0 أطفال
بقيت لوحدي في صالة الانتظار الكبيرة البيضاء الواسعة, اتخذت مكاني على أحد الكراسي الحديدية وشاركت الجالسين الترقب والصمت المطبق, أحدى عيناي على الباب الواسعة المغلقة, يجلس امامها رجل الاستعلامات بعيونه الجاحظة, والاخرى على الساعة الجدارية بوجهها العبوس, التي بدت حركة عقاربها أبطئ من خطوات رجلاً هرم.
مر الوقت ثقيلاً كصخرة تطبق على الانفاس, عادت لذهني ساعات الانتظار المريرة قبل نجاح العملية, قلق وخوف طوال شهور كنا نعد ساعات أسابيعها أثناء فترة الحمل الطويلة العسيرة.
افكار غريبة تسبح في رأسي تتراقص امام عيني بدأت تتناسل لتخلق صور مرعبة, قطة سوداء بعيون حمراء واسعة, أفعى رقطاء بأنياب بارزة, كلاب مسعورة تولد من الحائط الابيض تثب على الكراسي تركض نحوي لاهثة تقفز فوقي تفتح فاهها الاوسع من راسي تكاد تنهشني ثم تختفي.
اختفت عقارب الساعة, تلاشى الزمان واحسست بفقدان المكان, دخل غراب أسود لداخل الصالة, أثناء فترة جلوسي الطويلة, تحولت انظار جميع الجالسين اليه, دار دورتين قريباً من السقف, ضربته مروحة السقف السريعة وحولته لأشلاء من الريش والدم ونثرته على الجالسين.
عمت الفوضى المكان بعد أن هرع عمال التنظيف لغسله, أختلط الدم الاحمر بأرضية الصالة السوداء وانتج شكلاً مقززاً مرعب, لون الدم ورائحته تصيبني باختناق وحاله من هذيان الخوف واللاوعي, تراءت لي كل صور الاشلاء المقطعة, تراب, دخان, وحش أحمر نهم يلتهم الناس والحجارة, طرقت سمعي كل صرخات الألم وكأنها حدثت للتو منذ انفجار بغداد الذي حصل أمام عيني قبل سنوات مضت.
موظف الاستعلامات ينادي باسم أحد الجالسين ينهض بسرعة متلهفاً قلق المنظر يتحدث معه قليلاً, قبل أن يعود مقطب مطأطأ رأسه يلفه الحزن وتغسل وجهه الدموع, ثم يشرع بنحيب مرير يقطع الاوصال مثل بكاء ثكلى فقدت ولدها الشاب للتو, وهو يصرخ بحشرجة ماتت, ماتت, ماتت.
كأننا في قاعة نترقب الأجل المحتوم بأحكام الاعدام, أدعوا احياناً لكي يمر الوقت بسرعة وينتهي عذاب الترقب والانتظار, اتمناه لمرات ان يتوقف تماماً لخوفي من القادم المجهول.
أصبح الوضع لا يطاق وما عاد يحتمل, وصلت لمرحلة الانهيار, لولا وصية والدي الذي اخبرني بيوم منذ ايام الطفولة ان أكون دائماً أقوى وأقسى وأصلب من قسوة الأيام, انقذتني وصيته مرات عديدة كلما مررت بظرف عصيب في هذه الحياة.
حاولت التهرب من الموقف, عندما شعرت بحاجتي الكبيرة لدخان سيجارة, خرجت للحديقة أشجار سرو عالية تغطيها العصافير بزقزقتها الساحرة, وهي تتفيأ من اشعة الشمس الساطعة, ربما هو هدوء البحر الذي يسبق العاصفة..! أثارت انتباهي الطبيعة حينها, تبقى كما هي دائماً, بعيدة عن مشاعرنا لم تكترث لخوفنا وأحزاننا نحن البشر.
خرجت لبوابة المستشفى الخارجية, واقفاً على رصيف الشارع بجسدي فقط بلا وعي وأدراك لكل ما بالوجود, لحين أن قطع شرودي صوتٌ قريب, رجلاً يتجاوز عمره الستين بملابس رثة, يحمل عصا غليظة بيده اليمنى, وتغطي عيناه نظارات بعدسات مقعرة كبيرة.
