سجل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    سجل

    وضعت الكتاب جانبا و قد أحسست بغمة تطوق روحي، و أسئلة حيرى تتراقص بحثا عن التتمة، الأوراق الأخيرة ممزقة، و كأن يدا عابثة أحدثت الفجوة عنوة، بغرض شحذ الذهن و حثه على المشاركة في إتمام النص، ربما، و ربما لغرض آخر، فيه من التضليل ما فيه..صعدت من أعماقي سحابة سوداء زادتني قلقا، فاتجهت صوب الشرفة ألتمس عزاء، هواء نقيا يجدد دمائي، و يبدد حالة السواد الذي لبستني..رأيته، الرجل الذي شغل الناس و حير فضولهم..كان يجلس على عتبة المنزل المتداعي، صامتا، وجهه كسرته صفرة الجوع و التجوال، فقد كان لا يظهر بشارعنا البئيس إلا لماما، و يغيب لفترة قد تطول و قد تقصر، و لم نكن نعلم اي وجهة يوليها، و الأغرب أن كثيرا من أصدقائي أكدوا لي أنهم شاهدوه في حيهم في الوقت الذي كنا نراه بشارعنا..كان نحيفا، لا بالطويل و لا بالقصير، يرتدي أسمالا، بالكاد تخفي جسده المتعب حد القرف..ينتعل حذاء يسمح لأصابع رجله بالإطلالة على عالمنا القاسي و كأنها تدينه، أو أنها تسخر منه..يجلس جلسة الحكماء، لا يتحدث و لا تبدر منه أية حركة، شاخصا ببصره إلى البعيد، و كأنه يتابع أناسا يعرفهم و يراهم وحده، و تصدر عنه حركات تشي بأنه يودعهم، أو يبادلهم التحية..لم يكن أطفال شارعنا الكريم يؤذونه لا برشق الحجارة و لا برشق الكلام الجارح..فقد كانوا يفزعون إليه ليساعدهم على إنجاز تمارينهم المنزلية، و بخاصة الرياضيات، و كانت الأسر تقدم له طعاما دافئا، كنوع من الاعتراف الضمني بخدماته، لم تكن تخاف على أبنائها منه، إذ لم يرتكب أدنى فعل جارح..فهو دوما ودود، حتى في اللحظات التي يقاطعه فيها أحد مخرجا إياه من تأملاته الطويلة..و الأغرب أن طلاب الجامعة كانوا يطلبون مساعداته، و ما كان يبخل عليهم بها.. كريما كان .لقد تعددت حوله التفسيرات الموضحة لحالته التي هو عليها..
    فمن قائل إن زوجته كانت تغار عليه، خاصة و قد رأت اهتمام تلميذاته به، فقد كن يطرقن بابه طلبا لمساعداته، فكانت تصرفهن بقسوة لم تمنعهن من تكرار المحاولة..أوعزت لها إحدى صديقاتها بطلب مساعدة عرافة، و كذلك كان، بدأت تطعمه أكلا مختلطا بوصفات سحرية قالت إنها كفيلة بإبقائه لها وحدها، غير أن صحته تدهورت بسرعة، و جعلته يهلوس و يأتي بحركات غير محسوبة، و مرة استيقظت فلم تجده بجانبها، بحثت عنه في كل مكان، و استسلمت لليأس و القنوط..
    و من قائل إنه كان معارضا شرسا للنظام ، لا يني ينتقد السياسات المتبعة ، مقالاته النقدية أججت الغضب في نفوس الجهات المعلومة ، فبدأت في الكيد له : بداية ، قامت بتوقيفه ، ثم التضييق عليه في عمله ، و لأنه أستاذ كفؤ ، فقد التف حوله الطلاب ، و شكلوا ذرعه الواقي . وجدت السلطة أمر مواجهته بهذا الشكل لن يكون إلا مجلبة للشهرة له ، و الهم لها ، فقدحت زناد فسقها ، و استشارت شياطين قبحها ، فاهتدت إلى اختطافه و هو خارج من حانة متمايلا ، و قامت بتعذيبه ، الضرب و التعليق و الصعق ، وغطس الرأس في الماء . توقظه في الصباح الباكر ، و في عز البرد ، و تصب عليه الماء البارد ، ثم تخوض معه حرب الاستجواب. لم يذق طعم النوم طيلة فترة الاحتجاج ، إلى أن فقد عقله.
    وجد في صبيحة أحد الأيام ملقى على قارعة الطريق ، و هو في حالة إغماء ، يظهر جسمه الناحف آثار تعذيب..لم تقبله المستشفيات لمعالجته ، فاضطرت إحدى غانيات حي بئيس باستضافته و مقابلته إلى أن شفي.
    و قيل غير ذلك ، و سارت في الحديث عنه مسارات رفعت قصته مقام الأسطورة ، و حولته كائنا عجبا..
    ها هو الأن ، أمامي ، ينظر إلي باسما و في يده بعض أوراق ، يشير لي بالنزول.
    أبتعد عن النافذة ، أستدير لأنزل السلم ، أفتح الباب ، لا أجد سوى عتبة فارغة ، ترقد فوقها مجموعة أوراق، أجلس مفكرا : _ هل أنا ضحية هلوسة ؟
    الأكيد أني رأيته ، أرفع رأسي متذكرا، فأجد شخصا يتابعني ، ينظر بفضول إلى كومة الأوراق التي بيدي ألوح بها ، يغلق النافذة ، يستدير لينزل السلم ، يفتح الباب ، لا يعثر إلا على أوراق فوق عتبة باردة.
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    جميلة القصة.. وهذه الدوامة الدائرية التي يعيشها صاحبنا..
    وكأنه مسير لا مخير.. يبدو التعذيب فعل به فعله... وانتهى
    ليدور في حلقة مفرغة...

