أولى محاولاتي ..
1992\1\28
في سكون هذا الليل وهدأته,الليل الذي تغطي ستائره السوداء كل شيئ جميل والذي تتجدد فيه الأحزان ويولد فيه اليأس ويموت فيه الأمل ....من حولي تهب رياح الذكريات ومع هذا الصوت تتردد في مسمعي صرخات الماضي الأليم يحاول اليأس التسلل الى أعماقي ليقيد أجمل مابه من أحلام في غد قريب...فأتذكر وأكتب من جديد وأتساءل بيني وبين نفسي
الى متى .....؟؟أظل سجينتك أيها الليل والى متى تبقى كلماتي يتردد صداها فيك وبصمت ...............من هنا تنطلق صرختي لتدوي الوجود بصداها ,وليسمعني كل من فيه ويحس بي كل من له نبض قلب ,....كل شيئ يتكرر بنفس البطئ وبمرارة ورتابة ..
صرختي أيها الليل جزء منك ,فأنت من قبل جزء مني ...صرختي أيّها القلم لم تستطع فقه كلماتها ولا آهاتها ................
صرختي انحسرت بين أربعة جدران بل بين سطرين ...بين ورقة وقلم ,أوراق خرساء تزاحم في الخزانة ثيابي خبأتها جيدا أقلام .. ومازالت بأعماقي بقايا الكلمات ....كلمات تنتحر من قوة البأس واليأس ,وأخرى توؤد ,وشبيهاتها تختنق في حلقي ومثل هاته تكتب ولا تسمع ..كلماتي جماد ...عدم ...كلماتي بلا بداية ولا نهاية ..
ألملم على هذه الصفحة البيضاء كلماتي الضائعة وأتوسل .,أتوسل ليلي الطويل أن يسمعني أتوسل للقلم والورقة ...أتوسل لصمت هذا المكان....فلا أجد غير كلمات ضائعة تتلاشى بين شفتي وتنكسر على جدار الصمت ,كلمات تضيع ,صرخات توؤد دموع لاتنتهي ...كل شيئ يتكرر بنفس البطئ وبمرارة ورتابة .........ويلفني الضياع في دوامته من جديد فأستسلم له وأكتب من جديد ...
سألني قلمي ماذا أكتب ؟؟وسألت بدوري ورقتي ماذا نكتب ؟؟حيّرني السؤال وحيّرني الجواب .....
أأكتب ...؟؟سألني قلبي لماذا دائما أنت عكسي ؟؟
اذا حلمت ..حطمت..واذا نبضت خنقت ,..واذا رقصت حرّمت ..اذا فرحت بكيت ..واذا أحببت تجاهلت ...؟؟..
لا تسلني ياقلب ..
صمت قلبي وفاجئني عقلي الى متى ؟؟؟الى متى تهربين الى الهاوية
21-12-1989
استيقظت على الثالثة من بعد منتصف ليلة الأربعاء وكأنه أول يوم تستيقظ فيه من نومها العميق
الظلام دامس وهي وحيدة ..فتحت عينيها السودوتين ونظرت من خلال النافذة المقابلة للشاطئ
حيث ضوء القمر الخافت يتسلل في سكون الى غرفتها الصغيرة ,ليبدد ظلام ذلك المكان ..
هاته الغرفة التي يسودها صمت رهيب لا يسمع فيه سوى صدى موج البحر وهو يتمزق على تلك الصخور التي تأبى الاستسلام له ..
متحدية ايّاه في عزّة وشموخ...أعادت الغطاء على جسمها النحيل وحاولت أن تغمض جفنيها الذابلتين
وتعود الى عالم الأحلام والنسيان ....لكن ذلك الخوف الذي استبّد بها فجاة جعل النوم يفر من عينيها
فأحست بقلق شديد يتملكها راحت تبحث عن وسيلة تعيد لها النوم ...لكن دون جدوى وكأن استيقاظها
في ذلك الوقت المتأخر من الليل جاء ليجدد شيئا ما ...
انه حدسها القوي الذي يوجس من شيئ ما سيحدث ...
