اياك والمحاسب
تقليص
X
-
اياك والمحاسب
اشار عليَّ بعض الاصدقاء من ان التجارة هي من المؤكدات المستحبة التي اشار الرسول الكريم بها على من كانت نيته الكسب السريع والوفير ، ففيها من البركات ما يعلمه السادة العلماء ويجهله العبد الفقير مثلي ، وعلى اية حال .. اشار الاصدقاء عليَّ ان اتاجر بالاشياء اللدائنية اي التي تصنع من البلاستك فهي لاتتلف ولاتخضع لرقابة الصحة ولا لقوانين البورصة ولاهم يحزنون وتوكلت على الله .. وتبضعت برأس مال قدره خمسمائة الف دينار ، وكما تعلمون الامور البلاستيكية رخيصة الثمن ، ومتلئ المحل بالبضاعة وبالالوان الزاهية .. وما اسعدني بتلك العملية ، اذ غدوت من اصحاب المحلات وصار عندي جيران وبدأت اجمع زبائن شأني شأن التجار والحيتان وسارت الايام .. اليوم تلو اليوم وبدأت اعمل .. فأشتري بخمسة وابيع بخمسة ونيف .. وذاع اسمي في السوق ،، سوق اللدائن والبلاستك ومرت عليَّ قرابة السنة وانا اعمل بهذه الحرفة وامسى لدي دفتر ديون فيه زهاء ثلثمائة الف دينار وبضاعة متناثرة هنا وهناك في اركان وزوايا المحل ، ولم الحظ اي تغيير بوضع المحل او وضعي المالي ، فكنت احمد ربي على جميع الاحوال ، ولا اتذمر البتة وهرولت الايام .. واذا بصديق هاتفني صباحا وسألني عن احوالي وعن غيابي عن الساحة الادبية فأخبرته بقصتي من اني امسيت تاجرا ،، فأثنى عليَّ وعلى حرفتي الجديدة ، واخبرني من انه تخرج حديثا من جامعة اهلية من قسم المحاسبة ، فلم احفل بالامر كثيرا وودعني وانصرف وبعد يومين رأيته واقفا على باب المحل ، فرحبت به واحضرت له كرسي ودعوت له بقدح من الشاي كما يصنع جيراني في باقي المحلات "هكذا رأيتهم يصنعون" ،، فرشف رشفة من قدحه وخاطبني قائلا وهو يحاول ان يشعل لفافة تبغ بفمه ، فاسرعت ان اشعل له لفافته بيد اني اشعلتها من منتصفها ولم ينتبه فقال لي: - منذ متى وانت في هذا الكار - الكار ..؟ - نعم في هذا الكار - منذ اكثر من عام - وهل اجريت كشفا سنويا للارباح ..؟ حككت رأسي قليلا وقلت له : - لا .. لم اجري اي كشف فأطرق وضحك ، ورفع رأسه نحوي وقال بجدية :- - كل تاجر ينبغي له ان يقوم بعمل كشوفات سنوية للارباح ، فأن وجدها مربحة استمر وان وجدها غير مربحة انتقل لحرفة اخرى او حدد مواطن الخلل والضعف وكان يتحدث والدخان يخرج من بين شفتيه وانفه ، وانا افكر كيف يتمكن من ان يتكلم وينفث الدخان من انفه وفمه ..! - نهرني !! أأنت معي ..؟ - نعم نعم انا معك فقلت بسري ان كلامه صحيح ، كيف لم انتبه لهذا الامر البسيط ..! اين الارباح وانا الان تمر عليَّ اكثر من سنة ، اخرج من الصباح واعود في المساء ولا اتمتع لابعطل ولا اجازات ومع هذا لم يتغير حالي .. فحدثتني نفسي قائلا .. عليك بالكشف او الجرد ، الا ترى المؤسسات والدوائر والشركات تغلق ابوابها لعدة ايام لتتم عمليات الجرد والكشف ..؟ فقطع عليَّ خلوتي قائلا : - بماذا تفكر ..؟ - افكر بكلامك يا صاح - والى ماذا توصلت ..؟ - وكم يتطلب اجرائك للكشف ..؟ - على اقل تقدير اسبوع الى خمسة عشر يوما فوافقت من فوري وعلقت لافته على باب دكاني وذكرت لزبائني ان لدينا جرد سنوي ونحن لسنا اقل من الشركات والمؤسسات الحكومية .. فسلمني الرجل قائمة بالادوات التي يحتاجها ، ومنها سجلات ودفاتر واقلام ملونه ومماحي ومساطر واحبار ودباسة وشمع واصباغ واشرطة لاصقة واصماغ ودبابيس واشياء يطول وصفها وشرحها ، واعلن لي ان غدا سيكون يومه الاول وتوكلنا على الله واقفلنا المحل .. وشرع صاحبنا بالتدوين وشرعت انا بالدعاء والتوسل .. عل الله يبث في محلي الرزق والبركة لتكون النتائج ايجابية على يد هذا المحاسب ،، وكنت