إكليل و زعتر
ينهض باكرا، يرتدي سروالا ذهبت الشمس بألوانه و تبانا تآكلت أكمامه، ينتعل الحذاء الوحيد القديم الذي بحوزته، يلقي نظرة عميقة جزعة على أحفاده النَيام على حشايا بالية و حصير مهترئ، يتبادل نظرات عميقة قلقة مع العجوز زوجته، يغطي رأسه بمنشفة باهتة الألوان و يخرج قاصدا " الحمادة "، يقتلع منها حزمة كبيرة من الإكليل و الزعتر، يحملها بين ذراعيه و يقفل عائدا إلى المدينة.
" إحدى عشر دينارا هو المبلغ الذي ينقصنا، سيكون عليَ بيع اثنان و عشرين نبتة من نبات الإكليل و الزعتر حتى أتمكن من إتمام تجميع المبلغ و من دفع معلوم مدرسة تأهيل المعاقين فهل يحالفني الحظ؟ أأبيعها اليوم دفعة واحدة و أوفر ثمن المدرسة؟ أيرتاد غدا مدرسته؟ ". يغرق في حيرة وجوديَة مصيريَة عنوانها كيف أبيع اثنان و عشرون نبتة في يوم واحد؟.
يستعرض قائمة من الأماكن: أمام الجامع، في المنتزه، أمام المركب التجاريَ، على ناصية الشارع، داخل السَوق... يستعرض مزايا و مساوئ كل مكان، يقارنها، يقيَمها و بعدها يختار موقف السيَارات المقابل للمركب التجاريَ و المجاور لسوق اللحوم و الخضر. هناك تكثر الحركة بين مترجلين من سيَاراتهم و مارَة و هناك تتعاظم فرص فوزه بمشترين للإكليل و الزعتر.
يقصد المكان المطلوب، يدرس الموقع، مداخله، مخارجه، منافذه ليختار أخيرا موضعا استراتيجيَا يتوسَط موقف السيَارات و يأتي مقابلا للسوق و للمركز التجاريَ مباشرة بحيث يراه بوضوح كل من هبَ و دبَ في الأنحاء. يترصَد السيَارات الدَاخلة إلى الموقف، يقترب من كل مترجَل من سيَارته و من كل عابر، يرفع في وجه كل واحد إكليله و زعتره فيعرض عنه من يعرض و ينتهره من ينتهر.
ما بال هؤلاء القوم؟ الكل مستعجل. ألا يحتاجون إكليلا؟ ألا يشترون زعترا؟. هل سيتوجَب عليه رفع صوته كما الباعة المتجوَلون العارضون لبضاعتهم على نساء الحيَ؟ أيقدر على فعلها؟ أيصدح بصوته؟ أيشهر بضاعته؟ ثمَ كيف يفعلها وهو لم يمتهن التجارة و لم يساوم أحدا يوما؟. يرغب في رفع عقيرته بالصَياح و لكن يخونه صوته، يخمد كثعلب نائم في جحره.
" إليكم إكليلا و زعترا، فيهما شفاء من علل الشتاء و نكهة لكل غذاء ". كان قد حضّر الجملة منذ أيَام و أجهد نفسه في انتقاء كلماتها و في قفايتها. ألا تبدو متناغمة و جذابة بما يكفي؟ بلى إنَ مقاطعها جميلة و مغزاها مفيد و لقد لحَن الجملة في البيت فأجاد تلحينها ثمَ ردَدها مرارا و تكرارا بينه و بين نفسه حتى حفظ لحنها فلما لا تخرج الكلمات و لا تصدح بها حنجرته؟ لما يتحجَر صوته و كأنَه أبكم لا ينطق؟ لما تثقل الحروف و كأنَها الحجارة و لما يعجز عن ترداد ما لحَنه و حفظه أيَاما عن ظهر قلب؟. لعنة على الخجل، هذا الشيطان الذي يكبَل لسانه و يشلَ حركته و لعنة على هؤلاء القوم ألا يحتاجون إكليلا؟ ألا يشترون زعترا؟.