استغفرت الله ثلاثا وأنارت المصباح الصغير بيدها اليمنى وباليد اليسرى أزاحت عنها غطاء السرير وبخطا متثاقلة اقتربت من خزانتها الصغيرة المنزوية في آخر الغرفة
فتحت الدرج وراحت تبحث هنا وهناك .....كانت تبحث عن كراستها وبقايا قلمها ..عانقتهم بقوة وأسرت لهم أنتم مابقي لي من مقاعد الدراسة آآآآه الدراسة
ذلك الحلم الذي تبدد .والأمل الذي وئد .....
مرّت عليها الطفولة كئيبة ..ساكنة ومرّت هي على مراهقتها مرور الكرام ...كانت طفولة أنثى في قرية محافظة..
كانت حياتها كلها لاآآآآت ..لا لكل شيئ
مجتمع ذكوري لكن الحكم أنثوي فالبيت كان من تسيير الأم
امرأة قوية والكل يحترم أمرها ....رغم أنها آخر العنقود الاّأن هذا لم يشفع لها أو ربما شفع القليل
فأمل الوحيدة التي وطأت قدماها عتبة المدرسة من بين أخواتها الأربعة ....
البيت كبير والتناقض فيه كثير فالبنت تحب الدراسة ومتفوقة بل ممتازة والأبناء الذكور رفضوا الدراسة فلفضتهم المدارس ...
.......كل صباح كانت تحمل محفظتها الكبيرة الأثقل من جسمها النحيل وهي تمسك بها بكل قوة ..
ورياح الحرمان تعصف بهالامعطف يحميها ولا حضنا يدفيها ...لم تكن تودعها أمها بالأحضان والقبل وبلمجة صغير ة ...
كانت تودها بكلمات جارحة ونظرات ثاقبة وكل صباح تهدّدها أنه اليوم الأخير لها علىمقاعد الدراسة ..
كانت تخشاها أمل وتتحاشى نظراتها وكانت ....تدعو الله في سرّها أن لا تفعل ..
والى محطة النقل المدرسي كانت تتردد مع خطاها كلمات والدتها وترن بقوة في ذاكرتها:
(الذّكور بالبيت والأنثى على حلّ شعرها )
هذه آخر مرّة تخرجين فيها من المنزل أعدك ..
كلام تعودت عليه وتعودوا أن يروا أصدقاء الدراسة تلك النظرة الحزينة وتلك الابتسامة الصفرا ء ..
.تصنعت أمل السعادة وتصنعت اللباقة وتصنعت الهدوء .....كان كل شيئ مزيّف ..كاذب في حياتها ...بل حياتها كلها أمل كاذب ....
وفي المساء عند عودتها يقارع لها في الطريق أخوها الأوسط وسجارة الحشيش تحرقه من الداخل يريد بها أن يطفئ غيظه على أخته ..
يمشي وراءها يلتفت يمنة ويسرة ..يتمتم ..يبصق بقايا كره ..
\ايهانات كل صباح ومساء وتفوق لا مثيل له ...
السلام عليكم ورحمة الله :تقول أمل لم يرد عليها أحد من أهل البيت غير الوالد المغلوب على أمره
وعليك السلام ورحمة الله حبيبتي..
دخلت حجرتها ولحقت بها الأم :أشغال البيت تنتظرك ..غيّري ثيابك والحقي بي
لا قهوة المساء ولا حتى بقايا من غذاء النهار ...كانت تساءل نفسها دائما أهي فعلا أمي وأنا ابنتها؟؟؟
وكانت تقتلها الحسرة.. عندما تمر على الصديقة الوحيدة التي سمحت لها أمها بمرافقتها
كانت تجد أم ليلى باسمة الثّغر..بشوشة المحيى تضع فنجان القهوة بين يدي ابنتها ..(كرواسون) مع حلويات لم ترها أمل من أيّام العيد ..
تقول خالتي ربيعة: قهوة أم حليب ..وتعتذر أمل وتقول بل تقسم بأنها ارتشفت قهوة الصباح منذ قليل في البيت ..؟؟
وتكاد تفضحها صرخات أحشائها ...وتعاتبها نفسها (كاذبة يا أمل ..لالعشاء ولا قهوة الصباح كانا من نصيبك )
:لا يهم المهم أن أدرس ...
