إحساس ماطر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بسباس عبدالرزاق
    أديب وكاتب
    • 01-09-2012
    • 2008

    إحساس ماطر

    -أنا امرأة؛ صافحتُك ذات نص، و أهدتيك روحك في غفلة منك.
    -و هل كنت تائها حينها؟
    -ربما، فقد كنت تبحث عني.
    -لا أذكر أنني كنت أفتش عنك أو قابلتك أصلا؟
    -سنسأل الولد الذي بداخل قصتك، ربما ما يزال مشاغبا.

    عندما كتبت قصتي -حين عودة روحي-، كان أول ما فعلته هو ترصد ذاك الطفل، قد يكون بداخلي فضول و شوق أن أكرر المشهد، و قد يكون اعتقاد بوجودها. بحثت عن زاوية تطل على موقف الحافلات، اخترت المشهد بعناية فهو أمر بغاية الأهمية. لم يغب عن ذهني أمر الطاولة لأستطيع هندسة حب طاريء مشابه لنزول المطر.

    و لكن كيف أعرفها من دون باقي النساء؟، علقت بذهني امرأة تواجه المطر بعذوبتها بلا مظلة، فلتكن كذلك امرأة بدون مظلة.

    دائما ما يداهمني الحب شاردا، و أنا غير مستعد للنار، لذلك أحترق و أغدو وقوده فينتهي بي المطاف إما كارها لتلك المرأة أو منبوذا، لا لشيء فقط لأنني لا أحب الإنزلاق، و غالبية من عرفتهن كن مسطحات.

    في غمرة تلك الأفكار كان هناك طفل يشبهه تماما و ربما هو أنا في جسد آخر، يشاغب المطر، يراقص الرصيف و يوزع طيشه على العابرين. لم أتمالك نفسي و قذفت بهذا الهيكل المتداعي باتجاهه؛ لأنال نصيبي من التبلل، قد يكون النص أغراني بسراب امرأة مطرية، تلهب حلقي. ياه كم يشبهه.. حتى ثيابه و فطنته، و بطولاته في مقاتلة المطر، لا.. لم يكن يحارب بقدر ما كان يهندس حفلة مبللة بأطفال البحر.

    جذب انتباهي قرع نعالها، تمشي في قلب المطر، لم تكن تتخير في طريقها المسالك التي تخلو من بقع الماء، أبدا.. بل عفوية مطلقة في سيرها مثل الريح عندما تداعب السنابل، وصلت أمامنا و علَّقَتْني على معابد الأحلام؛ بابتسامة ألهبت جبيني المبلل. خلفي تماما اتخذت عمود الموقف الرمادي مكانا لها، ثم مازحت الطفل:

    -يبدو أنك مشاغب لا يحمل مظلة. غدا تعال إلى هنا و سأهديك قصة جميلة.

    قلت لنفسي: لألفت انتباهها بمزاح على قياس كلامها.

    -و أنا؛ أيمكن أن تهديني قصة مشابهة؟.
    -أنت؟

    -آسف إن كنت متطفلا.
    -لا يمكن أن أهديك ما تريد.
    -لِمَ ذلك؟
    -أيمكنني أن أهديك قصتك؟.
    -قصتي!
    -نعم، أنت كاتبها؛ قرأت نصوصك في النت.
    -نعم..نعم.
    توقفت الحافلة أمامنا و سارعت نحوها و اختفت بداخلها، و هي تقول: قد أكون جائزة نزلت مع طيش سحابة تائهة. غدا سنعرف ذلك.

    كررت المشهد مرة أخرى، و لكن هذه المرة أردته عفويا، جلست عند أول طاولة قابلتني بالمقهى، طلبت قهوتي المعتادة، داكنة و ثقيلة، و أقصى اللذة التي يمكنك أن تنالها من القهوة هو طعمها الذي يقف على حافة المرارة، تحس بالكافيين و هو يتسرب في خلايا عقلك، تلسعك مثل نسيم هذا الصباح الربيعي، الذي يمرر كفه على بشرتك الدافئة، فتتملكك قشعريرة هي نشوة حب أكبر منها رد بيولوجي للبرودة، كذلك ذوقها يشبه امرأة غامضة، فتجعلك تضبط ساعتك البيولوجية على حواسها و عينيها.

