قراءة في نص" وتاه العمر بين يديك "للمبدعة القديرة :منيره الفهري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د.نجلاء نصير
    رئيس تحرير صحيفة مواجهات
    • 16-07-2010
    • 4931

    قراءة في نص" وتاه العمر بين يديك "للمبدعة القديرة :منيره الفهري

    قراءة في نص " وتاه العمر بين يديك " للقديرة المبدعة :منيره الفهري ...نجلاء نصير
    النص

    من غابر الأيام

    من سَحيق الزمن

    من رحِم الألم

    من رتق الوجيعة

    أتَيتَني

    مِن وأد الأحلام

    من وجَع الخطيئة

    من تساقط الأيام

    من رسميَ والعدم

    و كطوق للنجاة

    أتيتني

    من زوايا القلب الدفينة

    من ذبول ورديَ

    من نسائم الفجر الشهية

    من اغتيال حرفيَ

    أتيتَني

    و زعمتَ أنك سلطانُ المساء

    و أني أميرةُ المجد

    و الكون البعيد

    منذ الأزل...

    و ارتجفتْ أهدابي

    و ارتعشَ الحب فيَّ

    و رقص قلبي

    و اهتزت مدامعي تسحبُني

    لجنّةٍ في الخُلد

    لصفاء العمر

    لثوانيَ الوجد الجميلة

    ***

    و تسألني

    كيف قضيتِ سنينَ العمر؟

    أكانت تدق أجراسُك الثملى

    تَنشُدني؟

    أكنتِ تُشهدين السُّهْدَ

    على شغفِ الانتظار؟

    أكنتِ تُهدين شمسَ الصباح

    قرابينَ الليل عنِّي؟

    أكنتِ تناجين المسافات

    تقرّبُني لديك؟

    ياااااااااااااااااه

    أتسألني عن ماضٍ لستَ فيه

    عن زِيف العمر دون هواك؟

    أنا لا أعرِفُني ما دمتَ لستَ فيَّ

    أنا لا أذكُر سنينًا ابتدأت دونكَ

    من قال إني كنتُ أنا؟

    من قال إني حَيِيتُ هناك

    من قال إني كنتُ في زمنٍ

    أنت لستَ مَدارَه؟

    من قال إن القلب انتفض لِسواك

    أنا ما حييتُ إلا لِألقاك

    ***

    من غابر الزمان أتيتني

    أم من شذَب التمنّي

    رسمتَني طيفا في السماء

    سميتَني أميرةً لديك

    و سيدةَ النساء

    و تاه العمر ...تاه

    تاه العمر بين يديك


    "وتاه العمر بين يديك "من العنوان تفاجئنا الرائعة "منيره الفهري"
    بشفرة تفك لنا طلاسم هذا النص فبدأت بالفعل الماض "تاه " ليسأل المتلقي ماذا تعني كاتبة النص بالفعل
    "تاه "؟؟ هل تقصد ذهاب العقل ..أم أن العمر ضل الطريق ..أم الشرود ..أم الحيرة ..أم الضياع ؟!!
    لكن لفك شفرة الفعل تاه تتابع كاتبنا موضحة للمتلقي أن العمر هو ضحية هذا العاشق
    فقد وقف العمر حائرا بين يدي هذا العاشق حتى وصل لحالة التيه وغاص في متاهة عشقه
    حتى ثمل ونسي ما تقدم قبله فهذا الحبيب قد نسخ العمر نسخا ولم يتبق فيه غير ماض
    جعلت من الرائعة منيرة "حالة موضوية " بلا عودة مؤكدة على ذلك بقولها "من غابر الأيام " ثم اتبعت بقولها
    "من سحيق الزمن" فنحن أمام "الأيام _ الزمن " وهذه الألفاظ تدل على الوقت الذي تدلل للمتلقي على وقعه عليها فهذا الوقت محملا بالألم بل هذا العاشق أتى من رحم الألم والوجع واقران الكاتبة للألم والوجع يجعلنا أمام حالة من الألم النفسي الذي ترك في النفس خللا يحتاج لمن يرتقه وهذا العاشق أتى من رتق الوجيعه ومن وئد الأحلام ..ومن وجع الخطيئة وحين تذكر" الخطيئة " تحمل للمتلقي تساؤلات متعددة هل الخطيئة تكمن في قبوع الكاتبة لوقع الزمن الغابر ..أم الخطيئة تكمن في مقاومتها للعشق تجيبنا الرائعة منيرة على هذه التساؤلات حيت تؤكد لنا أن هذا الحبيب قد أتى طوقا للنجاة من رسمها والعدم وكأنها كانت لوحة صماء تحتاج لمن يمسك بريشته ليرسمها ويلون أيامها من "زوايا القلب الدفينة " فنحن أمام مشاعر مكبوتة في خندق القلب بحاجة لمن ينبقب عنها بصبرلأن الورود قد ذبلت فتعبير "من ذبول ورودي " جاء ليؤكد لنا على طول الفترة الزمنية من حالة الانتظار
    التي عاشتها الكاتبة ثم تطالعنا الكاتبة بنسمة أمل تسربت للمتلقي من قولها " نسائم الفجر" وما يحمله الفجر من فرجة وشق لخيط الظلام مما يرمز لفك طلاسم قلبها وتسرب نبض الحب في شريانه من جديد ودلت على ذلك بلفظ "الشهية " لكن بعد هذه الوجبة الشهية القليلة التي حملت للمتلقي بارقة أمل في تغيير مسار النص من حالة الظلمة لحالة الأمل عادت من جديد لتعزف لحن الشجن بقولها "من اغتيال حرفي أتيتني " وكأننا أمام صراع نفسي بين الكاتبة ومشاعرها لكن النصر كان للقلب الذي اغتال حروفا حاولت جاهدة أن توصد باب العشق ثم تخاطب هذا العاشق بقولها "وزعمت أنك سلطان المساء " ويحير المتلقي الفعل "زعم " هل هذا العاشق ادعى كذبا انه سلطان المساء فاختيار الكاتبة للفظ "المساء " هنا كان موفقا لأن في المساء تتكالب الظنون وتنهش الذاكرة صفحة العمر فأتى هذا المحب ليقيد جموح المساء، كما توجها أميرة للمجد لكنها أميرة أسطورية أكدت على هذه الفكرة بقولها "منذ الأزل" فنحن أمام أميرة أسطورية فك طلاسم شفرة قلبها هذا العاشق الذي نحت في قلبها نبضا وأجرى شريان الحياة في قلبها
    وترسم لنا الأثر النفسي وكأنها تريد من المتلقي أن يشاركها مشاعرها فتشرح له سر هذه الدفقة الشعوريةفي قولها


