطنها عدد كبير من العرب الأمريكيين. وهي منطقة صناعية، كئيبة، معدمة، حقيرة، تعاني من التدني والانحدار الاجتماعي بشتى صوره. وتكثر بالرواية هذ الأوصاف حتى أنها تكاد أن تكون هي الصور الوحيدة الصارخة في الرواية كلها. ورغم هذا فهي صور تحتاج إلى النظر إليها نظرة نقدية وبكثير من التحفظ. ومهما كان الأمر فإن أبدايك لم يدخر وسعاً في إعطاء القارئ صورة أقل ما توصف به أنها "مقرفة" عن بيئة الرواية، ووصف الظروف المادية التي يعيشها سكان المنطقة. فصور التدهور والانحدار بل والتعفن الحضري العمراني تطغى على وصفه، فمباني المدرسة الثانوية مثلاً تعلوها الندبات، وتطفح بالإسبستوس المتفتت ... وتقع المدرسة على حافة بحيرة كبيرة من الركام." (rich in scars and crumbling asbestos...sits on the edge of a wide lake of rubble). وهذا الوصف الأخير "بحيرة الركام" يتردد عدة مرات ليس فقط كوصف لموقع المدرسة، بل يصف أبدايك أماكن أخرى ويحدد مواقعها بحسب قربها منها.

          وبينما نرى أحمد وجوريلين يسيران سوياً في أحد المشاهد نجد الوصف التالي مصاحباً لهما: "تزداد المجاورة حولهما فوضى أكثر وأكثر، فالأشجار تفتقر إلى العناية، والمنازل إلى الطلاء. أما بلاطات الرصيف فمنها المائل، ومنها المتكسر لامتداد جذور الأشجار من تحتها. وتنتشر القمامة بأفنية المنازل على الرغم من صغر مساحتها. وتبدو البيوت كالأسنان التي فقد بعضها إذ لا تنتظم صفوفها، بل يقل فيها جانب عن جانب. وعلى الرغم من إحاطة تلك الفجوات بين المنازل بالأسوار إلا أنها أسوار غليظة متقطعة ومتعرجة كالسلسلة." ويضيف أبدايك إلى هذا الوصف "الشارع المسفلت ... بحفره التي "ترقعت" مرة بعد أخرى، ومنخفضاته الكثيرة التي خلفتها السيارات والحافلات المندفعة على الطريق بأوزانها الثقيلة التي تسحق الأرض من تحتها". وينظر جاك ليڤي إلى أمريكا نظرة تملؤها المرارة وهو يصفها بأنها قد "رصفت شوارعها بالدهن والقطران من ساحلها إلى ساحلها، قطران نلتصق جميعاً به، فلا فكاك منه."

          ولا شك أن أوصافاً كهذه تبعث في النفس مشاعر التقزز والنفور، وتجعل المرء ينزعج من تلك الصورة البشعة تفاصيلها، والتي تعكس فقراً مادياً وروحياً على حد سواء. وكل هذه المظاهر إنما هي ترجمة لشكل من أشكال الحياة الأمريكية لا ينبغي للمرء إخفائه أو حتى محاولة إخفائه. ولكن الغريب أن أبدايك لا يحاول من قريب أو بعيد أن يشير إلى المسئول عن هذا الوضع المأساوي للمنطقة وسكانها. ومع امتعاضه الشديد الواضح في وصفه لمظاهر الفقر والانحدار والتدني إلا أن أبدايك يَخْلُص من هذا الوصف إلى شيء غاية في العجب والغرابة، فيبدي تقززه الشديد من سكان المنطقة. وكأنهم هم السبب الوحيد في فقرهم المادي والمعنوي، وانحدارهم الروحي، وقبحهم البادي بمختلف أشكاله. ولا يسمح أبدايك لاحتمالية مسئولية الدولة عن هذا التدني والقذر بأن تكون طرفاً في المعادلة. بل اللوم كل اللوم على سكان المنطقة التي كما أسلفنا تعج بالعرب الأمريكين،ثم الزنوج، واليهود.

          ويخبرنا أبدايك عن مدرسي المدرسة في روايته فيقول "يَعْدُون بعد انتهاء الدوام الدراسي إلى سياراتهم المركونة بالمواقف المتكسرة أرضياتها، والتي تنتشر القمامة في جنباتها. وهم في عدوهم أشبه ما يكونون بأسماك الكابوريا (السرطان) الشاحبة اللون، أو السوداء التي عادت إلى محاراتها لتتقوقع فيها." وهنا نرى تشبيه المدرسين بمخلوقات هي أشبه بالحشرات أو الحيوانات في سلوكها. ويتكرر هذا الوصف في أكثر من موضع، وخاصة في آخر فقرة بالرواية حين يشير أبدايك إلى المشاة بمنهاتن فيقول عنهم "أصبحوا جميعاً -مقارنة بالأبنية الفارعة حولهم- في حجم الحشرات، ولكنهم يعدون ويسرعون، عازمون –في هذا الصباح المشرق- على تحقيق هدف أو خطة أو أمل ما يملأ نفوسهم، وهو ما يدعوهم للعيش يوماً آخر، وكل منهم مثبت على خازوق الوعي وهو حي، مصرّ على العمل في سبيل تطوير ذاته، والحفاظ على بقائه. هذا هو الهدف وليس غيره."

