[align=justify]يهتم الناقد الأدبي بمعايير معينة ينظر من خلالها إلى العمل الأدبي في محاولة لتقييمه على أسس مدروسة تخلو من الانحياز الشخصي، وتتسم بالموضوعية أكثر من أي اعتبار آخر. أو على الأقل هكذا ينبغي أن يكون الوضع.
ويبحث عشاق الرواية عما يشبعون به نهمهم في الاطلاع على أعمال كُتاب يختلفون عن بعضهم بعضاً في أساليبهم اللغوية، وطرقهم السردية، ومعالجتهم لموضوع رواياتهم. وكل واحد منهم يبحث عن شيء معين، ومن لا يبحث عن شيء بذاته يترك نفسه يسبح مع ذلك التيار الذي صاغته يد المؤلف وعقله وقلبه وخياله.
ويهتم الروائي بقراءة أعمال غيره لأنه -وهذا أضعف الإيمان- يعمل في نفس المجال، فتملي عليه المهنة ما تمليه أي مهنة أخرى على صاحبها من الدراية بما يدور في مجال عمله، وبالنزعات الجديدة والميول الحديثة ... إلخ. وفوق ذلك فالأدباء لا يفتئون يرددون -هم ومريدوهم- أن الأدب يعكس الواقع، ويغير الواقع، ويخلق واقعاً جديداً ... إلخ مما تزخر به كتابات أهل الأدب بغض النظر عن حظها من الصدق أو الكذب.
أما أنا فببساطة "قارئ"، أقرأ ما تميل إليه نفسي، وأقرأ ما يعجبني وما لا يعجبني، وأقرأ ما يهم وما لايهم، ولو علمت بعدم أهميته قبل القراءة ما أضعت وقتي فيه. وأقرأ المؤلفات الشائكة المثيرة للجدل من باب العلم بالشيء.
والرواية التي بين أيدينا اليوم -الإرهابي لجون أبدايك- ينبع رأيي فيها من أمور أرى أنها ذات أهمية بالنسبة للقارئ المسلم، والمثقف العربي، وهواة الرواية، ومتابعي السياسة، بل ودارسي العلوم الاجتماعية وغيرهم.
يتناول أبدايك في روايته "الإرهابي" ما هو معتاد عليه في رواياته السابقة أي الموضوعات المتعلقة بالجنس والموت والدين والحياة بالمدارس الثانوية، بل ومدينة باترسون نفسها التي ظهرت ظهوراً واضحاً في روايته "In the Beauty of the Lilies". فيحتل الجنس وإيحاءته منذ البداية موقعاً كبيراً، أما الدين فينبغي علينا أن نعرف شيئاً مهماً عن أبدايك نفسه حين جاءته فكرة الرواية. فأبدايك ممن يعانون من "الخوف من الأنفاق"، إذ ترعبه فكرة أن يكون في نفق ثم ينفجر النفق وهو داخله ويموت غرقاً نتيجة اندفاع الماء. ومن هنا كانت فكرة أن يقوم أحمد مولوي عشماوي بطل روايته بمحاولة تفجير نفق لنكولن. هذه واحدة.
أما الثانية فهي أن بطل الرواية في البداية كان مراهقاً نصرانياً، وهو ما يعد امتداداً لشخصية المراهق المضطرب الذي ظهر في قصة قديمة لأبدايك هي "Pigeon Feathers"، وفي تلك القصة نرى كيف خدع رجالُ الدين ذاك الشاب المراهق عن نفسه، وخانوا الثقة التي أولاهم إياها.