    و ارتجفتْ أهدابي

    و ارتعشَ الحب فيَّ

    و رقص قلبي

    و اهتزت مدامعي تسحبُني

    لجنّةٍ في الخُلد
    لصفاء العمر

    لثوانيَ الوجد الجميلة

    فهي تشرح للمتلقي أنها كانت تحيا في ظمأ لشربة عشق حيث الصفاء الذي كانت تصبو إليه نفسها
    ثم تنتقل بنا لحوارية تدور بينها وبين هذا العاشق حين يسألها في صلف من وجهة نظري عن مدى انتظارها
    وذلك في قولها
    و تسألني

    كيف قضيتِ سنينَ العمر؟

    أكانت تدق أجراسُك الثملى

    تَنشُدني؟

    أكنتِ تُشهدين السُّهْدَ

    على شغفِ الانتظار؟

    أكنتِ تُهدين شمسَ الصباح

    قرابينَ الليل عنِّي؟

    أكنتِ تناجين المسافات

    تقرّبُني لديك؟

    فهذا العاشق يسألها كيف قضت السنين وهل كانت تناجي الليل وهل كان السهاد قرابينا وتبتلا لليل ليقرب بينهما المسافات
    وبلغة العاشق المنتصر يختم سؤاله وتجيبه هذه العاشقة المسلوبة الإرادة نافية عمرها السابق فقد ولدت من رحم السعادة حين وقعت في براثن العشق فالزمن الموضوي لا تحتسبه من عمرها أوربما لم تكن تحيا قبل أن يدب الحياة في شريان عمرها هذا العاشق وذلك في قولها
    أتسألني عن ماضٍ لستَ فيه

    عن زِيف العمر دون هواك؟

    أنا لا أعرِفُني ما دمتَ لستَ فيَّ

    أنا لا أذكُر سنينًا ابتدأت دونكَ

    من قال إني كنتُ أنا؟

    من قال إني حَيِيتُ هناك

    من قال إني كنتُ في زمنٍ

    أنت لستَ مَدارَه؟
    فقد أصبح العاشق مدار حياتها تحولت لمجرة في فلكه وهذا يشرح للمتلقي قوة مشاعر هذه العاشقة
    وتؤكد على مسامعنا نفس المعنى في قولها
    من قال إن القلب انتفض لِسواك

    أنا ما حييتُ إلا لِألقاك

    نعم هي لم تعرف الحياة إلا معه
    تذكرت غاليتي منيره كلمات الرائع أحمد شفيق كامل
    حبيبي دا انا مخلوق يادوب علشانك علشانك أنت
    نص موفق مضمخ بالمشاعر ومغلق من وجهة نظري غاليتي وقد أكد انغلاق النص
    الخاتمة تاه العمر بين يديك تاه التي هي عنوان النص
    تحياتي وتقديري ليراعك المبدع
    نجلاء نصير
    sigpic
  • منيره الفهري
    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
    • 21-12-2010
    • 9870

    #2
    الرائعة و أكثر أستاذتي و ست الكل
    نجلاء نصير
    حقيقة سعدت أيما سعادة بهذه المفاجأة الكبيرة التي قرأتهُا مرات و مرات و عيناي تذرفان دموع الفرح
    يا سيدتي ما فعلته معي لم يفعله معي أحد من الأدباء ..أسعدتني كثيراااااااا
    لم يسبق لأحد أن قرأ لي نصا رغم أنهم يقولون إن نصوصي صادقة مميزة ( و الكلام من عند الإخوة الأدباء)و لم أصدق في الحقيقة
    الآن فقط صدقت أنه يمكن لي أن أكتب نصوصا رائعة بعد أن اطلعت على قراءتك لِخاطرتي البسيطة فقد أضفتِ لها روعة لا متناهية
    و أنت تحللينها و تدخلين جوف الحرف
    لذلك ترينَني أطير فرحا بهذه القراءة التي فعلا كانت رقيقة قيمة موضوعية و أعجبتني جدا
    لقد غصت يا سيدتي في في أنايَ العاشق الولهان بالحرف و الرسم الجميل
    و كتبتِني بكل شفافية و أنت تحللين نصي الذي لم أكتبه أنا في الحقيقة
    فقط استعرتُ يديّ لتكتبا شيئا كان بداخلي ذات لحظة من زمن جميل
    فشكرااااااااااااااا ..شكرااااااااااا بحجم السماء أستاذتي الجليلة نجلاء نصير

    تعليق

    • د.نجلاء نصير
      رئيس تحرير صحيفة مواجهات
      • 16-07-2010
      • 4931

      #3
      القديرة الغالية : منيره الفهري
      نصك غاليتي جديرا بالقراءة فالخاطرة جاءت بلغة سلسة والدفقة الشعورية هي التي استفزت ذائقتي النقدية غاليتي فالنص جديرا بالقراءة أنت تستحقين ذلك وأكثر وسوف تكون لي قراءات أخرى لنصوصك غاليتي
      لك الألق أيتها الرائعة
      المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
      الرائعة و أكثر أستاذتي و ست الكل
      نجلاء نصير
      حقيقة سعدت أيما سعادة بهذه المفاجأة الكبيرة التي قرأتهُا مرات و مرات و عيناي تذرفان دموع الفرح
      يا سيدتي ما فعلته معي لم يفعله معي أحد من الأدباء ..أسعدتني كثيراااااااا
      لم يسبق لأحد أن قرأ لي نصا رغم أنهم يقولون إن نصوصي صادقة مميزة ( و الكلام من عند الإخوة الأدباء)و لم أصدق في الحقيقة
      الآن فقط صدقت أنه يمكن لي أن أكتب نصوصا رائعة بعد أن اطلعت على قراءتك لِخاطرتي البسيطة فقد أضفتِ لها روعة لا متناهية
      و أنت تحللينها و تدخلين جوف الحرف
      لذلك ترينَني أطير فرحا بهذه القراءة التي فعلا كانت رقيقة قيمة موضوعية و أعجبتني جدا
      لقد غصت يا سيدتي في في أنايَ العاشق الولهان بالحرف و الرسم الجميل
      و كتبتِني بكل شفافية و أنت تحللين نصي الذي لم أكتبه أنا في الحقيقة
      فقط استعرتُ يديّ لتكتبا شيئا كان بداخلي ذات لحظة من زمن جميل
      فشكرااااااااااااااا ..شكرااااااااااا بحجم السماء أستاذتي الجليلة نجلاء نصير
      sigpic

