زغاريد ودقّات دفوف، وأهازيج هزّت المكان، ونسوة يُسرعْن الخطى وراء الركب...
عروسٌ على ظهر بغلة، ، كما سنـّتها تقاليد المنطقة.
ركب الأخ الأصغر وراء العروس ، إنّه الوحيد من رجال أهلها ، ألّذي له الحق بصحبتها حتّى تمرّ ليلة الدخـْلة .
فرحت الطاهرة حين اختارتها أم الحسين من بين فتيات القرية ، لتكون زوجة لإبنها الحسين ، الذي يشغل بالمدينة...
-أحببت أن تكون ابنتكم زوجة لابني،الكل هنا في قريتكم يعترف بعفتهاوعفافها وجمالها .
استرقت الطاهرة السمع خلف ستارة الباب ، فلا يحقّ لها أن تشارك النسوة كلامهنّ ..حمدت ربّها أن نصيبها أحسن من أخواتها الثلاث ، اللواتي تزوّجن في القرية الفقيرة ، وهنّ يساعدن أزواجهنّ في فلاحة الأرض ،وقد غرقن في العمل والأطفال، وتحملنّ مسؤوليات أكبر ...
بنات القرية حسِدنهاا حين سمعن أنّها ستعيش بالمدينة.
هي من بلغتْ سِنّ الصوم منذ ثلاث سنوات، ولو تأخرت أكثر عن الزواج ، فسيقال عنها عانس.
وصل الركب الى بيت العريس ، ورغم الفرحة ألظاهرة ،يعلو الافق توتر وحالة ترقّبٍ ، عند حملهم العروسة لمكان مجهول ، والعادة تقضي أن ليس لأهلها الحق في معرفته ...
ضربات الدفوف لم تتوقف كأنها دقّات القلوب تخاف القادم المجهول ....وحناجر البنات تزدن من رفعها بالغناء ، وتصدح ليتباهين بقدراتهن ويلفتن أنظار الحاضرات في هذا المزاد العلني لخطاب جدد . .
انتظرت الطاهرة عريسها بين خوفٍ وخجل ، وهيّ ترسم أحلامها البسيطة في حياتها الجديدة ...
ـ سأكون له الزوجة المحبّة ...
لم تدرس يوما ، وباقي فتيات القرية ، لكن تعلّمت كيف تصبح ربّة بيت ممتازة ، وتعلّمت الطاعة للرجل ، طاعة عمياء ...هكذا أوصتها أمّها منذ أن أُعلنت خطبتها، وردّدت لها مرارا أنّ زوجها أصبح كلّ عالمها ، وطاعته بعد الله فرض عليها...
فـُتح الباب ودخل الحسين ، بجلبابه الأبيض وقامته المتوسطة ، لم تكن ملامحه جذّابة ولاحتى جميلة، لكنْ هذا زوجها الآن... ، خفضت عيناها حياءً واحتراما له ، تمتم بصوت غير مسموع ، فردّت عليه السلام وابتسمت...
اقترب منها أكثر ٬ لكنّ رائحة قوية روّعتها ، إنّها تعرفها جيّدا ، وكثيرًا ما شمّتها في أخيها ، إنّها رائحة ماء الحياة ، لقد شرب النبيذ ،.
شعرها الأسود المنسدل على ظهرها وعلى كتفيها ، وعيونها المكحّلة بكحل اسود ، وقد زيّنتها نساء القرية بخطوط رفيعة عمودية من الزعفران الحر وّ"العكّار الفاسي "على جبينها، ووضعن على رأسهاّ "سبنيَة "حريرية كخمار شفاف ....هذه تقاليدهم ، وعادتهم.
الجمع يستعجل العريس ، طرقات على الباب الموصود خلفهم ، تمازجت مع دقّات الدفوف التي تزداد قوة وعنفا .
والحسين يدور حول نفسه وهو يلهث كحيوان مصاب داخل قفص ، تمنّتْ الطاهرة للحظة ، لو توقّف كلّ هذا وساد الصمت لدقيقة...
