شرخ في الذاكرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    شرخ في الذاكرة

    شرخ في الذاكرة


    ماتت جدّتها كما تموت جميع الجدات غير مكترثة بتجاعيد بشرتها ولا بابيضاض شعر رأسها أو ذبول عينيها وانحسار نضارتها .
    شيء واحدٌ بقيّ على حاله ، لا بل ازداد ألقاً . طلَّتها ، حضورها حواديتها وذكرياتها .
    لم تمل وهي طفلة من تكرار سماعها لحكاية الشاطر حسن من فم الجدة وبأدائها المشوّق المرح في رواية القصة .
    دخلت طور المراهقة والشاطر حسن رابض في مخيّلتها . لم تجده في أبناء العمومة ولا في أولاد الجيران .

    ماذا يحدث عقب لمس سلك كهربائي مكشوف ؟! الصدمة . أن ينقلب طلب اللذة المحرمة إلى قوة غاشمة ،
    يتحوّل مع مرور الوقت والتكرار إلى حق شرعي وعادة لجلب الإنبساط ؟!

    شقيقها الصغير كان يندس في فراشها بليالي البرد طالبا الدفء . أو في ليالٍ يكون الصراع على أشده بين الأم والأب
    فيلجأ لأخته ملاذه في محنته ويذوب في حضنها .
    بعفوية وبراءة كانت يده تتجوّل حول تضاريس مجهولة من طرفه ، وكأنه السندباد في عالم غرائبي .
    لا أدري إن كان يشعر بلذة أو بانبهار . كل الذي أعرفه أنها لم تنهره خوفا من أن تنبّههُ لأمر لا يصح أن
    يعرفه الأطفال . وأيضا لإحساسها بمتعة ومذاق فائق اللذة لسعادة لم تعهدها من قبل .

    مرَّ الزمن سريعا . الأب والأم رحلا . والبنت المراهقة أصبحت عمّة .
    انقضَّت عليها العنوسة في غفلة من الزمن . رفضت كل عريس كان يتقدّم طالبا يدها بح
    جج واهية .
    هذا طويل وذاك قصير ، وهذا طامع في راتبها وذاك يريدها عكازا لقوامه المرتجف .
    هل بعد هذا العمر ما تزال صاحبتنا تنتظر شاطر حسن ? وكيف يكون هذا الشاطر في هذه السن ؟!
    لا بد أنه قد تجاوز الستين من العمر . طالما لم يأتِ حتى الآن ، من المؤكد أنه لن يأتِ أبدا .
    فالأبحث لي عن شاطرٍ يشاطرني أحلامي المحرمة الغريبة حتى لو كان في الخيال . هكذا همست لنفسها .

    هرعت إلى غرفتها فدخلت وأغلقت الباب وراءها . وقفت أمام المرآة وأخذت تنزع ثيابها قطعة قطعة .
    حرامٌ والله أن يأكل الدود هذه القدود . أمسكت بنهديها كمن يُمسك جروا تائها عن أمه . أدركتها لحظة صحوة
    فانتفضت قائلة لنفسها : ما معنى هذا الفعل الذي لا معنى له . لم تَطُل لحظة الصحو فأطلقت إحدى يديها نحو
    شفتيها تداعبهما ، والأخرى تركتها تجول وتجول دون رقيب أو حسيب .
    فهبطت عليها ارتعاشة أعقبها صمت واجم مثقل بالتسليم .

    جارها الستيني كان يتلصص عليها دائما من خلال شق في ستارة غرفة نومها . بذات الوقت هي أيضا كانت
    تتلصص عليه من ذات الشق.
    ذات مساء وكان البرد شديدا والثلوج تتراكم تقابلت هي وهو في منتصف المسافة بين البيتين ، فارتمى كل واحد منهما
    في حضن الآخر ، دون أن يسألا كيف ومتى ولماذا ..