      تعليق

      • سلمى الجابر
        عضو الملتقى
        • 28-09-2013
        • 859

        #4
        الأستاذة القديرة نجلاء نصير .أسجل إعجابي بهذا التحليل الجميل لنص الأستاذة منيرة الفهري الذي يستهويني أيضا
        دمت و دامك الإبداع

        تعليق

        • رجاء نويصري
          عضو الملتقى
          • 04-01-2012
          • 41

          #5
          منذ البارحة و أنا أتأمل هذا الجمال أستاذة نجلاء نصير
          بوركت أستاذة فنصوص الأخت منيرة الفهري بسيطة نعم و لكنها جميلة كما قلت و شكرا لك على جمال لقراءة
          جزاك الله كل خير

          تعليق

          • غالية ابو ستة
            أديب وكاتب
            • 09-02-2012
            • 5625

            #6
            قراءة بعقل وحس أنثى تفهم الأنثى
            وأستاذة باركت لها قبل وقت قصير بامتياز ومع مرتبة الشرف في النقد واستخلاص
            جماليات صور النص الشعري--ولأديبة شاملة من نثر لشعر لقصة لترجمة
            جميلة البوح تقول أنها استعارت يديها لتكتب نصها وضاع العمر بين يديك
            رأيت الجمال وأحسسته من أديبتين متميزتين--فعشت مع نجمتين متلألئتين
            وسأغفو باقي ليلتي على سحر جمال حرفيهما كم أنا غنية بذلك
            تحياتي للشاعرة الجميلة----الأستاذة-منيرة الفهري
            وللناقدة البارعة الجميلة---الأستاذة نجلاء نصيرومبارك
            عليك امتياز الماجستير عزيزتي القارئة الجميلة لصديقتي
            الغالية -وانت يا نجلاء غالية--وأنا غالية -أحييكما
            محبتي وودادي وكونا بخير
            http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?123460-%DD%ED-%CD%D6%D



            يا ســــائد الطيـــف والألوان تعشــقهُ
            تُلطّف الواقـــــع الموبوء بالسّـــــقمِ

            في روضــــــة الطيف والألوان أيكتهــا
            لـــه اعزفي يا ترانيــــم المنى نـــغمي



            تعليق

            • د.نجلاء نصير
              رئيس تحرير صحيفة مواجهات
              • 16-07-2010
              • 4931

              #7
              الرائعة : سلمى الجابر
              إنه ليسعدني مرورك الراقي وقراءتك للنقد غاليتي واعجابك بالقراءة وسام أعتز به
              تحياتي وتقديري

              المشاركة الأصلية بواسطة سلمى الجابر مشاهدة المشاركة
              الأستاذة القديرة نجلاء نصير .أسجل إعجابي بهذا التحليل الجميل لنص الأستاذة منيرة الفهري الذي يستهويني أيضا
              دمت و دامك الإبداع
              sigpic

              تعليق

              • عبدالرؤوف النويهى
                أديب وكاتب
                • 12-10-2007
                • 2218