    -إلى أي حد يمكنك أن تصبح طائشا.


    قالت كلمتها و هي تجلس قبالتي وسط فضول من الجالسين في المقهى.

    -تدركين جيدا أن المقاهي عندنا محرمة على النساء.
    -نعم، و لكن أريد أن أعرف إلى أي حد أنت مستعد للذهاب في قصتك.
    -و ما شأن الأدب.

    -هل أنت مستعد أن تستعيد روحك و نفسك؛ لتغادر هذه العلبة التي تسمونها جسد. ثم أليس الأدب طيش و جنون.
    -الأدب طيش؟.

    -ألست من جعلني أمسك يدك، أليس هذا طيش؟. أليس خيال –البوابة- جنون؟.

    -أنا جعلتك تمسكين يدي؟
    -عندما كنت تنتظر هديتك.ألن تطلب لي قهوة لنواصل الحديث بجنون أكبر.

    امرأة مثلها تقبل الفنجان و كأنها تنهش شفاه رجل؛ جعلني مستعدا للسفر في داخلها، خلاف غيرها لم تكن تبحث عن تفاصيل أنوثتها، داخل مغامراتي الأدبية، و كنت رجلا يبحث عن ظل يلبسه، يصطحبه داخل مغارة الشعر ليشعل به مركز العتمة.

    -و لكن لا أذكر أنك لمست يدي.

    مدت يدها و مررتها على يدي، نفس اللذة عندما أنهيت ذاك النص، هي نفسها لا محالة.


    -ألست من جعلتك تستعيد روحك أثناء مغامرتك تلك.


    كم يلزمني من الأدب و الشعر لأستطيع إلباسها أنوثتها، هي التي تدرك حاجتي للنار قدر اكتفائي من الألم. هي التي تقف على حافة نصي تمسك بمضغة نابضة.
    كيف استطاعت أن تتسلل عبر الكلمات نحو قدري، من أنا لأوقف تمشيطها ليدي و هي تمسكني من حلقي. زجاجة عطرها مملوءة بالنار، و أنا روح قابلة للإحتراق.

    -متى سأراك ثانية؟
    -عندما تكتب قصة أخرى.
    التعديل الأخير تم بواسطة بسباس عبدالرزاق; الساعة 12-03-2014, 18:26.
    السؤال مصباح عنيد
    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    #2
    أصفق لهذا النص البهي : تخييلا و لغة و سردا.
    مودتي

    تعليق

    • أحمدخيرى
      الكوستر
      • 24-05-2012
      • 794

      #3
      يا الله عليك يا عبد الرزاق "
      نص مدهش .. نص للشهرة حقا..
      قصتين داخل قصة وحتى تجد الثانية عليك ان تعيش الاولى ..
      فتكون احد الشخوص وانت المتلقى .
      اعجبتنى الحالة والفكرة .. والتناول .. والقلم وكل ما فيها .

      تحياتى لك إيها المبدع
      التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 12-03-2014, 19:09.
      https://www.facebook.com/TheCoster

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
        أصفق لهذا النص البهي : تخييلا و لغة و سردا.
        مودتي
        شرفني كثيرا حضورك و تصفيقك وصل آذاني و كم أطربني استاذي

        محبتي و تقديري أستاذ عبدالرحيم
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • أم عفاف
          غرس الله
          • 08-07-2012
          • 447

          #5
          فعلا نصّ خارق في لغة طيّعة وجميلة
          تحتاج الكتابة إلى بعض الجنون أو لنقل الكثير من الجنون
          تقديري الكبير لجملتك أخي بسباس