اقدم للمحاسب ثلاث وجبات طعام من اشهر المطاعم في المنطقة كما اشار هو عليَّ بذلك وكنت اسقيه انواع الشراب فادحة القيمة كما انه طلب صنف من التبوغ لاوجود له في هذه البلدة فضطررت ان استأجر شخصا وارسلته بحثا عن الصنف المذكور الى بلدة اخرى قريبة من العاصمة وبعد عشرون يوما اعلن رفيقنا انتهاءه من مهمته .. وبسط امامي السجلات والدفاتر ملونه ومزوقة بعشرات الالوان والرسومات ومثقلة بالارقام والمعادلات وقال لي :- - الكشف بين يدي سيادتكم فأبهرني ما رأيت ..!! - ما هذا ..؟ - الكشف - يا حبيبي انا لا افقه بالحسابات شيء قل لي كم ربحت بهذه السنة وكفى الله المؤمنين القتال فأخذ السجلات وزم بين حاجبيه وسمعته يكلم نفسه الى ان قال : - المحل خاصتك ربح بالعام المنصرم مايقارب الستة ملايين وثلاثمائة وخمس واربعون الف دينار ولك ان تتصور فرحتي وابتهاجي وسروري وهو يتلو علي هذا الرقم الذي لم احفظ نصفه ، فشكرته واثنيت عليه وعلى دوره البارز في انجاح هذا الكشف ومددت يدي له مصافحا فلم يمد يده ، فنظر لي نظرة فهمت من خلالها انه يريد اتعابه ،، فقلت له : - اوووه صدقني من شدة الفرح نسيت امر اتعابك ، كم تطلب - نحن للناس العاديين نطلب ثلاث مئة الف دينار ، وانما انت انسان عزيز واديب جليل سيكون مبلغك فقط مئتان وخمسون الف لاغير فأستقرضت من جاري الجنب ودفعت القيمة عن طيب خاطر وودعته وانصرف وهممت بالاتصال بأصدقائي لكي اخبرهم من ان محلي ربح بهذه الفترة الوجيزة ستة ملايين ونيف من الالاف ، وحينها ابصرني جاري وهو يبيع القماش ، فقال لي:- - هل لي ان اسألك ..؟ - بكل سرور - من هذا الرجل الذي انصرف قبل قليل ..؟ - انه المحاسب ، وقد بعث بي السرور كما ترى " ورحت اتنفس الشهيق وافرك راحتيه" انه سَهل عليَّ امر الكشف وافادني ان محلي ربح اكثر من ستة ملايين في سنة واحدة - ستة ملايين ..! - اجل ستة ملايين .. اذهلك المبلغ كما اذهلني ،، حتى تعلم اني تاجر بحق وليس اي كلام فقال الرجل : وأين هذه الملايين ..؟ هل لديك رصيد في البنك ادخرت به الارباح ..؟ فتوقفت عن الزهو وانتبهت لكلامه ، وادرت وجهي نحوه وقلت بأستغراب : - لا .. ليس لدي اي ارصدة ، مع اني لا املك اي حساب في اي مصرف في هذا الكون الفسيح - جيد .. وهل تحتفظ بأي مبالغ في بيتك ..؟ - في بيتي ؟؟ لا ليس في بيتي اي اموال فأموالي كلها هنا .. وقبل قليل استقرضت منك - نظر لي بأستغراب وقال لي أمجنون انت ام ماذا ..؟؟ اين الستة ملايين ونيف من الالاف ، وهذه بضاعتك التي امامي لاتساوي حمل بعير ، تعال معي الان سأجرد محلك فتبسمت وقلت له : - وكيف تقوم بهذه العملية ولم تحصل على شهادة جامعية في المحاسبة فزمجر بي قائلا :- - تعال معي ولا تتحدث كثيرا وهرولت خلفه .. واخذ يسألني عن سعر هذه المادة وتلك السلعة ويتمتم في سره بكلمات .. وماهي الا دقائق حتى اقترب مني وقال ان محلك في السنة المنصرمة خسر مئة الف دينار .. واخذ يشرح لي الامر بكل بساطة الى ان اقتنعت بخسارتي وها انا اليوم انبهكم واحذركم من السيد المحاسب ..!
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
-
مش تقول يا أستاذ حمزة أن داخل مشروع و بقيت مليونير
على الأقل كنا فرحنالك و كمان طلبنا سلفة
و كويس أنك نبهتنا من المحاسبين
خصوصا لما ربنا يكرمنا و نبقى أصحاب ملايين ههههه
نورت الملتقى من جديد
و شكرا للقصة الساخرة الرائعة
تقديري و احترامي
تعليق
-
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 83948. الأعضاء 5 والزوار 83943.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 551,206, 15-05-2025 الساعة 03:23.
تعليق