[align=center]هكذا نحن

[frame="9 50"]مسرحية
عن مجموعة الكاتب الكبير الراحل
توفيق زياد
حال الدنيا[/frame]
يعقوب احمد يعقوب
مقدمة
هذه المسرحية هي محاولة لصياغة قصتين من قصص الكاتب الراحل توفيق زياد.. باسلوب مسرحي..
وهما.. قصة عباس الصياد وديك الحجل “الفصل الاول”
وقصة هكذا نحن “الفصل الثاني” من مجموعة حال الدنيا
ومن اجل الربط الزمني بين القصتين..
ارتأيت ان اجعل زمن القصة الاولى.. هو اواخر العهد التركي..
وزمن القصة الثاني.. هو بدء عهد الانتداب البريطاني..
والمتغير الأخر الذي ارتأيت ان ادخله من اجل الربط الدرامي
هو جعل شخصية عباس الصياد تمتد لتكون هي ذاتها شخصية بشير الحيفاوي..
وذلك لاقتراب الخطوط العريضة لمكونات الشخصين..
اما التغير الثالث فهو خلق شخصية فرحان الاعرج..
شخصية الجاسوس التقليدي الذي لا يتورع ان يكون خادماً لكل سيد
بِغية خلق صراع من تلك الصراعات التقليدية الخالدة بين الشر والخير..
ولان حال الدنيا.. هو حال الدنيا
رغم تلك الاختلافات الطفيفة في الزمان والمكان والوجوه..
فان ما دار بالامس.. هو ما قد يدور اليوم.. وما قد يدور بعد غد..
ووجه الغربة ان وجد.. فالغريب هو
وكما قال ابو الميناء بشير الحيفاوي
هكذا نحن يا سيدي
في العهد الماضي مركوبون ..
وفي عهدكم مركوبون..
يعقوب احمد يعقوب
الفصل الاول:
المشهد الاول
المكان.. حي فقير.. شارع ترابي بسيط..
يكتظ بالقاذورات والحفر الصغيرة والاحجار..
عن جانبيه.. مداخل بيوت من الطين..
الاجواء اجواء قرية او خربة تطغى عليها امارات البؤس والفقر..
الزمن.. أواخر العهد التركي في هذه الديار..
اشخاص المشهد:
wفرحان الاعرج: شخص في العقد الخامس من العمر.. قصير القامة..
مكتنز البنية.. تبدو عليه علامات الخبث والغدر والدهاء..
ناعم اللسان.. يتمتع بمقدرة فائقة على الدخول بين الناس..
يشمشم الاخبار وينقلها الى حيث تغدو وشاية توقع بالناس في مخالب التعذيب او السجن او القتل..
انه الجاسوس.. كما اعتاد الناس على تسميته..
wعباس: شخص في العقد الرابع.. انسان بسيط متوقد الذكاء خفيف الظل..
صياد ماهر ذائع الصيت..
wمسعود: جار عباس.. رجل سمين بليد.. تبدو عليه علامات الغدر والحيلة..
wحسن: ابن عباس.. صبي يقترب من سن الثامنة..
الفصل الاول - المشهد الاول
عباس: يجلس على عتبة بيته.. ينظف “خرطوشه” ويتمتم باغنية شعبية
“يا مُهرة خلف الجبل
خيل العيدا ما إتطالها”
حسن: صباح الخير
عباس: صباح النور..
كيف حالك اليوم؟؟
حسن: احسن من البارحة.. الحمد لله لقد تحسنتُ كثيراً
عباس: الحمد لله..
حسن: سآتي معك يا ابي
عباس: الى اين؟
حسن: الى الصيد..
عباس: إحقاً تريد ان تأتي معي؟
حسن: نعم
عباس: لقد ذهبت الى الصيد.. وعدت ايضاً..
حسن: لا انك تمزح
عباس: لا والله لا امزح..
انظر.. لقد اصطدت ديكين اليوم.. يشير الى سلة من القماش الى جانبه
حسن: يفتح السله وينظر صحيح.. ديكان من ديوك الحجل
كم اشفق عليهما..
لو لم تصطدهما يا ابي
لكانا الآن يطيران.. فوق الاشجار والصخور
هكذا.. كا كا كا.. مقلداً صوت الحجل
عباس: اتحب الحجل كثيراً يا حسن..
حسن: احبه حياً.. لا احب ان اراه ميتاً..
عباس: ولكن هذا مصدر رزقنا يا بني
والله انا مثلك ايضاً
عندما اطلق الطلقة.. واراه يسقط..
اشعر.. اشعر بان قلبي.. يسقط..
حسن: اذن لماذا لا تبحث عن عمل غير هذا العمل؟!
عباس: بحثت يا بني
بحثت كثيراً..
لم اجد
وهكذا فانا مضطر لأن افعل هذا..
نأكل من لحمه يوماً.. ويوماً نبيعه ببعض القروش..
وهكذا تبقى الحال مستورة والحمد لله..
حسن: منذ حين.. وشيخَ الكُتاب.. في كل يوم يقول لي..
يا بن عباس..
اخبر شيخ الصيادين.. يعني انت يا ابي
لقد نسيتُ طعمَ لحم الحجل مقلداً الشيخ في الكُتاب
قَل لوالدك.. ان الشيخ.. يُسلم عليه جداً جداً جداً..
عباس: نسي طعم لحم الحجل؟!
منذ ثلاثة ايام فقط.. اعطيته ثلاثة ديوك سمينة كانها ديوك بط..
حسن: انه لا يشبع..
منذ ان ندخل الكتاب.. وحتى نخرج..
واسنانه كانها الطاحونة.. لا يتوقف عن المضغ ابداً
عباس: نعم انه يعشق الاكل..
بل يموت بالطعام..
حسن: وما ان ترتفع الشمس قليلاً.. حتى يغط بنوم عميق
ويرتفع شخيره..
وبطنه تعلو وتنخفض
وعندما يتجرأ احد الاولاد.. على الضحك او الكلام
يخلع فردة حذاءِه.. ويضرب باتجاه الصوت.. ولا يُخطئ الحذاء ابداً
وعندما يسمع البكاء.. يستيقظ ضاحكاً..
انا عباس الصياد.. طلقتي لا تُخطئ ابداً
عباس: هكذا اذن.. يظن نفسه مثلي..
حسن: انه مسكين يا والدي.. يعيش مع زوجته العجوز
انها شريرة قاسية..
دائماً تصرخ بوجهه وتشتمه.. حتى امام الاولاد..
عباس: يا له من نذل..
وهل يسكت لها؟؟
حسن: انه يرتعد امامها كالعصفور المبلول من الخوف..
عباس: وامام الناس.. يتصرف وكأنه النمر
على كل حال يا بني
لا اريد منك ان تتحدث بشيء عن هذا امام الناس
سامحنا الله..
حسن: صدقت يا والدي.. اسأل الله ان يسامحني
مسعود جار عباس.. يدخل يحمل بيديه الكثير من ديوك الحجل الميته التي اصطادها وقد وضعها في سلتين لا يكاد يقوى على حملها
مسعود: صباح الخير يا ابا الحسن
عباس: صباح الخير
مسعود: ارى انك قد عدت مبكراً هذا اليوم..
عباس: نعم.. لقد اصطدت ديكين والحمد لله
مسعود: ديكين..!!؟
عباس: هل تريد ان اساعدك.. ارى ان حملك ثقيلاً..
هل اصطدت غزالاً؟؟
مسعود: غزالاً.. لا انها بعض ديوك الحجل
عباس: انا بالكاد اصطدت ديكين
وانت تحمل حملاً من الديوك.. اظنه يفوق العشرة..
هل انا شيخُ الصيادين ام انت!؟
مسعود: لا بل انت بخبث وتشفي
كلهم يشهدون بانك شيخ الصيادين دون منازع..
عباس: اذهب يا حسن.. وساعد جارنا على حمله الثقيل..
حسن يحمل مع مسعود احدى السلال ويمضيان
عباس: يبقى وحيداً
يا إلهي لا اصدق ما أرى.. مسعود
او كما يسمونه مسعود البليد.. يصيد اكثر مني..
انا عباس شيخ الصيادين..
انا بالكاد اصطدت ديكين من الحجل..
وهو لا يكاد يقوى ان يحمل ما اصطاد..
لا اصدق ما أرى.. وكيف تريدون مني ان اصدق!!؟
وأنا أمهر صياد بالناحية.. طلقتي لا تخطئ ابداً..
ليس هناك من بامكانه ان يُصَوِبَ مثلي..
انا عباس.. مضرب المثل..
أصيب الهدفَ ساكناً كان او متحركاً
والله ان سألتم اي طفل في هذا البلد
من امهر صياد في هذا البلد؟؟ لقال عباس
ولكن ما يحيرني.. هو جاري..
في آخر مسابقات الرِماية.. بالكاد وصل الى المكان التاسع
المكان الاول هو دائماً لعباس الصياد لي انا
كلهم يعرفون ذلك..
ولكن ما الفائدة.. اذا كنت امهر الصيادين
وهو يصيد اضعاف ما اصيده
لا بد.. لا بد ان اعرف ما هو السر
هذا عيب وليس من صفاتي الغيرة..
ولكن هذا الامر بات يشغلني..
بالامس وقبل اسبوع حدثني بعض الصيادين
انهم رآوه يعود مع حملٍ من ديوك الحجل..
لقد اصطاد بقدر ما اصطادوا جميعاً
لا بد ان اعرف.. نعم لا بد ان اعرف
حسن: عائداً وقد ساعد مسعود لتوصيل الحِمل الى بيته..
يحمل شيئاً في يده..
يا إلهي.. لم ارى بحياتي هذا العدد من طيور الحجل الميتة..
لقد اصطاد مسعود ستة عشر ديكاً
عباس: ماذا.. ستة عشر!؟
حسن: وقد اعطاني اثنين
عباس: يا إلهي.. ستة عشر..
لا بد انه يضع السُمَ لطيور الحجل
اذهب يا حسن واعدهما له
تلك طيور مسمومه..
حسن: لا يا ابي..
لقد نظرت الى الطيور
كانت كلها قد اصيبت بطلقات الجفت
كلها كانت مجروحة.. في اجنحتها..
عباس: لا اصدق..
لا اصدق..
حسن: هل اعيدهما يا ابي
عباس: بل اذهب وقدمهما هدية لشيخ الكتاب..
حسن: هل اقول له انك اصطدتها.. ام اقول له انها من جارنا مسعود
عباس: كفى يا حسن..
كفى لا تجعلني اغضب.. كفى
اذهب واعطهما لشيخ الكتاب..
حسن: حسناً انا ذاهب.. سيفرح الشيخ كثيراُ.. وسيحبني اكثر
عباس: يبقى وحيداً يفكر بالامر الذي استحوذ عليه
يا إلهي.. ظننت انه يضع السمَ للطيور
ولكن لا.. انه يصطادها..
اذن هو امهر مني.. عليَّ ان اعترف..
لا لن اعترف بهذه السهولة.. فانا عباس.. شيخ الصيادين..
هذا اسم صنعته بجدارة ومهارة طيلة سنين طويلة..
لن اتنازل عنه بهذه السهولة..
سأترقبه.. نعم صباح الغد سأترقبه وأرى ما الذي يفعله
ليصطاد هذا العدد الكبير من طيور الحجل
لا.. لا هذا عيب.. هذا عيب وليس من صفاتي..
بل سأسأله.. نعم سأسأله..
ولكن انا على يقين بأنه لن يجيب.. جاري وانا اعرفه
انساناً منغلقاً على نفسه لا يزور ولا يُزار
لا يهمني يجب ان اعرف.. انا افقد اسمي وسمعتي..
ثم ان هو استمر على هذا المنوال..
بعد سنة او سنتين لن يبقى طائر حجل على هذه الجبال..
وستكون كارثة..
وطيور الحجل كما تعرفون.. هي اجمل الطيور واشهاها..
لا اتخيل.. كيف تكون الجبال والوعور والغابات بلا طيور الحجل..