اختلطت أنفاسه الكريهة بعطور الندّ والبخور ،لقد اتعبها ثقل جسده، محاولات العديدة دون جدوى، خانته رجولته في أحرج وقت احتاج لها...
فتح أخيرا الحسين الباب بعصبية ، تعلقت عيون الحاضرين به ،بعصبية مفتعلة وشوَش بكلمات لوزيره (وهو مرافق للعريس)
أُسكتتْ الطبول ، وأُطفأت الأنوار ، وأُخمدت النار ، وعمّ المكان صمتٌ رهيب ...
دخل العريس على الطاهرة ، وأشبعها رفسا وركلا ، وجرّها من شعرها ورماها بعنف على امها في غرفة مجاورة.
ـ إبنتكم فاجرة وسافلة ، قد باعت شرفها ...إنّها طالق بثلاث.
حاولت الأمّ أن تدافع عن شرف ابنتها وسط هول الصدمة ، ورفعت دليل براءة ابنتها : ورقة طبية تشهد بعذريتها...
ـ إنّها مزوّرة ....،خدعتمونا بتزوجي هذه الساقطة العاهرة...
طاهرة خرست كأنها اصيبت بلعنة ، والأم تدحض قول الحسين :
ـ إنّها شهادة طبية من طبيب في مستشفى عمومي ، كنت أنا وأبوها من اصطحباها إليه منذ أقلّ من أسبوع...
لم يكترث لها لتتدخل أمه لتضيف البنزين على نار بكلام قوي متعالٍ ، لتشفي غليلها كأنهم لم يكونوا بالأمس القريب فقط أحبابها:
ـ دفعتمْ نقودا لشراء الشرف بشهادة طبيّة ، لو كنتُ مكانكم لقتلتها الفاجرة ، خذوا عارَكم معكم لم تعد صالحة لنا ننحن الشرفاء. ...
في الطريق ندبتْ الأمّ حظّها وحظّ ابنتها التعيس :
ـ كيف أخبر إخوانك وأصهاري ...وا فضيحتاه... سيكون شرفنا عِلكة تلوكه كلّ القبائل المجاورة..
لم تصدّق الطاهرة ما حدث
٬ لماذا تحوّل فرحها إلى منصّة إعدام ، لما شنقت بالساحة العامة ، أمام كل الجموع ، أقارب وأعداء...
ضاعت وضاع مصير قريباتها معها ،لكن هي بريئة.
لقد تعبت من التفكير،لا حل اذن غير تلك
الدموع التي تنهمر على خدّيْها . كأنّها أبتْ إلاّ أن تغسل هذا الشرف الذي لطخه هذا الجبار بكذبة صدقها الجميع ... شرفها وشرف أهلها ، لكن ما السبيل...
ـ ماذا حدث أخبريني ...قالت الأم بقلب ملكوم.
ـ لا شئ أمّي ..إنّه مخمور بماء الحياة ..إنّه فاشل وعجز عن فكّ عدرتي ،
_كم هو حقير أمّي ، برّأ نفسه واتهمني في شرفي ...
قاطعتها أمّها وتعالى نحيبها أكثر ..
ـ اصمتي ، لا أريد سماع صوتك ... قد فضحنا الكلب ومرّغ شرفنا بالتراب ..الله يلعن خِلفة البنات ...ليتني متّ قبل أن أصل للبيت وأخبر إخوانك .
بين مُشكّك و مُصدّق قريباتها يلعن يومٌ اصطحبنها ، سوف يحاكمن بفعلتها ، وتلحق لعنة العار ببناتهنّ ...
كلماتهن لا تزيدُ سوى غرزَ الخنجر في الجرح أكثر ، واستفساراتهن المتكررة ونفس الاسئلة ،
لم يكللن منها كأنها هي تعرف ما حدث .