مرّت السنة الدراسية 83\84 بسلام وكان يتخلل أيامها خوف رهيب ...ويسكن في لياليها كوابيس لا تنتهي
وانتهت الدراسة وحلّ الصيف على القرية وكان خريفا ينثر أوراقه على قلب أمل ...........
حملت بين يديها المرتعشتين كشف النقاط السّنة ......كانت علاماتها ممتازة ....
وكان ذلك الطابع الأحمر الذي تتربع بداخله تهنئة التي شارفت على امتياز ....
كان يبرق في بؤبؤ عينيها التي حجبت عنهما الرؤيا تلك الدموع
ولأول مرة كانت دموع فرح .........
مرّت عليها الوالدة وهي تقرؤها لم تسألها ولم تلتفت لما تحمله يداها الرقيقتين .....
دخلت أمل حجرتها وخبأت كشف النقاط تحت وسادتها وهي لا تصدق أنّها مرّت الى السنة الثانية من التعليم المتوسط ....
لأنّها كانت مهددة في غدوها ورواحها ....حمدت الله أن أعمى عنها وشغل بال الوالدة ....وبقلب يكاد يطيرمن الفرح هرولت تبحث عن شيئ تساعد فيه أمّها ...
حتى ترضى عنها وفاجأتها هذه الأخيرة بالكلام \خلاص ..أظنّك قد نجحت ..اذن حقّقتي حلمك ..لادراسة السّنة القادمة ..
شخص بصر أمل ووقفت متسمّرة وكأنها صعقت ,لم تعد الأم كلامها فأدركت أمل أنّه لا مجال للنقاش .....
خبأت رأسها الصغير بين دراعيها وراحت تبكي
أتت الأم مسرعة من ورائها وشدّت شعرها الطويل بقوة وأعادت برأسها الى الخلف وقالت وكأن ماردا من الجان يتملكها..
:ابكي فلن يغيّر هذا من الأمر شيئا...صبرت عليك العام الفائت ..
أهل القرية عاتبوني ونصحوني بمكوثك في البيت فالبنت التّي تدرس لا تجلب غير العار لأهلها..
هنا بركان هزّ أمل من الأعماق وصرخت بكل قوة :لا ............لا لا من حقي عليك أن أدرس..
وأعرف أنّ سبب رفضك لدراستي هو اخوتي الّذين فشوا في كلّ شيئ وفشلوا في حياتهم
هنا انتفضت الأم وأخذت البنت بين يديها وانهالت عليها بكل أنواع الضرب وبكل قوّتها ...لم تفلح لا الأخت ولا زوجة الأخ من تحريرها ....
تدخل الجيران عند سماع صراخ أمل ..........وأخيرا أفلتتها كانت العين زرقاء والفم يدمي وأثار القرص والعض على الدّراعين والأرجل ...
كانت أمل شبه مغشي عليها ..وأصبحت طريحة الفراش لأسبوع كامل ...والأم لم تهدأ بعد,
كان لأمل أخ أكبر يحبها جدا ...حنون وعطوف لكنه للأسف سكّير ...فاذا واجهته أي مشكلة يهرب إلى الخمر حتى ينسى .....
نظر الى معالم وجهها التي تغيرت فتخاصم مع الوالدة وللأسف سبّها وهذا كان يغضب أمل ....
فمهما فعلت تبقى أمي قالتها في نفسها ...هجر الأخ البيت وكان اللوم على البنت ...
وجنّت الأم فهي تحب ذكورها كثيرا ..وبّختها وأقسمت ان لم يعد رضوان فلن تسلم منها أبدا ؟؟
جالت فكرة الانتحار بمخيّلة أمل ..لكنّها تخشى الله ..
لكنّها أرادت مفراّ ..
أرادت أن تعذب أمّها بعذابها فدخلت في اضراب عن الأكل ..
مرّ اليوم الأول فلم تعرها اهتماما وجاء اليوم الثاني وانتصف ,..