    يراودها هذا الحلم كل ليلة دون انقطاع حتى بات الشك في أنها تلك المرأة يطرد الواقع في أنها جَدّة ولها أحفاد .
    ها هي اليوم تقترب من خط النهاية لسباق ماراثون الحياة غير مكترثة إلاّ لأمر واحد فقط .
    أن لا تغيب عنها طلّة الحكواتي وروحه المرحة في سرد الحواديت حتى تكمل لحفيدتها سرد قصة الشاطر حسن للمرة العاشرة قبل أن ترحل .

  • حسن لختام
    أديب وكاتب
    • 26-08-2011
    • 2603

    #2
    قص جميل وممتع، ولغة سلسلة، أنيقة
    مودتي، أخي العزيز فوزي

    تعليق

    • فوزي سليم بيترو
      مستشار أدبي
      • 03-06-2009
      • 10949

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
      قص جميل وممتع، ولغة سلسلة، أنيقة
      مودتي، أخي العزيز فوزي
      أشكرك أخي حسن لختام لمرورك وتعليقك على
      شرخ في الذاكرة
      تحياتي ومحبتي
      فوزي بيترو

      تعليق

      • محمد الشرادي
        أديب وكاتب
        • 24-04-2013
        • 651

        #4
        أهلا اخي بيترو
        هي أيقونة مشروخة...نال الشرخ من كل كيانها:ذاكرتها...قلبها...روحها. نص جريء قفز على الطابو لينبه الناس إلى ظواهر خطيرة كثيرا ما نتستر عليها و نتجنب إبرازها للعيان.
        أعجبتني اللغة و الطرح و الفكرة.
        تحياتي

        تعليق

        • فايزشناني
          عضو الملتقى
          • 29-09-2010
          • 4795

          #5
          يا لها من ذاكرة أخي فوزي
          ذاكرتنا تحمل في جوفها الكثير من الذكريات
          ألمح بعضها على وجوه الآخرين وربما أقرأها في عيونهم
          حالة العنوسة صعبة لمن عاشها ووصل إلى مرحلة من وصفتها
          يا ترى هل ذاكرة الذكر ستكون مشروخة كما هي ذاكرى الأنثى ؟؟
          آخر مرة جلست مع عانس تجاوزت 38 من عمرها كانت تشع من عينيها ذكريات حزينة
          لكنها مقبلة على الحياة ولا تنتظر الشاطر حسن فهي لا تتوقع ظهوره
          ربما لأنها انشغلت كثيراً فلم تلحظ مروره أكثر من مرة في حياتها
          أخي فوزي يسعدني القراءة لك دائماً
          محبتي التي تعرف وأكثر
          هيهات منا الهزيمة
          قررنا ألا نخاف
          تعيش وتسلم يا وطني​

          تعليق

          • عاشقة الادب
            أديب وكاتب
            • 16-11-2013
            • 240

            #6
            سعدت بقراءة مثيرة ورائعة
            ابداع في اللغة والتعبير والسرد المميز
            ذاكرة محشوة بتقاليد جعلت تفكيرها ينحصر في الشاطر حسن ومتى ياخدها فوق حصانه .
            ربما تتغير الافكار ولانجعل للعانس سنا بل فقط امرأةلم تتزوج كرجل لم يتزوج ههههه.
            اعجبني المضمون لجرأة قلم راق
            المعاناة لا نراها الا اذا نقبنا عنها في الذاكرة مسكوت عنها .

