بائع البيض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ادريس الحديدوي
    أديب وكاتب
    • 06-10-2013
    • 962

    بائع البيض

    هده الزمن العتيد.. فأصبح مترهل العضل, خرع العظام, متين العصب من كثرة تجواله – عبر الدروب الطويل - و هو يدفع عربة البيض في الحر و القر.. صباحا و مساءا حتى تتورم قدماه... باحثا عن بيع ثمين...
    رجل بسيط.. رغم ضعفه و نحافته, فهو حسن الصورة, مشرق الجبين, يحسدونه على تلك الوسامة التي تنير الطريق رغم سواده و قساوته, كما أن هناك بعض النظرات المريضة, تنظر إليه بازدراء و تحقير لفقر جيبه, فهو لا يملك سوى عربة يد متآكلة من الجوانب و معوجة القضبان من كثرة اصطدامها مع السيارات الطائشة و أرجل قوات المساعدة... بحجة ليست له رخصة البيع, و أن عمله لا يشجع على المنافسة الشريفة بينه و بين أصحاب المحلات الكبيرة.
    فهو لا يكترث إلى هذه المضايقات, لأنها – في نظره -أصبحت سنة الحياة بغير وجه حق, و كل مواجهة معهم ستفقده مورد عيش أسرته البسيطة.
    لذلك, فهو إنسان صبور و نشيط مثل الدم الذي يجوب العروق الملتوية بعزم و إصرار.. تارة يكون ساخنا سخيا, يمد خلاياه بالحياة, و تارة أخرى يكون جامدا مثل الصقيع... عندما يجف جيبه و لا يبيع و لا بيضة واحدة..
    رغم ذلك, يعود إليهم بابتسامة مشرقة, مزهرة اللون...يعانق أطفاله بحفاوة و يقبل جبين زوجته احتراما و إكراما لصبرها على فقر الحاجة, و تحملها أشغال البيت من كنس وغسل وطهي و تزيين البيت بالأعمال اليدوية الرائعة, من نقش و طرز وأفكار بسيطة لكنها مدهشة, تعيد الرونق للقديم و تضفي الجمالية على الجديد, حتى يصير البيت جميلا يشد الأنظار و يسحرها...
    وهو في البيت, لا يبخل عليهم بابتسامته البراقة, ومجهوداته متواصلة في مساعدة الزوجة في تربية الأطفال و حثهم على التفوق و النجاح و تلقينهم الأدب و حسن الانصات و الاحترام, فهو دائما يخاطبهم قائلا:
    "التربية تسبق التعلم.. و النجاح أخ العمل و الجد و الاحترام "
    فهو بالنسبة للأسرة, العمود الفقري... أما زوجته التي يفضلها على نفسه.. هي بالنسبة له, النهر الذي لا يجف حنانه ولا حبه... على ضفافه يجتمعون كالنحل بحفاوة.. يتقاسمون ما جاد به اليوم من خير عليهم, و ينامون على البركة آملين في غد أفضل.
    توالت الأيام.. و الينابيع تكبر يوما بعد يوم, و تفيض حبا و علما... حتى صارت أسرة ناضجة متكاملة, منها الأستاذ و المهندس, و هما عمر و أحمد. و الطبيبة و القاضية, و هما فاطمة الزهراء و رقية.
    ما أجملها من أسرة.. تربت على البساطة و الود... و فاحت خيرا ونفعا على الأهل و الحي و البلد.
    و لكن الرياح – أحيانا - تجري بما لا تشتهي السفن.. و أن الشيء إذا اكتمل بدأ بالنقصان ...
    إنه الموت.. يزحف من بعيد .. يطرق باب بائع البيض, و هو مشتاق إليه, لينقله من عالم الطين إلى عالم الخلد والراحة... و هو في لحظاته الأخيرة, و الأسرة مجتمعة حوله تذرف دموع حب ساخنة, نظر إلى زوجته نظرة عميقة فتسللت من بين رموشه دمعة دافئة حزينة.. وفارقهم بهدوء و الابتسامة تزين رحيله...
    التعديل الأخير تم بواسطة ادريس الحديدوي; الساعة 18-03-2014, 13:11.
    ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    #2
    صورت الرجل فأحسنت التصوير ، و سردت فجذبت و شوقت.
    مودتي

    تعليق

    • محمود عودة
      أديب وكاتب
      • 04-12-2013
      • 398

      #3
      تصوير رائع لرحلة حياة لرجل عصامي صبر على الكد حتى بنى اسرة مرموقة تميزت بأبنائه وتربيتهم وعاش ليرى نتيجة جهده وتعبه الذي لم يذهب سدى
      تحياتي لابداعك

      تعليق

      • ريما ريماوي
        عضو الملتقى
        • 07-05-2011
        • 8501

        #4
        جميلة قصة رجل عصامي مكافح..
        استطاع ان يصل باسرته الى بر الأمان والنجاح
        من خلال بيعه البيض..وقبل وفاته..