فاقترب منها الوالد الذي غلبته الدموع وتوسل اليها أن تأكل وستكمل دراستها (وعدا منه..
هزت أمل رأسها بالرفض لأنّها تعلم أنّ القرار ليس بيده ...
تحاورالوالد طويلا مع الأم لكن أبدا لم تحن..
كانت تختلس السّمع أمل لوالدتها وهي تسأل الأخت الكبرى(أكلت ولاّ ...)
فتهزّ رأسها بالنّفي..
فترتمي الأم عليها من جديد تعاود ضربها ..سبّها ..
أمل لا تقاوم ..تمنّت لحظتها ..لو تخطئ ضربة خاطفة وتوقف ذلك القلب الحالم ..
مرّ اليوم الثالث وبدأت أمل يغشى عليها من الجوع ..
لحظتها رقّ قلب الأم ..جلبت لها الطّعام وتوسّلت لها أن تأكل
هزّت أمل رأسها بالنّفي ..وعرفت الأم أنّها لن تأكل حتّى تعدها بالعودة للدّراسة
قالت الأم :كلي وأعدك أن تدرسي السّنة القادمة
بضعف شديد جلست البنت وقالت بصوت خافت :أقسمي بالله
قالت الأم :أقسم بالله ..قالت أمل :أكملي ...
قالت الأم :أقسم بالله أن...أن تكملي دراستك
ابتسمت أمل وأحست بطعم النجاح ..فنامت
وبعد أيام سمحت لها بأن تذهب مع الوالد لالتقاط الصور الشمسية ...
من لوازم التّسجيل المدرسي ..
لمّا رآها المصوّر الفتوغرافي إغرورقت عيناه بالدموع ..وقال :
سامحكم الله ..
وضع على وجهها بعض البودرات لتظليل الندوبات والكدمات وكانت الصورة ..
التي لازمتها طوال حياتها ولا زالت .....
وبعد كل السنين التي مرت لم يمحو الزمن ندوبا في الأعماق وكدمات مازلت لم تشفى بعد ...
بكلّ ألم يتبع ..
1992\1\28
في سكون هذا الليل وهدأته,الليل الذي تغطي ستائره السوداء كل شيئ جميل والذي تتجدد فيه الأحزان ويولد فيه اليأس ويموت فيه الأمل ....من حولي تهب رياح الذكريات ومع هذا الصوت تتردد في مسمعي صرخات الماضي الأليم يحاول اليأس التسلل الى أعماقي ليقيد أجمل مابه من أحلام في غد قريب...فأتذكر وأكتب من جديد وأتساءل بيني وبين نفسي
الى متى .....؟؟أظل سجينتك أيها الليل والى متى تبقى كلماتي يتردد صداها فيك وبصمت ...............من هنا تنطلق صرختي لتدوي الوجود بصداها ,وليسمعني كل من فيه ويحس بي كل من له نبض قلب ,....كل شيئ يتكرر بنفس البطئ وبمرارة ورتابة ..
صرختي أيها الليل جزء منك ,فأنت من قبل جزء مني ...صرختي أيّها القلم لم تستطع فقه كلماتها ولا آهاتها ................
صرختي انحسرت بين أربعة جدران بل بين سطرين ...بين ورقة وقلم ,أوراق خرساء تزاحم في الخزانة ثيابي خبأتها جيدا أقلام .. ومازالت بأعماقي بقايا الكلمات ....كلمات تنتحر من قوة البأس واليأس ,وأخرى توؤد ,وشبيهاتها تختنق في حلقي ومثل هاته تكتب ولا تسمع ..كلماتي جماد ...عدم ...كلماتي بلا بداية ولا نهاية ..
ألملم على هذه الصفحة البيضاء كلماتي الضائعة وأتوسل .,أتوسل ليلي الطويل أن يسمعني أتوسل للقلم والورقة ...أتوسل لصمت هذا المكان....فلا أجد غير كلمات ضائعة تتلاشى بين شفتي وتنكسر على جدار الصمت ,كلمات تضيع ,صرخات توؤد دموع لاتنتهي ...كل شيئ يتكرر بنفس البطئ وبمرارة ورتابة .........ويلفني الضياع في دوامته من جديد فأستسلم له وأكتب من جديد ...
