0 أطفال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فراس عبد الحسين
    أديب وكاتب
    • 18-08-2013
    • 180

    0 أطفال

    0 أطفال
    بقيت لوحدي في صالة الانتظار الكبيرة البيضاء الواسعة, اتخذت مكاني على أحد الكراسي الحديدية وشاركت الجالسين الترقب والصمت المطبق, أحدى عيناي على الباب الواسعة المغلقة, يجلس امامها رجل الاستعلامات بعيونه الجاحظة, والاخرى على الساعة الجدارية بوجهها العبوس, التي بدت حركة عقاربها أبطئ من خطوات رجلاً هرم.
    مر الوقت ثقيلاً كصخرة تطبق على الانفاس, عادت لذهني ساعات الانتظار المريرة قبل نجاح العملية, قلق وخوف طوال شهور كنا نعد ساعات أسابيعها أثناء فترة الحمل الطويلة العسيرة.
    افكار غريبة تسبح في رأسي تتراقص امام عيني بدأت تتناسل لتخلق صور مرعبة, قطة سوداء بعيون حمراء واسعة, أفعى رقطاء بأنياب بارزة, كلاب مسعورة تولد من الحائط الابيض تثب على الكراسي تركض نحوي لاهثة تقفز فوقي تفتح فاهها الاوسع من راسي تكاد تنهشني ثم تختفي.
    اختفت عقارب الساعة, تلاشى الزمان واحسست بفقدان المكان, دخل غراب أسود لداخل الصالة, أثناء فترة جلوسي الطويلة, تحولت انظار جميع الجالسين اليه, دار دورتين قريباً من السقف, ضربته مروحة السقف السريعة وحولته لأشلاء من الريش والدم ونثرته على الجالسين.
    عمت الفوضى المكان بعد أن هرع عمال التنظيف لغسله, أختلط الدم الاحمر بأرضية الصالة السوداء وانتج شكلاً مقززاً مرعب, لون الدم ورائحته تصيبني باختناق وحاله من هذيان الخوف واللاوعي, تراءت لي كل صور الاشلاء المقطعة, تراب, دخان, وحش أحمر نهم يلتهم الناس والحجارة, طرقت سمعي كل صرخات الألم وكأنها حدثت للتو منذ انفجار بغداد الذي حصل أمام عيني قبل سنوات مضت.
    موظف الاستعلامات ينادي باسم أحد الجالسين ينهض بسرعة متلهفاً قلق المنظر يتحدث معه قليلاً, قبل أن يعود مقطب مطأطأ رأسه يلفه الحزن وتغسل وجهه الدموع, ثم يشرع بنحيب مرير يقطع الاوصال مثل بكاء ثكلى فقدت ولدها الشاب للتو, وهو يصرخ بحشرجة ماتت, ماتت, ماتت.
    كأننا في قاعة نترقب الأجل المحتوم بأحكام الاعدام, أدعوا احياناً لكي يمر الوقت بسرعة وينتهي عذاب الترقب والانتظار, اتمناه لمرات ان يتوقف تماماً لخوفي من القادم المجهول.
    أصبح الوضع لا يطاق وما عاد يحتمل, وصلت لمرحلة الانهيار, لولا وصية والدي الذي اخبرني بيوم منذ ايام الطفولة ان أكون دائماً أقوى وأقسى وأصلب من قسوة الأيام, انقذتني وصيته مرات عديدة كلما مررت بظرف عصيب في هذه الحياة.
    حاولت التهرب من الموقف, عندما شعرت بحاجتي الكبيرة لدخان سيجارة, خرجت للحديقة أشجار سرو عالية تغطيها العصافير بزقزقتها الساحرة, وهي تتفيأ من اشعة الشمس الساطعة, ربما هو هدوء البحر الذي يسبق العاصفة..! أثارت انتباهي الطبيعة حينها, تبقى كما هي دائماً, بعيدة عن مشاعرنا لم تكترث لخوفنا وأحزاننا نحن البشر.
    خرجت لبوابة المستشفى الخارجية, واقفاً على رصيف الشارع بجسدي فقط بلا وعي وأدراك لكل ما بالوجود, لحين أن قطع شرودي صوتٌ قريب, رجلاً يتجاوز عمره الستين بملابس رثة, يحمل عصا غليظة بيده اليمنى, وتغطي عيناه نظارات بعدسات مقعرة كبيرة.
    - اراك تحمل هموم الدنيا على رأسك الصغير, أبسط يدك عساي أرى ما يسعدك ويفرحك... ففعلت.
    - أنت تائه داخل نفق مظلم طويل منذ سنوات, نقطة ضوء بعيدةٌ جداً في نهايته, تتجه نحوها بحذر ربما ستصل قريباً, لكن احذر أشعة الشمس الساطعة بعد طول الظلام قد تصيبك بالعمى وتفقد كل شيء.... ابتسمت بوجهه ودخلت.
    خرجت عائلة ضاحكة مبتسمة من باب المستشفى قبل دخولي, لازالت نفس الوجوه ازدادت شحوب وصفرة معصورة كأنها خالية من الحياة, بعد الترقب المضني وطول الانتظار على مقاعد الصالة.
    جلست مكوراً على نفسي لبعض دقائق, خرجت ممرضة من الباب الواسعة خلف مكتب موظف الاستعلامات مرتبكة, حدثته على عجل ودخلت قبل أن ينادى باسمي الثلاثي, صدح صوته يرن بعقلي وكأنه صوت لعيار ناري قرب أذني أو داخل رأسي,
    - اذهب للغرفة رقم 8 , أخبرني ذلك فقط بصوته الأجش ونظرته الغريبة التي لم استطع تفسيرها, سرت في رواق طويل يبدو بلا نهاية, اقتربت ساعة الخوف مما قد تخفي غرفة رقم 8 خلف أبوابها من أسرار وأخبار.
    فتحت باب الغرفة بهدوء, كانت مستلقية على سرير صغير جداً بجانب امها, ما أن جلستُ بقربها حتى سمعت صرختها الاولى في الحياة......
    بوجودك يا حبيبتي لن يكتبوا بعد اليوم على باب دارنا ومن دون أبواب الحي بحملات التلقيح 0 أطفال كما كانوا يفعلون منذ سنواتٌ عديدةً مضت..
    فراس العراقي
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    تشوقت وأنا أعيش مع بطلك لحظات الانتظار ..
    وما اصعبها قبل معرفة النتيجة الحاسمة،
    على مقاعد الانتظار بالمستشفى..

