ماذا أقول ،لو غادر البحر مآقيه وانحنى شوقا إليك..؟
واقتفى الموج الجريح خطاك، ولاء لنعمة كفّيك..؟
....
ما كان ليوافق بأن آخذه إلى أي مكان أو أبعده عنه لولا أنني ادعيت حاجتي إليه كوسيلة إيضاح، ورغم أنّه استغرب ذلك إلاّ أنّه صدّقني، وساعدني على وضعه في كيس من «النّايلون".ثمّ مضى تشيّعني نظراته البريئة.الغريب أنّني لم أحسب حسابا لما سيقع بعد اكتشافه الحقيقة.لم أفكّر بما سأجيب حين يسألني عنه،وكيف سأتصرّف لو أنه ثار وأحتجّ طالبا استعادته .اتّبعت سياسة الأمر الواقع التي مارسها معي أبواي وفرضت سلطة القويّ على الضّعيف في نزعه منه.كل ما همّني إرضاء أمّي الّتي أصرّت على موقفها وحسمتِ الأمر بالقول :"إمّا أنا أو هو.. " وطبعا من المستحيل أن تغادر أمّي البيت.
أعيتني الحيل في إزاحته عن الاهتمام به إلى أمر آخر، غير أنّي عجزت.عدت إلى البيت بعد أمسية طويلة ومملّة، استهلك فيها التوجّس أعصابي،صحيح أنني لم أبعده كثيرا عن العمار ولكنّي رميت به كما تلقى القمامة .وماذا كان يسعني أن أفعل غير ذلك ؟
انتهى بي الأمر إلى إعداد كذبة أضحك بها على طفولته.سأقول له أن التّلاميذ أصرّوا على أن يبقى عندهم يوما آخر.يوم آخر فقط ويعيدونه إليه...
سأتدبّر كذبة أخرى فيما بعد، سأدّعي أنهم ضيّعوه،أو أنّه سرق منهم .
سأتدرّج به إلى النّسيان ...
هذا إذا لم يكن أحد من أولاد الحلال قد أخبره بنواياي
لم تستطع أمّي إخفاء احتفائها بالانتصار .كان رصدي لفرحتها سببا لتورّم الغصّة في حلقي. بدت كمن أزاح همّا ثقيلا جاثما على صدرها وانتابني الإحساس بأني كدّست ذلك الهمّ على صدر ابني واعتصر الألم كبدي.
لم أشأ أن أدخل الغرفة التي ستشهد فزعه حين يلحظ خلوّ المكان منه .
أطلت الوقوف وأنا أطلّ على الطّريق الّذي يقلّه إليّ بعد حصّة الدّرس المسائية.هبطت الشّمس عن عرشها .غطست تأخذ حمّامها اليومي في البحر الذي أربكته وقفتي فبدا مضطربا على غير العادة.
مسحت قفر الطّريق بعينين هائمتين .خلا الطّريق من أسراب التلاميذ ولم يعد ولدي ...
دخلت الغرفة فإذا المحفظة تتأمّلني من نفس المكان الذي تركتها فيه زوالا...
هذا يعني أنّه لم يذهب إلى المدرسة فأين هو إذن ؟
بدا لي أني سمعت نداءه فخرجت أتقصّى الصّوت ،شطحت ميدعته المعلّقة على جذع النّخلة،احتضنتها وأخذت أتشمّم رائحته فيها .
قطعة الشّوكولا التي قدّمت له لأقايضه على الجرْو، مازالت في جيْبه ،لم يفضّ غلافها بعد.
بعض القطع النقديّة تناثرت على التّراب.
انحنيت لأجمعها ،سبقتني إليها يد أخته :"كنّا سنشتري بها طعاما للجرو "
عاد الجرو إلى مربطه بعد يومين، شبّ ليصير كلبا ضخما ومازال لا يملّ انتظار إطلالته عليه عند مغادرة التّلاميذ المدرسة، فيتسلّق جذع النّخلة متطلّعا، يهزّ ذيله هزّات متوتّرة،ينبح حتّى يغيب عن ناظريه آخر تلميذ، ثمّ يقبع حزينا عند قدميّ يئن أنينا لا تجفّ له دموعي .
