حضارة في كيس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ادريس الحديدوي
    أديب وكاتب
    • 06-10-2013
    • 962

    حضارة في كيس

    استسمحني فضولي بالتوقف هنيهة أمام رجل طاعن في السن أمامه مجموعة من الكتب القديمة الكبيرة الحجم
    , لم أشاهد مثلها من قبل, فقلت له:
    - أليس من الأفضل أن تبيع سلعة مدرة للمال, عوض هذه الكتب المهترئة ؟
    فابتسم ابتسامة ذكية و قال لي بصوت هادئ :
    - أتعلم يا هذا..!! المهترئ من ينظر ببطنه, و يجهل حقيقة الكتاب.
    فضحكت عمدا لأستدرجه في الحوار, و أستمتع أكثر بكلامه الجميل, الذي نادرا ما سمعته و سط ضجيج العمل و كؤوس القهوة السوداء...فسألني مستغربا:
    - ما يضحكك؟
    - قلت الكتاب..!! أحببته سنينا, و علقت آمالي عليه, فلم أجني منه سوى الفقر و العزلة...؟
    فطأطأ رأسه بهدوء, معبرا عن عدم إعجابه بالجواب, وقال لي:
    - من يعلق آماله على الكتب مات جاهلا و فقيرا..!! فقلت له
    - كيف ذلك ؟
    - الكتب هي التي تعلق آمالها على الانسان ليخرجها من السجن .. كم تشتاق إلى التجدد و التنوع الفكري الوازن.. فهي لا تحب من يتكئ عليها من أجل بلوغ الوظائف, لأنها ليست قنطرة بل حضارة قيمة ...فلا غرابة إن صادفت موظفا ساميا جاهلا.
    فتجمد الدم في شراييني فجأة و كأنه يوجه لي الكلام عن قصد ... لما لمست في نبراته من حكمة و نظرة عميقة للأشياء. فسألته مجددا :
    - أتعتقد نفسك سعيدا .. و أنك حققت شيئا قيما للعالم بجلوسك هنا أمام أوراق لا تسمن و لا تغني من جوع.
    أجابني بهدوء و ثبات, و الحسرة بادية على وجهه الضعيف:
    - و ما أدراك أنت بالسعادة وهل أحسست بها يوما؟
    فشعرت بغضب يجتاحني من تحت القدمين, و أجبته بنبرة شديدة :
    - السعادة هي أن تركب سيارة فاخرة.. أن يكون لك رصيدا جيدا في البنك.. أن تتزوج و تلعب كرة الكولف.
    فضحك كثيرا حتى بانت نواجده, و هو يقول لي :
    - تلك شهوة يا سيدي, أما السعادة فاسأل ذلك الطير الذي يشدو من فوق أغصان الأشجار, و تلك الدودة التي تسكن الحجرة الصماء... أما أنت فمضحك حد الجنون.
    فجمع كتبه في كيسه القديم بهدوء و ثبات كعادته, وقال لي:
    - أنا هنا منذ أيام طويلة, أطلب الله أن يأتي من الشباب من يستحق هذه الكتب القيمة, لأضعها بين يده أمانة ينتفع بها, لأنني شيخ مسن وأخاف أن أموت فتضيع هذه الكنوز النادرة ... ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.
    فلم أستيقظ من غيبوبتي, حتى غاب عن أعيني دون أن أدري و جهته.
    التعديل الأخير تم بواسطة ادريس الحديدوي; الساعة 19-03-2014, 00:25.
    ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!
  • اياد الخطيب
    أديب وكاتب
    • 27-02-2014
    • 52

    #2
    نصّ جميل ورشيق وحكيم , أشدّ على يدك وأشكرك

    تعليق

    • عبدالرحيم التدلاوي
      أديب وكاتب
      • 18-09-2010
      • 8473

      #3
      لقد غاب عن وعي السارد لكونه وجد فيه محاورا غير مهتم.
      كان الشيخ دو التجربة اكثر حكمة و اقوى حجة.
      مودتي

      تعليق

      • فايزشناني
        عضو الملتقى
        • 29-09-2010
        • 4795

        #4
        فرق كبير بين من يفكر من بطنه ومن يفكر من بطون الكتب
        صديقي : لا أحد منا عرف السعادة ولا نالها
        نحن نسير إليها كما سلحفاة ربما نغادر قبل أن نلمس فرعها
        حضارات العالم بين ايدينا لو امتلكنا المعرفة ونهلنا من بطون الكتب
        وفقك الله صديقي ادريس
        هيهات منا الهزيمة
        قررنا ألا نخاف
        تعيش وتسلم يا وطني​

