مـن أرشتيـف الـذكـريـات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عزمي النجار
    أديب وكاتب
    • 22-02-2010
    • 183

    مـن أرشتيـف الـذكـريـات

    مـن نعـم الله عـلى بني البشر أن حبــا البعض بـذاكـرة قـويـةوأن الـعـلم يكـتشـف كـل يــوم مـا هـو جـديـد مـن نعـمة الخالـق على مخـلوقـاتـه. مـن هـذه الـنـعـم ما يسمـيـهالعـلماء بالـذاكـرة الخـفـيـةأي الـخـزان الـذي يـجـمـع كـل ما عـايـشـه الإنسان في حياتـه, حـيـث تـرى شخصـامـا فـجـأة يـبـتـسـم, يـضـحـك أو حـتـى تـدمـع عـيـنـاه لـسـمـاعـه شيـئا مشابها
    هـنـاك أنـاس مـن بـنـي الـبـشـر مـتـقـدمـون فـي الٍـسـن مـا زالـوا يــتـذكـرون الـكـثـيـر مـمـا مـر في حـيـاتـهـم وكـأنه حـدث بـالأمـس ومـع ذلـك يتمنـون ألا يتـذكـروا إلا ما هـو جميـل. تمـنيات للأسف لانسـتطيع التحكم بها.
    مـا إن قـرأت هـذا السـؤال حـتى مـرت أمـامـي احـداث عـايشـتـهـا مـنـذ عـقـود وكـأن الـقـدر يـقـول لـي نـشـط ذاكـرتـك قـبـل فـوات الأوان فـوجـدت نـفسـي طـفـلا أجـلس جـوار أمـي وأبـي بـيـن أفـراد الـعـائـلـة ، وأسـتـمـع إلى الـقـصـص الـكـثـيـرة عـن فـلسـطـيـن ، والـعـيـشـة الـرغـدة الـتي كـانـوا يـعـيشـونـهـا ثـم عـن أحـداث الـنـكـبــة ، ومـا مـروا بـه مـن مـعـانـاة الـهـجـرة والـرحـيـل. لـهـذا قـررت أن أدون مـا تـبـقـى فـي خـزان الـذاكـرة عـن الأحـداث الـتي عـايشـتـهـا ، ومـا سـمـعــتـه مـن الـوالـديـن والـجـدة رحمـهم الله مـن حـلـوهـا ومـرهـا ومـا مـررت بـه في الـشـتـات بـعـيـدا عـن أرض الـوطــن الـذي أبـعـدنـا عـنـه قـصـرا. إنـهـا نعمــة من نـعـم الله عـلي أنـنـي مـا زلـت أذكـر الـكـثـيـر الـكـثـيـر ويكـفي أن يـمـر أمـامي حـدث أو أن أقرأ أو أرى عـلى الـشـاشـة الـصـغـيـرة ويـلات وحـروب أو حـتـى كـوارث طـبـيـعـيـة ومـا أكثـرهـا للأسـف لأجـد نـفـسـي أعـيـش معــها للـمـرة الـثـانـيـة.
    لـهـذا أخـذت عـلى نـفـسـي عـهـدا أن أكـتـب مـا عـايشـتـه مـنـذ الـطــفـولـة بـكـل شـفـافـيـة ولـكـن قـبـل أن أخـوض فـي الأحـداث الألـيـمـة الـتـي غـيـرت مـجـرى حـيـاتـنـا كـفـلسـطـيـنـيـن رأيـت أن ابـدأ عـن حـدث مـشـائـق.إنـهـا قـصـة غـايـة مـن الـسـذاجـةمـا زلـت أذكـرهـا وكـأنـها حـصـلـت بـالأمـس عــلمـاأنـه مـر عـليـهـا عـدة عـقـود ، لـكـنـهـا مـا زالـت عـالـقـة فـي الـذهـن ويـكـفـي أن أتـصـل بـصـديـقـي أحـد أبـطــال هـذه الـقـصـة أو يـسـمـع أحـدنـا صـوت الآخـر، أوعـنـدمـا نـتـقـابـل نــبـدأ بـالضحـك قـبـل أن يـتـلـفـظ أحـدنـا بـكـلمـة واحـدة.