مسعود يمر من امام عباس الذي ما زال جالساً امام عتبة بيته مشغولاً يفكر بالامر الذي استحوذ على نفسه وبات شغله الشاغل
مسعود: اما زلت جالساً يا ابا الحسن؟؟
عباس: نعم.. اريد ان اسألك بعض الاسئلة
مسعود: تسألني.. عن ماذا..!؟
عباس: اخبرني من امهر صياد في الناحية!؟
مسعود: انت يا عباس
انت كلهم يشهدون بأنك شيخ الصيادين وامهرهم
عباس: ومن بامكانه ان يُصَوِب مثلي؟
مسعود: لا احد.. ان طلقتك لا تخطئ ابداً..
عباس: اذن قل لي
كيف تعود انت بعدد من الحجل اكثر بكثير.. بكثير جداً
من الذي اعود به انا!؟
مسعود: يضحك بضحكة تشبه فحيح الافهى.. واما عيناه فلمعتا بخبث ودهاء
هل تغار مني يا ابا الحسن؟؟
عباس: لا والله.. لا اغار
لكنه امر يقلقني..
ان كنت قد اصبحت أمهر مني عليَّ ان اعترف امام الناس بذلك..
فتصبح انت مسعود شيخ الصيادين..
ولكن علي ان اعرف.. لا بد انك تخفي سراً في الامر
مسعود: اي سر..؟؟
عباس: هذا ما اريد ان اعرفه
مسعود: الامر واضح
عباس: كيف؟؟
مسعود: انت صياد ماهر نعم.. ولكن انا صياد شاطر..
عباس: اذن اريد ان اعرف ما هي شطارتك.. وبعدها سأقف امام الناس
وامام كل الصيادين
واعلن ايها الناس.. انا اشهد ان مسعود شيخ الصيادين
وسأعتزل الصيد الذي احبه كأولادي الى الابد..
مسعود: لا تكبر المسأله.. وقد شعر بغرور وفرحة بهذا الموقف
عباس: بل هي كبيرة..
مسعود: اذن رافقني صباح الغد الى الصيد.. وستعرف
عباس: وانا انتظرك على أحر من الجمر
ستار
الفصل الاول
المشهد الثاني
عباس ومسعود يقفان في منطقة ما.. خلف حاجز صخري..
كل منهما يحمل بندقيته.. ومسعود يحمل كيساً من القماش “مخلاة”
بداخلها شيء ما..
عباس: انظر.. انظر الى هناك
ارى ديكين من الحجل..
مسعود: لا تتسرع.. لدينا الكثير من الوقت.. لا تطلق اي طلقة..
اريد لاكثر عدد من الديوك ان تقترب..
سنصطاد بسهولة.. بسهولة كبيرة..
عباس: تعال نمضي الى مكان اعلى..
مسعود: قلت لك كن صبوراً ولا تتسرع..
لن نذهب اليهم
هم سيأتون الينا
لن نصطاد حسب طريقتك التقليدية الفاشلة
بل سنصطاد حسب طريقتي الجديدة المبتكرة
عباس: وهل هناك طريقة غير التي نعرفها..
مسعود: انتظر وسترى..
سنجلب الطيور الينا كما يجذب المغناطيس قِطع الحديد
سيأتون الينا مسرعين.. وسنحصدهم حصداً..
مسعود يُخرج من المخلاةِ ديكَ حجل سمين جداً..
انظر يا عباس
عباس: يا إلهي من اين جئت بهذا..
مسعود: هذا هو السر..
عباس: السر.. لم ارَ بحياتي ديك حجل سمين كهذا..
مسعود: ولكن من اين جئت به ولماذا احضرته معك؟؟
مسعود: انتظر وستفهم
امسك مسعود بديك الحجل من قدميه وراح يحركه في الهواء..
وكأنه يدعوه ان يفعل شيئاً ..
وبعد زمن ليس بالطويل استجاب الديك وراح يخفق بجناحيه..ويُصَوِت
كان يفعل ذلك بصعوبة لشدة سمنته..
وفجأة بدأت تُسمع اصوات طيور الحجل تقترب من المكان..
ثم اخذت تقترب من الصيادين
وديك الحجل الاليف ما زال يخفق بجناحيه ويصوت باقصى ما يستطيع
عباس: يا إلهي لا اصدق ما أرى
مسعود: انت لا تُطلق أية رصاصة
انا سأصطاد لي ولك..
ما عليك انت إلا ان تركض وتلتقط ما سأُسقطه
عباس: انا.. سأركض والتقط!؟
انها مهنة الكلاب
مسعود: ارجوك يا عباس.. لا تُفسد علينا صيدنا..
عباس: وقد إستحوذ الغضب عليه بشكل كبير..
لا اصدق ما ارى..
مسعود: يصوب ويطلق النار
هذه واحدة..
وهذه ثانية..
وهذه ثالثة
عباس: كفى.. كفى هكذا ستقتلهم جميعاً
عباس لم يطلق اي رصاصة.. كان لا زال ينظر الى ديك الحجل الاليف.. السمين حقاً والجميل حقاً الذي يرفرف ويصوت..
فتأتي طيور الحجل الى موتها المؤكد..
مسعود: وهذه رابعة
وهذه خامسة
وهذه سادسة..
عباس: يا إلهي لا اصدق..
هكذا وعلى هذا المنوال.. ستموت طيور الحجل كلها
وستخلوا الجبال والوعور والغابات منها.. بوقت قصير
مسعود: والآن يا عباس.. هل فهمت؟؟
هل عرفت لماذا اعود بصيد وافر كل يوم..
اصيد باليوم ما تصيده انت بشهر.. يا شيخ الصيادين
عباس: ولكن ما قصة هذا الديك السمين الغريب
مسعود: اسمع يا صديقي
هذا الديك.. لم امسك به فرخاً..
مرةً كنت في الصيد واطلقت النار عليه.. فسقط
لم يكن قد أُصيب برصاصتي.. لكنه سقط.. سقط خوفاً
ووفرت عليه حياته.. لاني توسمت به خيراً
وكما ترى لم يخب ظني
وضحك ضحكته التي تشبه فحيح الافعى واكمل قائلاً
لقد علفته كثيراً.. كثيراً جداً
حتى اصبح سميناً سميناً جداً
وصار عاجزاً عن الطيران.. وصرت عندما اذهب الى الصيد آخذه معي
انها خطة مدروسة..
لا احتاج للبحث عن طيور الحجل.. هو يستدعيها
على صوته تبدأ الطيور بالاقتراب
وتكون بندقيتي لها بالمرصاد..
هكذا بكل سهولة.. هو يستدرجهم وانا اصطادهم
انه شريكِ وفيٌ امين
عباس: وفيٌ امين
هذه طرقة غير شريفة
مسعود: وماذا يهم.. المهم ان اعود بصيد وافر
عباس: لا.. قلت لك انها طريقة غير شريفة
ابعد الديك عنك يا مسعود.. ضعه على الارض
وقد صوب بندقيته باتجاه مسعود
مسعود: ماذا تريد
هل جننت؟
عباس: وبحركة لا شعورية ادار ماسورة بندقيته نحو الديك
وضغط على الزناد ضغطة شُحنت بكل الاشمئزاز الذي في الدنيا
كان يجب ان يموت
عباس وقد اسقط الديك ميتاً على الارض بطلقة من بندقيته
هذا خائن وجاسوس
يدوس بحذائه فوق الديك الميت
نعم انه خائن وجاسوس
يتجسس على ابناء جنسه.. ويستدرجهم للموت
انه لا يستحق الحياة..
انه لا يستحق الحياة..
فرحان الاعرج: داخلاً ويبدو انه كان هو الآخر يراقب ما حدث ويسترق السمع
لهذا الحوار السياسي الذي دار بين عباس ومسعود
لقد سمعت اشياءً تقشعر لها الابدان
من قتلتم
واين دفنتموه
عباس: ينظر اليه بنظرة ملؤها الاشمئزاز
الن تكف عن هذه العادات المقرفة..
متى ستكف عن التجسس والتصنت على الناس
يصوب البندقية باتجاه فرحان الاعرج
مسعود: عباس اياك..
ستُخرب بيوتنا
دعه..
فرحان الاعرج: اتشهد يا مسعود انه يهددني
مسعود: لا ان عباس يمزح
فرحان الاعرج: اي مزح هذا؟
انه يصوب البندقية باتجاهي
لم يبقى إلا ان يضغط على الزناد..
عباس: قلت لك انصرف من هنا..
لقد سبق وقتلت واحداً مثلك
فرحان الاعرج: يهرول مسرعاً
هذه الليلة ستكون ليلتك يا عباس
سأخبر شيخ الدرك
ستتمنى لو كانت امك لم تلدك..
عباس: من اين جاء هذا المخلوق..
لو كنت اثق بك يا مسعود
لكنت قتلته..
ولكنت خلصت كل الناس من شَرِه
مسعود: لا.. انك مُتهوِر
لقد قلبت هذا اليوم غماً وبلاءً
ولا نعرف ما ستكون النهاية
عباس: بل انتم من قلبتم حياتنا هماً وبلاءً
وجعلتم عيشتنا مُرَّة كالعلقم.. بل كالسُم
لم اعد اطيق
مسعود: انا لا يهمني الامر
لا يعنيني اي شيء.. انا اريد ان احيا اريد ان اعيش
عباس: يعود ويدوس فوق ديك الحجل الميت
لا بد ان يصبح كل هذا
غير ما هو عليه
ستار
الفصل الثاني
شخصيات الفصل الثاني
wبشير الحيفاوي: هي ذاتها شخصية عباس الصياد الذي انتحل اسم بشير الحيفاوي بعد هربه من السلطات التركية ورحل الى حيفا من قريته الصغيرة..
واشتغل حمالاً بالميناء.. حتى صار ابو المينا
w سعيد: احد الحمالين في الميناء.. صديق مخلص لابي المينا بشير الحيفاوي..
مواطن طيب القلب.. بسيط كعامة الناس..
w منصور: صبي يقترب من العاشرة..
واحد من الصبيه الذين بدأوا حياة الشقاء مبكرين..
يعمل على خدمة عمال الميناء لكسب لقمة عيشه..
فرحان الاعرج: هو فرحان الاعرج من شخصيات الفصل الاول..
بعد ما كان في الفصل الاول..
لم يكن من الصعب على فرحان الاعرج.. ان يقلب حياة عباس رأساً على عقب.. في تلك الليلة كان رجال الدرك التركي يحاصرون بيت عباس الصغير..
ويشعلونه على كل ما به بالنار..
إلا ان عباس الذي كان مدركاً لتلك العاقبة..
كان قد فر مع زوجته وابنه.. من تلك القرية الصغيرة.. متخفياً..
ومرت الايام والشهور والسنين..
وفي حزيران سنة 1917 تولى القيادة العامة للقوات البريطانية
السير ادموند أللنبي
وكانت احوال الجيش التركي تسير من سيئ الى اسوأ..
وفي فلسطين عمت الفوضى وانتشر الجوع والظلم والقهر..
وكان الاتراك يصادرون الحيوانات.. والحبوب.. وينهبون ويسلبون
حتى غدت احوال الناس تكتض بالخوف والذل والفوضى والفقر..
اما عباس فقبل ذلك بسنين كان قد وَصل الى حيفا
واستوطن عند بعض أقربائه..واشتغل حمالاً في الميناء..
وغيَّر اسمه فصار بشير الحيفاوي..
وفي 1918/12/9 سقطت القدس.. وانسحب الاتراك..
كانت السماء ماطرة وكان يُخيم على المدينة سحب قاتمة من الرهبة والسكون..
وفي بيان لاذاعة اللورد أللنبي على الاهلين
“الى سكان بيت المقدس واهالي القرى المجاوره..
ان انهزام الاتراك امام الجيوش التي تحت قيادتي ادى الى احتلال مدينتكم من قبل جيوشي
وفي الوقت الذي اذيع عليكم هذا النبأ
اعلن الاحكام العرفية
بشير الحيفاوي: يجلس على صندوق خشبي عند باب الميناء..