          تعليق

          • اياد الخطيب
            أديب وكاتب
            • 27-02-2014
            • 52

            #6
            ليس القلم ولم تكن الفكرة فالرحم الذي أنجب هذه القصّة هو فنجان القهوة
            أغبطك على هذه اللغة الرشيقة اياد الخطيب

            تعليق

            • بسباس عبدالرزاق
              أديب وكاتب
              • 01-09-2012
              • 2008

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة أحمدخيرى مشاهدة المشاركة
              يا الله عليك يا عبد الرزاق "
              نص مدهش .. نص للشهرة حقا..
              قصتين داخل قصة وحتى تجد الثانية عليك ان تعيش الاولى ..
              فتكون احد الشخوص وانت المتلقى .
              اعجبتنى الحالة والفكرة .. والتناول .. والقلم وكل ما فيها .

              تحياتى لك إيها المبدع
              أستاذي أحمد خيري
              عندما نكتب قصة
              و ننشرها بين أيدي المتلقي
              نبقى في حالة طفولية بحتة، ننتظر رأي القاريء
              لا ننتظر المدح حتما و أنت توافقني على ذلك
              بل ننتظر من المتلقي حضورا داخل النص
              هي محاولة تشكيل امرأة أدبية تخرج من قصة فتبني لك قصة ثانية
              فتصبح مستعدا لخوض غمار مغامرة أدبية.

              سرتني قرائتك الجميلة و هذا أقصى ما يمكنني أن أطلبه من المتلقي

              محبتي أيها الرائع
              السؤال مصباح عنيد
              لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

              تعليق

              • فايزشناني
                عضو الملتقى
                • 29-09-2010
                • 4795

                #8
                لا يكتب هكذا نص إلا كاتب محترف وقدير
                أخي بسباس
                جذبتني كلماتك من اللحظة الأولى حتى الخاتمة المدهشة
                وطريقة جميلة ما عهدتها إلا في سيناريوهات أفلام عالمية حصدت جوائر عديدة
                أرشح نصك للذهبية وبكل جدارة
                مع كل الحب والود
                هيهات منا الهزيمة
                قررنا ألا نخاف
                تعيش وتسلم يا وطني​

                تعليق

                • بسباس عبدالرزاق
                  أديب وكاتب
                  • 01-09-2012
                  • 2008

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة أم عفاف مشاهدة المشاركة
                  فعلا نصّ خارق في لغة طيّعة وجميلة
                  تحتاج الكتابة إلى بعض الجنون أو لنقل الكثير من الجنون
                  تقديري الكبير لجملتك أخي بسباس
                  للجنون طعم الكتابة و للكتابة صنعة الجنون
                  سرني أن النص نال استحسانك فاضلتي
                  استاذة أم عفاف كامل تقديري و احتراماتي
                  السؤال مصباح عنيد
                  لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                  تعليق

                  • بسباس عبدالرزاق
                    أديب وكاتب
                    • 01-09-2012
                    • 2008

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة اياد الخطيب مشاهدة المشاركة
                    ليس القلم ولم تكن الفكرة فالرحم الذي أنجب هذه القصّة هو فنجان القهوة
                    أغبطك على هذه اللغة الرشيقة اياد الخطيب
                    استاذ إياد الخطيب

                    اشكر لك تشجيعك و قرائتك

                    تقديري ايها البهي
                    السؤال مصباح عنيد
                    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                    تعليق

                    • بسباس عبدالرزاق
                      أديب وكاتب
                      • 01-09-2012
                      • 2008

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة فايزشناني مشاهدة المشاركة
                      لا يكتب هكذا نص إلا كاتب محترف وقدير
                      أخي بسباس
                      جذبتني كلماتك من اللحظة الأولى حتى الخاتمة المدهشة
                      وطريقة جميلة ما عهدتها إلا في سيناريوهات أفلام عالمية حصدت جوائر عديدة
                      أرشح نصك للذهبية وبكل جدارة
                      مع كل الحب والود
                      الأستاذ فايز شناني