    سمحت لنفسي بتعديل الأخطاء المطبعية,,,وكلمة كفؤ.

    كن بخير وصحة وعافية...


    مودتي واحترامي وتقديري.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      الله ياعبد الرحيم .. كنت أرى ذلك منذ وقت مضى
      أنك سوف تكون .. و ربما أذخر من تلك ..و أجمل
      و ها انا معك و تلك
      و كم تكثر الحكايات
      أتدري .. لن أقول لك الآن
      لكن هناك فكرة شبيهة تخامر أحد المبدعين
      و منذ أسبوعين أو أكثر دفع إلي بورقة تحمل ما يقترب او يبتعد عن تلك الحال

      أشبعت جوعي لفن القص أستاذي

      محبتي
      sigpic

      تعليق

      • عبدالرحيم التدلاوي
        أديب وكاتب
        • 18-09-2010
        • 8473

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
        جميلة القصة.. وهذه الدوامة الدائرية التي يعيشها صاحبنا..
        وكأنه مسير لا مخير.. يبدو التعذيب فعل به فعله... وانتهى
        ليدور في حلقة مفرغة...

        سمحت لنفسي بتعديل الأخطاء المطبعية,,,وكلمة كفؤ.

        كن بخير وصحة وعافية...


        مودتي واحترامي وتقديري.
        أختي البهية ، ريما
        أشكرك على طيب تعليقك ، و قيم تفاعلك .
        ممتن لك التصويب.
        بوركت.
        مودتي

        تعليق

        • عبدالرحيم التدلاوي
          أديب وكاتب
          • 18-09-2010
          • 8473

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
          الله ياعبد الرحيم .. كنت أرى ذلك منذ وقت مضى
          أنك سوف تكون .. و ربما أذخر من تلك ..و أجمل
          و ها انا معك و تلك
          و كم تكثر الحكايات
          أتدري .. لن أقول لك الآن
          لكن هناك فكرة شبيهة تخامر أحد المبدعين
          و منذ أسبوعين أو أكثر دفع إلي بورقة تحمل ما يقترب او يبتعد عن تلك الحال

          أشبعت جوعي لفن القص أستاذي

          محبتي
          أستاذي الراقي ، ربيع عقب الباب
          أشكرك على إمتاعي برائع تعليقك.
          ظل النص قابعا في حاسوبي ، حتى خلته ضاع. ثم أطل برأسه معلنا عن رغبته في الوجود.
          و قد أثلج صدري تفاعلك القيم ، و إشادتك المحفزة.
          بوركت.
          مودتي