- اراك تحمل هموم الدنيا على رأسك الصغير, أبسط يدك عساي أرى ما يسعدك ويفرحك... ففعلت.
- أنت تائه داخل نفق مظلم طويل منذ سنوات, نقطة ضوء بعيدةٌ جداً في نهايته, تتجه نحوها بحذر ربما ستصل قريباً, لكن احذر أشعة الشمس الساطعة بعد طول الظلام قد تصيبك بالعمى وتفقد كل شيء.... ابتسمت بوجهه ودخلت.
خرجت عائلة ضاحكة مبتسمة من باب المستشفى قبل دخولي, لازالت نفس الوجوه ازدادت شحوب وصفرة معصورة كأنها خالية من الحياة, بعد الترقب المضني وطول الانتظار على مقاعد الصالة.
جلست مكوراً على نفسي لبعض دقائق, خرجت ممرضة من الباب الواسعة خلف مكتب موظف الاستعلامات مرتبكة, حدثته على عجل ودخلت قبل أن ينادى باسمي الثلاثي, صدح صوته يرن بعقلي وكأنه صوت لعيار ناري قرب أذني أو داخل رأسي,
- اذهب للغرفة رقم 8 , أخبرني ذلك فقط بصوته الأجش ونظرته الغريبة التي لم استطع تفسيرها, سرت في رواق طويل يبدو بلا نهاية, اقتربت ساعة الخوف مما قد تخفي غرفة رقم 8 خلف أبوابها من أسرار وأخبار.
فتحت باب الغرفة بهدوء, كانت مستلقية على سرير صغير جداً بجانب امها, ما أن جلستُ بقربها حتى سمعت صرختها الاولى في الحياة......
بوجودك يا حبيبتي لن يكتبوا بعد اليوم على باب دارنا ومن دون أبواب الحي بحملات التلقيح 0 أطفال كما كانوا يفعلون منذ سنواتٌ عديدةً مضت..
بقيت لوحدي في صالة الانتظار الكبيرة البيضاء الواسعة, اتخذت مكاني على أحد الكراسي الحديدية وشاركت الجالسين الترقب والصمت المطبق, أحدى عيناي على الباب الواسعة المغلقة, يجلس امامها رجل الاستعلامات بعيونه الجاحظة, والاخرى على الساعة الجدارية بوجهها العبوس, التي بدت حركة عقاربها أبطئ من خطوات رجلاً هرم.
مر الوقت ثقيلاً كصخرة تطبق على الانفاس, عادت لذهني ساعات الانتظار المريرة قبل نجاح العملية, قلق وخوف طوال شهور كنا نعد ساعات أسابيعها أثناء فترة الحمل الطويلة العسيرة.
افكار غريبة تسبح في رأسي تتراقص امام عيني بدأت تتناسل لتخلق صور مرعبة, قطة سوداء بعيون حمراء واسعة, أفعى رقطاء بأنياب بارزة, كلاب مسعورة تولد من الحائط الابيض تثب على الكراسي تركض نحوي لاهثة تقفز فوقي تفتح فاهها الاوسع من راسي تكاد تنهشني ثم تختفي.
اختفت عقارب الساعة, تلاشى الزمان واحسست بفقدان المكان, دخل غراب أسود لداخل الصالة, أثناء فترة جلوسي الطويلة, تحولت انظار جميع الجالسين اليه, دار دورتين قريباً من السقف, ضربته مروحة السقف السريعة وحولته لأشلاء من الريش والدم ونثرته على الجالسين.
عمت الفوضى المكان بعد أن هرع عمال التنظيف لغسله, أختلط الدم الاحمر بأرضية الصالة السوداء وانتج شكلاً مقززاً مرعب, لون الدم ورائحته تصيبني باختناق وحاله من هذيان الخوف واللاوعي, تراءت لي كل صور الاشلاء المقطعة, تراب, دخان, وحش أحمر نهم يلتهم الناس والحجارة, طرقت سمعي كل صرخات الألم وكأنها حدثت للتو منذ انفجار بغداد الذي حصل أمام عيني قبل سنوات مضت.