يطول به الوقوف و لا أحد يرغب في بضاعته. مشى إلى الآن ناحية ما يناهز الخمسين مترجَلا و لا أحد رغب فيما يعرض باستثناء عجوز هرمة ساومته أكبر النَباتات و أكثرها أوراقا لتتبرَم من ثمنها الباهظ المشط، تتهمه باستغلال الخلق و بعدها تمضي تاركة إيَاه فاغرا فاه لا يدري بما يجيب و لا فيما يفكر.
انتصف النَهار و لا أحد اهتمَ بإكليله و زعتره. تقدَم نحو الجميع بعينين لمع فيهما الرَجاء و التوسَل و لكن لا أحد اهتمَ بتوسله و رجاءه.
أجل الترسيم يكاد ينقضي و حفيده قابع في البيت تتقهقر حاله يوما بعد يوم، ينسى ما تعلمه قبل وفاة والديه. القليل من الحروف التي أجاد نطقها في حياتهما صارت تتلكأ في فمه، تتكسَر و تتشوَه لتفقد في النَهاية كلَ شبه و كلَ صلة باللغة، عضلات الولد عادت للارتخاء بعد أن شدَتها تمارين المدرسة و أقرب للكسيح صار منه للواقف. أيخرج بالولد إلى الشَارع يسترقَ قلب المارَة و يتوسَل دنانيرهم بإعاقته؟ ثمَ كيف يفعلها؟ كيف؟ كيف؟.
مالت الشمس عن كبد السَماء، تضوَر جوعا قاسيا، تشنَجت عضلاته من شدَة الوقوف، تسلل اليأس إلى قلبه، لن يبيع شيئا، لا إكليلا و لا زعترا. أيرمي بحمله في القمامة و يقفل عائدا إلى البيت؟ و لكن كيف يعود خاوي الوفاض بلا دنانير و لا ملاليم حتى؟.
ملأ المرار حلقه، اعتصر الألم قلبه، خنقته الغصَة و تسلل الدَمع إلى جفنه فجاهد مجاهدة أشاوسة الأبطال ليتماسك و يمسك الدَمع في محجره. رفع رأسه إلى السَماء و ناجى الإله مناجاة عميقة، صادقة. ظل غارقا في نجواه إلى أن تنبَه لوقوف سيَارة سوداء فاخرة، ترجَل منها سيَد من أولائك المرتدين لبدلات رسميَة أنيقة تزيَنها ربطة عنق جميلة. اقترب منه في انكسار و يأس فصدَه بإشارة من يده و مضى في حال سبيله، فطأطأ رأسه، أحنى كتفيه و مضى كسيرا بائسا يضرع النَاصية ذهابا و جيئة. تحين منه التفاتة إلى السيَدة القابعة في السيَارة السوداء فتشير له أن اقترب. يتجه نحوها بعينين يلمع فيهما الرَجاء و التوسَل فتعطيه دينارا، يقرَب منها حزمة الإكليل و الزَعتر فتجيبه برقة و لطف أن عندي منهما في البيت، اترك الحزمة معك، لا بأس في ذلك، لا بأس في ذلك و فجأة
" باف " ضجَة قويَة مدوَية تعلو في أعماق نفسه، صرح كرامته يهوي من عليائه فيدوَي دويَا صاعقا ترتجَ له ذاته و يتصدَع له كيانه. بنايته الشاهقة و بنايته الوحيدة: بناية الأنفة و العزَة ترتجَ بشدَة، تهتزَ بعنف و بعدها تهوي، تتساقط و تتناثر فيسمع لوقعها دويَ مدمَر صاعق و يتصاعد لغبارها دخان كثيف خانق يغمر عينيه دمعا، يسكن نظراته ألما و يوجد في ذاته شرخا فيتهدَج صوته حتى يكاد ينقطع: " لعنة على الفقر و المرض ". أخيرا ينطق، لا يردَد معزوفة إكليله و لا ينشد نغمة زعتره، فقط يلعن الفقر و المرض و ينسحب، يبتعد خطوتين، يستدير بعدها و يمسك بغطاء رأسه يمسح به ما فاض من عينيه من دمع ثمَ يمضي مقوَس الظهر، حاني الكتفين، مرتعش اليدين. أحبَ لو ردَ عليها دينارها، أحبَ لو قال عفوا سيَدتي أنا لا أستعطف أو أستجدي، أنا فقط أبيع إكليلا و زعترا ولكن صورة الحفيد المعاق الكسيح أرضا، الصَارخ كالأبله بكلمات غامضة مبهمة بلا معنى جعلته يحني الرأس و يمضي.