          تعليق

          • حسن لختام
            أديب وكاتب
            • 26-08-2011
            • 2603

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
            وضعت الكتاب جانبا و قد أحسست بغمة تطوق روحي، و أسئلة حيرى تتراقص بحثا عن التتمة، الأوراق الأخيرة ممزقة، و كأن يدا عابثة أحدثت الفجوة عنوة، بغرض شحذ الذهن و حثه على المشاركة في إتمام النص، ربما، و ربما لغرض آخر، فيه من التضليل ما فيه..صعدت من أعماقي سحابة سوداء زادتني قلقا، فاتجهت صوب الشرفة ألتمس عزاء، هواء نقيا يجدد دمائي، و يبدد حالة السواد الذي لبستني..رأيته، الرجل الذي شغل الناس و حير فضولهم..كان يجلس على عتبة المنزل المتداعي، صامتا، وجهه كسرته صفرة الجوع و التجوال، فقد كان لا يظهر بشارعنا البئيس إلا لماما، و يغيب لفترة قد تطول و قد تقصر، و لم نكن نعلم اي وجهة يوليها، و الأغرب أن كثيرا من أصدقائي أكدوا لي أنهم شاهدوه في حيهم في الوقت الذي كنا نراه بشارعنا..كان نحيفا، لا بالطويل و لا بالقصير، يرتدي أسمالا، بالكاد تخفي جسده المتعب حد القرف..ينتعل حذاء يسمح لأصابع رجله بالإطلالة على عالمنا القاسي و كأنها تدينه، أو أنها تسخر منه..يجلس جلسة الحكماء، لا يتحدث و لا تبدر منه أية حركة، شاخصا ببصره إلى البعيد، و كأنه يتابع أناسا يعرفهم و يراهم وحده، و تصدر عنه حركات تشي بأنه يودعهم، أو يبادلهم التحية..لم يكن أطفال شارعنا الكريم يؤذونه لا برشق الحجارة و لا برشق الكلام الجارح..فقد كانوا يفزعون إليه ليساعدهم على إنجاز تمارينهم المنزلية، و بخاصة الرياضيات، و كانت الأسر تقدم له طعاما دافئا، كنوع من الاعتراف الضمني بخدماته، لم تكن تخاف على أبنائها منه، إذ لم يرتكب أدنى فعل جارح..فهو دوما ودود، حتى في اللحظات التي يقاطعه فيها أحد مخرجا إياه من تأملاته الطويلة..و الأغرب أن طلاب الجامعة كانوا يطلبون مساعداته، و ما كان يبخل عليهم بها.. كريما كان .لقد تعددت حوله التفسيرات الموضحة لحالته التي هو عليها..
            فمن قائل إن زوجته كانت تغار عليه، خاصة و قد رأت اهتمام تلميذاته به، فقد كن يطرقن بابه طلبا لمساعداته، فكانت تصرفهن بقسوة لم تمنعهن من تكرار المحاولة..أوعزت لها إحدى صديقاتها بطلب مساعدة عرافة، و كذلك كان، بدأت تطعمه أكلا مختلطا بوصفات سحرية قالت إنها كفيلة بإبقائه لها وحدها، غير أن صحته تدهورت بسرعة، و جعلته يهلوس و يأتي بحركات غير محسوبة، و مرة استيقظت فلم تجده بجانبها، بحثت عنه في كل مكان، و استسلمت لليأس و القنوط..
            و من قائل إنه كان معارضا شرسا للنظام ، لا يني ينتقد السياسات المتبعة ، مقالاته النقدية أججت الغضب في نفوس الجهات المعلومة ، فبدأت في الكيد له : بداية ، قامت بتوقيفه ، ثم التضييق عليه في عمله ، و لأنه أستاذ كفؤ ، فقد التف حوله الطلاب ، و شكلوا ذرعه الواقي . وجدت السلطة أمر مواجهته بهذا الشكل لن يكون إلا مجلبة للشهرة له ، و الهم لها ، فقدحت زناد فسقها ، و استشارت شياطين قبحها ، فاهتدت إلى اختطافه و هو خارج من حانة متمايلا ، و قامت بتعذيبه ، الضرب و التعليق و الصعق ، وغطس الرأس في الماء . توقظه في الصباح الباكر ، و في عز البرد ، و تصب عليه الماء البارد ، ثم تخوض معه حرب الاستجواب. لم يذق طعم النوم طيلة فترة الاحتجاج ، إلى أن فقد عقله.
            وجد في صبيحة أحد الأيام ملقى على قارعة الطريق ، و هو في حالة إغماء ، يظهر جسمه الناحف آثار تعذيب..لم تقبله المستشفيات لمعالجته ، فاضطرت إحدى غانيات حي بئيس باستضافته و مقابلته إلى أن شفي.
            و قيل غير ذلك ، و سارت في الحديث عنه مسارات رفعت قصته مقام الأسطورة ، و حولته كائنا عجبا..
            ها هو الأن ، أمامي ، ينظر إلي باسما و في يده بعض أوراق ، يشير لي بالنزول.
            أبتعد عن النافذة ، أستدير لأنزل السلم ، أفتح الباب ، لا أجد سوى عتبة فارغة ، ترقد فوقها مجموعة أوراق، أجلس مفكرا : _ هل أنا ضحية هلوسة ؟
            الأكيد أني رأيته ، أرفع رأسي متذكرا، فأجد شخصا يتابعني ، ينظر بفضول إلى كومة الأوراق التي بيدي ألوح بها ، يغلق النافذة ، يستدير لينزل السلم ، يفتح الباب ، لا يعثر إلا على أوراق فوق عتبة باردة.
            قص غامض جميل،تتلبسه روح إدغار ألان..ونهاية كورتاثارية رائعة و مدهشة
            دمت مبدعا، مهووسا بالقص الجميل
            محبتي الخالصة

