قراءة في قصيدة الشاعر المبدع :ربيع عقب الباب ..نجلاء نصير
النص
قل هو الوهم !! / ربيع عقب الباب
إلى / نفس تتوق للانعتاق !!
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
سالكة ما بين رئته و أبي الهول الرابض على أنفه !!
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
كفارتك أزلية
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ !!
من العنوان الذي هو بمثابة المفتاح الذي يرسله المبدع للمتلقي ليفك شفرة النص .."قل هو الوهم "
فقد بدأالشاعر بفعل الأمر "قل " فمن يأمر شاعرنا ؟ وبماذا يأمر ؟ يجيب على المتلقي بقوله: " قل هو الوهم "
وحينما يتساءل المتلقي لمن هذه الاجابة ؟ أو هذا الأمر ..فلابدمن وجود سؤال وسائل ..ويسعفنا شاعرنا بالاجابة على هذه الأسئلة بقوله :
إلى / نفس تتوق للانعتاق
فالأمر هنا إلى " نفس " وأتى بلفظ " نفس " نكرة ليدلل على العموم والشمول فهذا الأمر لكل نفس
"تتوق" وهي من مادة "ت و ق " تتوق فعل خماسي لازم متعد بحرف وهو بمعنى الشوق والشوق لا يكون
إلا لشيء حرم منه الانسان فإلى أي شيء تتوق هذه النفس ؟ يجيبنا شاعرنا بقوله : "للانعتاق" من مادة (ع ت ق )
مصدر (انعتق ) والانعتاق لا يكون إلا من العبودية فمن استعبد هذه النفس ترى هل هو حب لمعشوقة لم تصن العهد أم حب للوطن ؟ ولنجيب على هذا السؤال لابد لنا أن نسبر أغوار هذا النص لنجد ضالتنا المنشودة يقول شاعرنا :
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فهل على أبواب الريح انعتاق فالريح لاتستقر فهي دائما متقلبة وكأن شاعرنا يريد أن يشرك المتلقي معه في حالة القلق الفكري ثم يأتي بالجذر"كم" للدلالة على الكثرة ثم قال "أذعنت" فقد انقاد وتبع مشيئة القبيلة
فهو لم يملك حق الاختيار أو حق تقرير المصير ولكنه اضطر للانقياد لمشيئة الجماعة واختيار شاعرنا للفظ "مشيئة "
موفقا لأنه لو قال لرأي القبيلة لفتح أمام المتلقي مقدرة الشاعر على الاختيار فربما يناقش الرأي ويقارع الحجة
بالحجة ولكن المشيئة أغلقت للحوار كل باب ولكن ما الأثر النفسي الذي تركه هذا الانقياد على الشاعر ولماذا وقع تحت ضغط الجماعة "القبيلة" المعروفة بأحكامها العرفية التي تسري على أفرادها و ما أثر هذا الانقياد؟
يقول :
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فالشاعر يرسم لنا لوحة مؤلمة وكيف ينازع ويصارع نفسه التواقة إلى الولوج إلى أقصى الموت مؤكدا ذلك في قوله "سدرة " التي تاتي بمعنى شجرة السدر التي منها ما ينتفع به ومنها مالا ينتفع به أيضا وقد أتت في قوله تعالى في سورة النجم "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى " فالسدرة مكان ينتهى إليه ولا يتجاوزه أحد وحين ينازع شاعرنا نفسه فهو يصارعها لاشتهائها الموت فالصراع يكون دائما حين يكون الانسان في حيرة من أمره ليختار بين خيارين فلماذا يشتهي الموت ؟ولماذا يهرول إليه؟ هل يجلد قلبه الذي عشق بصدق ولم يجد من المعشوقة إلا الصد فنجده يلح في طلب الموت أو قل الانتحار وهذا ما يؤكده قول الشاعر
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
فباستخدام حرف العطف "أو" وضع المتلقي في حيرة من أمره فشاعرنا يتوق إلى قبضة من أثر سدرة الموت القابعة بين رموش القمر وعينيه لوحة وظفت توظيفا فنيا متقنا فالقبضة التي ترمز للموت تقبع ما بين رموش القمر وعينيه فماذا يقصد بالقمر هنا ؟فشاعرنا في حيرة بين اشتهاء الموت اواشتهاء أن يقبض بين رموش محبوبته التي رمز إليها بالقمر ما أروع هذا التعبير!
ثم ينتقل مخاطبا نفسه مرة أخرى وينقلنا معه لحالة من الحنق على نفاق المجتمع قائلا
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
فهو يتبرأ من نفسه إن جمع بينها وبين الريح التي تتوق نفسه للانعتاق على بابها
ولا يكتفي بالتبرأ من ذاته حين يقترف ذنب الجمع بينهما بل يتناثر مثل فقاعة
فالفقاعة فارغة لا تحمل إلا الهواء فقد أراد الشاعر أن يصور لنا حالة الخواء الروحي والألم والصدمة النفسية التي يعانيها ويفاجئنا برفقته لكلب فالكلب هنا رمز للوفاء والاخلاص الذي سيطعمه ببعض عظام فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الهواء فالشاعر تخير الفعل "يغفو" ولم يقل" ينام" لأن الغفوة :نوم خفيف فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الفراغ "الهواء" .."ملتحفا بفراء ماتبقى له من زمن الثعالب " يا لها من غصة ومرارة وانقلاب للموازين فكيف يلتحف الوفاء بفراء الدهاء والمكر وكأننا أمام صورة رمزية فالكلب الذي يعد المعادل الموضوعي للوفاء في زمن الفراغ والفوضى التحف بقناع "الفراء" الثعالب المرادف للمكر والدهاء والغدر ولكن هذا الفراء لم يستر هذا الكلب
فتحته اللعنات تحاصره بطوق دعي لئيم ولكن من أين أتى هذا الطوق ؟
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
سالكة ما بين رئته و أبي الهول الرابض على أنفه !!
لا يترك شاعرنا المتلقي في حيرة من أمره فهذا الطوق موروث مذ عهد كل ظالم جبار
ونجد شاعرنا متأثرا بألفاظ القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة العلق "سندع الزبانية "
فلهؤلاء زبانية تطيع أوامرهم وتنكل وتعذب وهذا الطوق محكم الصنعة ويعدد شاعرنا التشبيهات فيقول "أو كأمعاء نسيت صاحبها " وهنا تتبدل اللوحة أمام المتلقي فحين تنسى الأمعاء صاحبها يصبح ضعيفا نحيلا وربما هذا الضعف جاء اثر صدمة عاطفية وانكسار للقلب ولذلك اختار كلبه الالتحاف بفراء ماتبقى من زمن الثعالب فأي طعنة نجلاء أردت شاعرنا مهموما نحيلا كافرا بكل معاني الوفاء ؟!!