وقد تخيل أبدايك بطل قصته "الإرهابي" من هذا المنطلق، وأنه شاب يرى كل من حوله شيطاناً مريداً يجاهد جهاد المستميت لتحويله عن دينه، والحيلولة بينه وبين ما يعتقده. وقد أوضح أبدايك أن هذه هي النظرة التي يعتقد أن أغلب العرب ينظرونها إلى عالم القرن الحادي والعشرين. فهذا الإرهابي لا يختلف كثيراً عمن يعيشون في العالم العربي، بل هو واحد منهم حتى وإن كان يعيش في أمريكا، وأمه من أصل غربي. فأحمد مولوي عشماوي ليس عربياً -وإن كان أبوه مصرياً- فقد ولد وعاش في أمريكا، وتركه أبوه وهو في الثالثة. بمعنى أن التأثير العربي غير موجود، بل ليس من أطراف المعادلة على الإطلاق. فهو أمريكي أكثر منه عربي. أما عقيدته فهي الإسلام. وهي عقيدة لم يبثها أبوه في نفسه، ولم تفعل أمه ذلك أيضاً. بل إن التأثير الأوضح هو تأثير الشيخ رشيد من الناحية العقدية، وفهم أحمد الخاص لهذه العقيدة. وهذا هو الواضح في الرواية. ولكن أبدايك يأبى إلا أن يغمض عينيه عن حقيقة أن العروبة ليست ديانة، وأن الإسلام ليس جنسية. فيخلط بين كون أحمد عشماوي مسلماً، وبين العرب. وهو بهذا إنما يلعب على وتر الخلط المغروس في رؤوس العامة في الغرب وهو أن العرب والمسلمين والإسلام شيء واحد. وإن لم يكن هذا هو الحال فسيجد القارئ عسراً شديداً في فهم سبب إشارة الرواية إلى كون بطلها مسلماً، وليس مجرد شاب أمريكي مراهق مضطرب، نصراني أو غير نصراني؟
وحين يعلق أبدايك عن تغيير رأيه وجعل بطل روايته مسلماً بعد أن كان نصرانياً يقول لنا إن هذه النظرة هي النظرة التي ينظرها العرب للعالم في القرن الحادي والعشرين؟ فأبدايك يرسَّخ-عن جهل واضح أو عن قصد خبيث- لهذه الفكرة وهي عدم التفرقة بين العنصر أو العرق والعقيدة، فكل عربي مسلم، وكل مسلم عربي، حتى وإن كان هذا من الأوهام الباطلة. وإن كان للمرء أن يحسن الظن بأبدايك لمكانته في حقل الرواية الغربية (إن كان لهذا أي معنى أو قيمة)، وأن ينفي عنه هذا الجهل الواضح، فإن الخيار الباقي هو أنه فعل ذلك عن قصد خبيث. فهذا خياران أحلاهما مر. ولكن القصد يتسق مع حلقات "المؤامرة" الغربية المعادية للإسلام والمسلمين والساعية إلى تشويه صورة المسلمين والعرب. ولمن ينفون المؤامرة أقول ببساطة حين يكون المعتدي هو نفس المعتدي، وحين تكون الضحية هي نفس الضحية، وحين يكون الهدف هو نفس الهدف، ولقرون عديدة، فمن السخف القول بغير ذلك.
وعلاوة على هذا فإن أبدايك عندما غيّر ديانة بطله برر ذلك بقوله إنه أراد أن يقول أشياء من وجهة نظر شخص إرهابي. فها نحن نرى أن أبدايك لم يكن ينظر إلى بطله على أنه مسلم أول الأمر، ثم حين أدخل الإرهاب في الموضوع رأى أن يُلبس بطله عباءة الإسلام حتى تتناسب صورته مع موضوع روايته. وما هذا إلا للاعتقاد العام السائد بين الجهلة في الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً الذين ينظرون إلى الإرهابي نفس النظرة. فما دام مسلماً، وما دام عربياً، فهو إرهابي إلى أن يثبت العكس. وليس العكس بثابت بعد أن تغيرت جميع مفاهيم العدالة الغربية -إن كان لها وجود في الأصل- ليس نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل نتيجة التطور الطبيعي للأحداث، ولمتطلبات الصراع بين الإسلام والعرب وأعدائهم الطبيعيين. فمن متطلبات المرحلة أن يُظهر أعداء الإسلام براثنهم، ويجيشوا جيوشهم المادية والإعلامية والمعنوية في وجه الصحوة الإسلامية التي بدأ العالم الإسلامي يشهدها منذ عدة سنوات، ومن أهم معالمها ظاهرة الحجاب، والانتفاضة، وهزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ثم تفككه وانهيار الشيوعية، وظهور جماعات ترفض الانحناء أمام الغطرسة الأمريكية في العالم الإسلامي وتتخذ من القوة وسيلة للرد على العدوان الغربي بزعامة الولايات المتحدة، وظهور شخصيات غربية تندد بمعايير الغرب المزدوجة عند التعامل مع العرب والمسلمين من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى ومن أشهرهم نوام تشومسكي وجورج غالواي والعشرات غيرهم ممن خلعوا عن أنفسهم ربقة الاستسلام لطغيان حكوماتهم، ورفعوا عن أعينهم تلك الغشاوة التي لا تزال تعمي عيون العامة. وغير هذه المظاهر هناك الكثير والكثير.