لم يكد يبتعد حتى نادته ذات السيّدة ثانية، فتنفس الصَعداء، رفع كتفيه و مدَ قامته فأخيرا ستتسلم المرأة بضاعتها و سترحم عذاب نفسه و هوانها. يقترب منها، يشير لها أن خذي إكليلا أو زعترا و لكن المرأة تمدَ يدها و لا تأخذ إكليلا و لا زعترا، المرأة تسلمه شيئا ما، تضعه مباشرة في كفه من دون أن تنبس أو تهمس، فيبتعد عنها قليلا، يستدير و يتطلع في فضول لما في كفَ يده و إذا بها ورقة ذات عشرة دنانير، أخيرا ورقة ذات عشرة دنانير، عشرة دنانير مع دينار هذا يساوي أحد عشر دينارا و هذا تماما ما ينقصه ليرتاد الولد مدرسته، تماما ما يبتغيه منذ أيَام و ما يجهد النفس لجمعه.
ينسى شرخ كرامته، تمرَغ عفته و سقوط عزَته، ينسى كبرياءه و أنفته، ألم ذاته و دمع عينه، ينسى كل ذلك و ينسى كلَ شيء، لا يرى غير الأحد عشر دينارا و لا يرى غير الطفل اليتيم المعاق القابع في البيت، فيشكر المرأة و يجزل الشكر، يحمد الإله و يكثر الحمد و بعدها يقفل عائدا مبسوط السَريرة، راضي النَفس، قانع الذات فغدا سيرتاد الولد مدرسته و ستخفَ إعاقته.
القاصة: بثينة غمّام // تونس
ينهض باكرا، يرتدي سروالا ذهبت الشمس بألوانه و تبانا تآكلت أكمامه، ينتعل الحذاء الوحيد القديم الذي بحوزته، يلقي نظرة عميقة جزعة على أحفاده النَيام على حشايا بالية و حصير مهترئ، يتبادل نظرات عميقة قلقة مع العجوز زوجته، يغطي رأسه بمنشفة باهتة الألوان و يخرج قاصدا " الحمادة "، يقتلع منها حزمة كبيرة من الإكليل و الزعتر، يحملها بين ذراعيه و يقفل عائدا إلى المدينة.
" إحدى عشر دينارا هو المبلغ الذي ينقصنا، سيكون عليَ بيع اثنان و عشرين نبتة من نبات الإكليل و الزعتر حتى أتمكن من إتمام تجميع المبلغ و من دفع معلوم مدرسة تأهيل المعاقين فهل يحالفني الحظ؟ أأبيعها اليوم دفعة واحدة و أوفر ثمن المدرسة؟ أيرتاد غدا مدرسته؟ ". يغرق في حيرة وجوديَة مصيريَة عنوانها كيف أبيع اثنان و عشرون نبتة في يوم واحد؟.
يستعرض قائمة من الأماكن: أمام الجامع، في المنتزه، أمام المركب التجاريَ، على ناصية الشارع، داخل السَوق... يستعرض مزايا و مساوئ كل مكان، يقارنها، يقيَمها و بعدها يختار موقف السيَارات المقابل للمركب التجاريَ و المجاور لسوق اللحوم و الخضر. هناك تكثر الحركة بين مترجلين من سيَاراتهم و مارَة و هناك تتعاظم فرص فوزه بمشترين للإكليل و الزعتر.
