الوهـــــــــــــــــم
يحتضن الجبل تلك ال قرية التى يذوب سكانها بين التباب والوديان الصحراوية يلتمس كل واحد
منهم رزقه ما بين صيد واحتطاب ورعى لنعيجات
قد رسمن على وجه الوادى من حفر أفواههن صورة
تبرز وجه القحط على ثوب الجبل
لكن الحياة تسير بشدتها مع القبول لأهل القرية حياة بدوية وليس لديهم طموح فى الانحدار ناحية الحضر
فالسكون والهدوء يملآن المكان سكينة
تمر بهم أسراب الطير السارح لعيشه ورزقه قبل طلوع الشمس وتودعهم فى رجوعها لأعشاشها قبيل المغيب
لا أحد يمر عندهم فى واديهم الأقرع
ومن أين يأتى المرور؟ إلا من تائه أو ضال للطريق
أوذى مراد من جفاء الأرض أومن له خبرة للبيداء فيمر
كما يمر الطير السارح كأنه عابر سبيل قد يراه البعض أثناء قطعه للوادى وقد لايراه أحدا منهم إذا أتى فى وقت
فراغ الأكواخ من أهلها
لكن لايستمر الهدوء والسكون دائما فكثير ما يتغير الحال من يوم إلى يوم ومن ساعة إلى ساعه
وذات يوم وجدوا رجل تأخر من بينهم عن معياد رجوعه إلى آهله وبيته فقد استأثرت زوجته وأولاده بسكان القرية نظرا لتأخره فبحثوا عنه بالوادى والدروب الصحراوية دون جدوى وغلبهم الليل والجهد فباتوا حتى يشق النور
عليهم وتشرق شمس النهار فقد يحدث لأى واحد منهم
شيئ أو ضرر فرجعوا إلى منازلهم حتى حين
ومع بكر الشروق خرج الجميع للبحث فى مضارب الصحراء لعلهم يآتون به أو يعثرون عليه
فيأتون به إلى أولاده وداره لكن الوادى شح بهم
وبتبابه وأحجاره السوداء واشتد القيظ واشتد بهم العناء أكثر فلا أثر للرجل من قريب أو بعيد
لقد فقد آثره عند احدى المغارات وهذه لم يدخلها أحد من قبل فكيف بهم ؟
أضاء البعض مشعله الزيتى وتقدم إلى المغارة يستكشفها
ومن خلفه بعض من أهل القرية باحثين مؤازرين
لكن حمزة كان أسرع منهم فقد أكل فريسته وتمدد فى هدوء لاينغص رقوده شيئا فى الوادى فمن هذا الذى دخل عرينه وتجاسر فى مسعاه يطلبه
فانقض عليهم بكل قوته فصاروا من هول الفزع والخوف كجروز
يبحث كل واحد منهم على جحر
يختبئ فيه من
الهول الذى لقيهم والموت المؤكد الذى رآوه باعينهم
وذابوا فى الصحراء كلا على رأسه
لاينظرأحدهم خلفه وتملكهم الفزع والخوف وقد تضاعف عدد الضحايا ورجعوا وقد عرف أين سكن قريبهم؟ وأين مثواه ؟ وبادر كل واحد منهم فى تقوية وتغليظ متاريس باب بيته وكثرت الأغلال على الأبواب من الداخل حتى صاروا فى سجن عميق
وطال بهم الأمد وتغلل الخوف فى الصغار والنساء
فكانوا لايخرجون أطفالهم خارج البيوت حتى فى وضح النهار فكان الليل عندهم يتساوى بالنهار فى تلك المحنة
والراعى فيهم لايبرح كثيرا وبدأت الأغنام تضمرويسوء حالهم من سئ إلى أسوء
حتى ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت وظنوا أن لامفر
من الوقوع بين أنيابه يوما ما
فخلق الضيق لهم ثورة من غليان داخل كل حبيس من عدو حيوان وليس له درب فى مقاومته فلم يمربهم أمر
كهذا الذى رآته أعينهم فهو
لا يعرف الشفقة إلا اشباع رغبته
عدو طعامه اللحم والدم ولاغير ذلك
فما العمل ؟ وكيف الخروج ؟
