درجة 45

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فراس عبد الحسين
    أديب وكاتب
    • 18-08-2013
    • 180

    درجة 45

    درجة 45
    فراس عبد الحسين
    ظنوني بحرٌ أسود متلاطم الأمواج, سفينة حزني شراعها القلق, تأخذني حيث تشاء, لمحت جزيرة إنقاذي من بعيد, فتحته, تلمست أرقامه.
    - ما هذا الهراء الذي نعيش فيه, أي سخف هذا, لابد أن هناك خلل في النظام الأصغر أو الأكبر, أستعد الان لقتلك حبيبتي, هذا الذي لم يحصل من قبل, ولم أقرأه حتى في روايات الخيال.
    - جميعنا نموت حبيبي ولكل شخص ساعته المحددة والموت على يد حبيب أعتقد أفضل من غيره.
    نهضت في تمام الساعة الخامسة صباحاً, ارتديت بزتي العسكرية, دَخَلت عليَ أمي قبل أن أخرج من غرفتي كعادتها, وكأنها او لربما هي مستيقظة خلف الباب تنتظرني الليل بطولة.
    احتضنتني بحرارة وكأنها تودعني الوداع الأخير كما تفعل في كل مرة, شمتني, ضمتني بقوة لصدرها أحسها تود ارجاعي لأحشائها من جديد, اختلطت حرارة أنفاسها بالدموع, تحولت لجمرة من المشاعر تشع حباً وحناناً.
    أرجوك يا ولدي أترك الجيش, لا أريد أن أشيعك شهيداً مثل والدك, تركني وحيدة أصارع ظلمة الحياة مع أطفال صغار, ذبلت عيناي قهراً وانتظاراً حتى رأيتك رجلاً بجانبي, أرجوك لا أريد أن أبقى وحيدة.
    - وأعود لرصيف الشارع يا أمي, يستمتع بمطاردتي رجال الشرطة والبلدية مثل الشاة والذئاب, مع نظرات بعض الناس المتعجرفين, ويزورنا شبح الفقر والجوع المرعب من جديد, كيف نعيش ومن أين نأكل ومَن يصرف على أخوتي الأربع.
    كل شيء ملتفع بالسواد, الأزقة الطرقات الأشجار, اينما أولي فثمة وجه عتمة ليل صامتة موحشة, ألا من نباح الكلاب السائبة, ودقات قلبي الخائف المرتبك الحزين, كأنها طبول السحور لأيقاظ الصائمين, كيف سأقوم بذلك, ما الذي سأفعل؟
    صمتٌ غريب يخيم على جميع الركاب المسافرين معي, تمنيت النوم مثل البقية, عيناي جافت الرقاد, صوت إطارات السيارة فحيح لكائن مرعب عملاق أتخيل وجهه, يلاحقني أينما أذهب.
    وصلت لوحدتي العسكرية في الساعة الثامنة صباحاً, كانت ساحتها تغص بالأسلحة الامريكية, حديثة متطورة قد وصلت للتو, دبابات الأبرمز, المدفعية الثقيلة, مدرعات, طائرات, سيارات الهمر, حشرات قذرة عملاقة بلون التراب بأذناب أو أنياب سامة طويلة, بصقت عليها جميعاً بملء فمي, الآلات القتل والدمار تصلنا بسرعة البرق, على العكس من الآلات المعامل والمصانع..!
    دخلت أحداهن, نعش كبير متحرك مجهز بأحدث تقنية القتل, مجهزة بالتكنلوجيا شاشات حواسيب ونواظير ليزرية, هذه العقول تبدع بكيفية القتل الدقيق, ولا تعرف كيف تصنع أدوات السلام والتقدم للشعوب..!
    سرنا رتلاً طويلاً, أفعى سامة عملاقة تتطوى وتتمايل مع تعرجات الطريق لم يردعها ولن يقف بوجهها شيء, شوارع المدن, الانهار, الصحاري, تزحف وتزحف دون توقف, حتى وصلنا لضواحي مدينة الفلوجة, ينتشر الجنود بدروعهم وسيارات الهمر على مد البصر, ربضنا هناك بانتظار أوامر القصف أو الاقتحام.
    أخرجت جهاز الهاتف من جيبي, ها قد وصلت بقربك الأن حبيبتي, لا أعلم كيف فعلت, منذ الصباح يعتصر قلبي الألم أسير خطوة للأمام وخطوتين للخلف, كيف هو حالكم في المدينة المحاصرة منذ اسابيع,