ويكمل لنا شاعرنا هذه اللوحة المضمخة بالمعاناة فالسقيا تأتي من عين أتعبها تدفق الدمع بل انهمار الدمع ولا تفيض الدموع إلا عندما يختنق الانسان فيجهش بالبكاء الشفاف النقي الذي لا يجد تفسيرا لوجوده ثم ترسم لنا ريشة الشاعر لوحة العذاب بقوله "وتطوف عليه طيور النار" فنحن أمام عذاب عظيم يذكرنا بالحجارة التي كانت تقذف بها الطير الأبابيل أبرهة وجنوده وأي عذاب هذا ؟ وأي ألم هذا الذي يجعل طيور النار تطوف فقد تخير شاعرنا الفعل "تطوف " ولم يقل تحلق فهنا مشهد الطيور تدور وتحوم حوله فهو المدار الذي تدور في فلكه حيث تتجول ما بين رئته فهي الهواء الذي يتنفسه وأبي الهول الرابض على أنفه هذا الأسد المريض " ويتساءل المتلقي ما القاسم المشترك بين أبي الهول والطيورالنارية التي تطوف عليه فشاعرنا هنا يركد على استمرارية وخلود العذاب الذي يتجرعه وأي عذاب هذا وأي تجرع للألم من محب لم يلق
من محبوبته إلا التنكر والصد
ويكمل شاعرنا المشهد بقوله :
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
"قل هو الوهم " صرخة ألم تعتصر قلب شاعرنا أطلق عشقه في مدائن اغتالها الموت "وهنا يرمز لخيبة الأمل في حب لم يكتمل
ويتساءل المتلقي ماذا يقصد شاعرنا ب" الجلفة " أهو القطعة من أي شيء من القلب على سبيل المثال أم هو" القلم"
لكن سرعان ماندرك أن مقصده القلم حين أكد لنا أن هذه الأقلام ماروضتها الكتب فألالم النفسي الذي يعتصر قلب الشاعر لم يجد له مثيلا في الكتب التي كتبت عن قصص الحب فقد تذكرت الشاعر "توبة بن الحمير" الذي تجرع ألم الفراق فقال في محبوبته ليلى الأخيلية
ولو أن ليلى الاخيلية سلمت على ......ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا .........إليها من جانب القبر صائح
فالكتب هنا اشارة إلى دواوين الشعر الحافلة بقصص الحب التي وصفت معاناة المحبين
واستشهد بشاعرين درويش الفلسطيني وبوشكين الروسي الذي عرف بشاعر الأمة كما أفنى درويش عمره حاملا
على عاتقه قضية وطنه ونسج معاناة شعبه في ثنايا حرفه فقد حمل شاعرا لواء ألمه يتجرعه حتى النخاع
ثم يستخدم فعل الأمر في قوله "فامض لذات القناع " فإلى أي شيء يرمز بذات القناع
هل هو النفاق أم المحبوبة الغادرة ؟! ويؤكد أن المضي نحوها أمرا محتوما فالمضي إليها أمرا محتوما فليس لك الحق في الشكوى وذلك يكمن في قول الشاعر
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
فكما كانت البداية بفعل الأمر"قل هو الوهم" الذي يتنشي أملا زائفا في الولوج للوحة الموت المكتظة بزبانية العذاب وأنين الألم فعليك يامن امتطيت جوادالحب وصافحت المحبة التي تمتلك صفات الثعالب أن تدفع ثمن هذا الغباء فعليك أن تذهب لنهايتك المحتومة المتجمدة وهذا التعبير " من ثلج النهاية" يدب في أوصال الحب البرودة والشعور بالألم النفسي الذي يعانيه الشاعر حين ترك لقلبه العنان ليحلق ويرسم أحلاما على الرمال ومن ثم عليه أن يدفع ثمنا بل يكفر عن اقترافه لخطيئة الحب
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
حتى الغناء تحول لكفارة مثالية تدفعها ثمن انقيادك للقطيع هل يقصد من يدّعون الحب أو من يتغنون بالحب ؟!!
فأنت مجرد شاة في قطيع اسقاط رمزي فهو يخاطب قلبه معنفا اياه الذي انساق وراء القطيع
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
ولكن شاعرنا يحفف الوطء على هذا المسكين الذي يمتطي جواد الحب
فإن كانت مصيبة التابع هي التبعية فالمتبوع أكثر غباء فهم في لعنة الغياب الخالدة شركاء والغياب هنا المعادل الموضوعي للفراق وفي قوله :
"كفارتك أزلية"
وفي تعبير "كفارتك أزلية "دليل على أنه لم يقترف معصية بل خطيئة عظمى ستظل محفورة في قلبه
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ
وما الحاكم بأمر الله وعطف الطاعون وهو مرض الموت وما ملكت يمنيه كل هؤلاء اجتمعوا بالعرف والتقاليد على ذبح هذا القلب على مقصلة العرف فالوهم هو المعادل الموضوعي للحب الذي يكسر أمام عتبات العادات والتقاليد الحب الذي يصلب على جذوع التبعية للقطيع ويصطدم بالخيانة
نحن أمام قصيدة نثرية صورت حالة شعورية مضمخة بالألم والأسى والحزن النفسي على فراق معشوقة غدرت بقلب ارتطم بصخرة التقاليد وقطع شرايين قلبه فأضحى اشتهاء الموت أفضل من القبوع تحت وطئة خيبات العشق التي نحتت من حوله سياجا من نيران الفراق .
قصيدة نثرية صورت ثورة عاشق فقد محبوبته وعاش يتمنى الموت فهو حبيس قلبه الذي لا ينفك يتجرع هذه التجربة المؤلمة .
ويمكننا القول :إن هذا النص بما يحمله من رمزية مفتوحا على التأويل فيمكننا اسقاطه على الأوطان فالمحبوبة هنا يمكنناجعلها معادلا موضوعيا للوطن والعاشق ما هو الا الثائر الذي انتشى حبها واستيقظ على صخرة الواقع .