          ومن هذا وغيره نرى بوضوح قدر الصعوبة التي واجهها أبدايك في فهم الإرهاب والسياسة في إطار أوسع يتمثل في عدم قدرته على استيعاب الواقع الأمريكي المعاصر بأي درجة من درجات العمق. فالإحساس الوحيد المسيطر الذي ينقله أبدايك للقارئ –عن قصد أو غير قصد- عند تصويره لمدينة نيو بروسبكت هو الاشمئزاز والامتعاض والتقزز والنفور من سكانها.

          فهل يكفي هذا كله ليفسر تحول بطل روايته إلى إرهابي؟ إن هذه العناصر مجتمعة لا تقدم لنا تفسيراً معقولاً يقبل به القارئ حتى لمجرد الرغبة في مسايرة الكاتب لفترة حتى تتضح له بقية المعالم فلعل فيها ما يدعم تلك النظرة. ولكن الغريب أن القارئ حين يساير الكاتب فترة رغبة في الوصول إلى تلك النقطة من تطور الأحداث والشخصيات يجد أن تلك النقطة غير موجودة على الإطلاق. فليست هناك أحداث ولا تطورات من هذا النوع. كل ما هنالك أن أحمد يقود شاحنة تركها له تشارلي شهاب وبعض أفراد "خلية" نيو جيرسي، وتمتلئ الشاحنة بمتفجرات تكفي لتدمير النفق عند أضعف نقطة فيه ليغرق كل من بالنفق، وتعم الفوضى جميع الأرجاء تبعاً لما ينتج عنه الانفجار من كوارث. وبينما أحمد يقود الشاحنة يحدث أمران: الأول أن يلتقي بجاك ليڤي فيركب معه الشاحنة ويحاول إقناعه في البداية ألا يقوم بما يريد القيام به، وثانيهما أن يرى طفلين صغيرين في السيارة التي أمامه، وهما يعبثان ويحاولان إضحاكه بحركات وجهيهما.

          ونجد أثناء حوار أحمد وجاك ليڤي أموراً غريبة سمجة منها أن جاك يشجعه على أن يقوم بما يريد القيام به من تفجير الشاحنة بالنفق بعد أن كان قد ركب معه لإثنائه عن ذلك، فقد وصل جاك إلى مرحلة من القرف شديدة من نفسه ومن عالمه. ثم ينكص على عقبيه مرة أخرى. ثم في معمعة إقناع أحمد ألا يتهور يقول له بلغة فجة إنه قد ضاجع أمه تيري، وكانت بينهما علاقة جنسية. وأحمد الذي يملأ دينه عليه كيانه، ويهم بعمل تفجيري لا يبالي بهذا، ولا يبدو عليه أي اشمئزاز. ففي اللحظة التي يريد القارئ أن يعرف كيف ستنتهي أحداث الرواية حيث لم يبق سوى صفحة أو صفحتين يجد ردة فعل لا تتسق مع إلا مع صاحب تفكير سخيف. فذاك اليهودي الذي في طبيعته التي يعرفها القاصي والداني أنه يود أن يعمَّر ألف سنة، يرفض أن ينزل من الشاحنة مفضلاً الموت على الحياة. وهو سخف ما بعده سخف. فالله عز وجل يقول عن اليهود "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين، ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم". ولكننا هنا نجد يهودياً لا يتمنى الموت فقط بل يلقي بنفسه في أحضانه. ثم نجد الشاب الذي يريد أن يقوم بعمل يعتقد أنه في سبيل دينه، ويفصل بينه وبين ذلك ضغطة زر لتنفجر الشاحنة بعده يعود عما كان يريده بعد أن قاله له اليهودي –منقذ العالم- أنه كان يمارس الجنس مع أمه، وأن أباه كان شيوعياً، وأنه لا يبالي بدين أو عقيدة، وأن الحياة الأمريكية هي حياة تفسخ وانحلال، وأن العالم كله غاضب من تصرفاته، وأن الحياة لا تستحق أن يحياها أحد ... إلخ. ويفترض أن هذا كله ليس سبباً ليفجر أحمد الشاحنة.
          [/align]
          التعديل الأخير تم بواسطة د/ أحمد الليثي; الساعة 12-02-2008, 09:39.
          د. أحمد الليثي
          رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
          ATI
          www.atinternational.org

          تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
          *****
          فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

          تعليق

          • د/ أحمد الليثي
            مستشار أدبي
            • 23-05-2007
            • 3878

            #6
            [align=justify]وبعد هذا العرض، فإن الرواية تريد أن تقول لنا إن الإسلام دين تطرف، والعرب إرهابيون مضطربوا التفكير، واليهود هم منقذو العالم، وأمريكا هي هدف الإرهابيين. أي أن أبدايك يتعامل مع أحداث وشخصيات مقولبة. ويهمل أبدايك تمام الإهمال أي إشارة قد تبرر كره العالم لأمريكا، وأسباب الإرهاب العالمي بغض النظر عن أصحابه، وهو إنما يفعل ذلك عمداً بطريقة لا تخفى على القارئ حيث إن أعلى صوت في الرواية ليس هو صوت المعركة، وإنما صوت أبدايك نفسه. وهذا التعمد -بعد أن كان لحاجة في نفس يعقوب- لا يلبث القارئ أن يكتشف هذه الحاجة وهي لا تعدو أن تكون رغبة أبدايك في أن يجد لنفسه مكاناً –أي مكان- في وسط حراك وأحداث تهز العالم في هذا العصر، ولكنه لم يخطئ الوسيلة، وإنما أخطأ المضمون والرؤية والفهم الصحيح حتى في الواضحات.

            ولا يصح أن ننهي هذه القراءة الموجزة دون الإشارة بكلمات –ولو قليلة- إلى أن هذه الرواية قد قام على ترجمتها الأخ الدكتور/ أحمد الشيمي، ويتولى المجلس الأعلى للثقافة طباعتها ونشرها حالياً . وقد حاول المترجم أن يحتفظ للرواية بطابعها الذي أراده المؤلف لها. ومن هنا خرجت الترجمة عاكسة للنص الأصلي في لغته، وإشاراته، وألفاظه وما تحمله من حمولة ثقافية أو فكرية تماوجت بين البساطة والرشاقة والتعقيد، وإن غلبت الصفة الأولى عليها. ولا يعدم عمل أدبي ذلك المزيج اللغوي، وطرق التعبير المختلفة. وأراد المترجم أن ينظر القارئ "بقلم" المؤلف، وليس بعينه، فنجح في ذلك نجاحاً لا يقدره حق قدره إلا من قرأ الرواية في لغتها الأصلية، وهو ما كفاه المترجم والترجمة مئونته.
            [/align]
            التعديل الأخير تم بواسطة د/ أحمد الليثي; الساعة 02-06-2007, 20:27.
            د. أحمد الليثي
            رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
            ATI
            www.atinternational.org

            تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
            *****
            فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

            تعليق

            • عبدالله حسين كراز
              أديب وكاتب
              • 24-05-2007
              • 584

              #7
              دكتور أحمد الليثي

              السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

              ما شاء الله تبارك الله

              نفتخر بك قامة سامقة وبارعةً في حقول المعرفة والثقافة والعلوم الإنسانية. أشكرك من عميق القلب قلبي لكل حرف تكتبه وتساهم به من أجل رفعة العربية وأعلاء شأوها في معترك التنافس الإبداعي واللغوي الذي يسود العالم..
              بارك الله فيك وفي علمك ونفعنا ومن بعدنا بعلمك وثقافتك وابقاك بصحة وعافية من علمائه الصالحين..

              كن بخير وألق

              تحياتي وتقديري

              د. عبدالله حسين كراز

              غزة - فلسطين

              جامعة الأزهر
              دكتور عبدالله حسين كراز

              تعليق

              • ناهد تاج هاشم
                عضو الملتقى
                • 28-12-2007
                • 207