سألني قلمي ماذا أكتب ؟؟وسألت بدوري ورقتي ماذا نكتب ؟؟حيّرني السؤال وحيّرني الجواب .....
أأكتب ...؟؟سألني قلبي لماذا دائما أنت عكسي ؟؟
اذا حلمت ..حطمت..واذا نبضت خنقت ,..واذا رقصت حرّمت ..اذا فرحت بكيت ..واذا أحببت تجاهلت ...؟؟..
لا تسلني ياقلب ..
صمت قلبي وفاجئني عقلي الى متى ؟؟؟الى متى تهربين الى الهاوية
21-12-1989
استيقظت على الثالثة من بعد منتصف ليلة الأربعاء وكأنه أول يوم تستيقظ فيه من نومها العميق
الظلام دامس وهي وحيدة ..فتحت عينيها السودوتين ونظرت من خلال النافذة المقابلة للشاطئ
حيث ضوء القمر الخافت يتسلل في سكون الى غرفتها الصغيرة ,ليبدد ظلام ذلك المكان ..
هاته الغرفة التي يسودها صمت رهيب لا يسمع فيه سوى صدى موج البحر وهو يتمزق على تلك الصخور التي تأبى الاستسلام له ..
متحدية ايّاه في عزّة وشموخ...أعادت الغطاء على جسمها النحيل وحاولت أن تغمض جفنيها الذابلتين
وتعود الى عالم الأحلام والنسيان ....لكن ذلك الخوف الذي استبّد بها فجاة جعل النوم يفر من عينيها
فأحست بقلق شديد يتملكها راحت تبحث عن وسيلة تعيد لها النوم ...لكن دون جدوى وكأن استيقاظها
في ذلك الوقت المتأخر من الليل جاء ليجدد شيئا ما ...
انه حدسها القوي الذي يوجس من شيئ ما سيحدث ...
استغفرت الله ثلاثا وأنارت المصباح الصغير بيدها اليمنى وباليد اليسرى أزاحت عنها غطاء السرير وبخطا متثاقلة اقتربت من خزانتها الصغيرة المنزوية في آخر الغرفة
فتحت الدرج وراحت تبحث هنا وهناك .....كانت تبحث عن كراستها وبقايا قلمها ..عانقتهم بقوة وأسرت لهم أنتم مابقي لي من مقاعد الدراسة آآآآه الدراسة
ذلك الحلم الذي تبدد .والأمل الذي وئد .....
مرّت عليها الطفولة كئيبة ..ساكنة ومرّت هي على مراهقتها مرور الكرام ...كانت طفولة أنثى في قرية محافظة..
كانت حياتها كلها لاآآآآت ..لا لكل شيئ
مجتمع ذكوري لكن الحكم أنثوي فالبيت كان من تسيير الأم
امرأة قوية والكل يحترم أمرها ....رغم أنها آخر العنقود الاّأن هذا لم يشفع لها أو ربما شفع القليل
فأمل الوحيدة التي وطأت قدماها عتبة المدرسة من بين أخواتها الأربعة ....
البيت كبير والتناقض فيه كثير فالبنت تحب الدراسة ومتفوقة بل ممتازة والأبناء الذكور رفضوا الدراسة فلفضتهم المدارس ...
.......كل صباح كانت تحمل محفظتها الكبيرة الأثقل من جسمها النحيل وهي تمسك بها بكل قوة ..
ورياح الحرمان تعصف بهالامعطف يحميها ولا حضنا يدفيها ...لم تكن تودعها أمها بالأحضان والقبل وبلمجة صغير ة ...
كانت تودها بكلمات جارحة ونظرات ثاقبة وكل صباح تهدّدها أنه اليوم الأخير لها علىمقاعد الدراسة ..
كانت تخشاها أمل وتتحاشى نظراتها وكانت ....تدعو الله في سرّها أن لا تفعل ..