            تعليق

            • بسباس عبدالرزاق
              أديب وكاتب
              • 01-09-2012
              • 2008

              #7
              قصة رائعة و ما اجمل هذه الدوامة المرهقة التي صورتها بطريقة مبدعة
              لغة رائعة و عذبة، و اسقاطاتها على الواقع لها مدلولات كثيرة، من سياسة و اجتماع و تربية

              رايت هنا الكثير و الكثير

              محبتي و تقديري أستاذي عبدالرحيم التدلاوي
              السؤال مصباح عنيد
              لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

              تعليق

              • إيمان الدرع
                نائب ملتقى القصة
                • 09-02-2010
                • 3576

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
                وضعت الكتاب جانبا و قد أحسست بغمة تطوق روحي، و أسئلة حيرى تتراقص بحثا عن التتمة، الأوراق الأخيرة ممزقة، و كأن يدا عابثة أحدثت الفجوة عنوة، بغرض شحذ الذهن و حثه على المشاركة في إتمام النص، ربما، و ربما لغرض آخر، فيه من التضليل ما فيه..صعدت من أعماقي سحابة سوداء زادتني قلقا، فاتجهت صوب الشرفة ألتمس عزاء، هواء نقيا يجدد دمائي، و يبدد حالة السواد الذي لبستني..رأيته، الرجل الذي شغل الناس و حير فضولهم..كان يجلس على عتبة المنزل المتداعي، صامتا، وجهه كسرته صفرة الجوع و التجوال، فقد كان لا يظهر بشارعنا البئيس إلا لماما، و يغيب لفترة قد تطول و قد تقصر، و لم نكن نعلم اي وجهة يوليها، و الأغرب أن كثيرا من أصدقائي أكدوا لي أنهم شاهدوه في حيهم في الوقت الذي كنا نراه بشارعنا..كان نحيفا، لا بالطويل و لا بالقصير، يرتدي أسمالا، بالكاد تخفي جسده المتعب حد القرف..ينتعل حذاء يسمح لأصابع رجله بالإطلالة على عالمنا القاسي و كأنها تدينه، أو أنها تسخر منه..يجلس جلسة الحكماء، لا يتحدث و لا تبدر منه أية حركة، شاخصا ببصره إلى البعيد، و كأنه يتابع أناسا يعرفهم و يراهم وحده، و تصدر عنه حركات تشي بأنه يودعهم، أو يبادلهم التحية..لم يكن أطفال شارعنا الكريم يؤذونه لا برشق الحجارة و لا برشق الكلام الجارح..فقد كانوا يفزعون إليه ليساعدهم على إنجاز تمارينهم المنزلية، و بخاصة الرياضيات، و كانت الأسر تقدم له طعاما دافئا، كنوع من الاعتراف الضمني بخدماته، لم تكن تخاف على أبنائها منه، إذ لم يرتكب أدنى فعل جارح..فهو دوما ودود، حتى في اللحظات التي يقاطعه فيها أحد مخرجا إياه من تأملاته الطويلة..و الأغرب أن طلاب الجامعة كانوا يطلبون مساعداته، و ما كان يبخل عليهم بها.. كريما كان .لقد تعددت حوله التفسيرات الموضحة لحالته التي هو عليها..
                فمن قائل إن زوجته كانت تغار عليه، خاصة و قد رأت اهتمام تلميذاته به، فقد كن يطرقن بابه طلبا لمساعداته، فكانت تصرفهن بقسوة لم تمنعهن من تكرار المحاولة..أوعزت لها إحدى صديقاتها بطلب مساعدة عرافة، و كذلك كان، بدأت تطعمه أكلا مختلطا بوصفات سحرية قالت إنها كفيلة بإبقائه لها وحدها، غير أن صحته تدهورت بسرعة، و جعلته يهلوس و يأتي بحركات غير محسوبة، و مرة استيقظت فلم تجده بجانبها، بحثت عنه في كل مكان، و استسلمت لليأس و القنوط..