                #8
                (1)
                لم تكن المرأة على مدار التاريخ الإنسانى مصابة بالعقم الإبداعى ،وإنما كانت حبيسة أوضاع إجتماعية صارمة ،حالت بينها وبين منظومة الإبداع والتعبير عما يجيش بصدرها ومايعتمل بعقلها والرؤية المتعمقة لمايدور حولها.
                كان القصد تكميم أفواههن وحجب صوت الحرية وأفكارهن التحررية .
                ولايمكن أن نلقى باللوم على تاريخنا الأدبى ،وحده،أنه أنكر إبداع المرأة ولم يجد فيها المبدع الحق ،بل كان الإنكار على عموم أركان المعمورة .
                ولم يطل الوقت حتى ظهرت سافو ....كى تأخذمكانتها بين المبدعين . .
                ويحكى التاريخ.. أن الخنساء تصدرت مكانةً رفيعةً بين شعراء العربية قديماً.
                وعبر سنوات طويلة شاقة ومريرة ..تمكنت المرأة من احتلال مكانة سامية فى مسيرة الإبداع الإنسانى .
                لكنها مازالت محاصرة بالمحاذير والنواهى والأوامر التى تحيط لها من كل جانب وألا تتخطاها أو تقفز عليها أو تتمرد وإلا كانت هدفاً للقيل والقال .
                فالمجتمع الذكورى مصرٌ على إقصائها بحجج واهية لاتصمد أمام المنطق والعقل.
                فالمجتمع الذكورى المسيطر والمهيمن قد رسم لها الضوابط الأخلاقية وحدد لها المساحات التى تسير فيها والثوابت التى لاتتعداها ،بل تظل مسجونة داخلها كأنموذج للأنثى يحافظ عليه وفقاً لشروطه ومبادئه وتعليماته .
                فلايُعقل أن تفصح المرأة عن معاناتها وأحاسيسها ومتاعبها وخيبة أملها فى حياة تنتقص من قدرها وتحط من شأنها وإلا قامت عليهاالدنيا ولن تقعد.
                (2)
                "إلى أى مدى يكون الإنسان صريحا مع نفسه والأخرين ?????
                وإلى أى مدى يكون الوضوح والدقة ??
                وإلى أى مدى يستطيع الإنسان إختراق محرمات المجتمع ،وطرائق تفكيره ،ومنظومة قيمه ،ومناهل ثقافاته، وثوابت عقائده ??
                إلى أى مدى؟
                أظن ظناً مستريباً ، أنه من الصعب والمستحيل والإستحالة أن يتعرى الإنسان العربى ،ثقافةً وديناً ووطناً، ويطرح حياته هكذا وعلى الملأ ?
                بل يتأكد لدى وبيقين لايتزعزع ، أن الإنسان له طوايا وخبايا تسكن بأعماقه وترحل برحيله.
                فالقيود الإجتماعية على حرية المبدع قيود شديدة الوطأة وبالأخص على المرأة التى ستحد تماماً من السردية لغوامض سرائرها ودفائن ذاتها .
                ومهما زعمنا التحرروالتمرد على القضبان الفولاذية والحصار من الجهات الست ،فهو زعم لا يرتقى إلى الحقيقة المجردة.
                إن المرأة دجاجةٌ وديعةٌ لا يحق لها أن تصيح فالصياح للديكة ، وكل الديوك تخجل أن تصيح ولو صاح بعضها فبقدر معلوم ، وإلا تعرضوا للهجوم القاسى والتنديد بهم وصاروا عرضاً مستباحاً وحياةً منتهكةً ،فما بالك لوصاحت الدجاجة؟
                وصراع الذات هو إنتصار النفس على نفسها ، أن تفكك مشاعرها إلى عناصرها الأولية ،حتى يستقيم ميزان حياتها ،لكنه ليس صراعاً أحادى الجانب ،فقد يصطدم مع الآخرين ..فتشن عليه الحروب ويسخط عليه الساخطون وينقم منه الناقمون ."
                (3)
                المشكلة لدى المتلقى لإبداع المرأة.. أنه لايفصل بين حياتها الخاصة وبين إبداعها ،بل
                يتعمد الخلط بينهما ..
                يخلط بين الإبداع كفن متحرر وبين منظومة الأخلاق الإجتماعية التى تسود المجتمع وخاصة التى تلتزم بها المرأة ،لأنه يحكم على إبداع المرأة من خلال المعايير الأخلاقية بعيداً عن المعايير النقدية .
                ومن ثم تلجأ المرأة إلى طرق مواضيع لاتفصح عن دواخلهن والتمويه والتخفى خشية الوقوع فيما يتعارض مع قيم وتقاليد ومنظومة الأخلاق السائدة .
                (4)
                قرأتُ الكثير من إبداعات المرأة العربية ،
                خاصةً ،كنت أشعر أنهن خائفات ومرعوبات ومذعورات أن تفصحن عن ذواتهن ،فيدرن فى فلك التكرار والبوح المخنوق.
                قرأتُ بعض الأعمال الأدبية لعضوات الملتقى الفضليات ..والقليل القليل منها لايقع فى فلك التكرار والمألوف والمقبول والمعتاد .

                ومنذ فترة طويلة قرأتُ "
                تاه العمر بين يديك"لأستاذتنا الجليلة منيرة الفهرى ..
                ولم يسعفنى الوقت أن أكتب عنه ..
                وفتحتُ ملفاً "
                النور والفراشة" زعمت لنفسى أننى سأجعله لقراءاتى لأدب المرأة أو المبدعات .
                وشغلتنى الحياة فلم أستطع تنفيذ ماعقدت العزم عليه.
                سأكتب عن" تاه العمر بين يديك"واضعاً أمامى عينىّ ما سبق سرده .
                من غابر الأيام
                من سَحيق الزمن
                من رحِم الألم
                من رتق الوجيعة
                أتَيتَني
                مِن وئد الأحلام
                من وجَع الخطيئة
                من تساقط الأيام
                من رسميَ والعدم
                و كطوق للنجاة
                أتيتني
                من زوايا القلب الدفينة
                من ذبول ورديَ
                من نسائم الفجر الشهية
                من اغتيال حرفيَ
                أتيتَني

                هذه السطور الفاجعة وهذا البوح المخنوق ،إنما يعبران عن أزمة حقيقية تعيشها المرأة التى خُنقت أحلامها وفُرض عليها الواقع الذى يجب أن تعيشه وتنضوى تحت قيوده دون أدنى حرية تُذكر .
                فكرة الانعتاق بداخلها تنمو رويداً رويداً .
                فكرة التحرر من التسلط الذكورى والتمرد سيطرت سيطرة كاملة .
                فهل ،خلال تلك القرون المتعاقبة، لم تستطع المرأة أن تتحرر من سطوة القهر والقمع والكبت وتمتلك الحرية أم لازالت مسجونة بين جدرانها ؟

                ولنتمعن فى اختيار الكلمات التى سطرتها المبدعة .
                "الألم ،الوجيعة،وئد الحلام، تساقط الأيام،العدم ،طوق للنجاة ،ذبول وردى ،اغتيال حرفى "
                لايمكن للمتلقى إلا أن يتوقف ،بدهشة وإمعان فكر، أمام هذا الكم المهول من التمزقات المتصاعدة واللاهثة والحارقة والتطلع بلهفة وترقب
                إلى منقذ "أتيتنى "!!!
                وهذا الآتى المزعوم التى تنشده المبدعة :
                و
                زعمتَ أنك سلطانُ المساء
                و أني أميرةُ المجد
                والكون البعيد
                منذ الأزل...و ارتجفتْ أهدابي
                وارتعشَ الحب فيَّ
                و رقص قلبي
                و اهتزت مدامعي تسحبُني
                لجنّةٍ في الخُلد
                لصفاء العمر
                لثوانيَ الوجد الجميلة

                مازالت المبدعة تشتهى المنقذ المزعوم الموصوم "سلطان المساء"
                هل هذا المنقذ يخشى النهار ؟
                هل المبدعة تخشى أن يأتى نهاراً؟
                هل الأنا المبدعة تخشى الإفصاح والإفتضاح ؟
                هل تخشى الصياح ؟
                ولماذ المساء ؟
                ولماذا كلل رأسها بتاج المجد وأى مجد؟
                هو حلمٌ تتغياه...بعيد المنال!!!