الأمّ بيأس يُدمي القلب:
ـ قد يكون الخبر وصل إلى البيت ...كيف أواجههم ...كيف أدافع عن شرفٍ مرّغه كلب بالتراب ..
من يردّ عنّا الفضيحة، من يسدّ أفواه الناس ويرْدَعَهم عن الكلام ...
ما نفـْعُ هذه الورقة اللعينة ولوْ شهدتْ براءتك ... بعد قوْل الجميع أنّك طُردت يوم دُخلتك ...رفعت عينيها لسماء
_إلاهي رحمتك ...
وبين هلوسات الأمّ الجارحة ، غير مبالية بوَقع الكلمات على الطاهرة ، التي اصبحت ثقلا وعبئا صعب حمله .
بكتْ الطاهرة بصمتٍ وألم ، بكتْ حالها ، بكتْ حال أمّها...
ونزل الفرج من عاقر ، تطوّعتْ لتستضيف الطاهرة في بيتها ، لأسابيع حتّى يتناسى أهل البلدة حكايتها...
توجهت الطاهرة مع خالتها بصمت ، والهواجس المؤلمة قد أتعبت عقلها علها تجد تفسيرا لما وقع.
هل هي السبب ، هل خاتم عذرتها صعبُ الفكّ ،
هل الخمر السبب ،
هل ضعفٌ جنسيّ للعريس السبب...
تساؤلات آلمتـْها طول الطريق إلى بيت الخالة ، لم طالت هذه الليلة كأنها دهرا...
لم لم يبزغ نور الفجر بعد ، لم حلّ الظلام الدامس فجأة ، لقد كانت ليلة مقمرة في بدايتها .
لن تشتكي ، ما نفع الكلام الآن ...
لقد كانت منْ قبلُ حسناء القرية ، ومصدر فخر عائلتها ، في لحظة جعل منها أقذر وأحقر نساء القرية ، لن يصدّقها أحد ، لأنّ وشوَشة رجلٍ أعلى من صرختها ، فما بالُ أنينها لا يخمدويرحمها، قتل حلمها وقتل حتى اطفالها التي اختارت اسماءهم في خيالها.
لن تجد بعدَ الآن صدرا تبكي في حضنه ، ولن تجد من يمسح العار عنها ، سوى الموت ، ستعيش هنا خادمة تحت أقدام الكلّ ... ما أن تشتكي ، حتّى تـُرفع ورقة العار في وجهها .
شهادة طبيّة ههههه ابتسمت بألم ، ما نفعُ ورقة تشهد ببراءتي إن كان القاضي مُجتمعٌ ظالم وتقاليدٌ عمياء...لقد حكم ونفـّذ الجميع حكمه دون رحمة...والضحية ذكر ضالم .
-حسبي الله ونعم الوكيل.
:
ـ اهتمي بها يا فاطمة ، انها فلذة كبدي و القدر أقسى .
كلمات امها وهي تودعها ...
كم هي باردة هذه الغرفة بدون اهلها، وكم هي مظلمة هذه الحياة .
قررتْ الرحيل بعيدا ، بآلامها وضياعها ،بعد ان منعوها حتى من رفع دعوة ضدّ الحسين.
: ما ينفع حكم القانون الآن ، وقد حكم المجتمعُ والأعرافُ ، وانتهى الأمر ...
عار أبْكم الأفواه .
في فجر جديد ، حملت نفسها بخطى متثاقلة وهي توَدّع البلدة التي حملتها ، أرضٌ شاهدة على عفافها ، ودّعتْ الأشجار التي اختبأت يومًا وراءها ، هنا كانت تضحك وتلعبُ مع قريناتها ، ودّعتْ الزرع والحجر ، وعين باكية تذرف دمْعَ الفراق...
لن تستطع أن تودّع أحدا من أهلها ،
لقد تناساها الجميع هناك في بيت العاقر المهجور .
رحلتْ إلى للمدينة ، بأضوائها الساحرة ، وعماراتها الشاهقة ، وشوارعَها المكتظة ، لتضيع بين الزحام الخانق.