    - لا يوصف, بدون ماء وكهرباء, انتهت موادنا الغذائية وتوقفت كل الأعمال, بين سندان الارهابيين من القاعدة وداعش, ملثمين لانعرف وجوههم لكن نسمع أغلبهم يتحدثون بلهجه عربية غريبة عنا, عاثوا بالمدينة فساداً وخراباً, يمنعون خروج النساء حتى للتسوق, يفرضون نقاباً يشابه ما تلبسه النسوة في أفغانستان, يتدخلون في كل شيء, نتمنى الخلاص منهم بأقرب وقت, وبين ومطرقة جيشنا العراقي الذي يعتقد أن كل أهل المدينة هم إرهابيون يجب التخلص منهم. تباً للسياسة وما أوصلتنا اليه, شعبٌ يقتل نفسه بيديه, وحبيب يقتل حبيبته, لا أصدق كل ما يحصل ألان.
    تعلم حبيبي عمران كنت أتوقع أن نلتقي قريباً, تهديني دبدوباً أحمر بعيد الحب الذي سيحل قريباً, والأن ستهديني قذيفة, دائماً أقول الموت على يد الحبيب أفضل من غيره .
    - على جميع المقاتلين على المدفعية, هيئ المدفع على ارتفاع 45ْ وتحضر للرمي, قاطعنا صوت اللاسلكي المزعج.
    كم أمقت هذه ال 45... لماذا بهذا الرقم بالذات, تصل القذيفة لأبعد مدى ممكن دون غيره..!
    أبغضه منذ أيام الامتحانات في المدرسة, عندما لا أشارك الناجحين بالفرح ولا أستحق أن أكون مع الراسبين, وذكرني بال45 درجة مئوية عند أنقطاع الكهرباء بمدينتي كربلاء في فصل الصيف يصبح الحر مع العرق شيء لا يطاق.
    لا أعرف لماذا صوت آمر الفصيل الأجش باللاسلكي ذكرني بصوت مشيع الجنازات المقيت الذي كان يمشي أمام جنازة والدي بعد استشهاده, ظل صوته للأن قابعاً بعقلي منذ أيام الطفولة, مع تساؤل كبير لماذا أصبحت يتيماً منذ الصغر..؟
    بين الخوف من الحبس وعودة عائلتي للجوع والفقر, عشت بقلق وتردد رهيب يمزق نفسي, صورة حبيبتي مقتولة, أطفال مقطعون أشلاء يصرخون من الوجع, منازل مهدمة تلتهمها النيران, كل صور القتل, لون الدم الاحمر المسود ورائحته, الخراب والدمار تراءت لعيني حينذاك, لكني مرغماً نفذت الأمر.
    مع كل درجة ترتفع بها فوهة المدفع, أحس أن هناك موتاً محققاً يبتعد عن أناس ليقترب من أخرين, أتحكم بموتهم بعجلة رفع الفوهة بيدي, حتى ضبطت الارتفاع على تعساء الحظ بدرجة 45.
    جنود المدفعية تحضر للرمي......... أأأأأأأأأأأأأرمي.
    حاولت كثيراً سحب حبل المدفع لم أستطع, وكأني أحاول سحب صخرة كبيرة وإيصالها لقمة جبل شاهق, هذه مفارقات الحياة التي لم أتوقع حدوثها بيوم, ضغطت على زر جهاز اللاسلكي, أسف سيدي لن أنفذ .
    وأنا أمشي مع المأمور للسجن, سمعت أصوات انفجارات مدوية, مزقت شغاف قلبي قبل هدوء الصمت والسكينة, غطت أعمدة الدخان سماء المدينة, مثلما غطى الرعب والقلق مكامن روحي الحزينة.
    وأنا مستلقيِ داخل السجن, دخل علي أحدهم ضربني على رأسي بطرف المسدس - أعترف لماذا لم تنفذ الاوامر, أعترف بسرعة قبل إن أقتلك, تكلم.... تكلم.
    تكلم .. تكلم صوت منبه جوال يرن, فتحت عيني بصعوبة على صوت أمي تضع الجوال قرب رأسي, أو لربما كانت تضربني به برفق كي أستيقظ,
    أبصرت اسم حبيبتي - صباح الخير حبيبي عمران ماذا قررت أخيراً.. سأعود لبسطتي على الرصيف حبيبتي.
    فراس العراقي
  • بسباس عبدالرزاق
    أديب وكاتب
    • 01-09-2012
    • 2008