والى محطة النقل المدرسي كانت تتردد مع خطاها كلمات والدتها وترن بقوة في ذاكرتها:
(الذّكور بالبيت والأنثى على حلّ شعرها )
هذه آخر مرّة تخرجين فيها من المنزل أعدك ..
كلام تعودت عليه وتعودوا أن يروا أصدقاء الدراسة تلك النظرة الحزينة وتلك الابتسامة الصفرا ء ..
.تصنعت أمل السعادة وتصنعت اللباقة وتصنعت الهدوء .....كان كل شيئ مزيّف ..كاذب في حياتها ...بل حياتها كلها أمل كاذب ....
وفي المساء عند عودتها يقارع لها في الطريق أخوها الأوسط وسجارة الحشيش تحرقه من الداخل يريد بها أن يطفئ غيظه على أخته ..
يمشي وراءها يلتفت يمنة ويسرة ..يتمتم ..يبصق بقايا كره ..
\ايهانات كل صباح ومساء وتفوق لا مثيل له ...
السلام عليكم ورحمة الله :تقول أمل لم يرد عليها أحد من أهل البيت غير الوالد المغلوب على أمره
وعليك السلام ورحمة الله حبيبتي..
دخلت حجرتها ولحقت بها الأم :أشغال البيت تنتظرك ..غيّري ثيابك والحقي بي
لا قهوة المساء ولا حتى بقايا من غذاء النهار ...كانت تساءل نفسها دائما أهي فعلا أمي وأنا ابنتها؟؟؟
وكانت تقتلها الحسرة.. عندما تمر على الصديقة الوحيدة التي سمحت لها أمها بمرافقتها
كانت تجد أم ليلى باسمة الثّغر..بشوشة المحيى تضع فنجان القهوة بين يدي ابنتها ..(كرواسون) مع حلويات لم ترها أمل من أيّام العيد ..
تقول خالتي ربيعة: قهوة أم حليب ..وتعتذر أمل وتقول بل تقسم بأنها ارتشفت قهوة الصباح منذ قليل في البيت ..؟؟
وتكاد تفضحها صرخات أحشائها ...وتعاتبها نفسها (كاذبة يا أمل ..لالعشاء ولا قهوة الصباح كانا من نصيبك )
:لا يهم المهم أن أدرس ...
مرّت السنة الدراسية 83\84 بسلام وكان يتخلل أيامها خوف رهيب ...ويسكن في لياليها كوابيس لا تنتهي
وانتهت الدراسة وحلّ الصيف على القرية وكان خريفا ينثر أوراقه على قلب أمل ...........
حملت بين يديها المرتعشتين كشف النقاط السّنة ......كانت علاماتها ممتازة ....
وكان ذلك الطابع الأحمر الذي تتربع بداخله تهنئة التي شارفت على امتياز ....
كان يبرق في بؤبؤ عينيها التي حجبت عنهما الرؤيا تلك الدموع
ولأول مرة كانت دموع فرح .........
مرّت عليها الوالدة وهي تقرؤها لم تسألها ولم تلتفت لما تحمله يداها الرقيقتين .....
دخلت أمل حجرتها وخبأت كشف النقاط تحت وسادتها وهي لا تصدق أنّها مرّت الى السنة الثانية من التعليم المتوسط ....
لأنّها كانت مهددة في غدوها ورواحها ....حمدت الله أن أعمى عنها وشغل بال الوالدة ....وبقلب يكاد يطيرمن الفرح هرولت تبحث عن شيئ تساعد فيه أمّها ...
حتى ترضى عنها وفاجأتها هذه الأخيرة بالكلام \خلاص ..أظنّك قد نجحت ..اذن حقّقتي حلمك ..لادراسة السّنة القادمة ..
شخص بصر أمل ووقفت متسمّرة وكأنها صعقت ,لم تعد الأم كلامها فأدركت أمل أنّه لا مجال للنقاش .....
خبأت رأسها الصغير بين دراعيها وراحت تبكي
أتت الأم مسرعة من ورائها وشدّت شعرها الطويل بقوة وأعادت برأسها الى الخلف وقالت وكأن ماردا من الجان يتملكها..