الاجواء قاتمة مكتظة بالاحباط والذل والخوف...
وبين الحين والآخر
ينقل ما يبث عبر الجهاز لصديقه سعيد الجالس الى جانبه
اسمع ما تقوله اذاعة الجنرال أللنبي
ان انهزام الاتراك امام الجيوش التي تحت قيادتي ادى الى احتلال مدينتكم
اعلن الاحكام العُرفية
وستبقى هذه الاحكام نافذة المفعول ما دامت ثمة ضرورية حربية
ولئلا ينالكم الجزع كما نالكم من الاتراك الذين انسحبوا
اريد ان اخبركم انني ارغب ان ارى كل واحد منكم قائماً بعمله
وفق القانون..
ستقسم البلاد الى ثمانية ألوية يديرها حكام عسكرين
هي لواء نابلس، جنين، طولكرم، حيفا، الناصرة، عكا، طبريا وصفد
ماذا تقول يا سعيد!؟
سعيد: من انا لاقول شيئاً..؟
بشير: أما انا فاقول.. ستصير الحال من زفت الى أزفت
سعيد: انها لعبة يلعبها الكبار.. وما نحن إلا وقود النار
بشير: هذا بالضبط حالنا..
لعن الله الاتراك.. لقد زرعوا الخوف والفساد والجهل والفقر..
سعيد: وماذا حصدوا!؟..
بشير: حصدوا الهزيمة تلو الهزيمة..
سعيد: كنت اريد ان اشعر بفرحٍ.. بفرحٍ ما لرحيل الاتراك عنا
بشير: كيف لنا ان نفرح..
وكل ما حصل.. هو تبديل ظالم بظالم..
ومحتل بمحتل..
ومصاص دماء.. بمصاص آخر..
سعيد: لماذا اراد الله لنا كل هذا.. عن دون شعوب الارض..
بشير: هل تريد مني ان اقول لك اننا نستحق كل هذا
لا والله.. فنحن كغيرنا من الناس والامم..
نستحق الحياة..
رغم ان بيننا ومن لحمنا ودمنا الكثيرون ممن لا يستحقون ذلك..
سعيد: أرى اننا بدأنا نتجه الى حيث الخطر..
بشير: دائماً كانت حياتنا كمن يسير بحقلٍ من الالغام
الكلمة قد تقودك الى حبل المشنقة
ولكن ماذا نفعل.. ماذا؟؟
هل نبقى كما الاحجار..
الاحجار وحدها لا تئن ولا تصرخ ولا تتألم..
ونحن لسنا احجاراً..
سعيد: اخفض صوتك.. ان للجدران آذان..
بشير: ليذهب الاتراك مع جواسيسهم الى الجحيم
سعيد: لقد ذهبوا..
والآن نحن مع جواسيس الانجليز
بشير: هل بهذه السرعة اصبح لهم جواسيس؟؟
سعيد: وقبل ذاك بكثير..
من يتزوج امنا.. يصبح عمنا
ألم ترى ان الكثير من الطربيش التركيه تغيرت بين يوم وليلة
إلى طرابيش انجليزيه..
بشير: خائن الامس هو خائن اليوم
والحرباء لا تصبح.. ديك حجل..
سعيد: صدقت
بشير: ياه منذ متى لم اذق طعم الحجل..
بعد ان كان غذائي المفضل والوحيد لسنين طويلة..
كاد الاتراك يعلقوني فوق حبل المشنقة حين قتلت ديك حجل خائن..
سعيد: ضاحكاً ديك حجل خائن!؟
بشير: نعم.. كان اسمي يومها عباس شيخ الصيادين..
قتلته.. كان سميناً.. سميناً جداً.. وكان جباناً.. جباناً جداً
عندما صوبت بندقيتي اليه.. كان يرتجف.. وعندما اطلقت الرصاصة..
سمعت لها دوياً مُرعباً
كانت الرصاصة تحمل كل ما بصدري من حقد وقرف..
سعيد: كانك تتحدث: بالفعل عن ديك حجل خائن..
لا أفهم يا بشير..
بشير: اقسم بالله.. ان هذا ما حصل..
وبسببه طاردوني الاتراك واحرقوا بيتي..
وتشردت طويلاً.. وغيرت اسمي من عباس لبشير
لقد وشى بيَّ فرحان الاعرج..
لا أعرف ماذا قال
لكنهم جاءوا.. وكنت قد اختبأت.. احرقوا البيت وفتشوا عني طويلاً..
ان لي ثأر كبير عند الاتراك وعند فرحان الاعرج
سعيد: فرحان الاعرج.. أظن انني سمعت بهذا الاسم من قبل
بشير: لعنه الله...
كان شغله ان يشي بالناس للدرك التركي..
وبوشاية صغيرة..
تدمر البيوت وتحرق ويعلق الناس فوق اعواد المشانق
وتسلب الاملاك وتُصادر
سعيد: لا بد وان الاتراك قد اخذوه معهم الى اسطنبول
بشير: ضاحكاً لا اظن..
ان الجيفَ لا تُحمَل.. بل تترك..
سعيد: او اظن قد تخفى.. او ربما قد صار جاسوساً يعمل لصالح الانجليز
بشير: هذا الاحتمال اقرب.. هكذا هم
سعيد: ما يقلقني يا بشير.. او يا عباس ضاحكاً
هل أناديك عباس.. او بشير؟؟
بشير: كلاهما انا..
سعيد: في الماضي كنت عباس شيخ الصيادين
واليوم بشير ابو الميناء..
انت كالسبع اينما تكون.. تكون متميزاً.. وقائِداً..
كلهم في الميناء يحبونك حباً لم يحضَ به احد غيرك..
ويثقون بك ثقة تامة
بشير: الحمد لله.. هكذا انا..
فانا لم اخن ثقة اعطيت لي
ولن اخون أمانة إئتمنت عليها.. لو قطعوا رأسي
سعيد: والله انك نعم الانسان..
ونعم الاخ والصديق..
بشير: ما يقلقني يا سعيد
ان هذه المراكب والسفن التي تملأ الميناء
لم يُطلب مِنا نحن ان ننزل ولو صندوقاً واحداً
وان بقي الامر كذلك..
ستسوء احوال الحمالين.. زيادة على ما هي عليه..
سعيد: والله لا اخفي عليك..
ان الحال قد بات لا يطاق..
لقد ترك سامي وعبد الله وفايز هذا العمل
وسمعت انهم يشتغلون “قطاريز” عند قرمان
يشتغلون (بالمونة) يأكلون ويشربون وينامون
بشير: اذا بدأنا نتفرق ونترك هذا المكان
سنفقد قوتنا كمجموعة..
سنفقد قدرتنا على المطالبة..
هذه قد تكون كارثة.. وبسرعة قد يحل العمال اليهود مكاننا
ويستولون على الميناء..
يجب ان نبقى.. انها قضية مهمة ووطنية ايضاً..
سعيد: مبتسماً هل اصبحنا نحن الحمالون جزءاً من النضال الوطني
بشير: بكل تأكيد..
لماذا تظن ان كلامي هو مجرد كلام يثير السخرية..
نحن انتقلنا من استعمار لاستعمار ومن احتلال لآخر..
في هذه الظروف يجب ان لا ننسحب.. يجب ان نصمد..
سعيد: وماذا سنعمل هنا..
انهم لا يعطوننا اي عمل
انظر الى الميناء انه يغص بالمراكب والسفن..
لم يطلب منا احد ان ننزل اي صندوق..
بشير: ان بقينا على المؤكد.. انهم سيطلبون منا ذلك..
سعيد: اظن ان كل الحمولة هي اسلحة.. ولا يريدون منا ان نقترب..
منصور: مهرولاً.. ومنصور هذا صبي يقترب من العاشرة واحد من الذين بدأوا حياة الشقاء مبكرين..
كان يهرول حافياً شبه عار
وهو يلوح بيديه وينادي.. ابو المينا.. ابو المينا
وعندما اقترب.. خفف من هرولته
وكان الصبي ما زال يلهث وينادي.. ابو المينا.. ابو المينا..
بشير: ما بك يا منصور
منصور: في واحد بسأل عنك.. ومعاه مكتوب من حكومة الانجليز
ابو المينا: مكتوب من حكومة الانجليز
فرحان الاعرج: وقد تغيرت ملامحه.. وملابسه.. الى حد كبير.. كبير جداً
اين المسؤول عن الحمالين؟؟
بشير: انا.. انا ما الأمر
فرحان الاعرج: يحدق ببشير بنظرات متفحصة..
وكذلك بشير يتفحصه من رأسه ونظراته تستقر على قدمه العرجاء..
لكنه يبقى صامتاً.. وكذلك يبقى فرحان..
كلاهما يحمل في صدره سراً..
لا يجوز ان ينفضح الآن وبهذه السرعة”
احمل رسالة من الحاكم العسكري الانجليزي
بشير: من الحاكم العسكري!؟ باستغراب
وماذا يريد مني!؟
فرحان الاعرج: نعم من الحاكم العسكري
ويريد ان يجتمع مع لجنة عمال الميناء
ومع بعض الشخصيات من كل القطاعات في حيفا
الاجتماع سيكون غداً في “القشله”
فرحان الاعرج يغادر.. وقد زاد الشك بنفسه بانه امام عباس الصياد
الذي وشى به قبل سنين للاتراك
بشير: متمتماً لنفسه
انه هو.. يا إلهي.. لا اصدق انه هو
فرحان الاعرج..
مهما حاول ان يتخفى.. ومهما حاول ان يغيَّر من ملامحه انه هو
بسيطه يا فرحان الاعرج.. جبل عا جبل ما بلتقوا
مصيرنا نتلاقى يا فرحان الكلب..
سعيد: يا عمي معلوم..
عزومه عند الحاكم العسكري.. نيالك يا ابو المينا
إللي اطعمك يطعمنا..
منصور: يا عمي ابو المينا..
مِش يمكن حدا فاسِد عليك.. اولاد الحرام كثار
خذني معك يا عمي ابو المينا
بشير: يضم منصور اليه بحنان ولا يهمك
عمك ابو المينا.. جبل ما بتهزه ريح..
منصور: ما بشيل الراس إلا اللي حطو
بدك مني اشي يا عمي يا ابو المينا؟؟..
بشير: سلامتك..
سلم على ابوك.. سلم كثير.. وقُله لا يحمل هم..
منصور: ابوي.. الله يساعده..
بشير: الله بعين يا ابني.. الله بعين..
بعدين انت صرت زلمة وسند لابوك
منصور: الله بعين..
سعيد: انا قلبي مش مرتاح من هَـ المكتوب
منصور: وأنا.. انا خايف كثير..
بكره اذا عزلوا ابو المينا.. وجابوا واحد ثاني.. ويبطلوا الحمالين
بتصير مشكله.. انا بطردوني.. وابوي ما بقدر يمشي.. ومنين بدنا نعيش؟
بشير: ما دامني طيب يا منصور لا تحمل هم..
ابوك صاحبي ورفيق عمري..
منصور: وقد سالت دموعه
انا خايف عليك.. لانك ابن حلال
بشير: اولاد الحلال كثار
منصور: يا ريت.. يا ريت يكونوا كثار
بس منين؟؟؟
سعيد: روح يا منصور خذ.. يناوله قرشاً روح اعمل كبايتن شاي..
منصور: يتناول القرش على راسي ويغادر
بشير: مِثل ما قلتلك.. مشكلة.. اذا خسرنا موقع..
بصير هوين نخسر مواقع اكثر.. لازم نصمد..
سعيد: بس شو بدو منك الحاكم العسكري..
اكيد وشاية.. اكيد
بشير: مش عارف..
سعيد: آه.. إتذكرت.. اكيد البصقة
بشير: البصقة؟؟
سعيد: البصقة فش غيرها
كل الناس عرفوا قصتها.. اكيد القصة وصلت للحاكم العسكري
بشير: لا.. البصقة..!!