عروسٌ على ظهر بغلة، ، كما سنـّتها تقاليد المنطقة.
ركب الأخ الأصغر وراء العروس ، إنّه الوحيد من رجال أهلها ، ألّذي له الحق بصحبتها حتّى تمرّ ليلة الدخـْلة .
فرحت الطاهرة حين اختارتها أم الحسين من بين فتيات القرية ، لتكون زوجة لإبنها الحسين ، الذي يشغل بالمدينة...
-أحببت أن تكون ابنتكم زوجة لابني،الكل هنا في قريتكم يعترف بعفتهاوعفافها وجمالها .
استرقت الطاهرة السمع خلف ستارة الباب ، فلا يحقّ لها أن تشارك النسوة كلامهنّ ..حمدت ربّها أن نصيبها أحسن من أخواتها الثلاث ، اللواتي تزوّجن في القرية الفقيرة ، وهنّ يساعدن أزواجهنّ في فلاحة الأرض ،وقد غرقن في العمل والأطفال، وتحملنّ مسؤوليات أكبر ...
بنات القرية حسِدنهاا حين سمعن أنّها ستعيش بالمدينة.
هي من بلغتْ سِنّ الصوم منذ ثلاث سنوات، ولو تأخرت أكثر عن الزواج ، فسيقال عنها عانس.
وصل الركب الى بيت العريس ، ورغم الفرحة ألظاهرة ،يعلو الافق توتر وحالة ترقّبٍ ، عند حملهم العروسة لمكان مجهول ، والعادة تقضي أن ليس لأهلها الحق في معرفته ...
ضربات الدفوف لم تتوقف كأنها دقّات القلوب تخاف القادم المجهول ....وحناجر البنات تزدن من رفعها بالغناء ، وتصدح ليتباهين بقدراتهن ويلفتن أنظار الحاضرات في هذا المزاد العلني لخطاب جدد . .
انتظرت الطاهرة عريسها بين خوفٍ وخجل ، وهيّ ترسم أحلامها البسيطة في حياتها الجديدة ...
ـ سأكون له الزوجة المحبّة ...
لم تدرس يوما ، وباقي فتيات القرية ، لكن تعلّمت كيف تصبح ربّة بيت ممتازة ، وتعلّمت الطاعة للرجل ، طاعة عمياء ...هكذا أوصتها أمّها منذ أن أُعلنت خطبتها، وردّدت لها مرارا أنّ زوجها أصبح كلّ عالمها ، وطاعته بعد الله فرض عليها...
فـُتح الباب ودخل الحسين ، بجلبابه الأبيض وقامته المتوسطة ، لم تكن ملامحه جذّابة ولاحتى جميلة، لكنْ هذا زوجها الآن... ، خفضت عيناها حياءً واحتراما له ، تمتم بصوت غير مسموع ، فردّت عليه السلام وابتسمت...
اقترب منها أكثر ٬ لكنّ رائحة قوية روّعتها ، إنّها تعرفها جيّدا ، وكثيرًا ما شمّتها في أخيها ، إنّها رائحة ماء الحياة ، لقد شرب النبيذ ،.
شعرها الأسود المنسدل على ظهرها وعلى كتفيها ، وعيونها المكحّلة بكحل اسود ، وقد زيّنتها نساء القرية بخطوط رفيعة عمودية من الزعفران الحر وّ"العكّار الفاسي "على جبينها، ووضعن على رأسهاّ "سبنيَة "حريرية كخمار شفاف ....هذه تقاليدهم ، وعادتهم.
الجمع يستعجل العريس ، طرقات على الباب الموصود خلفهم ، تمازجت مع دقّات الدفوف التي تزداد قوة وعنفا .
والحسين يدور حول نفسه وهو يلهث كحيوان مصاب داخل قفص ، تمنّتْ الطاهرة للحظة ، لو توقّف كلّ هذا وساد الصمت لدقيقة...