ولو لم يكن أبدايك من الإمعات لما سار على هذا النهج، ولكان ترك الحرية لشخصية بطله تتطور من نفسها -على حد زعم أهل الأدب والرواية. ولكن أبدايك يلعب على هذا الوتر. وفي رأيي أن السبب هو أنه أراد وضع قدم له في هذا الموضوع. فما دام موضوع الساعة هو الإرهاب والمسلمين، فلأحولنّ بطلي إلى الإسلام، وليكونن إرهابياً؛ لأنه إن لم يكن كذلك فسيتردد كبار الناشرين في نشر كتابه، ولن يجني هو ولا ناشروه الملايين من بيع نسخ الرواية. فقراء الرواية ليسوا من أهل التخصص، بل أغلبيتهم الغالبة من العامة المغيبين فكرياً، ويمثلون سوقاً كبيرة لرواج هذا النوع من الفكر. واللوبي اليهودي يسيطر على سوق النشر في الغرب، وأبدايك ذي الخمسة وسبعين خريفاً (فقد ولد في شيلينجتون ببنسلڤانيا سنة 1932م) لا يريد أن يغضب أسياده. أما المسلمون فالكل يقول بإرهابيتهم فليس هناك ما يخسره أبدايك بترويجه لفكرة مقبولة. أما المعارضون فسيكون في مواجهتهم جيش جرار من المتصدين لهم بدعوى حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الأدب أو قلَّتِه، هذا فضلاً عن دعاوى الوطنية، والوقوف بجانب أصحاب القرار الأمريكي، والتصدي للإرهاب، والتوعية الفكرية ........ إلخ مما يضحكون به على الذقون، وأصحاب الذقون. المسألة محسوبة ومحلولة ومحسومة. فليكن البطل مسلماً، وليكن إرهابياً، وليكن مختلاً بسبب عقيدته، وليكن فقيراً. وهذه النقطة الأخيرة ستكون محل تعليق فيما بعد. [/align]
ويبحث عشاق الرواية عما يشبعون به نهمهم في الاطلاع على أعمال كُتاب يختلفون عن بعضهم بعضاً في أساليبهم اللغوية، وطرقهم السردية، ومعالجتهم لموضوع رواياتهم. وكل واحد منهم يبحث عن شيء معين، ومن لا يبحث عن شيء بذاته يترك نفسه يسبح مع ذلك التيار الذي صاغته يد المؤلف وعقله وقلبه وخياله.
ويهتم الروائي بقراءة أعمال غيره لأنه -وهذا أضعف الإيمان- يعمل في نفس المجال، فتملي عليه المهنة ما تمليه أي مهنة أخرى على صاحبها من الدراية بما يدور في مجال عمله، وبالنزعات الجديدة والميول الحديثة ... إلخ. وفوق ذلك فالأدباء لا يفتئون يرددون -هم ومريدوهم- أن الأدب يعكس الواقع، ويغير الواقع، ويخلق واقعاً جديداً ... إلخ مما تزخر به كتابات أهل الأدب بغض النظر عن حظها من الصدق أو الكذب.
أما أنا فببساطة "قارئ"، أقرأ ما تميل إليه نفسي، وأقرأ ما يعجبني وما لا يعجبني، وأقرأ ما يهم وما لايهم، ولو علمت بعدم أهميته قبل القراءة ما أضعت وقتي فيه. وأقرأ المؤلفات الشائكة المثيرة للجدل من باب العلم بالشيء.
والرواية التي بين أيدينا اليوم -الإرهابي لجون أبدايك- ينبع رأيي فيها من أمور أرى أنها ذات أهمية بالنسبة للقارئ المسلم، والمثقف العربي، وهواة الرواية، ومتابعي السياسة، بل ودارسي العلوم الاجتماعية وغيرهم.