وصلوها للحاكم العسكري
سعيد: انا متأكد
لما الشخص اللي جاب المكتوب إتطلع فيك..
كانت نظراتو بدها توكلك
بشير: مزبوط
سعيد: هذا الاعرج مخيف.. كان بعيونه نظرات غريبة..
وجهو كان ينقط سم..
بشير: بدي احكيلك سر.. بس خليه سر
سعيد: سر
بشير: وإلا بلاش خليني اتأكد منو
سعيد: تتأكد!؟
بشير: مع اني متأكد..
سعيد: شو السر
بشير: شفت الشخص اللي احضر الرسالة..
هذا هو فرحان الاعرج
نفس الشخص اللي حدثتك عنو.. مع قصة ديك الحجل
هو الشخص اللي وشى للاتراك ومرمرني..
سعيد: شو بتقول
بشير: مثل ما انت سامع.. انا متأكِد
سعيد: اذن.. فان الامر لا يُبشر بالخير..
أكيد انها البصقة..
لا بد انه سمع بأمر البصقة التي سرى خبرها سَريان النار في الهشيم
بشير: نعم..
كان ذلك يوم انسحب الجيش العثماني من المدينة
ودخلها الجيش الانجليزي
كنت في تلك الساعة قرب النافذة انظر الى الشارع العام
كان البحر يمتد امامي كئيباً حزيناً
والشمس كانت باردة كسيفه..
كل شيء عادي.. لا لون ولا رائحة
كان آخر طابور تركي ينسحب مهرولاً في الشارع العام
من تحت النافذة
فقط تنحنحت وبصقت على الطابور المنسحب
وبعد ساعات كنت ايضاً عند النافذة..
كنت اتفرج على اول طابور من الجيش الانجليزي المحتل
الذي يدخل المدينة وقلت “إختفو”
لم افعل شيئاً
فقط تنحنحت وبصقت على رؤوسهم وقلت “إختفو”
ومن جار الى جار
ومن فم الى اذن
انتشر الخبر في كل المدينة
وقال الناس “ما بصق ابو المينا إلا من افواهنا جميعاً”
سعيد: اذن انها البصقة..
بصقتك يا ابا المينا..
هي السر..
بشير: ولماذا نتسرع الامر..
عند الغد سنسمع ونرى..
ستار
الفصل الثالث
المكان.. غرفة الحاكم العسكري..كانت غرفة واسعة نوعاً ما
احتشد فيها بعض المدعوين على كراسيهم.. وفي صدرها طاولة
جلس خلفها الحاكم العسكري وبعض معاونيه
الاشخاص:
wالحاكم العسكري: رجل عسكري بريطاني.. يمثل الحكم الانجليزي لهذه البلاد..
w شيخ التجار: رجل متقدم بالسن.. أنيق المظهر..
يمثل برجوازية الناس في ذاك العصر الصعب
لا يتورع عن تقبيل الايدي ومدح اصحابها..
w مندوب الموظفين: رجل في العقد الخامس من عمره..
قد يكون لا يملك سوى وظيفته وتلك الملابس الانيقة التي يُخرجها ليرتديها بكل مناسبة.. كثير النفاق.. كثير الكلام.. يهيل المديح هكذا دون سبب..
الحاكم العسكري: ( يتكلم بلغة الحاء التي تصبح خاء)
خضرتنا خاكم خضرتكم نحن نرخب بخضراتكم أكبر ترخيب
ونريد خضرتنا ان نوضح لخضرتكم سياسة الخكومة الجديدة
وهي خكومة بريطانيا العظمى صديقة العرب..
ونريد ان نوضخ لكم سياسة الدوائر المختلفة مثل الخكم العسكري
والبوليس في العهد الجديد..
الذي خررَ البلاد من الاتراك اعداء العروبة واعداء خكومتنا..
لقد دعونا خضرتكم لنسمع..
شيخ التجار: انا يا سيدي شيخ تجار هذه المدينة
يسرني ويشرفني ان اقف بين ايديكم الطاهرة..
وأن ارحب بكم اجمل ترحيب..
واللهِ يا سعادة الحاكم وليس عليك اي يمين
احسن من حكمكم ما وُجد
لعنة الله على العهد السابق واصحاب العهد السابق
طول عمرنا بيننا وبين الاتراك عداوه.. نزلت في الكتب
وهل نريد يا مولاي ان يحكمنا أعدل وافضل منكم؟
لا والله..
حكمكم العسكري يَرى ولا يُرى
بوليسكم مهذب.. دوائركم خدومة
اذا طلبنا منكم شيئاً اشار الواحد الى رأسه وهو يقول سمعاً وطاعة
أمد الله بعمركم وعمر جلالته
والله ما جاء احتلال اشرف من إحتلالكم
ولا عرفت الاخلاق اخلاقاً ارفعَ من اخلاكم
وبعون الله..
سنكون لكم الخدم الطائعين
وسندعو لكم بطول البقاء الى ابد السنين
الحاكم العسكري يصفق بيديه تصفيقاً مهذباً ويهز رأسه ويرفع قبعته ابداءً لسروره واعجابه بكلام شيخ التجار
مندوب الموظفين: يقف ويسوي ملابسه التي تبدو كبيرة على حجمه الصغير
يتنحنح
سيادة الحاكم العسكري
سمو جلالته
ان بريطانيا العظمه التي عظمها الله بالعدل والقوة
ما كانت لتبسط نفوذها على العالم من مشرقه الى مغربه لو لا عدلها
ولولا ايمانها بانها حامية مصالح الشعوب..
تلك الشعوب التي تكالبت عليها اطماع الاستعمارين امثال الاتراك
..لعنهم الله.
انتم يا مولاي كالشمس تنشرون النور والدفء والامل
فنحن على يقين بان عصر الظلمة قد رحل دون رجعة
وعهد الخير والتقدم يرفرف آتياً لا محالة
كنا نعيش كالعبيد
واليوم نحن اسياد احرار
البلاد بلادكم ونحن الضيوف عندكم يا اخواننا الانجليز
باسمي وباسم الموظفين في هذا البلد
ارفع الى مقامكم العالي اسمى التحيات واعطرها
ويحضرني يا مولاي قول الشاعر.. علي بن الجهم
عيونُ المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيثُ أدري ولا أدري
اعدن لي الشوق القديم ولم اكن سلوتَ ولكن زِدنَ جمراً على جَمرِ
خليلي ما احلى الهوى وأمْرَّهُ وأعْرَفَني بالحُلوِ منهُ.. وبالمُمرِ
بما بيننا من حُرمةٍ هل علمتما أرقَ من الشكوى واقسى من الهجر
الحاكم العسكري يبدو غير متفاعل مع هذا الادب.. الذي لا يمكنه فهمه
ولم يدرك لماذا ادخله قائله بهذا المقام
إلا انه يصفق تصفيقة المهذب.. ويرفع قبعته
مندوب الموظفين: لو اراد مولاي
قرأت له القصيدة كلها.. فانا احفظها عن ظهر قلب
انها قصيدة من عيون الادب
رحم الله علي بن الجهم.. يا مولاي
فان له حكاية في منتهى الروعة.. سأسردها لكم ان شاء الله في لقاء قادم..
ان الادب العربي يا مولاي زاخر بالعواطف والرومانسية
الحاكم العسكري: شكراً خضرتكم شكراً
ان شاء الله..
يبقى الخب بيننا
وتدوم العلاقات الاخوية الطيبة..
انتم الفوج الخامس من ممثلين الشعب
الذين إلتقينا معهم اليوم..
يهمني جداً
انا اسمع رأيك..
وان تكلمنا عن مشاكل الشغيلة..
سمعت انك انت ممثل الشغيله..
وانك رئيس الخمالين في المينا
بشير: رفع رأسه الذي كان مدقوقاً في الارض
كانت على وجهه سحابة من الحزن والغضب
وفي عينيه لمعة غير عادية..
ايش اقول!؟
وقد حكت وجوه البلد ونطقوا الجواهر..
الحاكم العسكري: لا.. لازم إتقول
نخن نخب ان نسمع الجميع
وانت ممثل الشغيلة.. لازم نسمع راي الشغيلة
بشير: اذا كان ولا بد.. فسأتكلم
يا حضرة الحاكم
انا لا اعرف طق الحنك وصف الحكي
ولذلك سأقص عليك حكاية وقعت في بلدنا قبل مُدة
كان في قرية صغيرة عدد من الشباب المائع المفسود
تعرفوا على عدد من البنات ال.. مِش مزبوطات..
وكانت امهم فاسدة محنكة تُشغلهن وتستفيد من قذارة بناتها
سمع شباب من القرية المجاورة بالقصة
جاءوا لكي يستولوا على الغنيمة فيطردوا شباب البلد ليحلو مكانهم..
ودارت معركة كبيرة بين شباب بلدنا وشباب البلدة المجاورة
سال الدم.. وتكسرت الرؤوس والايدي والارجل
والبنات يصرخن وامهم تضحك
استغرب البنات هذا التصرف من امهم
لكن امهم ألقوادة ضحكت ضحكة عالية وقالت
فخار يكسر بعضو..
لا يهمكن.. من سيغلب انتو من حصة الغالب
وصمت بشير لحظة قبل ان يضيف
وهكذا نحن يا سيدي
في العهد الماضي مركوبون
وفي عهدكم الميمون مركوبون
الحاكم العسكري: يقف.. مشدوداً.. لتلك البساطة..وقسوة العبارات
بنظراته مزيج من الحيرة والاعجاب والغضب
اذن انت “ابو المينا” بشير الحيفاوي
بشير: نعم
انا بشير الحيفاوي
الحاكم العسكري: اذن خضرتكم بصقتم على خضرتنا
بشير: نعم يا سيدي
الحاكم العسكري: وكيف؟؟
كيف حدث هذا؟؟
بشير: لا شيء يا سيدي
ببساطة
رأيت الاتراك يخرجون فبصقت
ورأيت الانجليز يدخلون فبصقت
انا لا احفظ شعراً.. اتغزل به بمحتلي
ولا انثر ورداً.. على غاصب ارضي
واقول لك يا سيدي
ان الاحتلال لا يمكن ان يكون إلا احتلالاً
واذكر من تاريخنا قولاً مشهوراً مع انني لم اتعلم
الحاكم العسكري: وقد ازداد تفاعلاً مع شخصية بشير الحيفاوي
هذا التفاعل هو مزيج من الاعجاب والشك.. واشياء أخرى
وماذا يقول تاريخكم؟؟
بشير: تاريخنا يا مولاي تاريخ شعب بسيط.. يريد ان يعيش
وحتى عندما كنا نحكم نصف الدنيا..
كنا نضمن لغيرنا ان يعيش
اما القول الذي اردت ان اقوله
انها مقولة لهارون الرشيد.. اضنكم سمعتم عنه..
الحاكم العسكري: طبعاً معلوم
نحن نعرف عنه اكثر منكم.. نعرف عنه كل شيء..
هارون الرشيد.. صديق شارلمان
بشير: نعم
هو ..
هارون الرشيد..
عندما ارسل له نقفور ملك الروم تهديداً
رد عليه هارون الرشيد
اذا امتدت اليك يدُ عدوِك
فاقطعها.. او قبلهل..
ونحن يا مولاي.. لا نستطيع ان نقطع ايديكم
ولكن.. على كل حال.. لن نقبلها ابداً..
اما البصقة التي سألتموني عنها..
فكانت هي سلاحي الوحيد الذي املكه بتلك اللحظة
لأُدافع عن كرامتي.. التي تتناوبون انتم وغيركم على دوسها باقدامكم..
وشكراً..
فرحان الاعرج يدخل ويهمس باذن الحاكم العسكري..
الحاكم العسكري: شكراً لخضراتكم..
شكراً جزيلاً..
لم اسجل عندي اي طلب من خضراتكم
افهم ان الامور كثير كويسه
يمكنكم الانصراف
لكن اريد ان تبقى انت مُشيراً الى بشير الحيفاوي
ايها الخارس..
ادخل الى القاعة..