هذه قراءتي لقصيدة "قل هو الوهم للشاعر المبدع :ربيع عقب الباب التي هي من وجهة نظري تعد نصا مفتوحا يقبل التأويل
تقبل تحياتي شاعرنا القدير
نجلاء نصير
قراءة في نص قل هو الوهم للمبدع : ربيع عقب الباب
قل هو الوهم !! / ربيع عقب الباب
إلى / نفس تتوق للانعتاق !!
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
سالكة ما بين رئته و أبي الهول الرابض على أنفه !!
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
كفارتك أزلية
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ !!
من العنوان الذي هو بمثابة المفتاح الذي يرسله المبدع للمتلقي ليفك شفرة النص .."قل هو الوهم "
فقد بدأالشاعر بفعل الأمر "قل " فمن يأمر شاعرنا ؟ وبماذا يأمر ؟ يجيب على المتلقي بقوله: " قل هو الوهم "
وحينما يتساءل المتلقي لمن هذه الاجابة ؟ أو هذا الأمر ..فلابدمن وجود سؤال وسائل ..ويسعفنا شاعرنا بالاجابة على هذه الأسئلة بقوله :
إلى / نفس تتوق للانعتاق
فالأمر هنا إلى " نفس " وأتى بلفظ " نفس " نكرة ليدلل على العموم والشمول فهذا الأمر لكل نفس
"تتوق" وهي من مادة "ت و ق " تتوق فعل خماسي لازم متعد بحرف وهو بمعنى الشوق والشوق لا يكون
إلا لشيء حرم منه الانسان فإلى أي شيء تتوق هذه النفس ؟ يجيبنا شاعرنا بقوله : "للانعتاق" من مادة (ع ت ق )
مصدر (انعتق ) والانعتاق لا يكون إلا من العبودية فمن استعبد هذه النفس ترى هل هو حب لمعشوقة لم تصن العهد أم حب للوطن ؟ ولنجيب على هذا السؤال لابد لنا أن نسبر أغوار هذا النص لنجد ضالتنا المنشودة يقول شاعرنا :
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فهل على أبواب الريح انعتاق فالريح لاتستقر فهي دائما متقلبة وكأن شاعرنا يريد أن يشرك المتلقي معه في حالة القلق الفكري ثم يأتي بالجذر"كم" للدلالة على الكثرة ثم قال "أذعنت" فقد انقاد وتبع مشيئة القبيلة
فهو لم يملك حق الاختيار أو حق تقرير المصير ولكنه اضطر للانقياد لمشيئة الجماعة واختيار شاعرنا للفظ "مشيئة "
موفقا لأنه لو قال لرأي القبيلة لفتح أمام المتلقي مقدرة الشاعر على الاختيار فربما يناقش الرأي ويقارع الحجة
بالحجة ولكن المشيئة أغلقت للحوار كل باب ولكن ما الأثر النفسي الذي تركه هذا الانقياد على الشاعر ولماذا وقع تحت ضغط الجماعة "القبيلة" المعروفة بأحكامها العرفية التي تسيري على أفرادها ولكن ما أثر هذا الانقياد
يقول :
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فالشاعر يرسم لنا لوحة مؤلمة وكيف ينازع ويصارع نفسه التواقة إلى الولوج إلى أقصى الموت مؤكدا ذلك في قوله "سدرة " التي تاتي بمعنى شجرة السدر التي منها ما ينتفع به ومنها مالا ينتفع به أيضا وقد أتت في قوله تعالى في سورة النجم "ولقد رىه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى " فالسدرة مكان ينتهى إليه ولا يتجاوزه أحد وحين ينازع شاعرنا نفسه فهو يصارعها لاشتهائها الموت فالصراع يكون دائما حين يكون الانسان في حيرة من أمره ليختار بين خيارين فلماذا يشتهي الموت ولماذا يهرول إليه هل يجلد قلبه الذي عشق بصدق ولم يجد من المعشوقة إلا الصد فنجده يلح في طلب الموت أو قل الانتحار وهذا ما يؤكده قول الشاعر
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
فباستخدام حرف العطف "أو" وضع المتلقي في حيرة من أمره فشاعرنا يتوق إلى قبضة من أثر سدرة الموت القابعة بين رموش القمر وعينيه لوحة وظفت توظيفا فنيا متقنا فالقبضة التي ترمز للموت تقبع ما بين رموش القمر وعينيه فماذا يقصد بالقمر هنا ؟فشاعرنا في حيرة بين اشتهاء الموت اواشتهاء أن يقبض بين رموش محبوبته التي رمز إليها بالقمر ما أروع هذا التعبير!
ثم ينتقل مخاطبا نفسه مرة أخرى وينقلنا معه لحالة من الحنق على نفاق المجتمع قائلا
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
فهو يتبرأ من نفسه إن جمع بينها وبين الريح التي تتوق نفسه للانعتاق على بابها
ولا يكتفي بالتبرأ من ذاته حين يقترف ذنب الجمع بينهما بل يتناثر مثل فقاعة
فالفقاعة فارغة لا تحمل إلا الهواء فقد أراد الشاعر أن يصور لنا حالة الخواء الروحي والألم والصدمة النفسية التي يعانيها ويفاجئنا برفقته لكلب فالكلب رمز للوفاء والاخلاص الذي سيطعمه ببعض عظام احتفظ به ..فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الهواء فالشاعر تخير الفعل " يغفو" ولم يقل ينام لأن الغفوة :نوم خفيف فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الفراغ "الهواء" الذي يرمز" للوهم " .."ملتحفا بفراء ماتبقى له من زمن الثعالب " يا لها من غصة ومرارة وانقلاب للموازين فكيف يلتحف الوفاء بفراء الدهاء والمكر وكأننا أمام صورة رمزية فالكلب الذي يعد المعادل الموضوعي للوفاء في زمن الفراغ والوهم التحف بقناع "الفراء" الثعالب المرادف للمكر والدهاء والغدر ولكن هذا الفراء لم يستر هذا الكلب
فتحته اللعنات تحاصره بطوق دعي لئيم ولكن من أين أتى هذا الطوق ؟
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
لا يترك شاعرنا المتلقي في حيرة من أمره فهذا الطوق موروث مذ عهد كل ظالم جبار
ونجد شاعرنا متأثرا بألفاظ القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة العلق "سندع الزبانية "
فلهؤلاء زبانية تطيع أوامرهم وتنكل وتعذب وهذا الطوق محكم الصنعة ويعدد شاعرنا التشبيهات فيقول "أو كأمعاء نسيت صاحبها " وهنا تتبدل اللوحة أمام المتلقي فحين تنسى الأمعاء صاحبها يصبح ضعيفا نحيلا وربما هذا الضعف جاء اثر صدمة عاطفية وانكسار للقلب ولذلك اختار كلبه الالتحاف بفراء ماتبقى من زمن الثعالب فأي طعنة نجلاء أردت شاعرنا مهموما نحيلا كافرا بكل معاني الوفاء ؟!!
