التثنية شيء أصيل في البشر. كل فرد هو في الحقيقة شخصان داخل جلد واحد.كثيرا ما نجد أنفسانا نتحدث وحدنا، في الواقع، نحن نكلم الآخر الذي يشاركنا ذاتنا.
لم يستصغ هذا الكلام ، و قرر أن يكون واحدا لا ثاني له. بعد أن قدر أنه قضى على التثنية في ذاته. وقف مزهوا ينظر إلى الشمس المشرقة. أثار انتباهه ظله . استشاط غضبا. و صاح في وجهه:
لم يستصغ هذا الكلام ، و قرر أن يكون واحدا لا ثاني له. بعد أن قدر أنه قضى على التثنية في ذاته. وقف مزهوا ينظر إلى الشمس المشرقة. أثار انتباهه ظله . استشاط غضبا. و صاح في وجهه:
- أريد أن كون واحدا ، فلماذا تصر على أن تظهر فيَّ الثنية؟
أمسك بظله. قرر أن يشنقه. لم يطلب الظل منه الرحمة، بل أخبره أنه سيندم على فعلته الشنيعة. افتتن بنفسه. لم يبال بنصائح ظله. علقه على طرف مقصلة حتى الموت.
ما أقبح أن يغتر المرء بنفسه، و يطمح في أن يضفي على نفسه صفات لا تليق به! يطمع في أن يصير واحدا في ذاته. خرج على الناس ، يفيض فخرا. لقد قضى على التثنية في باطنه ، و ظاهره.
كلما مر بإنسان فر منه مذعورا ، و هو يردد المعوذتين، و يهتف:
- رجل بدون ظل ...شيطان رجيم.
كلما مر بإنسان فر منه مذعورا ، و هو يردد المعوذتين، و يهتف:
- رجل بدون ظل ...شيطان رجيم.
سأل أحد المارة رفيقه، الذي ارتعب من رؤية الرجل بدون ظل:
- هل سبق، أن رأيت الشيطان؟ هل هو فعلا بدون ظل؟
- لا ، لم أره. لكن الذين رأوه، أخبروني أن الشيطان، لا ظل له.
صار يمشي وحيدا على الرصيف، و الناس يتجنبونه مرعوبين. وصل محل تجارته. سلم على جاره . امتقع وجهه، و تجمدت الكلمات على شفتيه. قفز من دكانه، و جرى إلى التاجر الذي يقابله، و قال مرتعدا:
- لقد تأكدت شكوكي في صاحبنا الكتبي. إنه إنسان يفسد في تجارته، و يبيع للشباب كتبا خليعة، تفسد عقولهم، و قد عاقبه الله بحرمانه من الظل، علامة على مسخه.
- لقد تأكدت شكوكي في صاحبنا الكتبي. إنه إنسان يفسد في تجارته، و يبيع للشباب كتبا خليعة، تفسد عقولهم، و قد عاقبه الله بحرمانه من الظل، علامة على مسخه.
- يا له من عقاب قاس...إنسان بدون ظل...سيظل مثارا للاستغراب... للسخرية... ستطارده الأعين، و تتحاشاه الخلائق، حتى يموت وحيدا.
باتت لعنة الظل تطارده أينما حل و ارتحل، و حرم الكثيرون على أنفسهم التعامل معه خوفا من غضب الله عليهم. لن يأتي من وراءه سوى الكساد، و البوار. تردد في ذهنه بعض مما قاله الظل قبل شنقه:
- إنك ترتكب جريمة نكراء، و خطأ ستندم عليه...إن قتلتني قتلت نفسك... ستحتاجني لتثبت للناس أنك بشر... حملت نفسك أمرا ثقيلا، لن تكتشفه إلا في نهاية القصة.
اشتاق إلى ظله، و تحول الشوق إلى لوعة حارقة، ثم إلى شعور بالذنب.
جلس يفكر في ورطته. لا وقت للوم، أو الندم. عليه أن يجد طريقة لاسترجاع ظله. قد يعثر على شيء إذا حفز ذاكرته، و استعاد ما قاله الظل قبل مفارقته الحياة:
- "ظلك حقيقتك"، و لن تسترجع حقيقتك إلا بوجودي. لكنني لن أظهر ملازما لك، بعد اليوم، إلا على مرآة ...
جرى إلى الحمام لاهثا. و قف أمام المرآة. تراءى له ظله خلفه مبتسما. التفت نحوه. لم يره. أعاد النظر إلى المرآة. كان الظل خلفه، و هو يردد:
- قلت لك لن تراني، إلا على صفحة المرآة.
كلما رأى ظله منعكسا على مرآة الحمام، سعد بذلك سعادة لا تقدر بثمن. غطى جدران البيت كلها بالمرايا، تعددت صورته، و تعددت معها الظلال. احتار في النظر إليها. أحس بصداع حاد في رٍأسه، و ضياع بين الظلال الكثيرة .هشم المرايا. بقيت واحدة. رأى نفسه وجها لوج مع ظله.
جلس قرب المرآة. جلس الظل جانبه. نظر إليه نظرة مفعمة بالحزن و الندم، و خاطبه:
- ألا يمكن أن تغفر زلتي، و نعود إلى سالف عيشنا...بشنقك شنقت إنسانيتي...هل يمكن أن تعود...
أحس بالظل يربت على كتفه، و يقول في حزن:
- من مات لا يعود، و من لا ظل له، لا يندرج في "النور الأعظم"، و لا تنظر إليه عين الله المشرقة على كونه.
نهض من جانب المرآة كسيرا، يخاطب نفسه:
- فهمت، فهمت مغزى كلامك ...
سمع الظل ، يقاطعه:
- قضي الأمر...قضي الأمر، يا من كنت رفيقي. بات قدرك، أن تحمل معك مرآة في حلك، و ترحالك..
"ظلك حقيقتك" الكلام للشيخ الأكبر ابن عربي
تعليق