واجتمعوا فى ضحى يوم حتى أهلكهم الكلام والحيرة
لكن كان بينهم رجل قليل الكلام ينأى بنفسه دائما بعيدا
عنهم يقلب عينيه فى وجوه القوم ويرى خوفهم وحيرتهم
وكأنه لايهمه الأمر من قريب أوبعيد
قال بصوت خافت وقد رفع يده يريد منهم أن يسمعوا له
ما يقول فتكلم وكأنه يهامس نفسه وقال:
أنا أكفيكم شر هذا الأسد وهذ العدو اللعين الذى أسكن الخوف فيكم وبنى منازل بأعتاب تسكن بينكم
نظر الجميع بعضهم لبعض وهم فى دهشة من أمر الرجل فهذا الذى يتكلم ليس بالرجل القوى بيننا
نحيل ؛قصير فكيف له بقتل الأسد
أهو فى عقله ؟ أفى وعيه ؟ استغراب ودهشة وفضول انتابت القوم قال أحدهم وهو يزعم لهم أنه الزعيم دائما
كيف لك هذا ؟ آتعى ما تقول ؟ قال الرجل : وقد نهض ووقف على قدميه ،نعم آعى ما قلته
فقالوا :والدهشة زادت طورها نحن معك
لكن قل لنا كيف ؟
قال الرجل : سأقول لكم حينما أقضى عليه
قالوا لك ما تريد ولكن نحذرك فأنت ضعيف ولاطاقة لك بهذا الحيوان المفترس
قال الرجل وكأنه واثق من خطاه سأمضى قدما لما أردت
وسأبيح لكم بعد رجوعى من مهمتى كيف تثنى لى القضاء عليه
لكن بشرط أن تمهلونى بعض الوقت على أن تلتزمون
دياركم وأن ترعوا مصالحكم كما كنتم حتى أعود لكم
إن قدر الله لى الرجوع
وخرج الرجل إلى مراده وفى مخازن عقول القوم
للرجل ما من ردة ورجوع فهو هالك هالك
ذهب الرجل إلى حيث مهمته وسار بعصاه فى يده
لايحمل غيرها وهناك وجد حمزة مستلقيا فى ظل صخرة ينظر الوادى أمامه والرجل يتقدم رويدا رويدا
حتى كان منه بقليل
استغرب الأسد من جسارة الرجل الذى أتى إليه منفردا
غير خائف منه ولايرتابه رعب
ونظر الرجل فى عينى الأسد قائلا :جئت إليك قاتلا لك
قال الأسد :أنت قاتلى
قال الرجل نعم أنا قاتلك أيها الوحش
وكيف لك بقتلى وأنت خاوى اليدين ؟
قال الرجل :لكن لدى سلاح لم أحضره معى لقتلك
ولكن جئت إليك الآن محذرا
فإياك إياك
ضحك الأسد ضحكة عالية وهو ينظر لهذا الكائن النحيل
وهو يقول ماذا لو وضعته بين ذراعى؟ فلا يكمل لى وجبة من غداء فتدارك
الرجل الأمر وسار راجعا وهو يحذره إياك تنسى أنى راجع لك وسوف أقتلك
وغادر الرجل مملكة الأسد وظل الأسد عالقا ذهنه
بالسلاح الذى سوف يقتل به من قبل الرجل النحيل
ويمر يوم بعد يوم والرجل لم يعود بعد فالتهم الوهم كبد
الأسد واعتلاه الهم وصاريهزل جسمه وانقطع عن الطعام والشراب حتى صار لايستطيع الحراك ولم يقوى على الوقوف وبدأ العد التنازلى للسقوط لهذا الملك
الذى أرعب
الناس والخلق وتشفى فى لحومهم يأكلها حينا ويهدر المتبقى من أجسادهم فضلات وطعام للطير الجارح
وأتى الرجل النحيل خاويا بدون سلاح
كما جاءه أول الأمرووقف أمامه فى مقابل فمه وآنيابه وقد اعتلته الدهشة
وهو يقول له أين السلاح الذى وعدتنى أن تقتلنى به ؟
و لقد جئتنى خاويا كما جئتنى أول مرة
قال الرجل وهل هناك أقوى من سلاح الوهم والهم لقد سلبت فكرك وأهومتك
لقد نلت منك وقتلتك وعاقبتك أيها الوحش ولتكن لأمثالك بك عبرة ومثل
فها آنت الآن لاتقوى على الحراك وأنا أمامك فهل لك من سبيل ؟
تمت بحمد الله سبحانه وتعالى