                وفى سكرة الحلم والانتشاء ترتجف أهدابها ويرتعش الحب فيها ويرقص قلبها والمدامع تسح وتحلم بجنة الخلد وصفاء العمر و"ثوانى "الوجد الجميلة .
                هى تحلم ويأخذها بعيداً ..
                فالواقع مُر والأمر منه هذا المنقذ الذى لايجىء.
                فالكلمات
                "ارتجاف وارتعاش واهتزاز ورقص "..تؤكد على اضطرابات داخلية متناقضة تضمر عكس ماتصبو إليه؟
                وتأتى التساؤلات المتكاثرة :
                و تسألني
                كيف قضيتِ سنينَ العمر؟
                أتدق أجراسُك الثملى تَنشُدني؟
                أكنتِ تُشهدين السُّهْدَعلى شغفِ الانتظار؟
                أكنتِ تُهدين شمسَ الصباح
                قرابينَ الليل عنِّي؟
                أكنتِ تناجين المسافات
                تقرّبُني لديك؟
                ياااااااااااااااااه
                أتسألني عن ماضٍ لستَ فيه
                عن زِيف العمر دون هواك؟
                أنا لا أعرِفُني
                ما دمتَ لستَ فيَّ
                أنا لا أذكُر سنينًا ابتدأت دونكَ
                من قال إني كنتُ أنا؟
                من قال إني حَيِيتُ هناك
                من قال إني كنتُ في زمنٍ
                أنت لستَ مَدارَه؟
                من قال إن القلب انتفض لِسواك
                أنا ما حييتُ إلا لِألقاك

                التساؤلات لسلطان المساءالمتعجرف والموهوم بسلطانه على النفوس ،حتى فى اللحظة التى تنشدها أميرة المجد !!!بالخلاص من توهانها الطويل .
                يبدأ الغرور الذكرى متحصناً بأسئلته المغرورة والإجابات لأميرة المجد المجروحة تجاهد أن تقف قوية، لكنها انساقت وراء عاطفتها المكبوتة وعذابها القاسى ولوعتها المريرة .."
                ياااااااااااااااااااااااااااااااااه"
                فتنكر ذاتها وأنها "ماحييت إلا لألقاك"وأنها تدور فى مدار فلكه.

                المدهش حقاً ..أن أميرة المجد فى حلمها الأبدى بالعاشق المرسوم بروحها لم تفق منه بعد .
                وهنا يتبدى العجز الموجع للروح العطشى للإرتواء .
                من غابر الزمان أتيتني
                أم من شذَب التمنّي
                رسمتَني طيفا في السماء
                سميتَني أميرةً لديك
                و سيدةَ النساء
                و تاه العمر ...تاه
                تاه العمر بين يديك

                وتعود أميرة المجد بعد التحليق مع سلطان المساء ..يملؤها الوهم وتسأل :
                أرسمتنى طيفاً فى السماء؟
                أم سميتنى أميرة لديك وسيدة النساء
                ثم تتضرع بلهفة :
                تاه العمر بين يديك.
                وكأنى أسمع صوت الأميرة يتوه مع سلطان المساء المزعوم وتتوه أحلامها وتتحطم على صخرة الواقع المتشبث بقدسيته وتفرده وسلطانه الذى لايريم.

                (5)
                لا أكتم أستاذتنا الجليلة ..أن صوت الماضى بقيوده ومحرماته المضروبة حول المرأة حىٌّ لم يمت بعد .
                ولا أنسى ماقالته جين أوستن
                "أنها كانت تخبىء كتابتها بمجرد أن تسمع صرير مزلاج الباب "
                وأظن أن هذا اللهاث المتصاعد هو أعلى درجات السعى نحو إستيلاد واقعٍ مبهرٍ وفجرٍ جديدٍ تجد فيه المرأة حقيقتها المسلوبة ،منذ عصور وعصور ،وسلطانها الغائب على أمير روحها .

                تعليق

                • منيره الفهري
                  مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                  • 21-12-2010
                  • 9870

                  #9
                  أستاذي الجليل الفاضل
                  عبد الرؤوف النويهي
                  و هل بعد ما كتبتَه كلام؟ و الله احترت ماذا أقول ..فكل كلمات الدنيا لا تفيك حقك
                  في هذه القراءة الثانية بعد أن شرفتني أستاذتي الغالية
                  نجلاء نصير بقراءة أولى
                  استمتعت بكل حرف قيل هنا و بلغت سعادتي ذروتها و خيرت الصمت
                  فشكراااا و ألف شكر و جزاك الله كل الخير أستاذي الكريم

                  تعليق

                  • د.نجلاء نصير
                    رئيس تحرير صحيفة مواجهات
                    • 16-07-2010
                    • 4931

                    #10
                    الراقية :إيمان علاوي
                    إنه من الجميل غاليتي أن تلق هذه القراءة اعجاب ذائقتك غاليتي أشكرك جزيلا على هذا الثناء الذي يشجعني على قراءة المزيد من الاعمال لكم أنتم أعزائي أعضاء ملتقانا الراقي
                    تحياتي لك وجمعة مباركة
                    المشاركة الأصلية بواسطة إيمان علاوي مشاهدة المشاركة
                    منذ البارحة و أنا أتأمل هذا الجمال أستاذة نجلاء نصير
                    بوركت أستاذة فنصوص الأخت منيرة الفهري بسيطة نعم و لكنها جميلة كما قلت و شكرا لك على جمال لقراءة
                    جزاك الله كل خير
                    sigpic

                    تعليق

                    • عبدالرؤوف النويهى
                      أديب وكاتب
                      • 12-10-2007
                      • 2218

                      #11
                      [align=justify]أستاذتنا القديرة نجلاء نصير
                      أولاً:تهنئة من القلب ..بالحصول على الماجستير ..ومزيد من التفوق إن شاء الله.
                      ثانياً: تحياتى لقراءاتك المتميزة لنص "تاه العمر بين يديك..لأستاذتنا الجليلة منيرة الفهرى.
                      ثالثاً: حاولت أن أكتب تعليقاً على نص "تاه العمر بين يديك" قراءة نقدية"تذوق شخصى" ،ولا أزعم تعمقى فى الدراسات النقدية والأدبية ،وإنما هى خرابيش ومحاولة متواضعة قد تسترعى النظر.
                      رابعاً: الشكر كل الشكر للأستاذة الجليلة منيرة الفهرى ..وحسن ظنها فيما سطرته حول نصها :تاه العمربين يديك".
                      [/align]