اختلطت أنفاسه الكريهة بعطور الندّ والبخور ،لقد اتعبها ثقل جسده، محاولات العديدة دون جدوى، خانته رجولته في أحرج وقت احتاج لها...
فتح أخيرا الحسين الباب بعصبية ، تعلقت عيون الحاضرين به ،بعصبية مفتعلة وشوَش بكلمات لوزيره (وهو مرافق للعريس)
أُسكتتْ الطبول ، وأُطفأت الأنوار ، وأُخمدت النار ، وعمّ المكان صمتٌ رهيب ...
دخل العريس على الطاهرة ، وأشبعها رفسا وركلا ، وجرّها من شعرها ورماها بعنف على امها في غرفة مجاورة.
ـ إبنتكم فاجرة وسافلة ، قد باعت شرفها ...إنّها طالق بثلاث.
حاولت الأمّ أن تدافع عن شرف ابنتها وسط هول الصدمة ، ورفعت دليل براءة ابنتها : ورقة طبية تشهد بعذريتها...
ـ إنّها مزوّرة ....،خدعتمونا بتزوجي هذه الساقطة العاهرة...
طاهرة خرست كأنها اصيبت بلعنة ، والأم تدحض قول الحسين :
ـ إنّها شهادة طبية من طبيب في مستشفى عمومي ، كنت أنا وأبوها من اصطحباها إليه منذ أقلّ من أسبوع...
لم يكترث لها لتتدخل أمه لتضيف البنزين على نار بكلام قوي متعالٍ ، لتشفي غليلها كأنهم لم يكونوا بالأمس القريب فقط أحبابها:
ـ دفعتمْ نقودا لشراء الشرف بشهادة طبيّة ، لو كنتُ مكانكم لقتلتها الفاجرة ، خذوا عارَكم معكم لم تعد صالحة لنا ننحن الشرفاء. ...
في الطريق ندبتْ الأمّ حظّها وحظّ ابنتها التعيس :
ـ كيف أخبر إخوانك وأصهاري ...وا فضيحتاه... سيكون شرفنا عِلكة تلوكه كلّ القبائل المجاورة..
لم تصدّق الطاهرة ما حدث
٬ لماذا تحوّل فرحها إلى منصّة إعدام ، لما شنقت بالساحة العامة ، أمام كل الجموع ، أقارب وأعداء...
ضاعت وضاع مصير قريباتها معها ،لكن هي بريئة.
لقد تعبت من التفكير،لا حل اذن غير تلك
الدموع التي تنهمر على خدّيْها . كأنّها أبتْ إلاّ أن تغسل هذا الشرف الذي لطخه هذا الجبار بكذبة صدقها الجميع ... شرفها وشرف أهلها ، لكن ما السبيل...
ـ ماذا حدث أخبريني ...قالت الأم بقلب ملكوم.
ـ لا شئ أمّي ..إنّه مخمور بماء الحياة ..إنّه فاشل وعجز عن فكّ عدرتي ،
_كم هو حقير أمّي ، برّأ نفسه واتهمني في شرفي ...
قاطعتها أمّها وتعالى نحيبها أكثر ..
ـ اصمتي ، لا أريد سماع صوتك ... قد فضحنا الكلب ومرّغ شرفنا بالتراب ..الله يلعن خِلفة البنات ...ليتني متّ قبل أن أصل للبيت وأخبر إخوانك .
بين مُشكّك و مُصدّق قريباتها يلعن يومٌ اصطحبنها ، سوف يحاكمن بفعلتها ، وتلحق لعنة العار ببناتهنّ ...
كلماتهن لا تزيدُ سوى غرزَ الخنجر في الجرح أكثر ، واستفساراتهن المتكررة ونفس الاسئلة ،
لم يكللن منها كأنها هي تعرف ما حدث .
الأمّ بيأس يُدمي القلب:
ـ قد يكون الخبر وصل إلى البيت ...كيف أواجههم ...كيف أدافع عن شرفٍ مرّغه كلب بالتراب ..