    الثانيه
    قـصة تـكـاد لا تـعـقـل ولا تصدق وكـأنـهـا مـن نـسـج الـخـيـال لكـنهـا حـدثـتبالـفـعـل, كــيـف؟ هـذا السـؤال لـم يـجـد لـه أبـطـالـهـا إجـابـة.
    كـان هـذا في صـيـف 73 م من الـقـرن الـمـاضـي. حـرارة الـشمـس تـشـعـرنـا وكـأنـنـا نـعـيـش فـيأدغـال أفـريـقـيـا.الـنـاس تـنـظـرالى السمـاء الـصـافـيـة عـلى أمـل أن تـرى غـيـمـة هـنـا أوهـنـاك تـنـتـظـر الـغـيـث لـيـس كـمـا هـو الـمـعـهـود في بـلاد الـشـرق مـن أجـل الاسـتـسـقـاء فـالـمـاء هـنـا وفـيـروخـاصـة عـنـدمـا تـبـدأ درجـة الـحـرارة فـي الأرتـفـاع بـدايـة فـصـل الـربيـع, تـذوب الثـلوج مـن عـلى سـفـوح سـلسلـة جـبـال الألـب التي تـربـط دول أوروبا الـغـربيـة وتـبـدأ الـمـيـاه بـالـزحـف عـلى الـمـدن الـقـريـبـة وتـصـل الأنـهـار التـي تـعـم البـلاد مـن شـرقـهـا الـى غـربـهـا ومـن شمـالـهـا الى جـنـوبـهـا ومـا هي إلا فـتـرة قـصـيـره حـتـى يـرتفع المـنـسـوب الى أمـتـار ويـزيـد الـطـيـن بلــة عـنـدمـا تـبـدأ الأمطـاربالـهطـول وأحـيـانـا لأيـام عـدة وبـغـزارة, هـنـا تــتوقـف المـركـبات عـن السـيـر لأن الشـوارع القـريـبـه في الـمـدن الـتي تـمـرمـنـهـا الأنـهـارتـتـحـول الى بـحـيـرات وتـتـدخـل المـطـافي والشـرطـة وتـرى القـوارب المـطـاطـيـة تـحـوم في كـل مـكـان ذهـابـا وأيـابـا لأنـقـاظ الـسـكـان خـوفـا مـن الـغـرق بـعـد أن غـمـرت الـمـياه بـيـوتـهـم وقـد يـعـلن عـن بـعـض المـنـاطـق بـأنـهـا مـنـكـوبـه, هـنـا تـتـذمـر الـدولـة لأنـهـا سـتـدفـع قـروض بالمـليارات مـن خـزيـنـة الـدولـه لأصـحـاب الـمـنـازل المنـكـوبـه بـدون فـوائـد أمـا الـمـزارعـيـن الـتـي غـمـرت المـياه مـزارعـهـم وأتـلـفـت مـحـاصـيلهـم فـيـقـدم لـهـم مـسـاعـدات مـاليـه لـمسـاعـدة المـزارعـيـن والحفاظ عـلى الـزراعـه, عـدا ذلـك مصـاريـف الأنـقـاذ وضخ المـيـاه مـن المـنـازل التـي غـمـرتـهـا السـيـول. أمـا شـركـات الــتـأمـيـن تـبـدأ بـالتـظـمـرومـنـاكـفـة الأهـالي فـي دفـع التـعـويـضات لألاف السكـان التي تضررت منازلهم.
    أسـابـبع قـليـلـه يـبـدأفـصـل الـصـيــف الـذي أنـتـظـروه الـنـاس بـفـارغ الصـبـر لأسـبـاب عـدة مـن أهـمـهـا الـتـوقـف عـن الـتـدفـئـه ودفـع فـاطـورة شـراء الـغـاز الـبـاهـضـه أمـا السـبب الثـانـي للاسـتـمـتـاع بـحـرارة الشـمـس التـي أصـبـحـت شـحـيـحـة مـنـذ أواخـر القـرن المـاضـي والـتي قـليـلا مـا تـمـتـد الى أيـام ونـادرا أسـابـيـع قـليـلـه وإذا مـا زادت درجـة الـحـرارة عـلى عـشـرين درجـة مئويـه تـجـدهـم شـبـه عـراه يـتمـشـون داخـل الـمـدن ويتسـابـقـون للبـحـيـرات الأسـطـناعـيـة وبـحـرالشـمـال يـتـسـبـحـون كما ولـدتـهـم أمـهـاتـهـم لـدرجـة أن أحـد الصـحـفـيـيـن كـتـب أن ذاك عـنـدمـا أنـتـشـرت هـذالـظـاهـرة مـقـالـه عنوانها بـالـبـنـط الـعـريـض ,,أوربـا خـلـعـت وأفـريـقـا لـبـسـت,,.
    في الـوقـت الـحـاضـرعـادت أوربـا تـرتـدي مـلابـسـهـا ولا تـخـلعـهـا إلا أيـام مـعـدودة في السنه لأن الـطـقـس قـلب رأسـا على عقب مـنـذ حـرب الـخـليج الأولـى ونـعـيش أحـيـانـا الفـصـول السـتـة وليس الأربعـة في يـوم واحد وهـذا ليس في فصل معيـن بل على مدارالـسنـه, فـمـثـلا فـصـل الصـيـف مـمـطـرعـادة, فجأة تـرى الشمس السـاطـعـة غـطـتـهـا الـغـمـام تـهـب الـعـواصـف وتقـتـلع الأشـجـار وتهـبـط درجة الحـراره وتـتسـاقط (الثـلوج).
    فـي هـذا الـصـيـف أي عـام 1973م كـنـا مـا نـزال فـي نـهـايـة التـرم الــدراسـي لـتـطـالـعـنـا نـشرة الأخـبـار بـأن الـطـائـرات المـصـريـه عـبـرت سيـنـاء المـحـتـله ولا يـوجـد تـفـاصيـل إذ هي حـرب أم منـاوشـات كـالـعـادة.
    أخـذنـا نـتـجـمـع نـحـن الـطـلبـة الـعـرب أمـام الـتـلفـاز مـن جـهـة والـراديـو مـن جـهــة أخـرى حـيـث أن الـمعـلـومـات كـانـت مـا تـزالشـحـيـحـةوغـيـر واضـحـه ولا تـوجـد فـضـائـيـات وبـالـكـاد نـلـتـقـط بـعـض الـكـلـمـات مـن الأذاعـات العــربيـه, أيـديـنـا عـلى قـلـوبنـا نــصـل نـهـارنـا بـلـيـلـنـا الـدخـان يـنـبـعـث فـي كـل مـكـان فـي الـشـقـة الـصـغـيـرة والـتـي أصبـحـت وكـأنـهـا فـوق الـسـحـاب, تـسـمعـع صـوت الإبـرة إذ لامـسـت الأرض والـكـل واجـم, ربنـا يسـتـر ويـجـيـب الـعـواقــب سـليـمـة.

يعمل...
X