ويكمل لنا شاعرنا هذه اللوحة المضمخة بالمعاناة فالسقيا تأتي من عين أتعبها تدفق الدمع بل انهمار الدمع ولا تفيض الدموع إلا عندما يختنق الانسان فيجهش بالبكاء الشفاف النقي الذي لا يجد تفسيرا لوجوده ثم ترسم لنا ريشة الشاعر لوحة العذاب بقوله "وتطوف عليه طيور النار" فنحن أمام عذاب عظيم يذكرنا بالحجارة التي كانت تقذف بها الطير الأبابيل أبرهة وجنوده وأي عذاب هذا ؟ وأي ألم هذا الذي يجعل طيور النار تطوف فقد تخير شاعرنا الفعل "تطوف " ولم يقل تحلق فهنا مشهد الطيور تدور وتحوم حوله فهو المدار الذي تدور في فلكه وأي عذاب هذا وأي تجرع للألم من محب لم يلق
من محبوبته إلا التنكر والصد
ويكمل شاعرنا المشهد بقوله :
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
"قل هو الوهم " صرخة ألم تعتصر قلب شاعرنا على ميادين ضمخت بدماء الأبرياء
ويتساءل المتلقي ماذا يقصد شاعرنا ب" الجلفة " أهو القطعة من أي شيء القلب مثلا أم هو القلم
لكن سرعان ماندرك أن مقصده "القلب " حين أكد لنا أن هذه الآلام لم تروضها الكتب
واستشهد بشاعرين درويش الفلسطيني وبوشكين الروسي الذي عرف بشاعر الأمة كما أفنى درويش عمره حاملا
على عاتقه قضية وطنه ونسج معاناة شعبه في ثنايا حرفه فمثلهما مثل شاعرنا الذي حمل قضية قلبه على عاتقه
ثم يستخدم فعل الأمر في قوله "فامض لذات القناع " فإلى أي شيء يرمز بذات القناع
هل هو النفاق أم المحبوبة الغادرة ؟! ويؤكد أن المضي نحوها أمرا محتوما فالمضي إليها أمرا محتوما فليس لك الحق في الشكوى أو الاختيار فالحب يسلب الارادة فالخاتمة الباردة أكدت على الفراق وذلك يكمن في قول الشاعر
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
فكما كانت البداية بفعل الأمرم" قل هو الوهم " الذي يتنشي أملا زائفا في الولوج للوحة الموت المكتظة بزبانية العذاب وأنين الألم فعليك يامن امتطيت الحب وصافحت المحبة التي تمتلك صفات الثعالب أن تدفع ثمن هذا الغباء فعليك أن تذهب لنهايتك المحتومة المتجمدة "الفراق " وهذا التعبير " من ثلج النهاية" يدب في أوصال الحب البرودة والشعور بالألم النفسي الذي يعانيه الشاعر حين ترك لقلبه العنان ليحلق ويرسم أحلاما على الرمال ومن ثم عليه أن يدفع ثمنا بل يكفر عن اقترافه لخطيئة الحب
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
حتى الغناء تحول لكفارة مثالية تدفعها ثمن انقيادك للقطيع هل يقصد من يدعون الحب أو من يتغنون بالحب ؟!!
فأنت مجرد شاة في قطيع اسقاط رمزي فهو يخاطب قلبه معنفا اياه
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
ولكن شاعرنا يحفف الوطء على هذا المسكين الذي يمتطي جواد الحب
فإن كانت مصيبة التابع هي التبعية فالمتبوع أكثر غباء فهم في لعنة الغياب الخالدة شركاء والغياب هنا المعادل الموضوعي للفراق
كفارتك أزلية
وفي تعبير "كفارتك أزلية "دليل على أنه لم يقترف معصية بل خطيئة عظمى ستظل محفورة في قلبه
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ
وما الحاكم بأمر الله وعطف الطاعون وهو مرض الموت وما ملكت يمنيه كل هؤلاء اجتمعوا بالعرف والتقاليد على ذبح هذا القلب على مقصلة العرف فالوهم هو المعادل الموضوعي للحب الذي يكسر أمام عتبات العادات والتقاليد الحب الذي يصلب على جذوع التبعية للقطيع .
نحن أمام قصيدة نثرية صورت حالة شعورية مضمخة بالألم والأسى والحزن النفسي على فراق معشوقة ارتطمت بصخرة التقاليد وقطعت شرايين قلبها وخلفت من وراءها عاشقا يحيا في غرفة انعاش الأمل التي نحتت من حوله سياجا من نيران الفراق .
قصيدة نثرية صورت ثورة عاشق فقد محبوبته وعاش يتمنى الموت فهو حبيس قلبه الذي لا ينفك يتجرع هذه التجربة المؤلمة .
ويمكننا القول :إن هذا النص بما يحمله من رمزية مفتوحا على التأويل فيمكننا اسقاطه على الأوطان فالمحبوبة هنا يمكنناجعلها معادلا موضوعيا للوطن والعاشق ما هو الا الثائر الذي انتشى حبها واستيقظ على صخرة الواقع .
هذه قراءتي لقصيدة "قل هو الوهم للشاعر المبدع :ربيع عقب الباب
تقبل تحياتي
نجلاء نصير
النص
قل هو الوهم !! / ربيع عقب الباب
إلى / نفس تتوق للانعتاق !!
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
سالكة ما بين رئته و أبي الهول الرابض على أنفه !!
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
كفارتك أزلية
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ !!