من يردّ عنّا الفضيحة، من يسدّ أفواه الناس ويرْدَعَهم عن الكلام ...
ما نفـْعُ هذه الورقة اللعينة ولوْ شهدتْ براءتك ... بعد قوْل الجميع أنّك طُردت يوم دُخلتك ...رفعت عينيها لسماء
_إلاهي رحمتك ...
وبين هلوسات الأمّ الجارحة ، غير مبالية بوَقع الكلمات على الطاهرة ، التي اصبحت ثقلا وعبئا صعب حمله .
بكتْ الطاهرة بصمتٍ وألم ، بكتْ حالها ، بكتْ حال أمّها...
ونزل الفرج من عاقر ، تطوّعتْ لتستضيف الطاهرة في بيتها ، لأسابيع حتّى يتناسى أهل البلدة حكايتها...
توجهت الطاهرة مع خالتها بصمت ، والهواجس المؤلمة قد أتعبت عقلها علها تجد تفسيرا لما وقع.
هل هي السبب ، هل خاتم عذرتها صعبُ الفكّ ،
هل الخمر السبب ،
هل ضعفٌ جنسيّ للعريس السبب...
تساؤلات آلمتـْها طول الطريق إلى بيت الخالة ، لم طالت هذه الليلة كأنها دهرا...
لم لم يبزغ نور الفجر بعد ، لم حلّ الظلام الدامس فجأة ، لقد كانت ليلة مقمرة في بدايتها .
لن تشتكي ، ما نفع الكلام الآن ...
لقد كانت منْ قبلُ حسناء القرية ، ومصدر فخر عائلتها ، في لحظة جعل منها أقذر وأحقر نساء القرية ، لن يصدّقها أحد ، لأنّ وشوَشة رجلٍ أعلى من صرختها ، فما بالُ أنينها لا يخمدويرحمها، قتل حلمها وقتل حتى اطفالها التي اختارت اسماءهم في خيالها.
لن تجد بعدَ الآن صدرا تبكي في حضنه ، ولن تجد من يمسح العار عنها ، سوى الموت ، ستعيش هنا خادمة تحت أقدام الكلّ ... ما أن تشتكي ، حتّى تـُرفع ورقة العار في وجهها .
شهادة طبيّة ههههه ابتسمت بألم ، ما نفعُ ورقة تشهد ببراءتي إن كان القاضي مُجتمعٌ ظالم وتقاليدٌ عمياء...لقد حكم ونفـّذ الجميع حكمه دون رحمة...والضحية ذكر ضالم .
-حسبي الله ونعم الوكيل.
:
ـ اهتمي بها يا فاطمة ، انها فلذة كبدي و القدر أقسى .
كلمات امها وهي تودعها ...
كم هي باردة هذه الغرفة بدون اهلها، وكم هي مظلمة هذه الحياة .
قررتْ الرحيل بعيدا ، بآلامها وضياعها ،بعد ان منعوها حتى من رفع دعوة ضدّ الحسين.
: ما ينفع حكم القانون الآن ، وقد حكم المجتمعُ والأعرافُ ، وانتهى الأمر ...
عار أبْكم الأفواه .
في فجر جديد ، حملت نفسها بخطى متثاقلة وهي توَدّع البلدة التي حملتها ، أرضٌ شاهدة على عفافها ، ودّعتْ الأشجار التي اختبأت يومًا وراءها ، هنا كانت تضحك وتلعبُ مع قريناتها ، ودّعتْ الزرع والحجر ، وعين باكية تذرف دمْعَ الفراق...
لن تستطع أن تودّع أحدا من أهلها ،
لقد تناساها الجميع هناك في بيت العاقر المهجور .
رحلتْ إلى للمدينة ، بأضوائها الساحرة ، وعماراتها الشاهقة ، وشوارعَها المكتظة ، لتضيع بين الزحام الخانق.
تعليق