سيد يوسف مرسى
يحتضن الجبل تلك ال قرية التى يذوب سكانها بين التباب والوديان الصحراوية يلتمس كل واحد
منهم رزقه ما بين صيد واحتطاب ورعى لنعيجات
قد رسمن على وجه الوادى من حفر أفواههن صورة
تبرز وجه القحط على ثوب الجبل
لكن الحياة تسير بشدتها مع القبول لأهل القرية حياة بدوية وليس لديهم طموح فى الانحدار ناحية الحضر
فالسكون والهدوء يملآن المكان سكينة
تمر بهم أسراب الطير السارح لعيشه ورزقه قبل طلوع الشمس وتودعهم فى رجوعها لأعشاشها قبيل المغيب
لا أحد يمر عندهم فى واديهم الأقرع
ومن أين يأتى المرور؟ إلا من تائه أو ضال للطريق
أوذى مراد من جفاء الأرض أومن له خبرة للبيداء فيمر
كما يمر الطير السارح كأنه عابر سبيل قد يراه البعض أثناء قطعه للوادى وقد لايراه أحدا منهم إذا أتى فى وقت
فراغ الأكواخ من أهلها
لكن لايستمر الهدوء والسكون دائما فكثير ما يتغير الحال من يوم إلى يوم ومن ساعة إلى ساعه
وذات يوم وجدوا رجل تأخر من بينهم عن معياد رجوعه إلى آهله وبيته فقد استأثرت زوجته وأولاده بسكان القرية نظرا لتأخره فبحثوا عنه بالوادى والدروب الصحراوية دون جدوى وغلبهم الليل والجهد فباتوا حتى يشق النور
عليهم وتشرق شمس النهار فقد يحدث لأى واحد منهم
شيئ أو ضرر فرجعوا إلى منازلهم حتى حين
ومع بكر الشروق خرج الجميع للبحث فى مضارب الصحراء لعلهم يآتون به أو يعثرون عليه
فيأتون به إلى أولاده وداره لكن الوادى شح بهم
وبتبابه وأحجاره السوداء واشتد القيظ واشتد بهم العناء أكثر فلا أثر للرجل من قريب أو بعيد
لقد فقد آثره عند احدى المغارات وهذه لم يدخلها أحد من قبل فكيف بهم ؟
أضاء البعض مشعله الزيتى وتقدم إلى المغارة يستكشفها
ومن خلفه بعض من أهل القرية باحثين مؤازرين
لكن حمزة كان أسرع منهم فقد أكل فريسته وتمدد فى هدوء لاينغص رقوده شيئا فى الوادى فمن هذا الذى دخل عرينه وتجاسر فى مسعاه يطلبه
فانقض عليهم بكل قوته فصاروا من هول الفزع والخوف كجروز
يبحث كل واحد منهم على جحر
يختبئ فيه من
الهول الذى لقيهم والموت المؤكد الذى رآوه باعينهم
وذابوا فى الصحراء كلا على رأسه
لاينظرأحدهم خلفه وتملكهم الفزع والخوف وقد تضاعف عدد الضحايا ورجعوا وقد عرف أين سكن قريبهم؟ وأين مثواه ؟ وبادر كل واحد منهم فى تقوية وتغليظ متاريس باب بيته وكثرت الأغلال على الأبواب من الداخل حتى صاروا فى سجن عميق
وطال بهم الأمد وتغلل الخوف فى الصغار والنساء
فكانوا لايخرجون أطفالهم خارج البيوت حتى فى وضح النهار فكان الليل عندهم يتساوى بالنهار فى تلك المحنة
والراعى فيهم لايبرح كثيرا وبدأت الأغنام تضمرويسوء حالهم من سئ إلى أسوء
حتى ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت وظنوا أن لامفر
من الوقوع بين أنيابه يوما ما
فخلق الضيق لهم ثورة من غليان داخل كل حبيس من عدو حيوان وليس له درب فى مقاومته فلم يمربهم أمر
كهذا الذى رآته أعينهم فهو
لا يعرف الشفقة إلا اشباع رغبته
عدو طعامه اللحم والدم ولاغير ذلك
فما العمل ؟ وكيف الخروج ؟
واجتمعوا فى ضحى يوم حتى أهلكهم الكلام والحيرة
