استسمحني فضولي بالتوقف هنيهة أمام رجل طاعن في السن أمامه مجموعة من الكتب القديمة الكبيرة الحجم
, لم أشاهد مثلها من قبل, فقلت له:
- أليس من الأفضل أن تبيع سلعة مدرة للمال, عوض هذه الكتب المهترئة ؟
فابتسم ابتسامة ذكية و قال لي بصوت هادئ :
- أتعلم يا هذا..!! المهترئ من ينظر ببطنه, و يجهل حقيقة الكتاب.
فضحكت عمدا لأستدرجه في الحوار, و أستمتع أكثر بكلامه الجميل, الذي نادرا ما سمعته و سط ضجيج العمل و كؤوس القهوة السوداء...فسألني مستغربا:
- ما يضحكك؟
- قلت الكتاب..!! أحببته سنينا, و علقت آمالي عليه, فلم أجني منه سوى الفقر و العزلة...؟
فطأطأ رأسه بهدوء, معبرا عن عدم إعجابه بالجواب, وقال لي:
- من يعلق آماله على الكتب مات جاهلا و فقيرا..!! فقلت له
- كيف ذلك ؟
- الكتب هي التي تعلق آمالها على الانسان ليخرجها من السجن .. كم تشتاق إلى التجدد و التنوع الفكري الوازن.. فهي لا تحب من يتكئ عليها من أجل بلوغ الوظائف, لأنها ليست قنطرة بل حضارة قيمة ...فلا غرابة إن صادفت موظفا ساميا جاهلا.
فتجمد الدم في شراييني فجأة و كأنه يوجه لي الكلام عن قصد ... لما لمست في نبراته من حكمة و نظرة عميقة للأشياء. فسألته مجددا :
- أتعتقد نفسك سعيدا .. و أنك حققت شيئا قيما للعالم بجلوسك هنا أمام أوراق لا تسمن و لا تغني من جوع.
أجابني بهدوء و ثبات, و الحسرة بادية على وجهه الضعيف:
- و ما أدراك أنت بالسعادة وهل أحسست بها يوما؟
فشعرت بغضب يجتاحني من تحت القدمين, و أجبته بنبرة شديدة :
- السعادة هي أن تركب سيارة فاخرة.. أن يكون لك رصيدا جيدا في البنك.. أن تتزوج و تلعب كرة الكولف.
فضحك كثيرا حتى بانت نواجده, و هو يقول لي :
- تلك شهوة يا سيدي, أما السعادة فاسأل ذلك الطير الذي يشدو من فوق أغصان الأشجار, و تلك الدودة التي تسكن الحجرة الصماء... أما أنت فمضحك حد الجنون.
فجمع كتبه في كيسه القديم بهدوء و ثبات كعادته, وقال لي:
- أنا هنا منذ أيام طويلة, أطلب الله أن يأتي من الشباب من يستحق هذه الكتب القيمة, لأضعها بين يده أمانة ينتفع بها, لأنني شيخ مسن وأخاف أن أموت فتضيع هذه الكنوز النادرة ... ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.
فلم أستيقظ من غيبوبتي, حتى غاب عن أعيني دون أن أدري و جهته.
, لم أشاهد مثلها من قبل, فقلت له:
- أليس من الأفضل أن تبيع سلعة مدرة للمال, عوض هذه الكتب المهترئة ؟
فابتسم ابتسامة ذكية و قال لي بصوت هادئ :
- أتعلم يا هذا..!! المهترئ من ينظر ببطنه, و يجهل حقيقة الكتاب.
فضحكت عمدا لأستدرجه في الحوار, و أستمتع أكثر بكلامه الجميل, الذي نادرا ما سمعته و سط ضجيج العمل و كؤوس القهوة السوداء...فسألني مستغربا:
- ما يضحكك؟
- قلت الكتاب..!! أحببته سنينا, و علقت آمالي عليه, فلم أجني منه سوى الفقر و العزلة...؟
فطأطأ رأسه بهدوء, معبرا عن عدم إعجابه بالجواب, وقال لي:
- من يعلق آماله على الكتب مات جاهلا و فقيرا..!! فقلت له
- كيف ذلك ؟
- الكتب هي التي تعلق آمالها على الانسان ليخرجها من السجن .. كم تشتاق إلى التجدد و التنوع الفكري الوازن.. فهي لا تحب من يتكئ عليها من أجل بلوغ الوظائف, لأنها ليست قنطرة بل حضارة قيمة ...فلا غرابة إن صادفت موظفا ساميا جاهلا.
فتجمد الدم في شراييني فجأة و كأنه يوجه لي الكلام عن قصد ... لما لمست في نبراته من حكمة و نظرة عميقة للأشياء. فسألته مجددا :
- أتعتقد نفسك سعيدا .. و أنك حققت شيئا قيما للعالم بجلوسك هنا أمام أوراق لا تسمن و لا تغني من جوع.
أجابني بهدوء و ثبات, و الحسرة بادية على وجهه الضعيف:
- و ما أدراك أنت بالسعادة وهل أحسست بها يوما؟
فشعرت بغضب يجتاحني من تحت القدمين, و أجبته بنبرة شديدة :
- السعادة هي أن تركب سيارة فاخرة.. أن يكون لك رصيدا جيدا في البنك.. أن تتزوج و تلعب كرة الكولف.
فضحك كثيرا حتى بانت نواجده, و هو يقول لي :
- تلك شهوة يا سيدي, أما السعادة فاسأل ذلك الطير الذي يشدو من فوق أغصان الأشجار, و تلك الدودة التي تسكن الحجرة الصماء... أما أنت فمضحك حد الجنون.
فجمع كتبه في كيسه القديم بهدوء و ثبات كعادته, وقال لي:
- أنا هنا منذ أيام طويلة, أطلب الله أن يأتي من الشباب من يستحق هذه الكتب القيمة, لأضعها بين يده أمانة ينتفع بها, لأنني شيخ مسن وأخاف أن أموت فتضيع هذه الكنوز النادرة ... ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.
فلم أستيقظ من غيبوبتي, حتى غاب عن أعيني دون أن أدري و جهته.
تعليق