من العنوان الذي هو بمثابة المفتاح الذي يرسله المبدع للمتلقي ليفك شفرة النص .."قل هو الوهم "
فقد بدأالشاعر بفعل الأمر "قل " فمن يأمر شاعرنا ؟ وبماذا يأمر ؟ يجيب على المتلقي بقوله: " قل هو الوهم "
وحينما يتساءل المتلقي لمن هذه الاجابة ؟ أو هذا الأمر ..فلابدمن وجود سؤال وسائل ..ويسعفنا شاعرنا بالاجابة على هذه الأسئلة بقوله :
إلى / نفس تتوق للانعتاق
فالأمر هنا إلى " نفس " وأتى بلفظ " نفس " نكرة ليدلل على العموم والشمول فهذا الأمر لكل نفس
"تتوق" وهي من مادة "ت و ق " تتوق فعل خماسي لازم متعد بحرف وهو بمعنى الشوق والشوق لا يكون
إلا لشيء حرم منه الانسان فإلى أي شيء تتوق هذه النفس ؟ يجيبنا شاعرنا بقوله : "للانعتاق" من مادة (ع ت ق )
مصدر (انعتق ) والانعتاق لا يكون إلا من العبودية فمن استعبد هذه النفس ترى هل هو حب لمعشوقة لم تصن العهد أم حب للوطن ؟ ولنجيب على هذا السؤال لابد لنا أن نسبر أغوار هذا النص لنجد ضالتنا المنشودة يقول شاعرنا :
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فهل على أبواب الريح انعتاق فالريح لاتستقر فهي دائما متقلبة وكأن شاعرنا يريد أن يشرك المتلقي معه في حالة القلق الفكري ثم يأتي بالجذر"كم" للدلالة على الكثرة ثم قال "أذعنت" فقد انقاد وتبع مشيئة القبيلة
فهو لم يملك حق الاختيار أو حق تقرير المصير ولكنه اضطر للانقياد لمشيئة الجماعة واختيار شاعرنا للفظ "مشيئة "
موفقا لأنه لو قال لرأي القبيلة لفتح أمام المتلقي مقدرة الشاعر على الاختيار فربما يناقش الرأي ويقارع الحجة
بالحجة ولكن المشيئة أغلقت للحوار كل باب ولكن ما الأثر النفسي الذي تركه هذا الانقياد على الشاعر ولماذا وقع تحت ضغط الجماعة "القبيلة" المعروفة بأحكامها العرفية التي تسري على أفرادها و ما أثر هذا الانقياد؟
يقول :
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فالشاعر يرسم لنا لوحة مؤلمة وكيف ينازع ويصارع نفسه التواقة إلى الولوج إلى أقصى الموت مؤكدا ذلك في قوله "سدرة " التي تاتي بمعنى شجرة السدر التي منها ما ينتفع به ومنها مالا ينتفع به أيضا وقد أتت في قوله تعالى في سورة النجم "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى " فالسدرة مكان ينتهى إليه ولا يتجاوزه أحد وحين ينازع شاعرنا نفسه فهو يصارعها لاشتهائها الموت فالصراع يكون دائما حين يكون الانسان في حيرة من أمره ليختار بين خيارين فلماذا يشتهي الموت ؟ولماذا يهرول إليه؟ هل يجلد قلبه الذي عشق بصدق ولم يجد من المعشوقة إلا الصد فنجده يلح في طلب الموت أو قل الانتحار وهذا ما يؤكده قول الشاعر
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
فباستخدام حرف العطف "أو" وضع المتلقي في حيرة من أمره فشاعرنا يتوق إلى قبضة من أثر سدرة الموت القابعة بين رموش القمر وعينيه لوحة وظفت توظيفا فنيا متقنا فالقبضة التي ترمز للموت تقبع ما بين رموش القمر وعينيه فماذا يقصد بالقمر هنا ؟فشاعرنا في حيرة بين اشتهاء الموت اواشتهاء أن يقبض بين رموش محبوبته التي رمز إليها بالقمر ما أروع هذا التعبير!
ثم ينتقل مخاطبا نفسه مرة أخرى وينقلنا معه لحالة من الحنق على نفاق المجتمع قائلا
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
فهو يتبرأ من نفسه إن جمع بينها وبين الريح التي تتوق نفسه للانعتاق على بابها
ولا يكتفي بالتبرأ من ذاته حين يقترف ذنب الجمع بينهما بل يتناثر مثل فقاعة
فالفقاعة فارغة لا تحمل إلا الهواء فقد أراد الشاعر أن يصور لنا حالة الخواء الروحي والألم والصدمة النفسية التي يعانيها ويفاجئنا برفقته لكلب فالكلب هنا رمز للوفاء والاخلاص الذي سيطعمه ببعض عظام فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الهواء فالشاعر تخير الفعل "يغفو" ولم يقل" ينام" لأن الغفوة :نوم خفيف فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الفراغ "الهواء" .."ملتحفا بفراء ماتبقى له من زمن الثعالب " يا لها من غصة ومرارة وانقلاب للموازين فكيف يلتحف الوفاء بفراء الدهاء والمكر وكأننا أمام صورة رمزية فالكلب الذي يعد المعادل الموضوعي للوفاء في زمن الفراغ والفوضى التحف بقناع "الفراء" الثعالب المرادف للمكر والدهاء والغدر ولكن هذا الفراء لم يستر هذا الكلب
فتحته اللعنات تحاصره بطوق دعي لئيم ولكن من أين أتى هذا الطوق ؟
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
سالكة ما بين رئته و أبي الهول الرابض على أنفه !!
لا يترك شاعرنا المتلقي في حيرة من أمره فهذا الطوق موروث مذ عهد كل ظالم جبار
ونجد شاعرنا متأثرا بألفاظ القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة العلق "سندع الزبانية "
فلهؤلاء زبانية تطيع أوامرهم وتنكل وتعذب وهذا الطوق محكم الصنعة ويعدد شاعرنا التشبيهات فيقول "أو كأمعاء نسيت صاحبها " وهنا تتبدل اللوحة أمام المتلقي فحين تنسى الأمعاء صاحبها يصبح ضعيفا نحيلا وربما هذا الضعف جاء اثر صدمة عاطفية وانكسار للقلب ولذلك اختار كلبه الالتحاف بفراء ماتبقى من زمن الثعالب فأي طعنة نجلاء أردت شاعرنا مهموما نحيلا كافرا بكل معاني الوفاء ؟!!