                      هي محاولة مثل سابقاتها، حاولت فيها أن أكتب شيئا لم أكتبه من قبل. و حقيقة تخامرني فكرة تحويلها لرواية، فالعمل أراه مجتزءا نوعا ما و ربما قلبه أسئلة كثيرة و بعده أكثر من اسئلة

                      مجرد احتفائك بنصي هو شهادة أعتز بها

                      محبتي صديقي الجميل
                      السؤال مصباح عنيد
                      لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                      تعليق

                      • حسن لختام
                        أديب وكاتب
                        • 26-08-2011
                        • 2603

                        #12
                        قص شيّق وممتع.. هكذا تكون الكتابة الأدبية.. تتأرجح بين الحلم ، والذاكرة، والرغبة في الانفصال عن الواقع، وتمنح للقارىء لذّة ومتعة ونشوة، وهذا الإمتاع والعمق هو إحدى رهانات الكتابة التخيلية . راقت لي لغة النص الشعرية المكثفة..استمتعت هنا، شكرا لك
                        مودتي وكل التقدير، أخي العزيز بسباس عبد الرزاق

                        تعليق

                        • بسباس عبدالرزاق
                          أديب وكاتب
                          • 01-09-2012
                          • 2008

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
                          قص شيّق وممتع.. هكذا تكون الكتابة الأدبية.. تتأرجح بين الحلم ، والذاكرة، والرغبة في الانفصال عن الواقع، وتمنح للقارىء لذّة ومتعة ونشوة، وهذا الإمتاع والعمق هو إحدى رهانات الكتابة التخيلية . راقت لي لغة النص الشعرية المكثفة..استمتعت هنا، شكرا لك
                          مودتي وكل التقدير، أخي العزيز بسباس عبد الرزاق
                          أخي حسن لختام

                          هو ذاك مقصدي من كتابة النص
                          لم يكن الحب هو ما استثار مشاعري لكتابة نص،
                          بقدر ما كان تحليقا نحو فضاء آخر داخل الكتابة ذاتها و تبنيها حلما و واقعا

                          أسعدني جدا حضورك و رؤاك

                          محبتي أخي الفاضل حسن
                          السؤال مصباح عنيد
                          لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                          تعليق

                          • بسباس عبدالرزاق
                            أديب وكاتب
                            • 01-09-2012
                            • 2008

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
                            قص شيّق وممتع.. هكذا تكون الكتابة الأدبية.. تتأرجح بين الحلم ، والذاكرة، والرغبة في الانفصال عن الواقع، وتمنح للقارىء لذّة ومتعة ونشوة، وهذا الإمتاع والعمق هو إحدى رهانات الكتابة التخيلية . راقت لي لغة النص الشعرية المكثفة..استمتعت هنا، شكرا لك
                            مودتي وكل التقدير، أخي العزيز بسباس عبد الرزاق
                            أخي حسن لختام

                            هو ذاك مقصدي من كتابة النص
                            لم يكن الحب هو ما استثار مشاعري لكتابة نص،
                            بقدر ما كان تحليقا نحو فضاء آخر داخل الكتابة ذاتها و تبنيها حلما و واقعا

                            أسعدني جدا حضورك و رؤاك

                            محبتي أخي الفاضل حسن
                            السؤال مصباح عنيد
                            لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                            تعليق

                            • محمد الشرادي
                              أديب وكاتب
                              • 24-04-2013
                              • 651

                              #15
                              أهلا أخي عبد الرزاق
                              مرور أول لأعبر عن دهشتي لماذا لم يرفع هذال النص إلى الأعلى؟
                              إنه من المعلقات و يستحق أن يكتب بمداد الأدب الرفيع و يبقى معلقا لمدة طويلة يمتع القراء.
                              قد أعود إليه ثانية أخي عبد الرزاق.
                              دام الألق لقلمك الجميل.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X