        تعليق

        • ادريس الحديدوي
          أديب وكاتب
          • 06-10-2013
          • 962

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة اياد الخطيب مشاهدة المشاركة
          نصّ جميل ورشيق وحكيم , أشدّ على يدك وأشكرك
          الأديب القدير اياد الخطيب أهلا بك
          شرفت متصفحي و أنرت الطريق
          مودتي و تقديري
          ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

          تعليق

          • ادريس الحديدوي
            أديب وكاتب
            • 06-10-2013
            • 962

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
            لقد غاب عن وعي السارد لكونه وجد فيه محاورا غير مهتم.
            كان الشيخ دو التجربة اكثر حكمة و اقوى حجة.
            مودتي

            أخي عبد الرحيم أهلا بك
            سررت بهذا التفاعل المثمر
            كن بخير
            ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

            تعليق

            • ادريس الحديدوي
              أديب وكاتب
              • 06-10-2013
              • 962

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة فايزشناني مشاهدة المشاركة
              فرق كبير بين من يفكر من بطنه ومن يفكر من بطون الكتب
              صديقي : لا أحد منا عرف السعادة ولا نالها
              نحن نسير إليها كما سلحفاة ربما نغادر قبل أن نلمس فرعها
              حضارات العالم بين ايدينا لو امتلكنا المعرفة ونهلنا من بطون الكتب
              وفقك الله صديقي ادريس

              القدير فايزشناني أهلا بك
              سررت بهذه الإطلالة البهية و لك مني أجمل تحية لروحك الطيبة
              مودتي و تقديري أخي
              ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

              تعليق

              • أحمد عيسى
                أديب وكاتب
                • 30-05-2008
                • 1359

                #8
                جميل أخي ادريس هذا النص ، كنت أتمنى فقط ألا يكون الحوار مباشراً هكذا ، وأن يكون مستترا ، وأن تكون الحكمة من فم الشيخ بلغته واسلوبه الخاص ،
                وأن يكون السارد أكثر وعياً في ادارته للحوار ، خاصة حين عرف السعادة ..
                سعدت هنا بهذه المقطوعة الجميلة .
                كل الود والتقدير
                ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
                [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

                تعليق

                • ادريس الحديدوي
                  أديب وكاتب
                  • 06-10-2013
                  • 962

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
                  جميل أخي ادريس هذا النص ، كنت أتمنى فقط ألا يكون الحوار مباشراً هكذا ، وأن يكون مستترا ، وأن تكون الحكمة من فم الشيخ بلغته واسلوبه الخاص ،
                  وأن يكون السارد أكثر وعياً في ادارته للحوار ، خاصة حين عرف السعادة ..
                  سعدت هنا بهذه المقطوعة الجميلة .
                  كل الود والتقدير


                  القدير / أحمد عيسى تحياتي
                  شرف لي هذا المرور على نصي المتواضع أخي أحمد .. ملاحظات قيمة سآخذها بعين الاعتبار
                  مودتي و تقديري
                  ما أجمل أن يبتسم القلم..و ما أروعه عندما تنير سطوره الدرب..!!

                  تعليق

                  • أحمدخيرى
                    الكوستر
                    • 24-05-2012
                    • 794

                    #10
                    حوارية رشيقة وجميلة ومبدعة فى نفس الوقت ..
                    اتفق مع الاستاذ " احمد عيسي " ان الحوار ان كان قد اتسم بـ شىء من الغموض لكان اروع ..
                    ولكن هذا لن يقلل من جمالها ولا تناولها الطيب
                    اشكرك " استاذ : ادريس "
                    على متعة القراءة
                    ودمت بكل ود
                    https://www.facebook.com/TheCoster

                    تعليق

                    • محمد الشرادي
                      أديب وكاتب
                      • 24-04-2013
                      • 651

                      #11
                      أهلا أخي ادريس. كيف حالك؟
                      حوارية جميلة. نكأت جراح المكتبات. و ما تعج بها رفوفها من كنوز، لكنها في عيون الشباب مجرد سلعة بائرة...لن يلتفت إليها احد.
                      تلك هي حالنا...طغت الماديات و غابت القيم الخلاقية و الفكرية.
                      تحياتي

                      تعليق

                      يعمل...
                      X