واقتفى الموج الجريح خطاك، ولاء لنعمة كفّيك..؟
....
ما كان ليوافق بأن آخذه إلى أي مكان أو أبعده عنه لولا أنني ادعيت حاجتي إليه كوسيلة إيضاح، ورغم أنّه استغرب ذلك إلاّ أنّه صدّقني، وساعدني على وضعه في كيس من «النّايلون".ثمّ مضى تشيّعني نظراته البريئة.الغريب أنّني لم أحسب حسابا لما سيقع بعد اكتشافه الحقيقة.لم أفكّر بما سأجيب حين يسألني عنه،وكيف سأتصرّف لو أنه ثار وأحتجّ طالبا استعادته .اتّبعت سياسة الأمر الواقع التي مارسها معي أبواي وفرضت سلطة القويّ على الضّعيف في نزعه منه.كل ما همّني إرضاء أمّي الّتي أصرّت على موقفها وحسمتِ الأمر بالقول :"إمّا أنا أو هو.. " وطبعا من المستحيل أن تغادر أمّي البيت.
أعيتني الحيل في إزاحته عن الاهتمام به إلى أمر آخر، غير أنّي عجزت.عدت إلى البيت بعد أمسية طويلة ومملّة، استهلك فيها التوجّس أعصابي،صحيح أنني لم أبعده كثيرا عن العمار ولكنّي رميت به كما تلقى القمامة .وماذا كان يسعني أن أفعل غير ذلك ؟
انتهى بي الأمر إلى إعداد كذبة أضحك بها على طفولته.سأقول له أن التّلاميذ أصرّوا على أن يبقى عندهم يوما آخر.يوم آخر فقط ويعيدونه إليه...
سأتدبّر كذبة أخرى فيما بعد، سأدّعي أنهم ضيّعوه،أو أنّه سرق منهم .
سأتدرّج به إلى النّسيان ...
هذا إذا لم يكن أحد من أولاد الحلال قد أخبره بنواياي
لم تستطع أمّي إخفاء احتفائها بالانتصار .كان رصدي لفرحتها سببا لتورّم الغصّة في حلقي. بدت كمن أزاح همّا ثقيلا جاثما على صدرها وانتابني الإحساس بأني كدّست ذلك الهمّ على صدر ابني واعتصر الألم كبدي.
لم أشأ أن أدخل الغرفة التي ستشهد فزعه حين يلحظ خلوّ المكان منه .
أطلت الوقوف وأنا أطلّ على الطّريق الّذي يقلّه إليّ بعد حصّة الدّرس المسائية.هبطت الشّمس عن عرشها .غطست تأخذ حمّامها اليومي في البحر الذي أربكته وقفتي فبدا مضطربا على غير العادة.
مسحت قفر الطّريق بعينين هائمتين .خلا الطّريق من أسراب التلاميذ ولم يعد ولدي ...
دخلت الغرفة فإذا المحفظة تتأمّلني من نفس المكان الذي تركتها فيه زوالا...
هذا يعني أنّه لم يذهب إلى المدرسة فأين هو إذن ؟
بدا لي أني سمعت نداءه فخرجت أتقصّى الصّوت ،شطحت ميدعته المعلّقة على جذع النّخلة،احتضنتها وأخذت أتشمّم رائحته فيها .
قطعة الشّوكولا التي قدّمت له لأقايضه على الجرْو، مازالت في جيْبه ،لم يفضّ غلافها بعد.
بعض القطع النقديّة تناثرت على التّراب.
انحنيت لأجمعها ،سبقتني إليها يد أخته :"كنّا سنشتري بها طعاما للجرو "
عاد الجرو إلى مربطه بعد يومين، شبّ ليصير كلبا ضخما ومازال لا يملّ انتظار إطلالته عليه عند مغادرة التّلاميذ المدرسة، فيتسلّق جذع النّخلة متطلّعا، يهزّ ذيله هزّات متوتّرة،ينبح حتّى يغيب عن ناظريه آخر تلميذ، ثمّ يقبع حزينا عند قدميّ يئن أنينا لا تجفّ له دموعي .
تعليق