    #2
    أخي فراس عبدالحسين
    فلنعد للحب و لنعد فقراء مثل بقية شعوبنا نعشق الورود و نتنسم مع الصباح هواء العراق

    كم كنت رائعا نص جميل جدا

    سأرشحه للذهبية
    يستحق ذلك

    ممتع و سرد سلس و لغة عذبة و شجن بين الحروف

    أمسكت جيدا بزمام القص لآخر حرف

    هناك فقط بعض الهنات سقطت منك أرجو أن تعود لمراجعتها من قبيل:

    الآلات المصانع = آلالات المصانع

    محبتي أخي فراس
    السؤال مصباح عنيد
    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

    تعليق

    • فراس عبد الحسين
      أديب وكاتب
      • 18-08-2013
      • 180

      #3
      شكراً حبيبي بسباس... هذا نص عشقته لانه من قلب الواقع.... لا تعلم مدى سعادتي بوجودك كأول المعلقين سيدي المبدع دائماً... هي ـ أنات برزت على شكل كلمات... لك حبي وتقديري وكامل أحترامي.... سيدي بسباس الجميل
      فراس العراقي

      تعليق

      • حسن لختام
        أديب وكاتب
        • 26-08-2011
        • 2603

        #4
        نص موجع، ترك أثرا قويا في النفس..راق لي هذا القص الشيّق والممتع
        وراقت لي النهاية
        محبتي وتقديري، أخي فراس
        يثبت

        تعليق

        • فراس عبد الحسين
          أديب وكاتب
          • 18-08-2013
          • 180

          #5
          سعيد بكل حرفاً ذكرتموه... كنت متاكد وأنا أكتب سينال رضاكم ...لانه من الواقع... من أعماق الذات والروح سادتي
          فراس العراقي

          تعليق

          • فراس عبد الحسين
            أديب وكاتب
            • 18-08-2013
            • 180

            #6
            أيا ليتكم رأيتم دموعي .... بكيت بكل ما في مقلتي من دموع....صدقوني سادتي الاكارم...
            فراس العراقي

            تعليق

            • عائده محمد نادر
              عضو الملتقى
              • 18-10-2008
              • 12843

              #7
              الزميل القدير
              فراس عبد الحسين
              نص جميل وفيه كل ذاك الوجع الذي يعترينا جميعا
              كنت أتمنى عليك لو تراجعه وتعيد النظر ببعض المباشرة فيه كي يأخذ النص حضوته الأدبية وحبكته التي تجعل القاريء هو الفاصل الذي يفهم ماالذي تعنيه

              من القاعدة وداعش, ملثمين لانعرف وجوههم لكن نسمع أغلبهم يتحدثون بلهجه عربية غريبة عنا, عاثوا بالمدينة فساداً وخراباً, يمنعون خروج النساء حتى للتسوق, يفرضون نقاباً يشابه ما تلبسه النسوة في أفغانستان, يتدخلون في كل شيء, نتمنى الخلاص منهم بأقرب وقت, وبين ومطرقة جيشنا العراقي

              هنا كانت المباشرة وأقترح عليك لو أنك تحذف ( القاعدة وداعش ) وتترك إرهابيين بدلها، وتحذف ( عربية ) وتترك غريبة عنا، وأيضا تحذف أفغانستان وتضع بدلا عنها ( يفرضون نقابا وملابس لا تشبه ملابسنا).. وتحذف جيشنا لتترك بدلها ( الجيش ) لتعطي الرؤية الشمولية للنص ولك الأمر طبعا
              ومضة النهاية كانت أكثر من رائعة

              كل الورد والمحبة لك
              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

              تعليق

              • محمد الشرادي
                أديب وكاتب
                • 24-04-2013
                • 651

                #8
                نص رائع ...مائز...يستحق الرفع إلى الأعلى.
                تحياتي

                تعليق

                • فراس عبد الحسين
                  أديب وكاتب
                  • 18-08-2013
                  • 180

                  #9
                  ولكنها القاعدة وداعش التي تعيث بأرض الفراتين أرض الحضارة .. فساد ودمار ... أقولها بلا خوف او وجل .... وآن الأوان لنعترف ونقول... فلم يبقى لما بعد الآن ... هي كذلك وإن استحينا إن نعترف ونقول.....فهو زمن البوح والقول سيدتي الجميلة عائدة.......
                  التعديل الأخير تم بواسطة فراس عبد الحسين; الساعة 09-02-2014, 09:27.
                  فراس العراقي

