النحات كريم خضير يحيي «ذاكرة» العراق
=================
في معرضه الشخصي الرابع (قاعة مدارات للفنون - بغداد) يخطو النحات كريم خضير خطوة جديدة، ومتميزة في واقع النحت المعاصر في العراق، لا في اختيار موضوعاته فقط، وإنما أيضاً، وبصورة أساسية، في التعاطي فناً مع الشكل الذي يستوعب هذا الموضوع (الإنسان، امرأة ورجلاً، العلاقة بالأشياء، الكائنات التي يمثل الطير الحضور الأبرز فيها)،
ومع مادة هذا النحت (البرونز). وتظهر براعته نحاتاً في مسألتين جوهريتين في عمله، وهما: رشاقة الشكل المعبر عن فكرة، والفراغــات التي تحيــط بالشكل، أو تتداخل معه، والتي تشكل عنصر الإضاءة فيه... كل هذا ببراعة فنية لا يدركها إلا فنان متمكن من فنه. ومن تابع المعارض والأعمال السابقة لهذا الفنان سيفاجئه هذا المعرض في اكثر من مستوى للأعــمال النحتية فيه التي تمثل موضوعات متقاربة من حيث الشكل والمضمون من دون تكرار، إن لم نقل: إنها تشكل تكاملاً في مستوى الموضوع والرؤية الجمالية للموضوع.
ثانياً، هناك المعالجة الفنية البارعة للشكل - الموضوع، مبرزاً فيه خصائص الجسد، وحركته المعبّرة، المرتبطة بدلالات قصد إليها الفنان في حدود «المعنى» المراد التعبير عنه في نطاق «الشكل» الذي اتخذ.
وهناك، ثالثاً، البعد الرمزي والدلالي للأشكال. فالأشكال هنا ليست موضوعات ساكنة المعنى أو الحركة، وإنما هناك ما يمكن ان ندعوه بالحركة الذاتية للعمل من خلال «الصورة - الشكل» التي يتجسد فيها، ما يمنح العمل بعده الرمــزي والدلالي. ولعل عنوان المعرض «ذاكرة لن تغيب» يجمع بين الرؤى التصويرية، وتمثيلات الوجود الحي (الإنسان، الطيور) ما يجعل للأعمال دلالاتها وبعدها الرمزي.
وهذا كله، إذا نظرنا إليه ملياً، نجده مرتبطاً ببيئة ذات تاريخ إنساني، فإنسانه هنا ليس أي إنسان، وإنما هو إنسان مرتبط بوجود، ويشكل بارتباطه هذا دلالة وجود: بيئة حياتية وتاريخاً له بعده الإنساني المطبوع بشيء من الخصوصية.
ولعل تلك «الإضافات» التي أطّر بها أعماله، أو منــحـــها بها خصوصية وجودها، سواء ما كان مــنها من مادة العمل (البرونز) أو من سواها، أعطـــت هذه الأعمال بعــدها الخـــاص الذي ربما أراد الفنان أن يحقق نظرة إليه نابعة من «تكوينه الخاص» الذي تتمثل فيه دلالة الحضور ضمن محيط (بيئة إنسانية لها خصوصيتها) ومن خلال تاريخ «يمثل عمق هذه الرؤية وامتدادها بامتداد وجود هذا الإنسان الذي يتمثله ويمثله في هذا «الشكل الفني»، حيث ولد، ونشأ، وتكون، ومارس وجوده وحضوره على هذا النحو».
إن اعمال المعرض، التي جاءت في حجوم متقاربة، تنمّ عن مهارة فنية عالية حيث تلاعبت يد الفنان، على نحو بارع، بالكتلة والفراغ الذي يحيطــها أو يتخللــها، وفي هذا المزج الفني بين الشكل والتكوين، مقدماً الفكرة المراد التعبير عنها برؤية بصــرية حاذقةــ تأخــذ من الأشياء - الأشكال أدق تفاصيلها لتنشئ منها «تكويناً» متلازم التفاصيل.
ونجد للذاكرة سلطتها، ودورها في هذا كله. والذاكرة هنا بصرية اكثر من كونها أي شيء آخر: انها ذاكرة تتحرك في فضاء مسكون بالإنسان، وبالأشياء الشديدة القرب، أو الصلة، بهذا الإنسان، وبحركــية وجوده أيضاً.
كذلك نجد التوازن متحققاً بين ما يمكن أن ندعوه «إيقاعات الرؤية» و «إيقاعات الجسد».
فإذا قلنا إن هذا المعرض، بأعماله مجتمعة فنياً وموضوعياً، هو بمثابة عودة الى الذاكرة بما لها من بعد ذاتي، قلنا أيضاً إن هذه الأعمال تمثل، من جانب آخــر، احتــضاناً للذات (ذات الفنان) بما لهــذه الذات من بيئة إنسانية فطرت عليها، واكتسبت الكثير من خصائصها.