ستار[/align]

[frame="9 50"]مسرحية
عن مجموعة الكاتب الكبير الراحل
توفيق زياد
حال الدنيا[/frame]
يعقوب احمد يعقوب
مقدمة
هذه المسرحية هي محاولة لصياغة قصتين من قصص الكاتب الراحل توفيق زياد.. باسلوب مسرحي..
وهما.. قصة عباس الصياد وديك الحجل “الفصل الاول”
وقصة هكذا نحن “الفصل الثاني” من مجموعة حال الدنيا
ومن اجل الربط الزمني بين القصتين..
ارتأيت ان اجعل زمن القصة الاولى.. هو اواخر العهد التركي..
وزمن القصة الثاني.. هو بدء عهد الانتداب البريطاني..
والمتغير الأخر الذي ارتأيت ان ادخله من اجل الربط الدرامي
هو جعل شخصية عباس الصياد تمتد لتكون هي ذاتها شخصية بشير الحيفاوي..
وذلك لاقتراب الخطوط العريضة لمكونات الشخصين..
اما التغير الثالث فهو خلق شخصية فرحان الاعرج..
شخصية الجاسوس التقليدي الذي لا يتورع ان يكون خادماً لكل سيد
بِغية خلق صراع من تلك الصراعات التقليدية الخالدة بين الشر والخير..
ولان حال الدنيا.. هو حال الدنيا
رغم تلك الاختلافات الطفيفة في الزمان والمكان والوجوه..
فان ما دار بالامس.. هو ما قد يدور اليوم.. وما قد يدور بعد غد..
ووجه الغربة ان وجد.. فالغريب هو
وكما قال ابو الميناء بشير الحيفاوي
هكذا نحن يا سيدي
في العهد الماضي مركوبون ..
وفي عهدكم مركوبون..
يعقوب احمد يعقوب
الفصل الاول:
المشهد الاول
المكان.. حي فقير.. شارع ترابي بسيط..
يكتظ بالقاذورات والحفر الصغيرة والاحجار..
عن جانبيه.. مداخل بيوت من الطين..
الاجواء اجواء قرية او خربة تطغى عليها امارات البؤس والفقر..
الزمن.. أواخر العهد التركي في هذه الديار..
اشخاص المشهد:
wفرحان الاعرج: شخص في العقد الخامس من العمر.. قصير القامة..
مكتنز البنية.. تبدو عليه علامات الخبث والغدر والدهاء..
ناعم اللسان.. يتمتع بمقدرة فائقة على الدخول بين الناس..
يشمشم الاخبار وينقلها الى حيث تغدو وشاية توقع بالناس في مخالب التعذيب او السجن او القتل..
انه الجاسوس.. كما اعتاد الناس على تسميته..
wعباس: شخص في العقد الرابع.. انسان بسيط متوقد الذكاء خفيف الظل..
صياد ماهر ذائع الصيت..
wمسعود: جار عباس.. رجل سمين بليد.. تبدو عليه علامات الغدر والحيلة..
wحسن: ابن عباس.. صبي يقترب من سن الثامنة..
الفصل الاول - المشهد الاول
عباس: يجلس على عتبة بيته.. ينظف “خرطوشه” ويتمتم باغنية شعبية
“يا مُهرة خلف الجبل
خيل العيدا ما إتطالها”
حسن: صباح الخير
عباس: صباح النور..
كيف حالك اليوم؟؟
حسن: احسن من البارحة.. الحمد لله لقد تحسنتُ كثيراً
عباس: الحمد لله..
حسن: سآتي معك يا ابي
عباس: الى اين؟
حسن: الى الصيد..
عباس: إحقاً تريد ان تأتي معي؟
حسن: نعم
عباس: لقد ذهبت الى الصيد.. وعدت ايضاً..
حسن: لا انك تمزح
عباس: لا والله لا امزح..
انظر.. لقد اصطدت ديكين اليوم.. يشير الى سلة من القماش الى جانبه
حسن: يفتح السله وينظر صحيح.. ديكان من ديوك الحجل
كم اشفق عليهما..
لو لم تصطدهما يا ابي
لكانا الآن يطيران.. فوق الاشجار والصخور
هكذا.. كا كا كا.. مقلداً صوت الحجل
عباس: اتحب الحجل كثيراً يا حسن..
حسن: احبه حياً.. لا احب ان اراه ميتاً..
عباس: ولكن هذا مصدر رزقنا يا بني
والله انا مثلك ايضاً
عندما اطلق الطلقة.. واراه يسقط..
اشعر.. اشعر بان قلبي.. يسقط..
حسن: اذن لماذا لا تبحث عن عمل غير هذا العمل؟!
عباس: بحثت يا بني
بحثت كثيراً..
لم اجد
وهكذا فانا مضطر لأن افعل هذا..
نأكل من لحمه يوماً.. ويوماً نبيعه ببعض القروش..
وهكذا تبقى الحال مستورة والحمد لله..
حسن: منذ حين.. وشيخَ الكُتاب.. في كل يوم يقول لي..
يا بن عباس..
اخبر شيخ الصيادين.. يعني انت يا ابي
لقد نسيتُ طعمَ لحم الحجل مقلداً الشيخ في الكُتاب
قَل لوالدك.. ان الشيخ.. يُسلم عليه جداً جداً جداً..
عباس: نسي طعم لحم الحجل؟!
منذ ثلاثة ايام فقط.. اعطيته ثلاثة ديوك سمينة كانها ديوك بط..
حسن: انه لا يشبع..
منذ ان ندخل الكتاب.. وحتى نخرج..
واسنانه كانها الطاحونة.. لا يتوقف عن المضغ ابداً
عباس: نعم انه يعشق الاكل..
بل يموت بالطعام..
حسن: وما ان ترتفع الشمس قليلاً.. حتى يغط بنوم عميق
ويرتفع شخيره..
وبطنه تعلو وتنخفض
وعندما يتجرأ احد الاولاد.. على الضحك او الكلام
يخلع فردة حذاءِه.. ويضرب باتجاه الصوت.. ولا يُخطئ الحذاء ابداً
وعندما يسمع البكاء.. يستيقظ ضاحكاً..
انا عباس الصياد.. طلقتي لا تُخطئ ابداً
عباس: هكذا اذن.. يظن نفسه مثلي..
حسن: انه مسكين يا والدي.. يعيش مع زوجته العجوز
انها شريرة قاسية..
دائماً تصرخ بوجهه وتشتمه.. حتى امام الاولاد..
عباس: يا له من نذل..
وهل يسكت لها؟؟
حسن: انه يرتعد امامها كالعصفور المبلول من الخوف..
عباس: وامام الناس.. يتصرف وكأنه النمر
على كل حال يا بني
لا اريد منك ان تتحدث بشيء عن هذا امام الناس
سامحنا الله..
حسن: صدقت يا والدي.. اسأل الله ان يسامحني
مسعود جار عباس.. يدخل يحمل بيديه الكثير من ديوك الحجل الميته التي اصطادها وقد وضعها في سلتين لا يكاد يقوى على حملها
مسعود: صباح الخير يا ابا الحسن
عباس: صباح الخير
مسعود: ارى انك قد عدت مبكراً هذا اليوم..
عباس: نعم.. لقد اصطدت ديكين والحمد لله
مسعود: ديكين..!!؟
عباس: هل تريد ان اساعدك.. ارى ان حملك ثقيلاً..
هل اصطدت غزالاً؟؟
مسعود: غزالاً.. لا انها بعض ديوك الحجل
عباس: انا بالكاد اصطدت ديكين
وانت تحمل حملاً من الديوك.. اظنه يفوق العشرة..
هل انا شيخُ الصيادين ام انت!؟
مسعود: لا بل انت بخبث وتشفي
كلهم يشهدون بانك شيخ الصيادين دون منازع..
عباس: اذهب يا حسن.. وساعد جارنا على حمله الثقيل..
حسن يحمل مع مسعود احدى السلال ويمضيان
عباس: يبقى وحيداً
يا إلهي لا اصدق ما أرى.. مسعود
او كما يسمونه مسعود البليد.. يصيد اكثر مني..
انا عباس شيخ الصيادين..
انا بالكاد اصطدت ديكين من الحجل..
وهو لا يكاد يقوى ان يحمل ما اصطاد..
لا اصدق ما أرى.. وكيف تريدون مني ان اصدق!!؟
وأنا أمهر صياد بالناحية.. طلقتي لا تخطئ ابداً..
ليس هناك من بامكانه ان يُصَوِبَ مثلي..
انا عباس.. مضرب المثل..
أصيب الهدفَ ساكناً كان او متحركاً
والله ان سألتم اي طفل في هذا البلد
من امهر صياد في هذا البلد؟؟ لقال عباس
ولكن ما يحيرني.. هو جاري..
في آخر مسابقات الرِماية.. بالكاد وصل الى المكان التاسع
المكان الاول هو دائماً لعباس الصياد لي انا
كلهم يعرفون ذلك..
ولكن ما الفائدة.. اذا كنت امهر الصيادين
وهو يصيد اضعاف ما اصيده
لا بد.. لا بد ان اعرف ما هو السر
هذا عيب وليس من صفاتي الغيرة..
ولكن هذا الامر بات يشغلني..
بالامس وقبل اسبوع حدثني بعض الصيادين
انهم رآوه يعود مع حملٍ من ديوك الحجل..
لقد اصطاد بقدر ما اصطادوا جميعاً
لا بد ان اعرف.. نعم لا بد ان اعرف
حسن: عائداً وقد ساعد مسعود لتوصيل الحِمل الى بيته..
يحمل شيئاً في يده..
يا إلهي.. لم ارى بحياتي هذا العدد من طيور الحجل الميتة..
لقد اصطاد مسعود ستة عشر ديكاً
عباس: ماذا.. ستة عشر!؟
حسن: وقد اعطاني اثنين
عباس: يا إلهي.. ستة عشر..
لا بد انه يضع السُمَ لطيور الحجل
اذهب يا حسن واعدهما له
تلك طيور مسمومه..
حسن: لا يا ابي..
لقد نظرت الى الطيور
كانت كلها قد اصيبت بطلقات الجفت
كلها كانت مجروحة.. في اجنحتها..
عباس: لا اصدق..
لا اصدق..
حسن: هل اعيدهما يا ابي
عباس: بل اذهب وقدمهما هدية لشيخ الكتاب..
حسن: هل اقول له انك اصطدتها.. ام اقول له انها من جارنا مسعود
عباس: كفى يا حسن..
كفى لا تجعلني اغضب.. كفى
اذهب واعطهما لشيخ الكتاب..
حسن: حسناً انا ذاهب.. سيفرح الشيخ كثيراُ.. وسيحبني اكثر
عباس: يبقى وحيداً يفكر بالامر الذي استحوذ عليه
يا إلهي.. ظننت انه يضع السمَ للطيور
ولكن لا.. انه يصطادها..
اذن هو امهر مني.. عليَّ ان اعترف..
لا لن اعترف بهذه السهولة.. فانا عباس.. شيخ الصيادين..
هذا اسم صنعته بجدارة ومهارة طيلة سنين طويلة..
لن اتنازل عنه بهذه السهولة..
سأترقبه.. نعم صباح الغد سأترقبه وأرى ما الذي يفعله
ليصطاد هذا العدد الكبير من طيور الحجل
لا.. لا هذا عيب.. هذا عيب وليس من صفاتي..
بل سأسأله.. نعم سأسأله..
ولكن انا على يقين بأنه لن يجيب.. جاري وانا اعرفه
انساناً منغلقاً على نفسه لا يزور ولا يُزار
لا يهمني يجب ان اعرف.. انا افقد اسمي وسمعتي..
ثم ان هو استمر على هذا المنوال..
بعد سنة او سنتين لن يبقى طائر حجل على هذه الجبال..
وستكون كارثة..
وطيور الحجل كما تعرفون.. هي اجمل الطيور واشهاها..
لا اتخيل.. كيف تكون الجبال والوعور والغابات بلا طيور الحجل..