            تعليق

            • محمد هشام الجمعة
              عضو الملتقى
              • 07-11-2011
              • 472

              #7
              اسعد الله اوقاتك دكتور بكل خير
              أنا هنا لست بمقام التعلق والسبب إني كنت تاركا عقلي في الثلاجة واليوم استعدته ولكن لم يذوب الثلج عنه بعد
              إنما أنا هنا لألقي على مقامكم الكريم التحية وبصدق رغم الغياب إلا إنكم لم تغيبو عن البال
              فتحية لك ولكل اعضاء المنتدى الكرام
              وملاحظة صغيرة يبدو انه في بلادكم يتم التدقيق على الكلام إلى حد المبالغة لذا لكثرة التفتيش فقدتم احد الحروف سهوا وهو حرف الجيم في بحجج واهية

              تعليق

              • بسباس عبدالرزاق
                أديب وكاتب
                • 01-09-2012
                • 2008

                #8
                الأستاذ فوزي بيترو

                أعجبني النص

                و قد عالج ظاهرة تفشت في عالمنا
                فنسبة العوانس من كلا الجنسين أصبحت تشكل خطرا لكيان المجتمع العربي
                فلهذه الظاهرة تأثيرات تتفاقم مع الوقت

                تقديري استاذ فوزي
                السؤال مصباح عنيد
                لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                تعليق

                • فوزي سليم بيترو
                  مستشار أدبي
                  • 03-06-2009
                  • 10949

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة محمد الشرادي مشاهدة المشاركة
                  أهلا اخي بيترو
                  هي أيقونة مشروخة...نال الشرخ من كل كيانها:ذاكرتها...قلبها...روحها. نص جريء قفز على الطابو لينبه الناس إلى ظواهر خطيرة كثيرا ما نتستر عليها و نتجنب إبرازها للعيان.
                  أعجبتني اللغة و الطرح و الفكرة.
                  تحياتي

                  جرحني وصدمني هذا النص لحظة كتابته وبعدها .
                  لشعوري أن المتلقي سيرفضه ، وربما ينالني منه العتاب .
                  أبقيته في درجي ، وفوقه وضعت كومة من دفاتري القديمة .
                  إلى أن عثرت عليه زوجتي . فأنّبتني قائلة :
                  لماذا لم تنشره بعد ؟ أخائفٌ أنت ؟ إذن لماذا كتبت ؟!
                  الحق أقوله لكم أنني كنت أظنها تتمهزأ على النص .
                  فأخفيته مرّة أخرى .
                  وجاء نص الأستاذ حسين ليشوري الذي هو عن أدب " المراحيض "
                  وكأن كفّا قد هوت على صفحة وجهي ، لطمتني .
                  فقرّرت نشره وزرقي ورزق قلمي على الله .

                  أشكرك للمرور والتعليق أخي محمد الشرادي
                  فوزي بيترو

                  تعليق

                  • فوزي سليم بيترو
                    مستشار أدبي
                    • 03-06-2009
                    • 10949

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة فايزشناني مشاهدة المشاركة
                    يا لها من ذاكرة أخي فوزي
                    ذاكرتنا تحمل في جوفها الكثير من الذكريات
                    ألمح بعضها على وجوه الآخرين وربما أقرأها في عيونهم
                    حالة العنوسة صعبة لمن عاشها ووصل إلى مرحلة من وصفتها
                    يا ترى هل ذاكرة الذكر ستكون مشروخة كما هي ذاكرى الأنثى ؟؟
                    آخر مرة جلست مع عانس تجاوزت 38 من عمرها كانت تشع من عينيها ذكريات حزينة
                    لكنها مقبلة على الحياة ولا تنتظر الشاطر حسن فهي لا تتوقع ظهوره
                    ربما لأنها انشغلت كثيراً فلم تلحظ مروره أكثر من مرة في حياتها
                    أخي فوزي يسعدني القراءة لك دائماً
                    محبتي التي تعرف وأكثر
                    وكم من رجل داخل قفص الزواج عاجز عن قطف رحيق العلاقة الحميمية
                    بينه وبين شريكة عمره .
                    كالعانس هو " ظل زوج " ليس إلا . فاته قطار المتعة .