                      تعليق

                      • د.نجلاء نصير
                        رئيس تحرير صحيفة مواجهات
                        • 16-07-2010
                        • 4931

                        #12
                        الشاعرة الرقيقة : غالية أبوستة
                        كم أسعدني مرورك الطيب وكلمات الاطراء والتشجيع
                        تحياتي وتقديري
                        المشاركة الأصلية بواسطة غالية ابو ستة مشاهدة المشاركة
                        قراءة بعقل وحس أنثى تفهم الأنثى
                        وأستاذة باركت لها قبل وقت قصير بامتياز ومع مرتبة الشرف في النقد واستخلاص
                        جماليات صور النص الشعري--ولأديبة شاملة من نثر لشعر لقصة لترجمة
                        جميلة البوح تقول أنها استعارت يديها لتكتب نصها وضاع العمر بين يديك
                        رأيت الجمال وأحسسته من أديبتين متميزتين--فعشت مع نجمتين متلألئتين
                        وسأغفو باقي ليلتي على سحر جمال حرفيهما كم أنا غنية بذلك
                        تحياتي للشاعرة الجميلة----الأستاذة-منيرة الفهري
                        وللناقدة البارعة الجميلة---الأستاذة نجلاء نصيرومبارك
                        عليك امتياز الماجستير عزيزتي القارئة الجميلة لصديقتي
                        الغالية -وانت يا نجلاء غالية--وأنا غالية -أحييكما
                        محبتي وودادي وكونا بخير
                        http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?123460-%DD%ED-%CD%D6%D



                        sigpic

                        تعليق

                        • اسلام امين
                          منتسب
                          • 13-11-2013
                          • 60

                          #13
                          قراءة بديعة لنص جميل

                          تحياتى أستاذة / نجلاء نصير
                          لأنك لفت الأنظار لهذا الوهج المتألق
                          وتحياتى للأستاذة / منيرة الفهرى
                          على هذا الأبداع والتألق
                          تموت الأحلام وتعيش
                          وتصبح الذكرى من النسيان
                          وتمضى الحياة الى المنتهى
                          ويصبح الناس ذكرى أوهام



                          تعليق

                          • د.نجلاء نصير
                            رئيس تحرير صحيفة مواجهات
                            • 16-07-2010
                            • 4931

                            #14
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                            أستاذنا القدير : عبد الرؤوف النويهي
                            كم أسعدتني هذه القراءة فهذه قراءتك للنص وتعدد القراءات من قبل المتلقي نقدا أستاذي الفاضل
                            وهي قراءة موفقة أنصفت المرأة العربية التي ظلت مكبلة رهينة القيود والعادات والتقاليد
                            فالادب النسوي إن فتحت له الآفاق لأنتج لنا ابداعا واقعيا من رحم الحياة مغلفا بالابداع
                            تحياتي وتقديري لأستاذ أعتز به وأفخر دائما بالقراءة لكل ما يطرحه هنا في الملتقى او على صفحته على الفيسبوك
                            تحياتي وتقديري

                            المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرؤوف النويهى مشاهدة المشاركة
                            (1)
                            لم تكن المرأة على مدار التاريخ الإنسانى مصابة بالعقم الإبداعى ،وإنما كانت حبيسة أوضاع إجتماعية صارمة ،حالت بينها وبين منظومة الإبداع والتعبير عما يجيش بصدرها ومايعتمل بعقلها والرؤية المتعمقة لمايدور حولها.
                            كان القصد تكميم أفواههن وحجب صوت الحرية وأفكارهن التحررية .
                            ولايمكن أن نلقى باللوم على تاريخنا الأدبى ،وحده،أنه أنكر إبداع المرأة ولم يجد فيها المبدع الحق ،بل كان الإنكار على عموم أركان المعمورة .
                            ولم يطل الوقت حتى ظهرت سافو ....كى تأخذمكانتها بين المبدعين . .
                            ويحكى التاريخ.. أن الخنساء تصدرت مكانةً رفيعةً بين شعراء العربية قديماً.
                            وعبر سنوات طويلة شاقة ومريرة ..تمكنت المرأة من احتلال مكانة سامية فى مسيرة الإبداع الإنسانى .
                            لكنها مازالت محاصرة بالمحاذير والنواهى والأوامر التى تحيط لها من كل جانب وألا تتخطاها أو تقفز عليها أو تتمرد وإلا كانت هدفاً للقيل والقال .
                            فالمجتمع الذكورى مصرٌ على إقصائها بحجج واهية لاتصمد أمام المنطق والعقل.
                            فالمجتمع الذكورى المسيطر والمهيمن قد رسم لها الضوابط الأخلاقية وحدد لها المساحات التى تسير فيها والثوابت التى لاتتعداها ،بل تظل مسجونة داخلها كأنموذج للأنثى يحافظ عليه وفقاً لشروطه ومبادئه وتعليماته .
                            فلايُعقل أن تفصح المرأة عن معاناتها وأحاسيسها ومتاعبها وخيبة أملها فى حياة تنتقص من قدرها وتحط من شأنها وإلا قامت عليهاالدنيا ولن تقعد.
                            (2)
                            "إلى أى مدى يكون الإنسان صريحا مع نفسه والأخرين ?????
                            وإلى أى مدى يكون الوضوح والدقة ??
                            وإلى أى مدى يستطيع الإنسان إختراق محرمات المجتمع ،وطرائق تفكيره ،ومنظومة قيمه ،ومناهل ثقافاته، وثوابت عقائده ??
                            إلى أى مدى؟
                            أظن ظناً مستريباً ، أنه من الصعب والمستحيل والإستحالة أن يتعرى الإنسان العربى ،ثقافةً وديناً ووطناً، ويطرح حياته هكذا وعلى الملأ ?
                            بل يتأكد لدى وبيقين لايتزعزع ، أن الإنسان له طوايا وخبايا تسكن بأعماقه وترحل برحيله.
                            فالقيود الإجتماعية على حرية المبدع قيود شديدة الوطأة وبالأخص على المرأة التى ستحد تماماً من السردية لغوامض سرائرها ودفائن ذاتها .
                            ومهما زعمنا التحرروالتمرد على القضبان الفولاذية والحصار من الجهات الست ،فهو زعم لا يرتقى إلى الحقيقة المجردة.
                            إن المرأة دجاجةٌ وديعةٌ لا يحق لها أن تصيح فالصياح للديكة ، وكل الديوك تخجل أن تصيح ولو صاح بعضها فبقدر معلوم ، وإلا تعرضوا للهجوم القاسى والتنديد بهم وصاروا عرضاً مستباحاً وحياةً منتهكةً ،فما بالك لوصاحت الدجاجة؟
                            وصراع الذات هو إنتصار النفس على نفسها ، أن تفكك مشاعرها إلى عناصرها الأولية ،حتى يستقيم ميزان حياتها ،لكنه ليس صراعاً أحادى الجانب ،فقد يصطدم مع الآخرين ..فتشن عليه الحروب ويسخط عليه الساخطون وينقم منه الناقمون ."
                            (3)
                            المشكلة لدى المتلقى لإبداع المرأة.. أنه لايفصل بين حياتها الخاصة وبين إبداعها ،بل
                            يتعمد الخلط بينهما ..
                            يخلط بين الإبداع كفن متحرر وبين منظومة الأخلاق الإجتماعية التى تسود المجتمع وخاصة التى تلتزم بها المرأة ،لأنه يحكم على إبداع المرأة من خلال المعايير الأخلاقية بعيداً عن المعايير النقدية .
                            ومن ثم تلجأ المرأة إلى طرق مواضيع لاتفصح عن دواخلهن والتمويه والتخفى خشية الوقوع فيما يتعارض مع قيم وتقاليد ومنظومة الأخلاق السائدة .
                            (4)
                            قرأتُ الكثير من إبداعات المرأة العربية ،
                            خاصةً ،كنت أشعر أنهن خائفات ومرعوبات ومذعورات أن تفصحن عن ذواتهن ،فيدرن فى فلك التكرار والبوح المخنوق.
                            قرأتُ بعض الأعمال الأدبية لعضوات الملتقى الفضليات ..والقليل القليل منها لايقع فى فلك التكرار والمألوف والمقبول والمعتاد .