مسعود يمر من امام عباس الذي ما زال جالساً امام عتبة بيته مشغولاً يفكر بالامر الذي استحوذ على نفسه وبات شغله الشاغل
مسعود: اما زلت جالساً يا ابا الحسن؟؟
عباس: نعم.. اريد ان اسألك بعض الاسئلة
مسعود: تسألني.. عن ماذا..!؟
عباس: اخبرني من امهر صياد في الناحية!؟
مسعود: انت يا عباس
انت كلهم يشهدون بأنك شيخ الصيادين وامهرهم
عباس: ومن بامكانه ان يُصَوِب مثلي؟
مسعود: لا احد.. ان طلقتك لا تخطئ ابداً..
عباس: اذن قل لي
كيف تعود انت بعدد من الحجل اكثر بكثير.. بكثير جداً
من الذي اعود به انا!؟
مسعود: يضحك بضحكة تشبه فحيح الافهى.. واما عيناه فلمعتا بخبث ودهاء
هل تغار مني يا ابا الحسن؟؟
عباس: لا والله.. لا اغار
لكنه امر يقلقني..
ان كنت قد اصبحت أمهر مني عليَّ ان اعترف امام الناس بذلك..
فتصبح انت مسعود شيخ الصيادين..
ولكن علي ان اعرف.. لا بد انك تخفي سراً في الامر
مسعود: اي سر..؟؟
عباس: هذا ما اريد ان اعرفه
مسعود: الامر واضح
عباس: كيف؟؟
مسعود: انت صياد ماهر نعم.. ولكن انا صياد شاطر..
عباس: اذن اريد ان اعرف ما هي شطارتك.. وبعدها سأقف امام الناس
وامام كل الصيادين
واعلن ايها الناس.. انا اشهد ان مسعود شيخ الصيادين
وسأعتزل الصيد الذي احبه كأولادي الى الابد..
مسعود: لا تكبر المسأله.. وقد شعر بغرور وفرحة بهذا الموقف
عباس: بل هي كبيرة..
مسعود: اذن رافقني صباح الغد الى الصيد.. وستعرف
عباس: وانا انتظرك على أحر من الجمر
ستار
الفصل الاول
المشهد الثاني
عباس ومسعود يقفان في منطقة ما.. خلف حاجز صخري..
كل منهما يحمل بندقيته.. ومسعود يحمل كيساً من القماش “مخلاة”
بداخلها شيء ما..
عباس: انظر.. انظر الى هناك
ارى ديكين من الحجل..
مسعود: لا تتسرع.. لدينا الكثير من الوقت.. لا تطلق اي طلقة..
اريد لاكثر عدد من الديوك ان تقترب..
سنصطاد بسهولة.. بسهولة كبيرة..
عباس: تعال نمضي الى مكان اعلى..
مسعود: قلت لك كن صبوراً ولا تتسرع..
لن نذهب اليهم
هم سيأتون الينا
لن نصطاد حسب طريقتك التقليدية الفاشلة
بل سنصطاد حسب طريقتي الجديدة المبتكرة
عباس: وهل هناك طريقة غير التي نعرفها..
مسعود: انتظر وسترى..
سنجلب الطيور الينا كما يجذب المغناطيس قِطع الحديد
سيأتون الينا مسرعين.. وسنحصدهم حصداً..
مسعود يُخرج من المخلاةِ ديكَ حجل سمين جداً..
انظر يا عباس
عباس: يا إلهي من اين جئت بهذا..
مسعود: هذا هو السر..
عباس: السر.. لم ارَ بحياتي ديك حجل سمين كهذا..
مسعود: ولكن من اين جئت به ولماذا احضرته معك؟؟
مسعود: انتظر وستفهم
امسك مسعود بديك الحجل من قدميه وراح يحركه في الهواء..
وكأنه يدعوه ان يفعل شيئاً ..
وبعد زمن ليس بالطويل استجاب الديك وراح يخفق بجناحيه..ويُصَوِت
كان يفعل ذلك بصعوبة لشدة سمنته..
وفجأة بدأت تُسمع اصوات طيور الحجل تقترب من المكان..
ثم اخذت تقترب من الصيادين
وديك الحجل الاليف ما زال يخفق بجناحيه ويصوت باقصى ما يستطيع
عباس: يا إلهي لا اصدق ما أرى
مسعود: انت لا تُطلق أية رصاصة
انا سأصطاد لي ولك..
ما عليك انت إلا ان تركض وتلتقط ما سأُسقطه
عباس: انا.. سأركض والتقط!؟
انها مهنة الكلاب
مسعود: ارجوك يا عباس.. لا تُفسد علينا صيدنا..
عباس: وقد إستحوذ الغضب عليه بشكل كبير..
لا اصدق ما ارى..
مسعود: يصوب ويطلق النار
هذه واحدة..
وهذه ثانية..
وهذه ثالثة
عباس: كفى.. كفى هكذا ستقتلهم جميعاً
عباس لم يطلق اي رصاصة.. كان لا زال ينظر الى ديك الحجل الاليف.. السمين حقاً والجميل حقاً الذي يرفرف ويصوت..
فتأتي طيور الحجل الى موتها المؤكد..
مسعود: وهذه رابعة
وهذه خامسة
وهذه سادسة..
عباس: يا إلهي لا اصدق..
هكذا وعلى هذا المنوال.. ستموت طيور الحجل كلها
وستخلوا الجبال والوعور والغابات منها.. بوقت قصير
مسعود: والآن يا عباس.. هل فهمت؟؟
هل عرفت لماذا اعود بصيد وافر كل يوم..
اصيد باليوم ما تصيده انت بشهر.. يا شيخ الصيادين
عباس: ولكن ما قصة هذا الديك السمين الغريب
مسعود: اسمع يا صديقي
هذا الديك.. لم امسك به فرخاً..
مرةً كنت في الصيد واطلقت النار عليه.. فسقط
لم يكن قد أُصيب برصاصتي.. لكنه سقط.. سقط خوفاً
ووفرت عليه حياته.. لاني توسمت به خيراً
وكما ترى لم يخب ظني
وضحك ضحكته التي تشبه فحيح الافعى واكمل قائلاً
لقد علفته كثيراً.. كثيراً جداً
حتى اصبح سميناً سميناً جداً
وصار عاجزاً عن الطيران.. وصرت عندما اذهب الى الصيد آخذه معي
انها خطة مدروسة..
لا احتاج للبحث عن طيور الحجل.. هو يستدعيها
على صوته تبدأ الطيور بالاقتراب
وتكون بندقيتي لها بالمرصاد..
هكذا بكل سهولة.. هو يستدرجهم وانا اصطادهم
انه شريكِ وفيٌ امين
عباس: وفيٌ امين
هذه طرقة غير شريفة
مسعود: وماذا يهم.. المهم ان اعود بصيد وافر
عباس: لا.. قلت لك انها طريقة غير شريفة
ابعد الديك عنك يا مسعود.. ضعه على الارض
وقد صوب بندقيته باتجاه مسعود
مسعود: ماذا تريد
هل جننت؟
عباس: وبحركة لا شعورية ادار ماسورة بندقيته نحو الديك
وضغط على الزناد ضغطة شُحنت بكل الاشمئزاز الذي في الدنيا
كان يجب ان يموت
عباس وقد اسقط الديك ميتاً على الارض بطلقة من بندقيته
هذا خائن وجاسوس
يدوس بحذائه فوق الديك الميت
نعم انه خائن وجاسوس
يتجسس على ابناء جنسه.. ويستدرجهم للموت
انه لا يستحق الحياة..
انه لا يستحق الحياة..
فرحان الاعرج: داخلاً ويبدو انه كان هو الآخر يراقب ما حدث ويسترق السمع
لهذا الحوار السياسي الذي دار بين عباس ومسعود
لقد سمعت اشياءً تقشعر لها الابدان
من قتلتم
واين دفنتموه
عباس: ينظر اليه بنظرة ملؤها الاشمئزاز
الن تكف عن هذه العادات المقرفة..
متى ستكف عن التجسس والتصنت على الناس
يصوب البندقية باتجاه فرحان الاعرج
مسعود: عباس اياك..
ستُخرب بيوتنا
دعه..
فرحان الاعرج: اتشهد يا مسعود انه يهددني
مسعود: لا ان عباس يمزح
فرحان الاعرج: اي مزح هذا؟
انه يصوب البندقية باتجاهي
لم يبقى إلا ان يضغط على الزناد..
عباس: قلت لك انصرف من هنا..
لقد سبق وقتلت واحداً مثلك
فرحان الاعرج: يهرول مسرعاً
هذه الليلة ستكون ليلتك يا عباس
سأخبر شيخ الدرك
ستتمنى لو كانت امك لم تلدك..
عباس: من اين جاء هذا المخلوق..
لو كنت اثق بك يا مسعود
لكنت قتلته..
ولكنت خلصت كل الناس من شَرِه
مسعود: لا.. انك مُتهوِر
لقد قلبت هذا اليوم غماً وبلاءً
ولا نعرف ما ستكون النهاية
عباس: بل انتم من قلبتم حياتنا هماً وبلاءً
وجعلتم عيشتنا مُرَّة كالعلقم.. بل كالسُم
لم اعد اطيق
مسعود: انا لا يهمني الامر
لا يعنيني اي شيء.. انا اريد ان احيا اريد ان اعيش
عباس: يعود ويدوس فوق ديك الحجل الميت
لا بد ان يصبح كل هذا
غير ما هو عليه
ستار
الفصل الثاني
شخصيات الفصل الثاني
wبشير الحيفاوي: هي ذاتها شخصية عباس الصياد الذي انتحل اسم بشير الحيفاوي بعد هربه من السلطات التركية ورحل الى حيفا من قريته الصغيرة..
واشتغل حمالاً بالميناء.. حتى صار ابو المينا
w سعيد: احد الحمالين في الميناء.. صديق مخلص لابي المينا بشير الحيفاوي..
مواطن طيب القلب.. بسيط كعامة الناس..
w منصور: صبي يقترب من العاشرة..
واحد من الصبيه الذين بدأوا حياة الشقاء مبكرين..
يعمل على خدمة عمال الميناء لكسب لقمة عيشه..
فرحان الاعرج: هو فرحان الاعرج من شخصيات الفصل الاول..
بعد ما كان في الفصل الاول..
لم يكن من الصعب على فرحان الاعرج.. ان يقلب حياة عباس رأساً على عقب.. في تلك الليلة كان رجال الدرك التركي يحاصرون بيت عباس الصغير..
ويشعلونه على كل ما به بالنار..
إلا ان عباس الذي كان مدركاً لتلك العاقبة..
كان قد فر مع زوجته وابنه.. من تلك القرية الصغيرة.. متخفياً..
ومرت الايام والشهور والسنين..
وفي حزيران سنة 1917 تولى القيادة العامة للقوات البريطانية
السير ادموند أللنبي
وكانت احوال الجيش التركي تسير من سيئ الى اسوأ..
وفي فلسطين عمت الفوضى وانتشر الجوع والظلم والقهر..
وكان الاتراك يصادرون الحيوانات.. والحبوب.. وينهبون ويسلبون
حتى غدت احوال الناس تكتض بالخوف والذل والفوضى والفقر..
اما عباس فقبل ذلك بسنين كان قد وَصل الى حيفا
واستوطن عند بعض أقربائه..واشتغل حمالاً في الميناء..
وغيَّر اسمه فصار بشير الحيفاوي..
وفي 1918/12/9 سقطت القدس.. وانسحب الاتراك..
كانت السماء ماطرة وكان يُخيم على المدينة سحب قاتمة من الرهبة والسكون..
وفي بيان لاذاعة اللورد أللنبي على الاهلين
“الى سكان بيت المقدس واهالي القرى المجاوره..
ان انهزام الاتراك امام الجيوش التي تحت قيادتي ادى الى احتلال مدينتكم من قبل جيوشي
وفي الوقت الذي اذيع عليكم هذا النبأ
اعلن الاحكام العرفية
بشير الحيفاوي: يجلس على صندوق خشبي عند باب الميناء..