                    أخي وصديقي فايز
                    سررت جدا بوجودك ومرورك والتعليق
                    محبتي
                    فوزي بيترو

                    تعليق

                    • فوزي سليم بيترو
                      مستشار أدبي
                      • 03-06-2009
                      • 10949

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عاشقة الادب مشاهدة المشاركة
                      سعدت بقراءة مثيرة ورائعة
                      ابداع في اللغة والتعبير والسرد المميز
                      ذاكرة محشوة بتقاليد جعلت تفكيرها ينحصر في الشاطر حسن ومتى ياخدها فوق حصانه .
                      ربما تتغير الافكار ولانجعل للعانس سنا بل فقط امرأةلم تتزوج كرجل لم يتزوج ههههه.
                      اعجبني المضمون لجرأة قلم راق
                      المعاناة لا نراها الا اذا نقبنا عنها في الذاكرة مسكوت عنها .
                      الحمد لله أن النص قد راق لك أختنا عاشقة الأدب
                      وكما تفضّلت ، العنوسة ليست بالسن بل بمقدرة العطاء
                      ولك أجمل تحية
                      فوزي بيترو

                      تعليق

                      • فوزي سليم بيترو
                        مستشار أدبي
                        • 03-06-2009
                        • 10949

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة محمد هشام الجمعة مشاهدة المشاركة
                        اسعد الله اوقاتك دكتور بكل خير
                        أنا هنا لست بمقام التعلق والسبب إني كنت تاركا عقلي في الثلاجة واليوم استعدته ولكن لم يذوب الثلج عنه بعد
                        إنما أنا هنا لألقي على مقامكم الكريم التحية وبصدق رغم الغياب إلا إنكم لم تغيبو عن البال
                        فتحية لك ولكل اعضاء المنتدى الكرام
                        وملاحظة صغيرة يبدو انه في بلادكم يتم التدقيق على الكلام إلى حد المبالغة لذا لكثرة التفتيش فقدتم احد الحروف سهوا وهو حرف الجيم في بحجج واهية
                        مساء سعيد أخي محمد هشام الجمعة
                        لقد تم القبض على حرف الجيم الهارب من العدالة ، وأودع في مكانه الصحيح .
                        شكرا لك .
                        أما عن كثرة التفتيش والتدقيق على الكلام . فكما عندنا هو عندكم .
                        ربنا يكون كلامنا خفيف عليهم . قول يا رب .

                        سررت بك أخي هشام
                        مودتي
                        فوزي بيترو

                        تعليق

                        • محمد الشرادي
                          أديب وكاتب
                          • 24-04-2013
                          • 651

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة

                          جرحني وصدمني هذا النص لحظة كتابته وبعدها .
                          لشعوري أن المتلقي سيرفضه ، وربما ينالني منه العتاب .
                          أبقيته في درجي ، وفوقه وضعت كومة من دفاتري القديمة .
                          إلى أن عثرت عليه زوجتي . فأنّبتني قائلة :
                          لماذا لم تنشره بعد ؟ أخائفٌ أنت ؟ إذن لماذا كتبت ؟!
                          الحق أقوله لكم أنني كنت أظنها تتمهزأ على النص .
                          فأخفيته مرّة أخرى .
                          وجاء نص الأستاذ حسين ليشوري الذي هو عن أدب " المراحيض "
                          وكأن كفّا قد هوت على صفحة وجهي ، لطمتني .
                          فقرّرت نشره وزرقي ورزق قلمي على الله .

                          أشكرك للمرور والتعليق أخي محمد الشرادي
                          فوزي بيترو
                          أهلا أخي بيترو
                          كلنا نعاني من الرقيب الداخلي الذي يكبح جماحنا، و يمنعنا من الخوض في بعض المواضيع التي تصنف تحت يافطة الطابو. لدي نصوص جميلة حول: زنى المحارم...الشذوذ في العلاقات...و أجد حرجا في نشرها.
                          قد أسير على خطاك و أقوم بنشرها.
                          تحياتي

                          تعليق

                          يعمل...
                          X