ويكمل لنا شاعرنا هذه اللوحة المضمخة بالمعاناة فالسقيا تأتي من عين أتعبها تدفق الدمع بل انهمار الدمع ولا تفيض الدموع إلا عندما يختنق الانسان فيجهش بالبكاء الشفاف النقي الذي لا يجد تفسيرا لوجوده ثم ترسم لنا ريشة الشاعر لوحة العذاب بقوله "وتطوف عليه طيور النار" فنحن أمام عذاب عظيم يذكرنا بالحجارة التي كانت تقذف بها الطير الأبابيل أبرهة وجنوده وأي عذاب هذا ؟ وأي ألم هذا الذي يجعل طيور النار تطوف فقد تخير شاعرنا الفعل "تطوف " ولم يقل تحلق فهنا مشهد الطيور تدور وتحوم حوله فهو المدار الذي تدور في فلكه حيث تتجول ما بين رئته فهي الهواء الذي يتنفسه وأبي الهول الرابض على أنفه هذا الأسد المريض " ويتساءل المتلقي ما القاسم المشترك بين أبي الهول والطيورالنارية التي تطوف عليه فشاعرنا هنا يركد على استمرارية وخلود العذاب الذي يتجرعه وأي عذاب هذا وأي تجرع للألم من محب لم يلق
من محبوبته إلا التنكر والصد
ويكمل شاعرنا المشهد بقوله :
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
"قل هو الوهم " صرخة ألم تعتصر قلب شاعرنا أطلق عشقه في مدائن اغتالها الموت "وهنا يرمز لخيبة الأمل في حب لم يكتمل
ويتساءل المتلقي ماذا يقصد شاعرنا ب" الجلفة " أهو القطعة من أي شيء من القلب على سبيل المثال أم هو" القلم"
لكن سرعان ماندرك أن مقصده القلم حين أكد لنا أن هذه الأقلام ماروضتها الكتب فألالم النفسي الذي يعتصر قلب الشاعر لم يجد له مثيلا في الكتب التي كتبت عن قصص الحب فقد تذكرت الشاعر "توبة بن الحمير" الذي تجرع ألم الفراق فقال في محبوبته ليلى الأخيلية
ولو أن ليلى الاخيلية سلمت على ......ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا .........إليها من جانب القبر صائح
فالكتب هنا اشارة إلى دواوين الشعر الحافلة بقصص الحب التي وصفت معاناة المحبين
واستشهد بشاعرين درويش الفلسطيني وبوشكين الروسي الذي عرف بشاعر الأمة كما أفنى درويش عمره حاملا
على عاتقه قضية وطنه ونسج معاناة شعبه في ثنايا حرفه فقد حمل شاعرا لواء ألمه يتجرعه حتى النخاع
ثم يستخدم فعل الأمر في قوله "فامض لذات القناع " فإلى أي شيء يرمز بذات القناع
هل هو النفاق أم المحبوبة الغادرة ؟! ويؤكد أن المضي نحوها أمرا محتوما فالمضي إليها أمرا محتوما فليس لك الحق في الشكوى وذلك يكمن في قول الشاعر
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
فكما كانت البداية بفعل الأمر"قل هو الوهم" الذي يتنشي أملا زائفا في الولوج للوحة الموت المكتظة بزبانية العذاب وأنين الألم فعليك يامن امتطيت جوادالحب وصافحت المحبة التي تمتلك صفات الثعالب أن تدفع ثمن هذا الغباء فعليك أن تذهب لنهايتك المحتومة المتجمدة وهذا التعبير " من ثلج النهاية" يدب في أوصال الحب البرودة والشعور بالألم النفسي الذي يعانيه الشاعر حين ترك لقلبه العنان ليحلق ويرسم أحلاما على الرمال ومن ثم عليه أن يدفع ثمنا بل يكفر عن اقترافه لخطيئة الحب
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
حتى الغناء تحول لكفارة مثالية تدفعها ثمن انقيادك للقطيع هل يقصد من يدّعون الحب أو من يتغنون بالحب ؟!!
فأنت مجرد شاة في قطيع اسقاط رمزي فهو يخاطب قلبه معنفا اياه الذي انساق وراء القطيع
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
ولكن شاعرنا يحفف الوطء على هذا المسكين الذي يمتطي جواد الحب
فإن كانت مصيبة التابع هي التبعية فالمتبوع أكثر غباء فهم في لعنة الغياب الخالدة شركاء والغياب هنا المعادل الموضوعي للفراق وفي قوله :
"كفارتك أزلية"
وفي تعبير "كفارتك أزلية "دليل على أنه لم يقترف معصية بل خطيئة عظمى ستظل محفورة في قلبه
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ
وما الحاكم بأمر الله وعطف الطاعون وهو مرض الموت وما ملكت يمنيه كل هؤلاء اجتمعوا بالعرف والتقاليد على ذبح هذا القلب على مقصلة العرف فالوهم هو المعادل الموضوعي للحب الذي يكسر أمام عتبات العادات والتقاليد الحب الذي يصلب على جذوع التبعية للقطيع ويصطدم بالخيانة
نحن أمام قصيدة نثرية صورت حالة شعورية مضمخة بالألم والأسى والحزن النفسي على فراق معشوقة غدرت بقلب ارتطم بصخرة التقاليد وقطع شرايين قلبه فأضحى اشتهاء الموت أفضل من القبوع تحت وطئة خيبات العشق التي نحتت من حوله سياجا من نيران الفراق .
قصيدة نثرية صورت ثورة عاشق فقد محبوبته وعاش يتمنى الموت فهو حبيس قلبه الذي لا ينفك يتجرع هذه التجربة المؤلمة .
ويمكننا القول :إن هذا النص بما يحمله من رمزية مفتوحا على التأويل فيمكننا اسقاطه على الأوطان فالمحبوبة هنا يمكنناجعلها معادلا موضوعيا للوطن والعاشق ما هو الا الثائر الذي انتشى حبها واستيقظ على صخرة الواقع .
هذه قراءتي لقصيدة "قل هو الوهم للشاعر المبدع :ربيع عقب الباب التي هي من وجهة نظري تعد نصا مفتوحا يقبل التأويل
تقبل تحياتي شاعرنا القدير
نجلاء نصير
قراءة في نص قل هو الوهم للمبدع : ربيع عقب الباب
قل هو الوهم !! / ربيع عقب الباب
إلى / نفس تتوق للانعتاق !!
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
سالكة ما بين رئته و أبي الهول الرابض على أنفه !!
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
كفارتك أزلية
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ !!