الاجواء قاتمة مكتظة بالاحباط والذل والخوف...
وبين الحين والآخر
ينقل ما يبث عبر الجهاز لصديقه سعيد الجالس الى جانبه
اسمع ما تقوله اذاعة الجنرال أللنبي
ان انهزام الاتراك امام الجيوش التي تحت قيادتي ادى الى احتلال مدينتكم
اعلن الاحكام العُرفية
وستبقى هذه الاحكام نافذة المفعول ما دامت ثمة ضرورية حربية
ولئلا ينالكم الجزع كما نالكم من الاتراك الذين انسحبوا
اريد ان اخبركم انني ارغب ان ارى كل واحد منكم قائماً بعمله
وفق القانون..
ستقسم البلاد الى ثمانية ألوية يديرها حكام عسكرين
هي لواء نابلس، جنين، طولكرم، حيفا، الناصرة، عكا، طبريا وصفد
ماذا تقول يا سعيد!؟
سعيد: من انا لاقول شيئاً..؟
بشير: أما انا فاقول.. ستصير الحال من زفت الى أزفت
سعيد: انها لعبة يلعبها الكبار.. وما نحن إلا وقود النار
بشير: هذا بالضبط حالنا..
لعن الله الاتراك.. لقد زرعوا الخوف والفساد والجهل والفقر..
سعيد: وماذا حصدوا!؟..
بشير: حصدوا الهزيمة تلو الهزيمة..
سعيد: كنت اريد ان اشعر بفرحٍ.. بفرحٍ ما لرحيل الاتراك عنا
بشير: كيف لنا ان نفرح..
وكل ما حصل.. هو تبديل ظالم بظالم..
ومحتل بمحتل..
ومصاص دماء.. بمصاص آخر..
سعيد: لماذا اراد الله لنا كل هذا.. عن دون شعوب الارض..
بشير: هل تريد مني ان اقول لك اننا نستحق كل هذا
لا والله.. فنحن كغيرنا من الناس والامم..
نستحق الحياة..
رغم ان بيننا ومن لحمنا ودمنا الكثيرون ممن لا يستحقون ذلك..
سعيد: أرى اننا بدأنا نتجه الى حيث الخطر..
بشير: دائماً كانت حياتنا كمن يسير بحقلٍ من الالغام
الكلمة قد تقودك الى حبل المشنقة
ولكن ماذا نفعل.. ماذا؟؟
هل نبقى كما الاحجار..
الاحجار وحدها لا تئن ولا تصرخ ولا تتألم..
ونحن لسنا احجاراً..
سعيد: اخفض صوتك.. ان للجدران آذان..
بشير: ليذهب الاتراك مع جواسيسهم الى الجحيم
سعيد: لقد ذهبوا..
والآن نحن مع جواسيس الانجليز
بشير: هل بهذه السرعة اصبح لهم جواسيس؟؟
سعيد: وقبل ذاك بكثير..
من يتزوج امنا.. يصبح عمنا
ألم ترى ان الكثير من الطربيش التركيه تغيرت بين يوم وليلة
إلى طرابيش انجليزيه..
بشير: خائن الامس هو خائن اليوم
والحرباء لا تصبح.. ديك حجل..
سعيد: صدقت
بشير: ياه منذ متى لم اذق طعم الحجل..
بعد ان كان غذائي المفضل والوحيد لسنين طويلة..
كاد الاتراك يعلقوني فوق حبل المشنقة حين قتلت ديك حجل خائن..
سعيد: ضاحكاً ديك حجل خائن!؟
بشير: نعم.. كان اسمي يومها عباس شيخ الصيادين..
قتلته.. كان سميناً.. سميناً جداً.. وكان جباناً.. جباناً جداً
عندما صوبت بندقيتي اليه.. كان يرتجف.. وعندما اطلقت الرصاصة..
سمعت لها دوياً مُرعباً
كانت الرصاصة تحمل كل ما بصدري من حقد وقرف..
سعيد: كانك تتحدث: بالفعل عن ديك حجل خائن..
لا أفهم يا بشير..
بشير: اقسم بالله.. ان هذا ما حصل..
وبسببه طاردوني الاتراك واحرقوا بيتي..
وتشردت طويلاً.. وغيرت اسمي من عباس لبشير
لقد وشى بيَّ فرحان الاعرج..
لا أعرف ماذا قال
لكنهم جاءوا.. وكنت قد اختبأت.. احرقوا البيت وفتشوا عني طويلاً..
ان لي ثأر كبير عند الاتراك وعند فرحان الاعرج
سعيد: فرحان الاعرج.. أظن انني سمعت بهذا الاسم من قبل
بشير: لعنه الله...
كان شغله ان يشي بالناس للدرك التركي..
وبوشاية صغيرة..
تدمر البيوت وتحرق ويعلق الناس فوق اعواد المشانق
وتسلب الاملاك وتُصادر
سعيد: لا بد وان الاتراك قد اخذوه معهم الى اسطنبول
بشير: ضاحكاً لا اظن..
ان الجيفَ لا تُحمَل.. بل تترك..
سعيد: او اظن قد تخفى.. او ربما قد صار جاسوساً يعمل لصالح الانجليز
بشير: هذا الاحتمال اقرب.. هكذا هم
سعيد: ما يقلقني يا بشير.. او يا عباس ضاحكاً
هل أناديك عباس.. او بشير؟؟
بشير: كلاهما انا..
سعيد: في الماضي كنت عباس شيخ الصيادين
واليوم بشير ابو الميناء..
انت كالسبع اينما تكون.. تكون متميزاً.. وقائِداً..
كلهم في الميناء يحبونك حباً لم يحضَ به احد غيرك..
ويثقون بك ثقة تامة
بشير: الحمد لله.. هكذا انا..
فانا لم اخن ثقة اعطيت لي
ولن اخون أمانة إئتمنت عليها.. لو قطعوا رأسي
سعيد: والله انك نعم الانسان..
ونعم الاخ والصديق..
بشير: ما يقلقني يا سعيد
ان هذه المراكب والسفن التي تملأ الميناء
لم يُطلب مِنا نحن ان ننزل ولو صندوقاً واحداً
وان بقي الامر كذلك..
ستسوء احوال الحمالين.. زيادة على ما هي عليه..
سعيد: والله لا اخفي عليك..
ان الحال قد بات لا يطاق..
لقد ترك سامي وعبد الله وفايز هذا العمل
وسمعت انهم يشتغلون “قطاريز” عند قرمان
يشتغلون (بالمونة) يأكلون ويشربون وينامون
بشير: اذا بدأنا نتفرق ونترك هذا المكان
سنفقد قوتنا كمجموعة..
سنفقد قدرتنا على المطالبة..
هذه قد تكون كارثة.. وبسرعة قد يحل العمال اليهود مكاننا
ويستولون على الميناء..
يجب ان نبقى.. انها قضية مهمة ووطنية ايضاً..
سعيد: مبتسماً هل اصبحنا نحن الحمالون جزءاً من النضال الوطني
بشير: بكل تأكيد..
لماذا تظن ان كلامي هو مجرد كلام يثير السخرية..
نحن انتقلنا من استعمار لاستعمار ومن احتلال لآخر..
في هذه الظروف يجب ان لا ننسحب.. يجب ان نصمد..
سعيد: وماذا سنعمل هنا..
انهم لا يعطوننا اي عمل
انظر الى الميناء انه يغص بالمراكب والسفن..
لم يطلب منا احد ان ننزل اي صندوق..
بشير: ان بقينا على المؤكد.. انهم سيطلبون منا ذلك..
سعيد: اظن ان كل الحمولة هي اسلحة.. ولا يريدون منا ان نقترب..
منصور: مهرولاً.. ومنصور هذا صبي يقترب من العاشرة واحد من الذين بدأوا حياة الشقاء مبكرين..
كان يهرول حافياً شبه عار
وهو يلوح بيديه وينادي.. ابو المينا.. ابو المينا
وعندما اقترب.. خفف من هرولته
وكان الصبي ما زال يلهث وينادي.. ابو المينا.. ابو المينا..
بشير: ما بك يا منصور
منصور: في واحد بسأل عنك.. ومعاه مكتوب من حكومة الانجليز
ابو المينا: مكتوب من حكومة الانجليز
فرحان الاعرج: وقد تغيرت ملامحه.. وملابسه.. الى حد كبير.. كبير جداً
اين المسؤول عن الحمالين؟؟
بشير: انا.. انا ما الأمر
فرحان الاعرج: يحدق ببشير بنظرات متفحصة..
وكذلك بشير يتفحصه من رأسه ونظراته تستقر على قدمه العرجاء..
لكنه يبقى صامتاً.. وكذلك يبقى فرحان..
كلاهما يحمل في صدره سراً..
لا يجوز ان ينفضح الآن وبهذه السرعة”
احمل رسالة من الحاكم العسكري الانجليزي
بشير: من الحاكم العسكري!؟ باستغراب
وماذا يريد مني!؟
فرحان الاعرج: نعم من الحاكم العسكري
ويريد ان يجتمع مع لجنة عمال الميناء
ومع بعض الشخصيات من كل القطاعات في حيفا
الاجتماع سيكون غداً في “القشله”
فرحان الاعرج يغادر.. وقد زاد الشك بنفسه بانه امام عباس الصياد
الذي وشى به قبل سنين للاتراك
بشير: متمتماً لنفسه
انه هو.. يا إلهي.. لا اصدق انه هو
فرحان الاعرج..
مهما حاول ان يتخفى.. ومهما حاول ان يغيَّر من ملامحه انه هو
بسيطه يا فرحان الاعرج.. جبل عا جبل ما بلتقوا
مصيرنا نتلاقى يا فرحان الكلب..
سعيد: يا عمي معلوم..
عزومه عند الحاكم العسكري.. نيالك يا ابو المينا
إللي اطعمك يطعمنا..
منصور: يا عمي ابو المينا..
مِش يمكن حدا فاسِد عليك.. اولاد الحرام كثار
خذني معك يا عمي ابو المينا
بشير: يضم منصور اليه بحنان ولا يهمك
عمك ابو المينا.. جبل ما بتهزه ريح..
منصور: ما بشيل الراس إلا اللي حطو
بدك مني اشي يا عمي يا ابو المينا؟؟..
بشير: سلامتك..
سلم على ابوك.. سلم كثير.. وقُله لا يحمل هم..
منصور: ابوي.. الله يساعده..
بشير: الله بعين يا ابني.. الله بعين..
بعدين انت صرت زلمة وسند لابوك
منصور: الله بعين..
سعيد: انا قلبي مش مرتاح من هَـ المكتوب
منصور: وأنا.. انا خايف كثير..
بكره اذا عزلوا ابو المينا.. وجابوا واحد ثاني.. ويبطلوا الحمالين
بتصير مشكله.. انا بطردوني.. وابوي ما بقدر يمشي.. ومنين بدنا نعيش؟
بشير: ما دامني طيب يا منصور لا تحمل هم..
ابوك صاحبي ورفيق عمري..
منصور: وقد سالت دموعه
انا خايف عليك.. لانك ابن حلال
بشير: اولاد الحلال كثار
منصور: يا ريت.. يا ريت يكونوا كثار
بس منين؟؟؟
سعيد: روح يا منصور خذ.. يناوله قرشاً روح اعمل كبايتن شاي..
منصور: يتناول القرش على راسي ويغادر
بشير: مِثل ما قلتلك.. مشكلة.. اذا خسرنا موقع..
بصير هوين نخسر مواقع اكثر.. لازم نصمد..
سعيد: بس شو بدو منك الحاكم العسكري..
اكيد وشاية.. اكيد
بشير: مش عارف..
سعيد: آه.. إتذكرت.. اكيد البصقة
بشير: البصقة؟؟
سعيد: البصقة فش غيرها
كل الناس عرفوا قصتها.. اكيد القصة وصلت للحاكم العسكري
بشير: لا.. البصقة..!!