                و من قائل إنه كان معارضا شرسا للنظام ، لا يني ينتقد السياسات المتبعة ، مقالاته النقدية أججت الغضب في نفوس الجهات المعلومة ، فبدأت في الكيد له : بداية ، قامت بتوقيفه ، ثم التضييق عليه في عمله ، و لأنه أستاذ كفؤ ، فقد التف حوله الطلاب ، و شكلوا ذرعه الواقي . وجدت السلطة أمر مواجهته بهذا الشكل لن يكون إلا مجلبة للشهرة له ، و الهم لها ، فقدحت زناد فسقها ، و استشارت شياطين قبحها ، فاهتدت إلى اختطافه و هو خارج من حانة متمايلا ، و قامت بتعذيبه ، الضرب و التعليق و الصعق ، وغطس الرأس في الماء . توقظه في الصباح الباكر ، و في عز البرد ، و تصب عليه الماء البارد ، ثم تخوض معه حرب الاستجواب. لم يذق طعم النوم طيلة فترة الاحتجاج ، إلى أن فقد عقله.
                وجد في صبيحة أحد الأيام ملقى على قارعة الطريق ، و هو في حالة إغماء ، يظهر جسمه الناحف آثار تعذيب..لم تقبله المستشفيات لمعالجته ، فاضطرت إحدى غانيات حي بئيس باستضافته و مقابلته إلى أن شفي.
                و قيل غير ذلك ، و سارت في الحديث عنه مسارات رفعت قصته مقام الأسطورة ، و حولته كائنا عجبا..
                ها هو الأن ، أمامي ، ينظر إلي باسما و في يده بعض أوراق ، يشير لي بالنزول.
                أبتعد عن النافذة ، أستدير لأنزل السلم ، أفتح الباب ، لا أجد سوى عتبة فارغة ، ترقد فوقها مجموعة أوراق، أجلس مفكرا : _ هل أنا ضحية هلوسة ؟
                الأكيد أني رأيته ، أرفع رأسي متذكرا، فأجد شخصا يتابعني ، ينظر بفضول إلى كومة الأوراق التي بيدي ألوح بها ، يغلق النافذة ، يستدير لينزل السلم ، يفتح الباب ، لا يعثر إلا على أوراق فوق عتبة باردة.
                الأديب المبدع: عبد الرحيم التدلاوي
                إنها متاهة الحياة
                تداخل عقارب الزمن..
                الملامح...الوجوه...
                الخطوات الدائرية...
                التي تلحق النهايات بانطلاق البدايات...
                بلا توقف...
                أسلوب سردي ملفت...ولغة رائقة..وقفلة مدهشة
                حياااااااااااك أستاذ عبد الرحيم

                تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                تعليق

                • أم عفاف
                  غرس الله
                  • 08-07-2012
                  • 447

                  #9
                  لغة قويّة جدّا
                  وغموض لذيذ يفتح شهيّة القراءة
                  نعم هي أسرار الكون يحملها أمثال هذا الرّجل النّاقص
                  دائما ثمّة وصايا بأن لا نستهين بقواهم فهم مسنودين بقوى خارقة
                  أعجبتني القصّة كثيرا
                  كلّ التّقدير

                  تعليق

                  • آسيا رحاحليه
                    أديب وكاتب
                    • 08-09-2009
                    • 7182

                    #10
                    رائع هذا النص ..
                    و الغريب أنني كتبت نصا بفكرة مقاربة..

                    و لم أنشره في أي مكان بعد
                    و لم أطلع عليه غير الأستاذ الغالي ربيع عقب الباب..