يتناول أبدايك في روايته "الإرهابي" ما هو معتاد عليه في رواياته السابقة أي الموضوعات المتعلقة بالجنس والموت والدين والحياة بالمدارس الثانوية، بل ومدينة باترسون نفسها التي ظهرت ظهوراً واضحاً في روايته "In the Beauty of the Lilies". فيحتل الجنس وإيحاءته منذ البداية موقعاً كبيراً، أما الدين فينبغي علينا أن نعرف شيئاً مهماً عن أبدايك نفسه حين جاءته فكرة الرواية. فأبدايك ممن يعانون من "الخوف من الأنفاق"، إذ ترعبه فكرة أن يكون في نفق ثم ينفجر النفق وهو داخله ويموت غرقاً نتيجة اندفاع الماء. ومن هنا كانت فكرة أن يقوم أحمد مولوي عشماوي بطل روايته بمحاولة تفجير نفق لنكولن. هذه واحدة.
أما الثانية فهي أن بطل الرواية في البداية كان مراهقاً نصرانياً، وهو ما يعد امتداداً لشخصية المراهق المضطرب الذي ظهر في قصة قديمة لأبدايك هي "Pigeon Feathers"، وفي تلك القصة نرى كيف خدع رجالُ الدين ذاك الشاب المراهق عن نفسه، وخانوا الثقة التي أولاهم إياها.
وقد تخيل أبدايك بطل قصته "الإرهابي" من هذا المنطلق، وأنه شاب يرى كل من حوله شيطاناً مريداً يجاهد جهاد المستميت لتحويله عن دينه، والحيلولة بينه وبين ما يعتقده. وقد أوضح أبدايك أن هذه هي النظرة التي يعتقد أن أغلب العرب ينظرونها إلى عالم القرن الحادي والعشرين. فهذا الإرهابي لا يختلف كثيراً عمن يعيشون في العالم العربي، بل هو واحد منهم حتى وإن كان يعيش في أمريكا، وأمه من أصل غربي. فأحمد مولوي عشماوي ليس عربياً -وإن كان أبوه مصرياً- فقد ولد وعاش في أمريكا، وتركه أبوه وهو في الثالثة. بمعنى أن التأثير العربي غير موجود، بل ليس من أطراف المعادلة على الإطلاق. فهو أمريكي أكثر منه عربي. أما عقيدته فهي الإسلام. وهي عقيدة لم يبثها أبوه في نفسه، ولم تفعل أمه ذلك أيضاً. بل إن التأثير الأوضح هو تأثير الشيخ رشيد من الناحية العقدية، وفهم أحمد الخاص لهذه العقيدة. وهذا هو الواضح في الرواية. ولكن أبدايك يأبى إلا أن يغمض عينيه عن حقيقة أن العروبة ليست ديانة، وأن الإسلام ليس جنسية. فيخلط بين كون أحمد عشماوي مسلماً، وبين العرب. وهو بهذا إنما يلعب على وتر الخلط المغروس في رؤوس العامة في الغرب وهو أن العرب والمسلمين والإسلام شيء واحد. وإن لم يكن هذا هو الحال فسيجد القارئ عسراً شديداً في فهم سبب إشارة الرواية إلى كون بطلها مسلماً، وليس مجرد شاب أمريكي مراهق مضطرب، نصراني أو غير نصراني؟
وحين يعلق أبدايك عن تغيير رأيه وجعل بطل روايته مسلماً بعد أن كان نصرانياً يقول لنا إن هذه النظرة هي النظرة التي ينظرها العرب للعالم في القرن الحادي والعشرين؟ فأبدايك يرسَّخ-عن جهل واضح أو عن قصد خبيث- لهذه الفكرة وهي عدم التفرقة بين العنصر أو العرق والعقيدة، فكل عربي مسلم، وكل مسلم عربي، حتى وإن كان هذا من الأوهام الباطلة. وإن كان للمرء أن يحسن الظن بأبدايك لمكانته في حقل الرواية الغربية (إن كان لهذا أي معنى أو قيمة)، وأن ينفي عنه هذا الجهل الواضح، فإن الخيار الباقي هو أنه فعل ذلك عن قصد خبيث. فهذا خياران أحلاهما مر. ولكن القصد يتسق مع حلقات "المؤامرة" الغربية المعادية للإسلام والمسلمين والساعية إلى تشويه صورة المسلمين والعرب. ولمن ينفون المؤامرة أقول ببساطة حين يكون المعتدي هو نفس المعتدي، وحين تكون الضحية هي نفس الضحية، وحين يكون الهدف هو نفس الهدف، ولقرون عديدة، فمن السخف القول بغير ذلك.