لكن كان بينهم رجل قليل الكلام ينأى بنفسه دائما بعيدا
عنهم يقلب عينيه فى وجوه القوم ويرى خوفهم وحيرتهم
وكأنه لايهمه الأمر من قريب أوبعيد
قال بصوت خافت وقد رفع يده يريد منهم أن يسمعوا له
ما يقول فتكلم وكأنه يهامس نفسه وقال:
أنا أكفيكم شر هذا الأسد وهذ العدو اللعين الذى أسكن الخوف فيكم وبنى منازل بأعتاب تسكن بينكم
نظر الجميع بعضهم لبعض وهم فى دهشة من أمر الرجل فهذا الذى يتكلم ليس بالرجل القوى بيننا
نحيل ؛قصير فكيف له بقتل الأسد
أهو فى عقله ؟ أفى وعيه ؟ استغراب ودهشة وفضول انتابت القوم قال أحدهم وهو يزعم لهم أنه الزعيم دائما
كيف لك هذا ؟ آتعى ما تقول ؟ قال الرجل : وقد نهض ووقف على قدميه ،نعم آعى ما قلته
فقالوا :والدهشة زادت طورها نحن معك
لكن قل لنا كيف ؟
قال الرجل : سأقول لكم حينما أقضى عليه
قالوا لك ما تريد ولكن نحذرك فأنت ضعيف ولاطاقة لك بهذا الحيوان المفترس
قال الرجل وكأنه واثق من خطاه سأمضى قدما لما أردت
وسأبيح لكم بعد رجوعى من مهمتى كيف تثنى لى القضاء عليه
لكن بشرط أن تمهلونى بعض الوقت على أن تلتزمون
دياركم وأن ترعوا مصالحكم كما كنتم حتى أعود لكم
إن قدر الله لى الرجوع
وخرج الرجل إلى مراده وفى مخازن عقول القوم
للرجل ما من ردة ورجوع فهو هالك هالك
ذهب الرجل إلى حيث مهمته وسار بعصاه فى يده
لايحمل غيرها وهناك وجد حمزة مستلقيا فى ظل صخرة ينظر الوادى أمامه والرجل يتقدم رويدا رويدا
حتى كان منه بقليل
استغرب الأسد من جسارة الرجل الذى أتى إليه منفردا
غير خائف منه ولايرتابه رعب
ونظر الرجل فى عينى الأسد قائلا :جئت إليك قاتلا لك
قال الأسد :أنت قاتلى
قال الرجل نعم أنا قاتلك أيها الوحش
وكيف لك بقتلى وأنت خاوى اليدين ؟
قال الرجل :لكن لدى سلاح لم أحضره معى لقتلك
ولكن جئت إليك الآن محذرا
فإياك إياك
ضحك الأسد ضحكة عالية وهو ينظر لهذا الكائن النحيل
وهو يقول ماذا لو وضعته بين ذراعى؟ فلا يكمل لى وجبة من غداء فتدارك
الرجل الأمر وسار راجعا وهو يحذره إياك تنسى أنى راجع لك وسوف أقتلك
وغادر الرجل مملكة الأسد وظل الأسد عالقا ذهنه
بالسلاح الذى سوف يقتل به من قبل الرجل النحيل
ويمر يوم بعد يوم والرجل لم يعود بعد فالتهم الوهم كبد
الأسد واعتلاه الهم وصاريهزل جسمه وانقطع عن الطعام والشراب حتى صار لايستطيع الحراك ولم يقوى على الوقوف وبدأ العد التنازلى للسقوط لهذا الملك
الذى أرعب
الناس والخلق وتشفى فى لحومهم يأكلها حينا ويهدر المتبقى من أجسادهم فضلات وطعام للطير الجارح
وأتى الرجل النحيل خاويا بدون سلاح
كما جاءه أول الأمرووقف أمامه فى مقابل فمه وآنيابه وقد اعتلته الدهشة
وهو يقول له أين السلاح الذى وعدتنى أن تقتلنى به ؟
و لقد جئتنى خاويا كما جئتنى أول مرة
قال الرجل وهل هناك أقوى من سلاح الوهم والهم لقد سلبت فكرك وأهومتك
لقد نلت منك وقتلتك وعاقبتك أيها الوحش ولتكن لأمثالك بك عبرة ومثل
فها آنت الآن لاتقوى على الحراك وأنا أمامك فهل لك من سبيل ؟
تمت بحمد الله سبحانه وتعالى
سيد يوسف مرسى
تعليق