        أعتقدها قصة حقيقية.. والبطل يعني الكثير للكاتب.
        جميلة رغم خلوها من المجاز والصور البلاغية..
        ما يكتب من القلب يصل الى كل القلوب...

        مودتي واحترامي وتقديري.


        أنين ناي
        يبث الحنين لأصله
        غصن مورّق صغير.

        تعليق

        • أم عفاف
          غرس الله
          • 08-07-2012
          • 447

          #5
          البسطاء حتّى لموتهم جمال
          ممارستهم للحياة
          معاملاتهم
          سلوكهم
          حبّهم للمحيطين بهم وعطاؤهم اللامحدود
          النصّ كان قويّا مبنى ومعنى
          فقط هي النّهاية التي جاءت لتخلّف طعما مرّا
          أحببت أن يكون لموته طقس غرائبي مثلا لا ينسى
          أمّا على هذا النّحو فلن يعيش النّصّ طويلا في ذاكرتنا
          تقديري أخي إدريس

          تعليق

          • ادريس الحديدوي
            أديب وكاتب
            • 06-10-2013
            • 962

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
            صورت الرجل فأحسنت التصوير ، و سردت فجذبت و شوقت.
            مودتي


            شرفني مرورك هنا أخي عبد الرحيم
            دم مبدعا و في أفضل حال
            مودتي
            ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

            تعليق

            • ادريس الحديدوي
              أديب وكاتب
              • 06-10-2013
              • 962

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة محمود عودة مشاهدة المشاركة
              تصوير رائع لرحلة حياة لرجل عصامي صبر على الكد حتى بنى اسرة مرموقة تميزت بأبنائه وتربيتهم وعاش ليرى نتيجة جهده وتعبه الذي لم يذهب سدى
              تحياتي لابداعك
              الأديب القدير / محمود عودة تحياتي
              سررت بمرورك البهي على النص
              شكرا على التفاعل المثمر
              مودتي و تقديري لحرفك
              ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

              تعليق

              • ادريس الحديدوي
                أديب وكاتب
                • 06-10-2013
                • 962

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
                جميلة قصة رجل عصامي مكافح..
                استطاع ان يصل باسرته الى بر الأمان والنجاح
                من خلال بيعه البيض..وقبل وفاته..

                أعتقدها قصة حقيقية.. والبطل يعني الكثير للكاتب.
                جميلة رغم خلوها من المجاز والصور البلاغية..
                ما يكتب من القلب يصل الى كل القلوب...

                مودتي واحترامي وتقديري.


                المبدعة ريما أهلا بك
                تشرفت بمرورك الجميل و تفاعلك النابع من قلب أجمل
                سعدت بارتساماتك النيرة و المحفزة .. شكرا لك أختي
                مودتي وباقة ورد لروحك النقية
                ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

                تعليق

                • ادريس الحديدوي
                  أديب وكاتب
                  • 06-10-2013
                  • 962

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة أم عفاف مشاهدة المشاركة
                  البسطاء حتّى لموتهم جمال
                  ممارستهم للحياة
                  معاملاتهم
                  سلوكهم
                  حبّهم للمحيطين بهم وعطاؤهم اللامحدود
                  النصّ كان قويّا مبنى ومعنى
                  فقط هي النّهاية التي جاءت لتخلّف طعما مرّا
                  أحببت أن يكون لموته طقس غرائبي مثلا لا ينسى
                  أمّا على هذا النّحو فلن يعيش النّصّ طويلا في ذاكرتنا
                  تقديري أخي إدريس

                  القديرة أم عفاف تحياتي
                  مرورك البهي أضاء النص و حلق به بعيدا
                  فالنهاية ظاهرها حزن و باطنها نجاح و سعادة .. يكفي أنه مات و الابتسامة تزين رحيله فهي تعني الكثير
                  مودتي وتقديري
                  باقة ورد لنبل إحساسك
                  ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

                  تعليق

                  يعمل...
                  X