يعيد النحات كريم خضير، بمعرضه هذا، الحضور المميز الى النحــت العراقي بــعدما غـــاب عن عديد المــعارض في الأعوام الأخيرة - ما خلا اطلالات قليلة في بغداد وبعض المدن العراقية.بغداد - ماجد السامرائي
=================
في معرضه الشخصي الرابع (قاعة مدارات للفنون - بغداد) يخطو النحات كريم خضير خطوة جديدة، ومتميزة في واقع النحت المعاصر في العراق، لا في اختيار موضوعاته فقط، وإنما أيضاً، وبصورة أساسية، في التعاطي فناً مع الشكل الذي يستوعب هذا الموضوع (الإنسان، امرأة ورجلاً، العلاقة بالأشياء، الكائنات التي يمثل الطير الحضور الأبرز فيها)،
ومع مادة هذا النحت (البرونز). وتظهر براعته نحاتاً في مسألتين جوهريتين في عمله، وهما: رشاقة الشكل المعبر عن فكرة، والفراغــات التي تحيــط بالشكل، أو تتداخل معه، والتي تشكل عنصر الإضاءة فيه... كل هذا ببراعة فنية لا يدركها إلا فنان متمكن من فنه. ومن تابع المعارض والأعمال السابقة لهذا الفنان سيفاجئه هذا المعرض في اكثر من مستوى للأعــمال النحتية فيه التي تمثل موضوعات متقاربة من حيث الشكل والمضمون من دون تكرار، إن لم نقل: إنها تشكل تكاملاً في مستوى الموضوع والرؤية الجمالية للموضوع.
ثانياً، هناك المعالجة الفنية البارعة للشكل - الموضوع، مبرزاً فيه خصائص الجسد، وحركته المعبّرة، المرتبطة بدلالات قصد إليها الفنان في حدود «المعنى» المراد التعبير عنه في نطاق «الشكل» الذي اتخذ.
وهناك، ثالثاً، البعد الرمزي والدلالي للأشكال. فالأشكال هنا ليست موضوعات ساكنة المعنى أو الحركة، وإنما هناك ما يمكن ان ندعوه بالحركة الذاتية للعمل من خلال «الصورة - الشكل» التي يتجسد فيها، ما يمنح العمل بعده الرمــزي والدلالي. ولعل عنوان المعرض «ذاكرة لن تغيب» يجمع بين الرؤى التصويرية، وتمثيلات الوجود الحي (الإنسان، الطيور) ما يجعل للأعمال دلالاتها وبعدها الرمزي.
وهذا كله، إذا نظرنا إليه ملياً، نجده مرتبطاً ببيئة ذات تاريخ إنساني، فإنسانه هنا ليس أي إنسان، وإنما هو إنسان مرتبط بوجود، ويشكل بارتباطه هذا دلالة وجود: بيئة حياتية وتاريخاً له بعده الإنساني المطبوع بشيء من الخصوصية.
ولعل تلك «الإضافات» التي أطّر بها أعماله، أو منــحـــها بها خصوصية وجودها، سواء ما كان مــنها من مادة العمل (البرونز) أو من سواها، أعطـــت هذه الأعمال بعــدها الخـــاص الذي ربما أراد الفنان أن يحقق نظرة إليه نابعة من «تكوينه الخاص» الذي تتمثل فيه دلالة الحضور ضمن محيط (بيئة إنسانية لها خصوصيتها) ومن خلال تاريخ «يمثل عمق هذه الرؤية وامتدادها بامتداد وجود هذا الإنسان الذي يتمثله ويمثله في هذا «الشكل الفني»، حيث ولد، ونشأ، وتكون، ومارس وجوده وحضوره على هذا النحو».
إن اعمال المعرض، التي جاءت في حجوم متقاربة، تنمّ عن مهارة فنية عالية حيث تلاعبت يد الفنان، على نحو بارع، بالكتلة والفراغ الذي يحيطــها أو يتخللــها، وفي هذا المزج الفني بين الشكل والتكوين، مقدماً الفكرة المراد التعبير عنها برؤية بصــرية حاذقةــ تأخــذ من الأشياء - الأشكال أدق تفاصيلها لتنشئ منها «تكويناً» متلازم التفاصيل.
ونجد للذاكرة سلطتها، ودورها في هذا كله. والذاكرة هنا بصرية اكثر من كونها أي شيء آخر: انها ذاكرة تتحرك في فضاء مسكون بالإنسان، وبالأشياء الشديدة القرب، أو الصلة، بهذا الإنسان، وبحركــية وجوده أيضاً.
كذلك نجد التوازن متحققاً بين ما يمكن أن ندعوه «إيقاعات الرؤية» و «إيقاعات الجسد».
فإذا قلنا إن هذا المعرض، بأعماله مجتمعة فنياً وموضوعياً، هو بمثابة عودة الى الذاكرة بما لها من بعد ذاتي، قلنا أيضاً إن هذه الأعمال تمثل، من جانب آخــر، احتــضاناً للذات (ذات الفنان) بما لهــذه الذات من بيئة إنسانية فطرت عليها، واكتسبت الكثير من خصائصها.
يعيد النحات كريم خضير، بمعرضه هذا، الحضور المميز الى النحــت العراقي بــعدما غـــاب عن عديد المــعارض في الأعوام الأخيرة - ما خلا اطلالات قليلة في بغداد وبعض المدن العراقية.بغداد - ماجد السامرائي
تعليق