:ابكي فلن يغيّر هذا من الأمر شيئا...صبرت عليك العام الفائت ..
أهل القرية عاتبوني ونصحوني بمكوثك في البيت فالبنت التّي تدرس لا تجلب غير العار لأهلها..
هنا بركان هزّ أمل من الأعماق وصرخت بكل قوة :لا ............لا لا من حقي عليك أن أدرس..
وأعرف أنّ سبب رفضك لدراستي هو اخوتي الّذين فشوا في كلّ شيئ وفشلوا في حياتهم
هنا انتفضت الأم وأخذت البنت بين يديها وانهالت عليها بكل أنواع الضرب وبكل قوّتها ...لم تفلح لا الأخت ولا زوجة الأخ من تحريرها ....
تدخل الجيران عند سماع صراخ أمل ..........وأخيرا أفلتتها كانت العين زرقاء والفم يدمي وأثار القرص والعض على الدّراعين والأرجل ...
كانت أمل شبه مغشي عليها ..وأصبحت طريحة الفراش لأسبوع كامل ...والأم لم تهدأ بعد,
كان لأمل أخ أكبر يحبها جدا ...حنون وعطوف لكنه للأسف سكّير ...فاذا واجهته أي مشكلة يهرب إلى الخمر حتى ينسى .....
نظر الى معالم وجهها التي تغيرت فتخاصم مع الوالدة وللأسف سبّها وهذا كان يغضب أمل ....
فمهما فعلت تبقى أمي قالتها في نفسها ...هجر الأخ البيت وكان اللوم على البنت ...
وجنّت الأم فهي تحب ذكورها كثيرا ..وبّختها وأقسمت ان لم يعد رضوان فلن تسلم منها أبدا ؟؟
جالت فكرة الانتحار بمخيّلة أمل ..لكنّها تخشى الله ..
لكنّها أرادت مفراّ ..
أرادت أن تعذب أمّها بعذابها فدخلت في اضراب عن الأكل ..
مرّ اليوم الأول فلم تعرها اهتماما وجاء اليوم الثاني وانتصف ,..
فاقترب منها الوالد الذي غلبته الدموع وتوسل اليها أن تأكل وستكمل دراستها (وعدا منه..
هزت أمل رأسها بالرفض لأنّها تعلم أنّ القرار ليس بيده ...
تحاورالوالد طويلا مع الأم لكن أبدا لم تحن..
كانت تختلس السّمع أمل لوالدتها وهي تسأل الأخت الكبرى(أكلت ولاّ ...)
فتهزّ رأسها بالنّفي..
فترتمي الأم عليها من جديد تعاود ضربها ..سبّها ..
أمل لا تقاوم ..تمنّت لحظتها ..لو تخطئ ضربة خاطفة وتوقف ذلك القلب الحالم ..
مرّ اليوم الثالث وبدأت أمل يغشى عليها من الجوع ..
لحظتها رقّ قلب الأم ..جلبت لها الطّعام وتوسّلت لها أن تأكل
هزّت أمل رأسها بالنّفي ..وعرفت الأم أنّها لن تأكل حتّى تعدها بالعودة للدّراسة
قالت الأم :كلي وأعدك أن تدرسي السّنة القادمة
بضعف شديد جلست البنت وقالت بصوت خافت :أقسمي بالله
قالت الأم :أقسم بالله ..قالت أمل :أكملي ...
قالت الأم :أقسم بالله أن...أن تكملي دراستك
ابتسمت أمل وأحست بطعم النجاح ..فنامت
وبعد أيام سمحت لها بأن تذهب مع الوالد لالتقاط الصور الشمسية ...
من لوازم التّسجيل المدرسي ..
لمّا رآها المصوّر الفتوغرافي إغرورقت عيناه بالدموع ..وقال :
سامحكم الله ..
وضع على وجهها بعض البودرات لتظليل الندوبات والكدمات وكانت الصورة ..
التي لازمتها طوال حياتها ولا زالت .....
وبعد كل السنين التي مرت لم يمحو الزمن ندوبا في الأعماق وكدمات مازلت لم تشفى بعد ...
بكلّ ألم يتبع ..