                #8
                السلام عليكم دكتور أحمد
                الحقيقة قراءة جميلة جدا, وقراءة علمية غير شخصية . رغم أنك قلت أعلاه والرواية التي بين أيدينا اليوم -الإرهابي لجون أبدايك- ينبع رأيي فيها من أمور أرى أنها ذات أهمية بالنسبة للقارئ المسلم، والمثقف العربي، وهواة الرواية، ومتابعي السياسة، بل ودارسي العلوم الاجتماعية وغيرهم
                فهكذا قراءة لجدلية الصراع بين الغرب من جهة و الإسلام العرب من جهة أخرىولأكون واضحة أكثر " للصورة النمطية" التي يصورها الأدب الغربي عن أخره المسلم أو العربي هي قراءة تدخل فيما يعرف بدراسات الصورة الأدبية وهذا النوع من الدراسات هو اختصاص متفرع وحديث نسبيا في دراسات الأدب المقارن.ويفترض قراءة الصورة التي أنتجها أدب معين عن ثقافة أو شخصية شعب أخر مثلا والية انتاجها ورسمها. وأنت قمت كما رأيت أنا وواضح لي بالتعليق على صورة أحمد البطل لكنك قمت بربط ألية تصوير هذه الشخصية بما كان مرتب لها مسبقا, وبما كان عليه الوعي الأمريكي للشخصية الاسلامية والعربية. فجاءت الصورة التي رسمها المؤلف صادقة من ناحية كونها تناغمت مع التشويه الذي لاقته الشخصية الاسلامية والعربية في تفهمها من قبل الغرب- هذا من ناحية - أما من ناحية أخرى فالصورة صورة مصابة بانفصام شخصية لما نجده من تناقضات في رسم حدودها وعلاقتها بالأخر الغربي.
                ودعني أقول شئ الكاتب - مع الأخذ بعين الاعتبار ماأتيت أنت عليه من نقاط مهمة كرغبته بانتشار الرواية على حساب مصداقية العمل كفضاء أدبي- كان معتمدا على ذهنية نمطية وعقلية سائدة معيارها تفوق الغربي مثلا وأن المسلم هو الشرير والهمجي والوحشي وإلى ماذلك من تعابير وسمونا بها ظلما وبهتانا.
                في كتاب قيم بعنوان الوجيز في الأدب المقارن من تأليف عدد ن المقارنيين الفرنسيين وتقديم بيير برونيل وإيف شيفريل وترجمة الدكتور غسان السيد( الترجمة صادرة في دمشق 1999). ورد في الكتاب مايلي:
                " الصورة ليست صورة بالمعنى التشابهي، بل بالمعنى المرجعي والصورة مناسبة بالرجوع إلى فكرة ، خطة ومنظومة من القيم السابقة على العرض" ( ص151)
                ما أردت قوله أنه حتى وإن كنا في القرن الحادي والعشرين ، إلا أنه للأسف مازال الفكر الغربي مشوه وأدبه يرسم صورة حالكة عن العرب والإسلام. وحقيقة ليس بغريب أن نجد هكذا صور لأنهم مازالوا للأن يلقون بأخطائهم على غيرهم ويتداعى في مخيلتهم عندما تقول إسلام وعرب" كتب ألف ليلة وليلة والجمل والصحراء- مع أننا فخورون جدا بصحرائنا وزينا البدوي-
                أعتقد الواجب أن نفعله نحن كما فعلت أنت مثلا أن نسلط الضوء على تلك الصور ولايعفى كونها روايات من أنها تشوه تقبلنا وتصويرنا في الثقافة الأخرى. بل وعلينا أكثر أن نعمل لأبحاث في هذا السياق لتعرية وفضح مايكتب في الغرب بحق الإسلام والعرب. ولكنني دون أن أطيل فقط دعني أقول بحزن نحن المقصريين وللأن لاتوجد لدينا معاهد دراسات استراتيجية مختصة بتصحيح صورتنا أكثر على غرار معاهد دراسات الشرق الأوسط مثلا في الخارج.
                إعذرني دكتورأحمد أطلت عليك.
                مرة جديدة أشكرك جدا فالقراءة التي قدمتها متماسكة وعلمية وراقية . وقد استفدت منها كثيرا
                مودتي
                ناهد

                تعليق

                • د/ أحمد الليثي
                  مستشار أدبي
                  • 23-05-2007
                  • 3878

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة عبدالله حسين كراز مشاهدة المشاركة
                  دكتور أحمد الليثي

                  السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

                  ما شاء الله تبارك الله

                  نفتخر بك قامة سامقة وبارعةً في حقول المعرفة والثقافة والعلوم الإنسانية. أشكرك من عميق القلب لكل حرف تكتبه وتساهم به من أجل رفعة العربية وأعلاء شأوها في معترك التنافس الإبداعي واللغوي الذي يسود العالم..
                  بارك الله فيك وفي علمك ونفعنا ومن بعدنا بعلمك وثقافتك وابقاك بصحة وعافية من علمائه الصالحين..

                  كن بخير وألق

                  تحياتي وتقديري

                  د. عبدالله حسين كراز

                  غزة - فلسطين

                  جامعة الأزهر
                  أخي الفاضل الدكتور عبدالله حسين كراز
                  لقد أسرتني بطيب كلامك، وجميل عباراتك.
                  أسأل الله أن يتقبل جميع أعمالنا، وأن تكون في رضاه، وأن يجمعنا وإياك دائماً على ما يحب ويرضى.
                  شكر الله حضورك وتعليقك، وشرف لي وجودك في متصفحي.
                  مع خالص الود والتقدير.
                  أحمد الليثي
                  د. أحمد الليثي
                  رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                  ATI
                  www.atinternational.org

                  تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.
                  *****
                  فعِش للخيرِ ، إنَّ الخيرَ أبقى ... و ذكرُ اللهِ أَدْعَى بانشغالِـي.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X