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة فراس عبد الحسين مشاهدة المشاركة
                    ولكنها القاعدة وداعش التي تعيث بأرض الفراتين أرض الحضارة .. فساد ودمار سيدتي... أقولها بلا خوف او وجل سيدتي عائدة.... وآن الأوان لنعترف ونقول سيدتي... فلم يبقى لما بعد الآن آن سيدتي المبدعة... هي كذلك وإن استحينا إن نعترف ونقول.....فهو زمن البوح والقول سيدتي الجميلة عائدة.......
                    الزميل القدير
                    فراس عبد الحسين
                    نحن أدباء عزيزي ولسنا مراسلين وعليه أحببت أن أشاركك الرؤية
                    لك كل الحق أن تحتفظ برؤيتك ورأيك مادمت مقتنعا بما كتبت ولا أجد داعيا لالخوف ولاهم يحزنزون لأننا هنا نكتب لنبدع ونترك بصماتنا على نصوصنا التي ستبقى بعدنا
                    لمَ نستح ونحن نسلط الضوء على آفات تفتك بنا جميعا لكني أردت للنص أن يكون أكثر انفتاحا وأيضا لأنه يخصنا بكل بلداننا فالإرهاب يضربنا وبكل قسوة ووحشية ويختطف الأرواح بلا رحمة أو واعز والأحداث بكل وطننا العربي تشهد على همجية الإرهاب
                    بكل الأحوال اعتذر منك لأني ربما أزعجتك بدون قصد
                    نصك جميل ومؤثر وفيه ومضة نهاية رائعة وهناك جملة أثرت بي كثيرا حين تقول الحبيبة أنها تحب الموت على يد الحبيب كانت رائعة ومؤثرة فقط هي المباشرة التي أحببت أن أنبهك لها
                    كل الورد لك
                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • نادية البريني
                      أديب وكاتب
                      • 20-09-2009
                      • 2644

                      #11
                      أخي المبدع فراس
                      نصّ كتب بدم الوجع فجاء صادقا ومفعما بالحياة رغم أنّه يصوّر الموت...العمل متناسق لولا بعض المباشرة كما قالت أستاذتنا الحبيبة عائدة لكنّ ذلك لا يقلّل من عمق العمل ودسامة ما قدّمت فيه... أعجبتني القفلة كثيرا...تحيّاتي لك ولقلمك المبدع...نحن هنا لنتعلّم دوما أخي فراس...وذلك يعطي لأعمالنا حضورا إيجابيّا...

                      تعليق

                      • عاشقة الادب
                        أديب وكاتب
                        • 16-11-2013
                        • 240

                        #12
                        الحرب دمار والارهاب لعنة اصابتنا من بني جلدتنا باسم
                        الدين
                        فالخوصصة لشئ يقزمه وهطا ماعنته الاخت عائدة اما الشمولية في الكتابة فيعطيها بعد رؤيا فهم اوسع
                        عشنا المعانات والسرد بتفصيل والنهاية كانت اروع ونتمنى ان يكون ما تعانيه دولنا في الشرق كابوسا يمحو مع اول صحوة
                        تحياتي

                        تعليق

                        • فراس عبد الحسين
                          أديب وكاتب
                          • 18-08-2013
                          • 180

                          #13
                          شكراً لكل كلمة كتبتموها .. شكراً لتوجيهم ونصحكم وأضافتاكم ..محبتي لجميع الادباء الرائعين... محبتي لكم
                          فراس العراقي

                          تعليق

                          • فراس عبد الحسين
                            أديب وكاتب
                            • 18-08-2013
                            • 180

                            #14
                            الاديبة المبدعة بنت الرافدين فراشة الادب الراقي عائدة محمد نادر... تعلمين أهمية كل ملاحظاتك بالنسبة لي منذ تسجيلي بالمنتدى الرائع ..شكرا لك ولتعليقك وتوجيهك الذي يقوم القلم ويزيده أبداع .. أبداً بالعكس لم أنزعج مما ذكرتي.. سأصحح كما ذكرتي قبل أرسالها للنشر.. أنا الذي اعتذر منك سيدتي العزيزة عائدة.....كوني بخير
                            فراس العراقي

                            تعليق

                            • عبدالرحيم التدلاوي
                              أديب وكاتب
                              • 18-09-2010
                              • 8473

                              #15
                              نص جميل
                              ألقى الرصاص في القلب..عل الضمير يستيقظ.
                              مودتي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X