موظف الاستعلامات ينادي باسم أحد الجالسين ينهض بسرعة متلهفاً قلق المنظر يتحدث معه قليلاً, قبل أن يعود مقطب مطأطأ رأسه يلفه الحزن وتغسل وجهه الدموع, ثم يشرع بنحيب مرير يقطع الاوصال مثل بكاء ثكلى فقدت ولدها الشاب للتو, وهو يصرخ بحشرجة ماتت, ماتت, ماتت.
كأننا في قاعة نترقب الأجل المحتوم بأحكام الاعدام, أدعوا احياناً لكي يمر الوقت بسرعة وينتهي عذاب الترقب والانتظار, اتمناه لمرات ان يتوقف تماماً لخوفي من القادم المجهول.
أصبح الوضع لا يطاق وما عاد يحتمل, وصلت لمرحلة الانهيار, لولا وصية والدي الذي اخبرني بيوم منذ ايام الطفولة ان أكون دائماً أقوى وأقسى وأصلب من قسوة الأيام, انقذتني وصيته مرات عديدة كلما مررت بظرف عصيب في هذه الحياة.
حاولت التهرب من الموقف, عندما شعرت بحاجتي الكبيرة لدخان سيجارة, خرجت للحديقة أشجار سرو عالية تغطيها العصافير بزقزقتها الساحرة, وهي تتفيأ من اشعة الشمس الساطعة, ربما هو هدوء البحر الذي يسبق العاصفة..! أثارت انتباهي الطبيعة حينها, تبقى كما هي دائماً, بعيدة عن مشاعرنا لم تكترث لخوفنا وأحزاننا نحن البشر.
خرجت لبوابة المستشفى الخارجية, واقفاً على رصيف الشارع بجسدي فقط بلا وعي وأدراك لكل ما بالوجود, لحين أن قطع شرودي صوتٌ قريب, رجلاً يتجاوز عمره الستين بملابس رثة, يحمل عصا غليظة بيده اليمنى, وتغطي عيناه نظارات بعدسات مقعرة كبيرة.
- اراك تحمل هموم الدنيا على رأسك الصغير, أبسط يدك عساي أرى ما يسعدك ويفرحك... ففعلت.
- أنت تائه داخل نفق مظلم طويل منذ سنوات, نقطة ضوء بعيدةٌ جداً في نهايته, تتجه نحوها بحذر ربما ستصل قريباً, لكن احذر أشعة الشمس الساطعة بعد طول الظلام قد تصيبك بالعمى وتفقد كل شيء.... ابتسمت بوجهه ودخلت.
خرجت عائلة ضاحكة مبتسمة من باب المستشفى قبل دخولي, لازالت نفس الوجوه ازدادت شحوب وصفرة معصورة كأنها خالية من الحياة, بعد الترقب المضني وطول الانتظار على مقاعد الصالة.
جلست مكوراً على نفسي لبعض دقائق, خرجت ممرضة من الباب الواسعة خلف مكتب موظف الاستعلامات مرتبكة, حدثته على عجل ودخلت قبل أن ينادى باسمي الثلاثي, صدح صوته يرن بعقلي وكأنه صوت لعيار ناري قرب أذني أو داخل رأسي,
- اذهب للغرفة رقم 8 , أخبرني ذلك فقط بصوته الأجش ونظرته الغريبة التي لم استطع تفسيرها, سرت في رواق طويل يبدو بلا نهاية, اقتربت ساعة الخوف مما قد تخفي غرفة رقم 8 خلف أبوابها من أسرار وأخبار.
فتحت باب الغرفة بهدوء, كانت مستلقية على سرير صغير جداً بجانب امها, ما أن جلستُ بقربها حتى سمعت صرختها الاولى في الحياة......
بوجودك يا حبيبتي لن يكتبوا بعد اليوم على باب دارنا ومن دون أبواب الحي بحملات التلقيح 0 أطفال كما كانوا يفعلون منذ سنواتٌ عديدةً مضت..
تعليق