                            ومنذ فترة طويلة قرأتُ "
                            تاه العمر بين يديك"لأستاذتنا الجليلة منيرة الفهرى ..
                            ولم يسعفنى الوقت أن أكتب عنه ..
                            وفتحتُ ملفاً "
                            النور والفراشة" زعمت لنفسى أننى سأجعله لقراءاتى لأدب المرأة أو المبدعات .
                            وشغلتنى الحياة فلم أستطع تنفيذ ماعقدت العزم عليه.
                            سأكتب عن" تاه العمر بين يديك"واضعاً أمامى عينىّ ما سبق سرده .
                            من غابر الأيام
                            من سَحيق الزمن
                            من رحِم الألم
                            من رتق الوجيعة
                            أتَيتَني
                            مِن وئد الأحلام
                            من وجَع الخطيئة
                            من تساقط الأيام
                            من رسميَ والعدم
                            و كطوق للنجاة
                            أتيتني
                            من زوايا القلب الدفينة
                            من ذبول ورديَ
                            من نسائم الفجر الشهية
                            من اغتيال حرفيَ
                            أتيتَني

                            هذه السطور الفاجعة وهذا البوح المخنوق ،إنما يعبران عن أزمة حقيقية تعيشها المرأة التى خُنقت أحلامها وفُرض عليها الواقع الذى يجب أن تعيشه وتنضوى تحت قيوده دون أدنى حرية تُذكر .
                            فكرة الانعتاق بداخلها تنمو رويداً رويداً .
                            فكرة التحرر من التسلط الذكورى والتمرد سيطرت سيطرة كاملة .
                            فهل ،خلال تلك القرون المتعاقبة، لم تستطع المرأة أن تتحرر من سطوة القهر والقمع والكبت وتمتلك الحرية أم لازالت مسجونة بين جدرانها ؟

                            ولنتمعن فى اختيار الكلمات التى سطرتها المبدعة .
                            "الألم ،الوجيعة،وئد الحلام، تساقط الأيام،العدم ،طوق للنجاة ،ذبول وردى ،اغتيال حرفى "
                            لايمكن للمتلقى إلا أن يتوقف ،بدهشة وإمعان فكر، أمام هذا الكم المهول من التمزقات المتصاعدة واللاهثة والحارقة والتطلع بلهفة وترقب
                            إلى منقذ "أتيتنى "!!!
                            وهذا الآتى المزعوم التى تنشده المبدعة :
                            و
                            زعمتَ أنك سلطانُ المساء
                            و أني أميرةُ المجد
                            والكون البعيد
                            منذ الأزل...و ارتجفتْ أهدابي
                            وارتعشَ الحب فيَّ
                            و رقص قلبي
                            و اهتزت مدامعي تسحبُني
                            لجنّةٍ في الخُلد
                            لصفاء العمر
                            لثوانيَ الوجد الجميلة

                            مازالت المبدعة تشتهى المنقذ المزعوم الموصوم "سلطان المساء"
                            هل هذا المنقذ يخشى النهار ؟
                            هل المبدعة تخشى أن يأتى نهاراً؟
                            هل الأنا المبدعة تخشى الإفصاح والإفتضاح ؟
                            هل تخشى الصياح ؟
                            ولماذ المساء ؟
                            ولماذا كلل رأسها بتاج المجد وأى مجد؟
                            هو حلمٌ تتغياه...بعيد المنال!!!