من العنوان الذي هو بمثابة المفتاح الذي يرسله المبدع للمتلقي ليفك شفرة النص .."قل هو الوهم "
فقد بدأالشاعر بفعل الأمر "قل " فمن يأمر شاعرنا ؟ وبماذا يأمر ؟ يجيب على المتلقي بقوله: " قل هو الوهم "
وحينما يتساءل المتلقي لمن هذه الاجابة ؟ أو هذا الأمر ..فلابدمن وجود سؤال وسائل ..ويسعفنا شاعرنا بالاجابة على هذه الأسئلة بقوله :
إلى / نفس تتوق للانعتاق
فالأمر هنا إلى " نفس " وأتى بلفظ " نفس " نكرة ليدلل على العموم والشمول فهذا الأمر لكل نفس
"تتوق" وهي من مادة "ت و ق " تتوق فعل خماسي لازم متعد بحرف وهو بمعنى الشوق والشوق لا يكون
إلا لشيء حرم منه الانسان فإلى أي شيء تتوق هذه النفس ؟ يجيبنا شاعرنا بقوله : "للانعتاق" من مادة (ع ت ق )
مصدر (انعتق ) والانعتاق لا يكون إلا من العبودية فمن استعبد هذه النفس ترى هل هو حب لمعشوقة لم تصن العهد أم حب للوطن ؟ ولنجيب على هذا السؤال لابد لنا أن نسبر أغوار هذا النص لنجد ضالتنا المنشودة يقول شاعرنا :
على أبواب الريح
كم أذعنت لمشيئة القبيلة
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فهل على أبواب الريح انعتاق فالريح لاتستقر فهي دائما متقلبة وكأن شاعرنا يريد أن يشرك المتلقي معه في حالة القلق الفكري ثم يأتي بالجذر"كم" للدلالة على الكثرة ثم قال "أذعنت" فقد انقاد وتبع مشيئة القبيلة
فهو لم يملك حق الاختيار أو حق تقرير المصير ولكنه اضطر للانقياد لمشيئة الجماعة واختيار شاعرنا للفظ "مشيئة "
موفقا لأنه لو قال لرأي القبيلة لفتح أمام المتلقي مقدرة الشاعر على الاختيار فربما يناقش الرأي ويقارع الحجة
بالحجة ولكن المشيئة أغلقت للحوار كل باب ولكن ما الأثر النفسي الذي تركه هذا الانقياد على الشاعر ولماذا وقع تحت ضغط الجماعة "القبيلة" المعروفة بأحكامها العرفية التي تسيري على أفرادها ولكن ما أثر هذا الانقياد
يقول :
أنازعني حميمية الولوج
إلى سدرة الموت
فالشاعر يرسم لنا لوحة مؤلمة وكيف ينازع ويصارع نفسه التواقة إلى الولوج إلى أقصى الموت مؤكدا ذلك في قوله "سدرة " التي تاتي بمعنى شجرة السدر التي منها ما ينتفع به ومنها مالا ينتفع به أيضا وقد أتت في قوله تعالى في سورة النجم "ولقد رىه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى " فالسدرة مكان ينتهى إليه ولا يتجاوزه أحد وحين ينازع شاعرنا نفسه فهو يصارعها لاشتهائها الموت فالصراع يكون دائما حين يكون الانسان في حيرة من أمره ليختار بين خيارين فلماذا يشتهي الموت ولماذا يهرول إليه هل يجلد قلبه الذي عشق بصدق ولم يجد من المعشوقة إلا الصد فنجده يلح في طلب الموت أو قل الانتحار وهذا ما يؤكده قول الشاعر
أو إلى قبضة من أثرها النائم مابين رموش القمر و عينيه
فباستخدام حرف العطف "أو" وضع المتلقي في حيرة من أمره فشاعرنا يتوق إلى قبضة من أثر سدرة الموت القابعة بين رموش القمر وعينيه لوحة وظفت توظيفا فنيا متقنا فالقبضة التي ترمز للموت تقبع ما بين رموش القمر وعينيه فماذا يقصد بالقمر هنا ؟فشاعرنا في حيرة بين اشتهاء الموت اواشتهاء أن يقبض بين رموش محبوبته التي رمز إليها بالقمر ما أروع هذا التعبير!
ثم ينتقل مخاطبا نفسه مرة أخرى وينقلنا معه لحالة من الحنق على نفاق المجتمع قائلا
أبرأ مني
إذ خليت بينها و تلك الريح
أتناثر مثل فقاعة
و أبقي على بعض عظام لكلب رفيق
يغفو على صدر الهواء
ملتحفا بفراء ما تبقي له من زمن الثعالب
يجرى من تحته سيل من لعنات
محلى بطوق زنيم
فهو يتبرأ من نفسه إن جمع بينها وبين الريح التي تتوق نفسه للانعتاق على بابها
ولا يكتفي بالتبرأ من ذاته حين يقترف ذنب الجمع بينهما بل يتناثر مثل فقاعة
فالفقاعة فارغة لا تحمل إلا الهواء فقد أراد الشاعر أن يصور لنا حالة الخواء الروحي والألم والصدمة النفسية التي يعانيها ويفاجئنا برفقته لكلب فالكلب رمز للوفاء والاخلاص الذي سيطعمه ببعض عظام احتفظ به ..فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الهواء فالشاعر تخير الفعل " يغفو" ولم يقل ينام لأن الغفوة :نوم خفيف فهذا الكلب الوفي يغفو على صدر الفراغ "الهواء" الذي يرمز" للوهم " .."ملتحفا بفراء ماتبقى له من زمن الثعالب " يا لها من غصة ومرارة وانقلاب للموازين فكيف يلتحف الوفاء بفراء الدهاء والمكر وكأننا أمام صورة رمزية فالكلب الذي يعد المعادل الموضوعي للوفاء في زمن الفراغ والوهم التحف بقناع "الفراء" الثعالب المرادف للمكر والدهاء والغدر ولكن هذا الفراء لم يستر هذا الكلب
فتحته اللعنات تحاصره بطوق دعي لئيم ولكن من أين أتى هذا الطوق ؟
مما ترك الفراعين و الزبانية
كسوار مدملج
أو كأمعاء نسيت صاحبها
يسقى من عين تفيض عليه
و لا يدري من أين تأتي بتلك القوارير
وتطوف عليه طيور النار
لا يترك شاعرنا المتلقي في حيرة من أمره فهذا الطوق موروث مذ عهد كل ظالم جبار
ونجد شاعرنا متأثرا بألفاظ القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة العلق "سندع الزبانية "
فلهؤلاء زبانية تطيع أوامرهم وتنكل وتعذب وهذا الطوق محكم الصنعة ويعدد شاعرنا التشبيهات فيقول "أو كأمعاء نسيت صاحبها " وهنا تتبدل اللوحة أمام المتلقي فحين تنسى الأمعاء صاحبها يصبح ضعيفا نحيلا وربما هذا الضعف جاء اثر صدمة عاطفية وانكسار للقلب ولذلك اختار كلبه الالتحاف بفراء ماتبقى من زمن الثعالب فأي طعنة نجلاء أردت شاعرنا مهموما نحيلا كافرا بكل معاني الوفاء ؟!!