    جميلة مراوغتك هنا,.,,

    تحيتي واحترامي وتقديري.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • أحمدخيرى
      الكوستر
      • 24-05-2012
      • 794

      #3
      سردية ممتعة ، وحوارية رائعة جسدت مآساة هذا الاب فى فلذته ..
      السرد كان متماسك والحوار اضاف اليه .. والخاتمة كذلك كانت جميلة جدا " وضحت لى معنى العنوان المبهم " صفر اطفال "
      اخى " فراس " استمتع حقا بـ القراءة لك

      تحياتى
      التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 14-03-2014, 22:31.
      https://www.facebook.com/TheCoster

      تعليق

      • فراس عبد الحسين
        أديب وكاتب
        • 18-08-2013
        • 180

        #4
        اﻻديبة المبدعة ريمة ريماوي.. سعيد جدا لقراءتك وسعادتي اكثر ﻻعجابك.... كوني بخير سيدتي.
        التعديل الأخير تم بواسطة فراس عبد الحسين; الساعة 22-05-2014, 14:10.
        فراس العراقي

        تعليق

        • فراس عبد الحسين
          أديب وكاتب
          • 18-08-2013
          • 180

          #5
          اﻻستاذ اﻻديب احمد خيري ابن مصر الحبيبة ..مصر الثقافة.. ماذكرت من كلمات فخر كبير لي اعتز به ...سعيد ﻻعجابك سيدي..
          فراس العراقي

          تعليق

          • أم عفاف
            غرس الله
            • 08-07-2012
            • 447

            #6
            سرد جميل ومشوق
            قصّة ناطقة باللّوعة
            أعجبتني مراوغتك القارئ بالنهاية

            تعليق

            • محمود عودة
              أديب وكاتب
              • 04-12-2013
              • 398

              #7
              راقني النص كثيرا ، ابداع وتألق بلغة كاتب متمكن وتألقت في الخاتمة الرائعة والمفتوحة
              مودتي

              تعليق

              • فراس عبد الحسين
                أديب وكاتب
                • 18-08-2013
                • 180

                #8
                اﻻديبة ام عفاف... سعيد جدا باعجابك سيدتي وبكلماتك اﻻروع...كوني بخير يا ام اﻻبداع.
                فراس العراقي

                تعليق

                • فراس عبد الحسين
                  أديب وكاتب
                  • 18-08-2013
                  • 180

                  #9
                  اﻻديب محمود عودة.. هي قصة اعتقد اكثر من نصفها احداث حقيقية عشتها بدقائقها العسيرة، ، والبقية من خيال الكاتب...سعيد جدا بقراءتك واسعد بكلماتك....كن بخير سيدي
                  فراس العراقي

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #10
                    جميلة فراس جدا
                    الزميل القدير
                    فراس عبد الحسين
                    كم أحببت هذا النص
                    نص بالرغم من الموت جاء مفعما بالأمل والحياة
                    ربما عليك أن تراجع بعض الهنات وأعتذر منك لأني لم أفعل فالنت بطيء جدا ومضى على وجودي أكثر من ساعتين ولم أقرأ سوى ثلاث نصوص فقط وتحميل الصفحة يأخذ وقتا مملا جدا وكأني أنتظر دهرا.
                    تركت لك النجوم بعدي كي تذكرك أنك بدأت تبدع وتمسك بزمام النصوص
                    وللذهبية فورأ أرشحها
                    محبتي وشتائل جوري
                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • فراس عبد الحسين
                      أديب وكاتب
                      • 18-08-2013
                      • 180

                      #11
                      الاديبة المبدعة العزيزة عائدة محمد نادر
                      كنت بانتظارك.. بانتظار كلماتك وارائك السديدة التي تبين الهفوات والهنات هنا وهناك, الخالية من مجاملات الهادفة لتقويم السرد مثل انتظار تلميذ لرأي استاذه ..صادرة من قلم أعتز به جداً, ونفعتني توجيهاته كثيراً, ومتابعتك لي منذ دخولي للملتقى الرائع... ومعك نفوز بالذهبية اكيد ...سلمتِ لي عزيزة غالية, فراشة الرافدين بالألوان الجميلة الزاهية...
                      فراس العراقي

                      تعليق

                      يعمل...
                      X