                            وفى سكرة الحلم والانتشاء ترتجف أهدابها ويرتعش الحب فيها ويرقص قلبها والمدامع تسح وتحلم بجنة الخلد وصفاء العمر و"ثوانى "الوجد الجميلة .
                            هى تحلم ويأخذها بعيداً ..
                            فالواقع مُر والأمر منه هذا المنقذ الذى لايجىء.
                            فالكلمات
                            "ارتجاف وارتعاش واهتزاز ورقص "..تؤكد على اضطرابات داخلية متناقضة تضمر عكس ماتصبو إليه؟
                            وتأتى التساؤلات المتكاثرة :
                            و تسألني
                            كيف قضيتِ سنينَ العمر؟
                            أتدق أجراسُك الثملى تَنشُدني؟
                            أكنتِ تُشهدين السُّهْدَعلى شغفِ الانتظار؟
                            أكنتِ تُهدين شمسَ الصباح
                            قرابينَ الليل عنِّي؟
                            أكنتِ تناجين المسافات
                            تقرّبُني لديك؟
                            ياااااااااااااااااه
                            أتسألني عن ماضٍ لستَ فيه
                            عن زِيف العمر دون هواك؟
                            أنا لا أعرِفُني
                            ما دمتَ لستَ فيَّ
                            أنا لا أذكُر سنينًا ابتدأت دونكَ
                            من قال إني كنتُ أنا؟
                            من قال إني حَيِيتُ هناك
                            من قال إني كنتُ في زمنٍ
                            أنت لستَ مَدارَه؟
                            من قال إن القلب انتفض لِسواك
                            أنا ما حييتُ إلا لِألقاك

                            التساؤلات لسلطان المساءالمتعجرف والموهوم بسلطانه على النفوس ،حتى فى اللحظة التى تنشدها أميرة المجد !!!بالخلاص من توهانها الطويل .
                            يبدأ الغرور الذكرى متحصناً بأسئلته المغرورة والإجابات لأميرة المجد المجروحة تجاهد أن تقف قوية، لكنها انساقت وراء عاطفتها المكبوتة وعذابها القاسى ولوعتها المريرة .."
                            ياااااااااااااااااااااااااااااااااه"
                            فتنكر ذاتها وأنها "ماحييت إلا لألقاك"وأنها تدور فى مدار فلكه.

                            المدهش حقاً ..أن أميرة المجد فى حلمها الأبدى بالعاشق المرسوم بروحها لم تفق منه بعد .
                            وهنا يتبدى العجز الموجع للروح العطشى للإرتواء .
                            من غابر الزمان أتيتني
                            أم من شذَب التمنّي
                            رسمتَني طيفا في السماء
                            سميتَني أميرةً لديك
                            و سيدةَ النساء
                            و تاه العمر ...تاه
                            تاه العمر بين يديك

                            وتعود أميرة المجد بعد التحليق مع سلطان المساء ..يملؤها الوهم وتسأل :
                            أرسمتنى طيفاً فى السماء؟
                            أم سميتنى أميرة لديك وسيدة النساء
                            ثم تتضرع بلهفة :
                            تاه العمر بين يديك.
                            وكأنى أسمع صوت الأميرة يتوه مع سلطان المساء المزعوم وتتوه أحلامها وتتحطم على صخرة الواقع المتشبث بقدسيته وتفرده وسلطانه الذى لايريم.

                            (5)
                            لا أكتم أستاذتنا الجليلة ..أن صوت الماضى بقيوده ومحرماته المضروبة حول المرأة حىٌّ لم يمت بعد .
                            ولا أنسى ماقالته جين أوستن
                            "أنها كانت تخبىء كتابتها بمجرد أن تسمع صرير مزلاج الباب "
                            وأظن أن هذا اللهاث المتصاعد هو أعلى درجات السعى نحو إستيلاد واقعٍ مبهرٍ وفجرٍ جديدٍ تجد فيه المرأة حقيقتها المسلوبة ،منذ عصور وعصور ،وسلطانها الغائب على أمير روحها .
                            sigpic

                            تعليق

                            • وليد العكرمي
                              أديب مترجم
                              • 22-08-2013
                              • 324

                              #15
                              أستاذة منيرة الفهري، المبدعة دائما والمتألّقة أبداً
                              لقد قرأت النص بشغفٍ كبير وفي كلّ مرّة أرى أنّني في حاجة إلى قراءته من جديد لازدحام المعاني وعمق الرموز. وكنتُ في كلّ مرّة أكتشفُ معنىً جديدا
                              لقد أعجبتني تلك اللغة النابضة حبّا وعشقاً حينا، والمفعمة حزنا ووجداً حيناً آخرَ. أعجب
                              تني تلك المراوحة بين المقدّس (الخطيئة، جنّةٍ في الخُلد، أجراس، تَنشُد، قرابينَ...) والطبيعة (شمسَ الصباح، ورد، نسائم الفجر ...) والإنسان (أميرة، سيدةَ النساء، القلب، الأحلام...)؛ ثلاثة أقانيم شعرية تستفز شهوة القارئ وعقله وروحه
                              تتقاطع في النصّ أكثرُ من تجربة واحدة فتجدُ فيه شيئاً من الشعـر الحرّ في رمزيته وأبعاده الإنسانية، كما تجدُ فيه أثراً للرومنسية في تعاليها عن الواقع.
                              وتتقاطع الأزمنة في النصّ حتّى لم يَعُدْ بين الماضي والحاضر والمستقبل فاصلٌ، وتتداخل الأمكنة حتّى لم يعُد هناك شرقٌ ولا غربٌ، فيتيه القارئ ـ كما تاهت الكاتبة ـ بين ثنايا القصيدة
                              يذكّرنا هذا الحبّ في طهارته بذلك الحبّ الصوفي في شعر ابن عربي وابن الفارض... رجلٌ ينبعثُ ـ مثل العنقاء ـ من "
                              رحم الألم" ومن "رتق الوجيعة" أملاً في الخلاص و"طوقا للنجاة" فيستنسخ من"الأحلام الموؤودة" "جنّة في الخلد" رغم وجع "الخطيئة"، ويُحوّل "زيف العمر" إلى "صفاء"، وتلتحم المرأة بهذا الطيف (أنا لا أعرفني ما دمتَ
                              لستَ فيَّ، من قال أنّي كنتُ في زمنٍ أنت لستَ مداره...) فيحلّ أحدهما في الآخــر حتّى لكأنّنا مرة أخرى أمام مشهدٍ من مشاهد المكاشفة الصوفية تتّحد فيها ذات المحبّ أو المريد بالذات الإلهية لترتدّ الحيرة في النهاية ويضيع كلّ شيء عوداً على بدإٍ، مثل المأساة تنتهي غالباً من حيثُ بدأتْ. وما الأدب شعراً ونثراً إلاّ مأساةٌ أو لا يكون
                              التعديل الأخير تم بواسطة وليد العكرمي; الساعة 01-02-2014, 19:23.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X