يقصد المكان المطلوب، يدرس الموقع، مداخله، مخارجه، منافذه ليختار أخيرا موضعا استراتيجيَا يتوسَط موقف السيَارات و يأتي مقابلا للسوق و للمركز التجاريَ مباشرة بحيث يراه بوضوح كل من هبَ و دبَ في الأنحاء. يترصَد السيَارات الدَاخلة إلى الموقف، يقترب من كل مترجَل من سيَارته و من كل عابر، يرفع في وجه كل واحد إكليله و زعتره فيعرض عنه من يعرض و ينتهره من ينتهر.
ما بال هؤلاء القوم؟ الكل مستعجل. ألا يحتاجون إكليلا؟ ألا يشترون زعترا؟. هل سيتوجَب عليه رفع صوته كما الباعة المتجوَلون العارضون لبضاعتهم على نساء الحيَ؟ أيقدر على فعلها؟ أيصدح بصوته؟ أيشهر بضاعته؟ ثمَ كيف يفعلها وهو لم يمتهن التجارة و لم يساوم أحدا يوما؟. يرغب في رفع عقيرته بالصَياح و لكن يخونه صوته، يخمد كثعلب نائم في جحره.
" إليكم إكليلا و زعترا، فيهما شفاء من علل الشتاء و نكهة لكل غذاء ". كان قد حضّر الجملة منذ أيَام و أجهد نفسه في انتقاء كلماتها و في قفايتها. ألا تبدو متناغمة و جذابة بما يكفي؟ بلى إنَ مقاطعها جميلة و مغزاها مفيد و لقد لحَن الجملة في البيت فأجاد تلحينها ثمَ ردَدها مرارا و تكرارا بينه و بين نفسه حتى حفظ لحنها فلما لا تخرج الكلمات و لا تصدح بها حنجرته؟ لما يتحجَر صوته و كأنَه أبكم لا ينطق؟ لما تثقل الحروف و كأنَها الحجارة و لما يعجز عن ترداد ما لحَنه و حفظه أيَاما عن ظهر قلب؟. لعنة على الخجل، هذا الشيطان الذي يكبَل لسانه و يشلَ حركته و لعنة على هؤلاء القوم ألا يحتاجون إكليلا؟ ألا يشترون زعترا؟.
يطول به الوقوف و لا أحد يرغب في بضاعته. مشى إلى الآن ناحية ما يناهز الخمسين مترجَلا و لا أحد رغب فيما يعرض باستثناء عجوز هرمة ساومته أكبر النَباتات و أكثرها أوراقا لتتبرَم من ثمنها الباهظ المشط، تتهمه باستغلال الخلق و بعدها تمضي تاركة إيَاه فاغرا فاه لا يدري بما يجيب و لا فيما يفكر.
انتصف النَهار و لا أحد اهتمَ بإكليله و زعتره. تقدَم نحو الجميع بعينين لمع فيهما الرَجاء و التوسَل و لكن لا أحد اهتمَ بتوسله و رجاءه.
أجل الترسيم يكاد ينقضي و حفيده قابع في البيت تتقهقر حاله يوما بعد يوم، ينسى ما تعلمه قبل وفاة والديه. القليل من الحروف التي أجاد نطقها في حياتهما صارت تتلكأ في فمه، تتكسَر و تتشوَه لتفقد في النَهاية كلَ شبه و كلَ صلة باللغة، عضلات الولد عادت للارتخاء بعد أن شدَتها تمارين المدرسة و أقرب للكسيح صار منه للواقف. أيخرج بالولد إلى الشَارع يسترقَ قلب المارَة و يتوسَل دنانيرهم بإعاقته؟ ثمَ كيف يفعلها؟ كيف؟ كيف؟.
مالت الشمس عن كبد السَماء، تضوَر جوعا قاسيا، تشنَجت عضلاته من شدَة الوقوف، تسلل اليأس إلى قلبه، لن يبيع شيئا، لا إكليلا و لا زعترا. أيرمي بحمله في القمامة و يقفل عائدا إلى البيت؟ و لكن كيف يعود خاوي الوفاض بلا دنانير و لا ملاليم حتى؟.