وصلوها للحاكم العسكري
سعيد: انا متأكد
لما الشخص اللي جاب المكتوب إتطلع فيك..
كانت نظراتو بدها توكلك
بشير: مزبوط
سعيد: هذا الاعرج مخيف.. كان بعيونه نظرات غريبة..
وجهو كان ينقط سم..
بشير: بدي احكيلك سر.. بس خليه سر
سعيد: سر
بشير: وإلا بلاش خليني اتأكد منو
سعيد: تتأكد!؟
بشير: مع اني متأكد..
سعيد: شو السر
بشير: شفت الشخص اللي احضر الرسالة..
هذا هو فرحان الاعرج
نفس الشخص اللي حدثتك عنو.. مع قصة ديك الحجل
هو الشخص اللي وشى للاتراك ومرمرني..
سعيد: شو بتقول
بشير: مثل ما انت سامع.. انا متأكِد
سعيد: اذن.. فان الامر لا يُبشر بالخير..
أكيد انها البصقة..
لا بد انه سمع بأمر البصقة التي سرى خبرها سَريان النار في الهشيم
بشير: نعم..
كان ذلك يوم انسحب الجيش العثماني من المدينة
ودخلها الجيش الانجليزي
كنت في تلك الساعة قرب النافذة انظر الى الشارع العام
كان البحر يمتد امامي كئيباً حزيناً
والشمس كانت باردة كسيفه..
كل شيء عادي.. لا لون ولا رائحة
كان آخر طابور تركي ينسحب مهرولاً في الشارع العام
من تحت النافذة
فقط تنحنحت وبصقت على الطابور المنسحب
وبعد ساعات كنت ايضاً عند النافذة..
كنت اتفرج على اول طابور من الجيش الانجليزي المحتل
الذي يدخل المدينة وقلت “إختفو”
لم افعل شيئاً
فقط تنحنحت وبصقت على رؤوسهم وقلت “إختفو”
ومن جار الى جار
ومن فم الى اذن
انتشر الخبر في كل المدينة
وقال الناس “ما بصق ابو المينا إلا من افواهنا جميعاً”
سعيد: اذن انها البصقة..
بصقتك يا ابا المينا..
هي السر..
بشير: ولماذا نتسرع الامر..
عند الغد سنسمع ونرى..
ستار
الفصل الثالث
المكان.. غرفة الحاكم العسكري..كانت غرفة واسعة نوعاً ما
احتشد فيها بعض المدعوين على كراسيهم.. وفي صدرها طاولة
جلس خلفها الحاكم العسكري وبعض معاونيه
الاشخاص:
wالحاكم العسكري: رجل عسكري بريطاني.. يمثل الحكم الانجليزي لهذه البلاد..
w شيخ التجار: رجل متقدم بالسن.. أنيق المظهر..
يمثل برجوازية الناس في ذاك العصر الصعب
لا يتورع عن تقبيل الايدي ومدح اصحابها..
w مندوب الموظفين: رجل في العقد الخامس من عمره..
قد يكون لا يملك سوى وظيفته وتلك الملابس الانيقة التي يُخرجها ليرتديها بكل مناسبة.. كثير النفاق.. كثير الكلام.. يهيل المديح هكذا دون سبب..
الحاكم العسكري: ( يتكلم بلغة الحاء التي تصبح خاء)
خضرتنا خاكم خضرتكم نحن نرخب بخضراتكم أكبر ترخيب
ونريد خضرتنا ان نوضح لخضرتكم سياسة الخكومة الجديدة
وهي خكومة بريطانيا العظمى صديقة العرب..
ونريد ان نوضخ لكم سياسة الدوائر المختلفة مثل الخكم العسكري
والبوليس في العهد الجديد..
الذي خررَ البلاد من الاتراك اعداء العروبة واعداء خكومتنا..
لقد دعونا خضرتكم لنسمع..
شيخ التجار: انا يا سيدي شيخ تجار هذه المدينة
يسرني ويشرفني ان اقف بين ايديكم الطاهرة..
وأن ارحب بكم اجمل ترحيب..
واللهِ يا سعادة الحاكم وليس عليك اي يمين
احسن من حكمكم ما وُجد
لعنة الله على العهد السابق واصحاب العهد السابق
طول عمرنا بيننا وبين الاتراك عداوه.. نزلت في الكتب
وهل نريد يا مولاي ان يحكمنا أعدل وافضل منكم؟
لا والله..
حكمكم العسكري يَرى ولا يُرى
بوليسكم مهذب.. دوائركم خدومة
اذا طلبنا منكم شيئاً اشار الواحد الى رأسه وهو يقول سمعاً وطاعة
أمد الله بعمركم وعمر جلالته
والله ما جاء احتلال اشرف من إحتلالكم
ولا عرفت الاخلاق اخلاقاً ارفعَ من اخلاكم
وبعون الله..
سنكون لكم الخدم الطائعين
وسندعو لكم بطول البقاء الى ابد السنين
الحاكم العسكري يصفق بيديه تصفيقاً مهذباً ويهز رأسه ويرفع قبعته ابداءً لسروره واعجابه بكلام شيخ التجار
مندوب الموظفين: يقف ويسوي ملابسه التي تبدو كبيرة على حجمه الصغير
يتنحنح
سيادة الحاكم العسكري
سمو جلالته
ان بريطانيا العظمه التي عظمها الله بالعدل والقوة
ما كانت لتبسط نفوذها على العالم من مشرقه الى مغربه لو لا عدلها
ولولا ايمانها بانها حامية مصالح الشعوب..
تلك الشعوب التي تكالبت عليها اطماع الاستعمارين امثال الاتراك
..لعنهم الله.
انتم يا مولاي كالشمس تنشرون النور والدفء والامل
فنحن على يقين بان عصر الظلمة قد رحل دون رجعة
وعهد الخير والتقدم يرفرف آتياً لا محالة
كنا نعيش كالعبيد
واليوم نحن اسياد احرار
البلاد بلادكم ونحن الضيوف عندكم يا اخواننا الانجليز
باسمي وباسم الموظفين في هذا البلد
ارفع الى مقامكم العالي اسمى التحيات واعطرها
ويحضرني يا مولاي قول الشاعر.. علي بن الجهم
عيونُ المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيثُ أدري ولا أدري
اعدن لي الشوق القديم ولم اكن سلوتَ ولكن زِدنَ جمراً على جَمرِ
خليلي ما احلى الهوى وأمْرَّهُ وأعْرَفَني بالحُلوِ منهُ.. وبالمُمرِ
بما بيننا من حُرمةٍ هل علمتما أرقَ من الشكوى واقسى من الهجر
الحاكم العسكري يبدو غير متفاعل مع هذا الادب.. الذي لا يمكنه فهمه
ولم يدرك لماذا ادخله قائله بهذا المقام
إلا انه يصفق تصفيقة المهذب.. ويرفع قبعته
مندوب الموظفين: لو اراد مولاي
قرأت له القصيدة كلها.. فانا احفظها عن ظهر قلب
انها قصيدة من عيون الادب
رحم الله علي بن الجهم.. يا مولاي
فان له حكاية في منتهى الروعة.. سأسردها لكم ان شاء الله في لقاء قادم..
ان الادب العربي يا مولاي زاخر بالعواطف والرومانسية
الحاكم العسكري: شكراً خضرتكم شكراً
ان شاء الله..
يبقى الخب بيننا
وتدوم العلاقات الاخوية الطيبة..
انتم الفوج الخامس من ممثلين الشعب
الذين إلتقينا معهم اليوم..
يهمني جداً
انا اسمع رأيك..
وان تكلمنا عن مشاكل الشغيلة..
سمعت انك انت ممثل الشغيله..
وانك رئيس الخمالين في المينا
بشير: رفع رأسه الذي كان مدقوقاً في الارض
كانت على وجهه سحابة من الحزن والغضب
وفي عينيه لمعة غير عادية..
ايش اقول!؟
وقد حكت وجوه البلد ونطقوا الجواهر..
الحاكم العسكري: لا.. لازم إتقول
نخن نخب ان نسمع الجميع
وانت ممثل الشغيلة.. لازم نسمع راي الشغيلة
بشير: اذا كان ولا بد.. فسأتكلم
يا حضرة الحاكم
انا لا اعرف طق الحنك وصف الحكي
ولذلك سأقص عليك حكاية وقعت في بلدنا قبل مُدة
كان في قرية صغيرة عدد من الشباب المائع المفسود
تعرفوا على عدد من البنات ال.. مِش مزبوطات..
وكانت امهم فاسدة محنكة تُشغلهن وتستفيد من قذارة بناتها
سمع شباب من القرية المجاورة بالقصة
جاءوا لكي يستولوا على الغنيمة فيطردوا شباب البلد ليحلو مكانهم..
ودارت معركة كبيرة بين شباب بلدنا وشباب البلدة المجاورة
سال الدم.. وتكسرت الرؤوس والايدي والارجل
والبنات يصرخن وامهم تضحك
استغرب البنات هذا التصرف من امهم
لكن امهم ألقوادة ضحكت ضحكة عالية وقالت
فخار يكسر بعضو..
لا يهمكن.. من سيغلب انتو من حصة الغالب
وصمت بشير لحظة قبل ان يضيف
وهكذا نحن يا سيدي
في العهد الماضي مركوبون
وفي عهدكم الميمون مركوبون
الحاكم العسكري: يقف.. مشدوداً.. لتلك البساطة..وقسوة العبارات
بنظراته مزيج من الحيرة والاعجاب والغضب
اذن انت “ابو المينا” بشير الحيفاوي
بشير: نعم
انا بشير الحيفاوي
الحاكم العسكري: اذن خضرتكم بصقتم على خضرتنا
بشير: نعم يا سيدي
الحاكم العسكري: وكيف؟؟
كيف حدث هذا؟؟
بشير: لا شيء يا سيدي
ببساطة
رأيت الاتراك يخرجون فبصقت
ورأيت الانجليز يدخلون فبصقت
انا لا احفظ شعراً.. اتغزل به بمحتلي
ولا انثر ورداً.. على غاصب ارضي
واقول لك يا سيدي
ان الاحتلال لا يمكن ان يكون إلا احتلالاً
واذكر من تاريخنا قولاً مشهوراً مع انني لم اتعلم
الحاكم العسكري: وقد ازداد تفاعلاً مع شخصية بشير الحيفاوي
هذا التفاعل هو مزيج من الاعجاب والشك.. واشياء أخرى
وماذا يقول تاريخكم؟؟
بشير: تاريخنا يا مولاي تاريخ شعب بسيط.. يريد ان يعيش
وحتى عندما كنا نحكم نصف الدنيا..
كنا نضمن لغيرنا ان يعيش
اما القول الذي اردت ان اقوله
انها مقولة لهارون الرشيد.. اضنكم سمعتم عنه..
الحاكم العسكري: طبعاً معلوم
نحن نعرف عنه اكثر منكم.. نعرف عنه كل شيء..
هارون الرشيد.. صديق شارلمان
بشير: نعم
هو ..
هارون الرشيد..
عندما ارسل له نقفور ملك الروم تهديداً
رد عليه هارون الرشيد
اذا امتدت اليك يدُ عدوِك
فاقطعها.. او قبلهل..
ونحن يا مولاي.. لا نستطيع ان نقطع ايديكم
ولكن.. على كل حال.. لن نقبلها ابداً..
اما البصقة التي سألتموني عنها..
فكانت هي سلاحي الوحيد الذي املكه بتلك اللحظة
لأُدافع عن كرامتي.. التي تتناوبون انتم وغيركم على دوسها باقدامكم..
وشكراً..
فرحان الاعرج يدخل ويهمس باذن الحاكم العسكري..
الحاكم العسكري: شكراً لخضراتكم..
شكراً جزيلاً..
لم اسجل عندي اي طلب من خضراتكم
افهم ان الامور كثير كويسه
يمكنكم الانصراف
لكن اريد ان تبقى انت مُشيراً الى بشير الحيفاوي
ايها الخارس..
ادخل الى القاعة..
ستار[/align]
تعليق