                    عجيب كيف هذا التخاطر بين أقلام القاصين
                    و كيف يقع الحافر على الحافر

                    أحيّيك و أهنّئك و أشكرك لأنّ هذا النص الرائع ألهمني فكرة نص قصصي أيضا .
                    تحياتي و تقديري و كل الأمنيات بالتوفيق .
                    يظن الناس بي خيرا و إنّي
                    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                    تعليق

                    • فايزشناني
                      عضو الملتقى
                      • 29-09-2010
                      • 4795

                      #11
                      أخي عبد حياك الله

                      في حينا امرأة تشبه بطل قصتك
                      تتمتع بذاكرة رهيبة وتتقن الانكليزية بمهارة
                      حركاتها لا توحي أنها مريضة أو تعاني نقصاً ما
                      انما ملابسها وتسريحة شعرها سرعان ما تشعرك أنها غير طبيعية
                      وهي أيضاً كالبطل هنا لا يلحقها الأولاد ولا يقذفونها بالطوب أو الأشياء القذرة
                      حتى أن الناس يتفاءلون بها وبوجودها معهم لأنها متفوهة بالحكم دائماً

                      أنا وجدتك تتمنى لو كنت مكانه أو أن تتقمص شخصيته
                      وقد لفتني أمر أن أغلب أبطال القصص الذين ينزفون أو يشردون
                      غالباً ما تهتم بهم " غانيات " وتضمد جراحهم وتسهر على راحتهم حتى يماثلوا الشفاء
                      وربما هذا يدلل على أنهن في الهم سواء أو مازالت مشاعرهن الانسانية على قيد الحياة
                      بينما ماتت في الحشد والقطيع الذي يدعي النبل ومكارم الأخلاق
                      كالعادة أتوقف لأقرأ لك نصاً ماتعا وموحيا و محفزاً
                      محبتي وودي
                      هيهات منا الهزيمة
                      قررنا ألا نخاف
                      تعيش وتسلم يا وطني​

                      تعليق

                      • عبدالرحيم التدلاوي
                        أديب وكاتب
                        • 18-09-2010
                        • 8473

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
                        قص غامض جميل،تتلبسه روح إدغار ألان..ونهاية كورتاثارية رائعة و مدهشة
                        دمت مبدعا، مهووسا بالقص الجميل
                        محبتي الخالصة
                        أخي الغالي ، السي حسن لختام
                        أشكرك على كلماتك المنعشة ، و تعليقك الدافئ.
                        بوركت.
                        محبتي

                        تعليق

                        • عبدالرحيم التدلاوي
                          أديب وكاتب
                          • 18-09-2010
                          • 8473

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
                          قصة رائعة و ما اجمل هذه الدوامة المرهقة التي صورتها بطريقة مبدعة
                          لغة رائعة و عذبة، و اسقاطاتها على الواقع لها مدلولات كثيرة، من سياسة و اجتماع و تربية

                          رايت هنا الكثير و الكثير

                          محبتي و تقديري أستاذي عبدالرحيم التدلاوي
                          أخي الرائع ، بسباس عبدالرزاق
                          أشكرك على بهاء تعليقك و رونق كلماتك ، و صادق إشادتك.
                          بوركت.
                          مودتي

                          تعليق

                          • عبدالرحيم التدلاوي
                            أديب وكاتب
                            • 18-09-2010
                            • 8473

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                            الأديب المبدع: عبد الرحيم التدلاوي
                            إنها متاهة الحياة
                            تداخل عقارب الزمن..
                            الملامح...الوجوه...
                            الخطوات الدائرية...
                            التي تلحق النهايات بانطلاق البدايات...
                            بلا توقف...
                            أسلوب سردي ملفت...ولغة رائقة..وقفلة مدهشة
                            حياااااااااااك أستاذ عبد الرحيم
                            الرائعة ، إيمان الدرع
                            بكل صدق ، أعبر لك عن فرحتي و أنا أجد توقيعك العميق على نصي المتواضع.
                            شكرا لك.
                            قراءتك المتنورة إضافة و إغناء.
                            مودتي

                            تعليق

                            • عبدالرحيم التدلاوي
                              أديب وكاتب
                              • 18-09-2010
                              • 8473

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة أم عفاف مشاهدة المشاركة
                              لغة قويّة جدّا
                              وغموض لذيذ يفتح شهيّة القراءة
                              نعم هي أسرار الكون يحملها أمثال هذا الرّجل النّاقص
                              دائما ثمّة وصايا بأن لا نستهين بقواهم فهم مسنودين بقوى خارقة
                              أعجبتني القصّة كثيرا
                              كلّ التّقدير
                              مبدعتنا الرائعة ، أم عفاف
                              أشكرك على تعليقك الحصيف ، و تفاعلك المثمر.
                              لمستك القرائية العميقة أسعدتني.
                              بوركت.
                              مودتي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X