الفـــــــزّاعـــــة...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صالح اهضير
    أديب وكاتب
    • 08-12-2013
    • 37

    الفـــــــزّاعـــــة...



    [align=justify] حينما ألفى نفسه ملفوظا مثل بقايا حطام في متاهات هذه المزرعة المخيفة، كان من الصعب عليه أن يدرك علة وجوده جسدا وروحا في عين المكان..في البداية تساءل:اعنفا كانّّ ذلك أم بالاختيار أم بمحض الصدفة؟!..حاول الدخول في جدال حاد مع نفسه، لكنه أيقن في النهاية انه سيظل يدور في حلقة مفرغة من غير حصيلة مقنعة.استقر في بؤرة شعوره ووعيه أن البحث في الإشكالية وسبر أغوارها لايزال مثارا لتضارب الآراء والمواقف.كل ما بمقدوره أن يدركه بشفافية ووضوح هو انه موجود هنا بالقوة والفعل في منبت الرعب والإحساس بالنبذ والدونية إلى درجة بدا له فيها أن حجمه قد تقلص إلى مستوى ما دون بعوضة...
    يخيل إليه أن الليل محاصر في هذا الموقع الرهيب من جهاته الأربع..محظور على الشمس أن تهب بخيوط وهجها منيرة ممشاه..وكيف له أن يرى الشمس وروحه تكفنها الهواجس والأشجان؟!..الظلام حالك كثيف يلف كل أرجاء المزرعة إلا من قبس أنجم تخفت في أديم السماء الأسود..سنابل القمح تمتد مشرئبة تتمايل بفعل رياح شبه هوجاء..بصعوبة بالغة تمكن من التحديق، جاحظ العينين،إلى أشجار الزيتون والكروم المتناثرة بمحاذاة المزرعة..تراءت له في العتمة مثل أشباح الليل...
    كان يسير بخطى وئيدة تتقاذفه الممرات والمسالك اللزجة..تغوص قدماه في الأوحال..يكبو تارة ويستقيم أخرى..يتأبط مجموعة من كتب بليت صفحاتها وتآكلت كما لو انه قد اقتناها من رفوف مكتبة عششت فيها العناكب والأرضة..يحني رأسه بين حين وآخر متحسسا بطبلتي أذنيه مصدر طقطقة تنبعث من مكان ما منذ ولوجه إلى المزرعة..يمتزج الصوت الغريب بحفيف الأشجار ونباح كلاب مسعورة وخشخشة الهوام بين الأعشاب..استعاد في ذاكرته على التو هذا الصخب الليلي وأدرك أن له في غور ذاته دلالة ومعنى..قال له ذات يوم آدميون من ذوي العضلات المفتولة والألسنة السليطة:"البراميل الفارغة أكثر مبعثا للضجيج.."..رد عليهم في قرارة نفسه:"البراميل وإن تكن ممتلئة فهي أثقل من أن يقوى على زحزحتها أو حملها الحاملون..."
    المكابدة ووحشة المكان ليست قصرا عليه وحده..هو يعرف أن نماذج بشرية منسوخة على شاكلته تتجشم الهول في مزارع الشؤم..تخنق أنفاسها روائح المبيدات الحشرية..شعاراتها للمطالبة بتحطيم الفزاعة تظل معلقة التنفيذ حتى إشعار آخر...
    يدوي في قفصه الصدري رعب طفولي..أسارير جبينه تزداد انكماشا..تسري في أوصاله رعدة قوية كلما تلاشت الخطوات من ورائه وتضاءلت المسافة من أمامه في اتجاه مصدر الصوت..كاد أن ينهار لولا أن اخذ يحض نفسه على الثبات مستعيدا في ذاكرته صدى لنصيحة والده لحظة احتضاره وهو في كامل قواه:"في ذات الإنسان يا بني مخزون من طاقة مهما بلغ به اليأس ما بلغ.."
    حدة الصوت تزداد ارتفاعا..على حين غرة يصطدم بجسم صلب..يتلمسه كالأعمى بكلتا يديه مشدوها:عمود خشبي على شكل صليب، كساه الناطور أسمالا بالية..تتدلى منه لوحة خشبية تطقطق متأرجحة..يرتد إلى الخلف واجما كنصب تذكاري..بقوة ينتزع اللوحة رافعا إياها إلى الهواء مندفعا صوب الفزاعة..ما كاد أن يفعل حتى هوت يد الناطور تضغط على كتفه بقوة محذرا:
    -دع الفزاعة وانصرف!!
    - كلا..!! لابد من تحطيمها أولا..
    - ألا تستمع للنباح؟ كلاب الضيعة ستهاجمك..
    - قلت لك لابد من تحطيم الفزاعة مهما يكن..
    -ستمزقك الكلاب إربا إربا..!!..انصرف لحالك..!!
    يتخلص من اسر وهمه المرير..عن كثب،اخذ يتأمل الفزاعة في حسرة غير معهودة..يود لو كان بوسعه أن يجتاز حدود"الأنا الأعلى"، عندئذ فقط تتداعى الفزاعة للسقوط وتنهار إلى الأبد...[/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة صالح اهضير; الساعة 22-01-2014, 11:45.
  • محمد الشرادي
    أديب وكاتب
    • 24-04-2013
    • 651

    #2
    الأنا الأعلى هو الجانب السوسيولوجي للشخصية، يتكون من مجمل التجارب الحياتية التي يتعلمها المرء في الأسرة و المدرسة و الشارع. و هو الجزء المثالي من الشخصية، الذي يحتكم إلى القيم الخلاقية و المبادئ، أي هوالضمير. إذا طغى الأنا الأعلى على الفرد عانى من اضطرابات.
    الأنا الأعى يكون بالفعل فزاعة إذا تضخم و حاز أكثر من حقه. حين ذلك على المرء أن يسعى إلى تجاوز هيمنته كي يحس بالاستقرار.
    نص محبوك بحرفية، و مهارة كبيرتين.
    سلم يداك أخي
    .

    تعليق

    • صالح اهضير
      أديب وكاتب
      • 08-12-2013
      • 37

      #3
      الأخ الشرادي
      أصبت الهدف أستاذي..فأنا لم يكن بمقدوري فعل شيئ إزاء هذه الفزاعة وأنا أخوض معركة في نزاع كبير بين "الأنا الاعلى" و "الهو"..
      امتناني الجليل لانطباعك الرقيق..

      تعليق

      يعمل...
      X