ويكمل لنا شاعرنا هذه اللوحة المضمخة بالمعاناة فالسقيا تأتي من عين أتعبها تدفق الدمع بل انهمار الدمع ولا تفيض الدموع إلا عندما يختنق الانسان فيجهش بالبكاء الشفاف النقي الذي لا يجد تفسيرا لوجوده ثم ترسم لنا ريشة الشاعر لوحة العذاب بقوله "وتطوف عليه طيور النار" فنحن أمام عذاب عظيم يذكرنا بالحجارة التي كانت تقذف بها الطير الأبابيل أبرهة وجنوده وأي عذاب هذا ؟ وأي ألم هذا الذي يجعل طيور النار تطوف فقد تخير شاعرنا الفعل "تطوف " ولم يقل تحلق فهنا مشهد الطيور تدور وتحوم حوله فهو المدار الذي تدور في فلكه وأي عذاب هذا وأي تجرع للألم من محب لم يلق
من محبوبته إلا التنكر والصد
ويكمل شاعرنا المشهد بقوله :
قل هو الوهم الذى أطلقته فى مدائن نالها الموت
تلك الجلفة التى ما روضتها الكتب و لا حتى
أشعار درويش أو بوشكين
فامض لذات القناع
دون تأفف
"قل هو الوهم " صرخة ألم تعتصر قلب شاعرنا على ميادين ضمخت بدماء الأبرياء
ويتساءل المتلقي ماذا يقصد شاعرنا ب" الجلفة " أهو القطعة من أي شيء القلب مثلا أم هو القلم
لكن سرعان ماندرك أن مقصده "القلب " حين أكد لنا أن هذه الآلام لم تروضها الكتب
واستشهد بشاعرين درويش الفلسطيني وبوشكين الروسي الذي عرف بشاعر الأمة كما أفنى درويش عمره حاملا
على عاتقه قضية وطنه ونسج معاناة شعبه في ثنايا حرفه فمثلهما مثل شاعرنا الذي حمل قضية قلبه على عاتقه
ثم يستخدم فعل الأمر في قوله "فامض لذات القناع " فإلى أي شيء يرمز بذات القناع
هل هو النفاق أم المحبوبة الغادرة ؟! ويؤكد أن المضي نحوها أمرا محتوما فالمضي إليها أمرا محتوما فليس لك الحق في الشكوى أو الاختيار فالحب يسلب الارادة فالخاتمة الباردة أكدت على الفراق وذلك يكمن في قول الشاعر
بلا شكوى من ثلج النهاية
و تذكر أن بعض القيظ كفارة
بعض الغباء كفارة
فكما كانت البداية بفعل الأمرم" قل هو الوهم " الذي يتنشي أملا زائفا في الولوج للوحة الموت المكتظة بزبانية العذاب وأنين الألم فعليك يامن امتطيت الحب وصافحت المحبة التي تمتلك صفات الثعالب أن تدفع ثمن هذا الغباء فعليك أن تذهب لنهايتك المحتومة المتجمدة "الفراق " وهذا التعبير " من ثلج النهاية" يدب في أوصال الحب البرودة والشعور بالألم النفسي الذي يعانيه الشاعر حين ترك لقلبه العنان ليحلق ويرسم أحلاما على الرمال ومن ثم عليه أن يدفع ثمنا بل يكفر عن اقترافه لخطيئة الحب
و لغنائك كفارة مُثلى
أنك فى نهاية الطريق
محض شاة فى قطيع
حتى الغناء تحول لكفارة مثالية تدفعها ثمن انقيادك للقطيع هل يقصد من يدعون الحب أو من يتغنون بالحب ؟!!
فأنت مجرد شاة في قطيع اسقاط رمزي فهو يخاطب قلبه معنفا اياه
ساسه راع أكثر غباوة منك
فاقض ما أنت قاض
و استو فى لعنة الغياب خالدا
ولكن شاعرنا يحفف الوطء على هذا المسكين الذي يمتطي جواد الحب
فإن كانت مصيبة التابع هي التبعية فالمتبوع أكثر غباء فهم في لعنة الغياب الخالدة شركاء والغياب هنا المعادل الموضوعي للفراق
كفارتك أزلية
وفي تعبير "كفارتك أزلية "دليل على أنه لم يقترف معصية بل خطيئة عظمى ستظل محفورة في قلبه
فالحاكم بأمر الله و الطاعون و ما ملكت يمينه
يبارك الاثنتين و بينهما إفك ما تبنت القبيلة
الولوج والإيلاج و نباهة الأنصاف...و .......والــــــ
وما الحاكم بأمر الله وعطف الطاعون وهو مرض الموت وما ملكت يمنيه كل هؤلاء اجتمعوا بالعرف والتقاليد على ذبح هذا القلب على مقصلة العرف فالوهم هو المعادل الموضوعي للحب الذي يكسر أمام عتبات العادات والتقاليد الحب الذي يصلب على جذوع التبعية للقطيع .
نحن أمام قصيدة نثرية صورت حالة شعورية مضمخة بالألم والأسى والحزن النفسي على فراق معشوقة ارتطمت بصخرة التقاليد وقطعت شرايين قلبها وخلفت من وراءها عاشقا يحيا في غرفة انعاش الأمل التي نحتت من حوله سياجا من نيران الفراق .
قصيدة نثرية صورت ثورة عاشق فقد محبوبته وعاش يتمنى الموت فهو حبيس قلبه الذي لا ينفك يتجرع هذه التجربة المؤلمة .
ويمكننا القول :إن هذا النص بما يحمله من رمزية مفتوحا على التأويل فيمكننا اسقاطه على الأوطان فالمحبوبة هنا يمكنناجعلها معادلا موضوعيا للوطن والعاشق ما هو الا الثائر الذي انتشى حبها واستيقظ على صخرة الواقع .
هذه قراءتي لقصيدة "قل هو الوهم للشاعر المبدع :ربيع عقب الباب
تقبل تحياتي
نجلاء نصير
تعليق