ملأ المرار حلقه، اعتصر الألم قلبه، خنقته الغصَة و تسلل الدَمع إلى جفنه فجاهد مجاهدة أشاوسة الأبطال ليتماسك و يمسك الدَمع في محجره. رفع رأسه إلى السَماء و ناجى الإله مناجاة عميقة، صادقة. ظل غارقا في نجواه إلى أن تنبَه لوقوف سيَارة سوداء فاخرة، ترجَل منها سيَد من أولائك المرتدين لبدلات رسميَة أنيقة تزيَنها ربطة عنق جميلة. اقترب منه في انكسار و يأس فصدَه بإشارة من يده و مضى في حال سبيله، فطأطأ رأسه، أحنى كتفيه و مضى كسيرا بائسا يضرع النَاصية ذهابا و جيئة. تحين منه التفاتة إلى السيَدة القابعة في السيَارة السوداء فتشير له أن اقترب. يتجه نحوها بعينين يلمع فيهما الرَجاء و التوسَل فتعطيه دينارا، يقرَب منها حزمة الإكليل و الزَعتر فتجيبه برقة و لطف أن عندي منهما في البيت، اترك الحزمة معك، لا بأس في ذلك، لا بأس في ذلك و فجأة
" باف " ضجَة قويَة مدوَية تعلو في أعماق نفسه، صرح كرامته يهوي من عليائه فيدوَي دويَا صاعقا ترتجَ له ذاته و يتصدَع له كيانه. بنايته الشاهقة و بنايته الوحيدة: بناية الأنفة و العزَة ترتجَ بشدَة، تهتزَ بعنف و بعدها تهوي، تتساقط و تتناثر فيسمع لوقعها دويَ مدمَر صاعق و يتصاعد لغبارها دخان كثيف خانق يغمر عينيه دمعا، يسكن نظراته ألما و يوجد في ذاته شرخا فيتهدَج صوته حتى يكاد ينقطع: " لعنة على الفقر و المرض ". أخيرا ينطق، لا يردَد معزوفة إكليله و لا ينشد نغمة زعتره، فقط يلعن الفقر و المرض و ينسحب، يبتعد خطوتين، يستدير بعدها و يمسك بغطاء رأسه يمسح به ما فاض من عينيه من دمع ثمَ يمضي مقوَس الظهر، حاني الكتفين، مرتعش اليدين. أحبَ لو ردَ عليها دينارها، أحبَ لو قال عفوا سيَدتي أنا لا أستعطف أو أستجدي، أنا فقط أبيع إكليلا و زعترا ولكن صورة الحفيد المعاق الكسيح أرضا، الصَارخ كالأبله بكلمات غامضة مبهمة بلا معنى جعلته يحني الرأس و يمضي.
لم يكد يبتعد حتى نادته ذات السيّدة ثانية، فتنفس الصَعداء، رفع كتفيه و مدَ قامته فأخيرا ستتسلم المرأة بضاعتها و سترحم عذاب نفسه و هوانها. يقترب منها، يشير لها أن خذي إكليلا أو زعترا و لكن المرأة تمدَ يدها و لا تأخذ إكليلا و لا زعترا، المرأة تسلمه شيئا ما، تضعه مباشرة في كفه من دون أن تنبس أو تهمس، فيبتعد عنها قليلا، يستدير و يتطلع في فضول لما في كفَ يده و إذا بها ورقة ذات عشرة دنانير، أخيرا ورقة ذات عشرة دنانير، عشرة دنانير مع دينار هذا يساوي أحد عشر دينارا و هذا تماما ما ينقصه ليرتاد الولد مدرسته، تماما ما يبتغيه منذ أيَام و ما يجهد النفس لجمعه.
ينسى شرخ كرامته، تمرَغ عفته و سقوط عزَته، ينسى كبرياءه و أنفته، ألم ذاته و دمع عينه، ينسى كل ذلك و ينسى كلَ شيء، لا يرى غير الأحد عشر دينارا و لا يرى غير الطفل اليتيم المعاق القابع في البيت، فيشكر المرأة و يجزل الشكر، يحمد الإله و يكثر الحمد و بعدها يقفل عائدا مبسوط السَريرة، راضي النَفس، قانع الذات فغدا سيرتاد الولد مدرسته و ستخفَ إعاقته.
القاصة: بثينة غمّام // تونس
تعليق