إلى شهريار الخاطرة ..جلال داود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جلال داود
    نائب ملتقى فنون النثر
    • 06-02-2011
    • 3893

    #16
    بالأمس كان الهلال يتوارى حينا بين طيات غماماتٍ شفيفة، فيبدو كحسناء تتوارى خجلا في خِدْرها، ثم تطل والحياء يكسو وجهها ، جلستُ إلى شهرزاد وقلت لها :
    مال بال هذا الملك الشافعي يتحفنا بهذا البوح ثم ينطلق دون أن يفتح لنا أبواب هذي الأسرار؟
    فتنهدتْ شهرزاد ، ثم قالت إليك بعض المراد، فالشافعي له يراع لا يجف عنه المداد ، يملك ناصية الأضداد ، تقرؤه فتظن أنك قد بلغت المراد ، ثم تعيد الكرّة فإذا بك كمن أخلف الميعاد وفاتك المحبوب في عتاب وعناد :
    ***

    من عينيها سرقت حلما
    صنعت وطناً
    و لغة من زعفران

    ***
    هذا فقط المسروق من عينيها ، فما بالك لو دَلَفَتْ إحدى غرف القلب ثم استوطنتْ به ؟
    فكيف بالله تصف هاتين العينين ؟
    بَقَرِيَّة؟
    أم ينطبق عليها القول : بفتور عين ما بها رَمَدٌ وبها تُداوَى الأعين الرٌّمْدُ؟
    فتخيل أيها الشهريار أن تتوسط بك عينان إلى معترك حلم
    أوتنقلك عينان إلى وطن وأنت تنعم بحِمَى القبيلة
    وأن تتحدث بلغة يفوح منها عطر ، بل تقطر زعفرانا.
    ماذا تقول عن هاتين العينين أيها الشهريار ؟
    فقلتُ وأنا أتحاشى تخيُّل هاتين العينين :

    يَاغَافِياً بَينَ الْعَيْنْ والخَاطِرْ ومُسَافِراً مِنْ هَدبِ الْشَوقْ
    لإغْمَاضَةِ جِفْنٍ يَحتضِنُ أَجْنِحَةَ الحُلْمِ الْصَغِيرَه .!
    هَلَّ أَطْفَأتَ بـِإجْتِيَاحِكْ نِيرَانٌ تُسْعِرُهَا أَحْزَانِي
    هَلَّ أَسْكَبْتَ بـِعَيْنَيْكَ أَقدَاحَاً تَتَدَفَّقُ مَطراً بـِالأمَانِي

    ***
    ثم تمطّى الليل وتثاءب ، فقالت شهرزاد : لي عودة لك وللملك الشافعي


    تعليق

    • جلال داود
      نائب ملتقى فنون النثر
      • 06-02-2011
      • 3893

      #17
      سطع القمر متوسطا كبد السماء إلا قليلا ، فتوارتْ النجوم راغمة.
      وداعبتْ بعض نسيمات أستار البهو ، فداعبت شهرزاد قيثارتها ، ثم نحتْه جانبا وقالت :
      أتعلم يا شهريار ، فإن مليكنا الشافعي ذي الحرف الرنان ، والمغزى الفتان ، والتي بين طيات معانيه ترقد من الأسرار أطنان وأطنان ؟
      فحينما قال :


      و الفؤاد كعيد ٍ تقي ٍ
      صلى بثغرها ركعتان
      ***
      أصْدقك القول يا شهريار ، بأنني لم أقرأ أو أسمع قولا كهذا يستقر في عمق القرار ، ففي كلماته تهجدٌ وإستغفار ، ولكنه لا ينوي التوبة أو العودة من خضم هذا الغمار.
      ***
      فجاءت أمها
      وقفت بجانبها
      فسبحان من جمع النيران
      ذواتا أفنان
      بكل السحر نضاختان
      و قالت هي لي
      هي ملكي
      لي فراديس اللغة
      و لك بؤس ٌ و خذلان
      ****
      أما هنا ، فيتوه مليكنا الشافعي ما بين سحر الأصل ورونق الصورة ، فلا هو طلب النصح ولا المشورة ، ولا أصاب قريحته وهنٌ ولا طلب المشورة

      ***
      التصقت البنت بقلبها
      تشبثت بصمتها
      قتلتني منها دمعتان
      لم يحسن هذا تأديبي
      في قوافي الشرود كبلني
      بذكراك يا أُمّ سكران
      قالتها زورا ً و بهتان
      تالله إنهما تكذبان ..
      أنا من سخر اللغة لعينها
      أرابط بثغور النجوى
      بكل زاوية ٍ نثرت عسس قلبي
      أنمق فجر الوصل
      و يرتبها ليل النسيان ..
      فقولي يا رعاكِ الله
      بحق من أمر بالقسط
      و حكم بالميزان
      قصيدتي لي أم لها
      لعاشق ٍ أسقمه الوسن
      أم لمن يحج الورد لثغرها
      يغفو بعينيها قمران...
      ***
      هنا يا شهرياري ، قل لي بربك ، من يقدر أن يفتي في هذا أو يُجاري ؟
      وإن أراد حكمنا ، فنقو له : لك منا صادق الدعوات ، ونصدقك القول بأنك قد فقأتَ عين اللغة فسالت أدمعاَ من بديع العبارات ، القصيدة يا بديع الدلالات ، لك ولها وللذي شدّ وثاق قلبيكما ... فلا فكاك ولا انفلات


      ***
      وأدرك شهرزاد الصباح ، فسكتتْ عن قراءة كلام الشافعي المباح ، لكنها كانت قد نكأتْ بعض الجراح

      تعليق

      • جلال داود
        نائب ملتقى فنون النثر
        • 06-02-2011
        • 3893

        #18
        شهرزاد كانت في إنتظار شهريار
        لا تدري أنه كان يسترق السمع ويختلس النظر من شرفة تشبه شرفة هارون الرشيد حينما كانت العرب في أوج العظمة والعزة.
        لا تدري شهرزاد أن شهريار أصابته صفعة من خيبة قوية جرّاء مآلات الحال والأحوال.
        لذا
        وبكل براءتها نادته بأن أقدم لكى أتمم لك القص
        فأتاها وهو يراها ولا يراها
        يسمعها ولا يسمعها
        ولكن للعشق سطوة
        وللحب ترياق
        وللغرام صولات وجولات
        فما أن قالت له : بلغني أيها الملك الرشيد ، ذو الرأي السديد
        عادت إليه كل حواسه التي إفتقدها على الجبل الذي كان يرمق منه معارك وغزوات العرب.
        ***
        نواصل

        تعليق

        يعمل...
        X