وعلاوة على هذا فإن أبدايك عندما غيّر ديانة بطله برر ذلك بقوله إنه أراد أن يقول أشياء من وجهة نظر شخص إرهابي. فها نحن نرى أن أبدايك لم يكن ينظر إلى بطله على أنه مسلم أول الأمر، ثم حين أدخل الإرهاب في الموضوع رأى أن يُلبس بطله عباءة الإسلام حتى تتناسب صورته مع موضوع روايته. وما هذا إلا للاعتقاد العام السائد بين الجهلة في الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً الذين ينظرون إلى الإرهابي نفس النظرة. فما دام مسلماً، وما دام عربياً، فهو إرهابي إلى أن يثبت العكس. وليس العكس بثابت بعد أن تغيرت جميع مفاهيم العدالة الغربية -إن كان لها وجود في الأصل- ليس نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل نتيجة التطور الطبيعي للأحداث، ولمتطلبات الصراع بين الإسلام والعرب وأعدائهم الطبيعيين. فمن متطلبات المرحلة أن يُظهر أعداء الإسلام براثنهم، ويجيشوا جيوشهم المادية والإعلامية والمعنوية في وجه الصحوة الإسلامية التي بدأ العالم الإسلامي يشهدها منذ عدة سنوات، ومن أهم معالمها ظاهرة الحجاب، والانتفاضة، وهزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ثم تفككه وانهيار الشيوعية، وظهور جماعات ترفض الانحناء أمام الغطرسة الأمريكية في العالم الإسلامي وتتخذ من القوة وسيلة للرد على العدوان الغربي بزعامة الولايات المتحدة، وظهور شخصيات غربية تندد بمعايير الغرب المزدوجة عند التعامل مع العرب والمسلمين من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى ومن أشهرهم نوام تشومسكي وجورج غالواي والعشرات غيرهم ممن خلعوا عن أنفسهم ربقة الاستسلام لطغيان حكوماتهم، ورفعوا عن أعينهم تلك الغشاوة التي لا تزال تعمي عيون العامة. وغير هذه المظاهر هناك الكثير والكثير.
ولو لم يكن أبدايك من الإمعات لما سار على هذا النهج، ولكان ترك الحرية لشخصية بطله تتطور من نفسها -على حد زعم أهل الأدب والرواية. ولكن أبدايك يلعب على هذا الوتر. وفي رأيي أن السبب هو أنه أراد وضع قدم له في هذا الموضوع. فما دام موضوع الساعة هو الإرهاب والمسلمين، فلأحولنّ بطلي إلى الإسلام، وليكونن إرهابياً؛ لأنه إن لم يكن كذلك فسيتردد كبار الناشرين في نشر كتابه، ولن يجني هو ولا ناشروه الملايين من بيع نسخ الرواية. فقراء الرواية ليسوا من أهل التخصص، بل أغلبيتهم الغالبة من العامة المغيبين فكرياً، ويمثلون سوقاً كبيرة لرواج هذا النوع من الفكر. واللوبي اليهودي يسيطر على سوق النشر في الغرب، وأبدايك ذي الخمسة وسبعين خريفاً (فقد ولد في شيلينجتون ببنسلڤانيا سنة 1932م) لا يريد أن يغضب أسياده. أما المسلمون فالكل يقول بإرهابيتهم فليس هناك ما يخسره أبدايك بترويجه لفكرة مقبولة. أما المعارضون فسيكون في مواجهتهم جيش جرار من المتصدين لهم بدعوى حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الأدب أو قلَّتِه، هذا فضلاً عن دعاوى الوطنية، والوقوف بجانب أصحاب القرار الأمريكي، والتصدي للإرهاب، والتوعية الفكرية ........ إلخ مما يضحكون به على الذقون، وأصحاب الذقون. المسألة محسوبة ومحلولة ومحسومة. فليكن البطل مسلماً، وليكن إرهابياً، وليكن مختلاً بسبب عقيدته، وليكن فقيراً. وهذه النقطة الأخيرة ستكون محل تعليق فيما بعد. [/align]
تعليق