ظَهْرُ المِجَنّ .. فلسفة الحزن في "أرض الشوك" للأديبة وصال تقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فريد البيدق
    عضو الملتقى
    • 31-10-2007
    • 801

    ظَهْرُ المِجَنّ .. فلسفة الحزن في "أرض الشوك" للأديبة وصال تقة

    ظَهْرُ المِجَنّ .. فلسفة الحزن في "أرض الشوك" للأديبة وصال تقة
    (1)
    بعد قراءة مجموعة "أرض الشوك" للأديبة وصال تقة أجدني مضطرا إلى العودة إلى تلك الخاطرة التي كتبتها منذ زمن بعيد.
    ما هي؟
    إنها "هل عشتَ دولتَك"؟
    ما نصها؟
    إنه: (قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : 140].
    وإذا تأملنا الحياة حياتنا وحياة من حولنا وجدنا أن هذا القانون ينطبق علينا جميعا؟
    كيف؟
    في العلاقات البشرية جميعها نجد هذا؛ فبين الأصدقاء وبين الأزواج وبين الآباء والأبناء، وبين الحكام والمحكومين، وبين رؤساء العلم ومرؤوسيهم، و... إلخ.
    في كل هذه الصور نجد لكل منا دولة قد تطول وقد تقصر، فبين الصديقين يكون لأحدهما دولة زمنا ثم تؤول إلى الآخر، وبين الزوجين قد تكون الدولة دولة الزوج وقد تذهب عنه لمرض أو أي عارض، وبين الآباء قد تكون الدولة للآباء ثم تذهب إلى الأبناء، و... إلخ.
    فهل فكَّر أحدنا في أفعاله وتصرفاته زمن دولته؟ وهل ترك قَصْر الأمر على دولة الحكم السياسي؟
    إن كلا منا له دولة، وكل منا مطالب بالإحسان زمن دولته، فهل عِشْتَ دولتك؟ وماذا صنعت فيها؟).
    عدت إلى هذه الخاطرة لأبدأ بها تعليقي على قراءة هذه المجموعة القصصية.
    لماذا؟
    لأن هذه هي الفكرة المسيطرة على المجموعة التي تحتوي على إحدى عشرة قصة قصيرة، والتي يقول إهداؤها: " إلى كل من تجرعت الصَّبر والصِّبر والصُّبار وما زالت، إلى كل من زرعت الأشواق وحصدت الأشواك فأعلنتها "لا" وزالت، إلى صديقتي التي ما زالت "حية تنتظر"، وإلى صديقتي التي عبرت دروب اليقين، وإليك أمي يا من علمتني أن الصبر لا ينافي الإباء وأن كرم العيش ألا أعيش بمحاذاة الحياة عالقة بشباك عنكبوت لا أحيا فيه ولا أموت، إليكن زهراتي- أسأل الله لكن حظا خيرا من حظي في الحياة".
    ماذا يقول الإهداء؟
    يقول: إن الآتي قصص أناس دالت دولتهم فهم يعانون ويتجرعون سواء أرضُوا أم رفضوا.
    كيف؟
    تقول المقدمة القصيرة التي تؤكد ما رصده الإهداء: "هي شراعات الأحلام حينما تتحرش بها العواصف، هي الأشواك حينما تقيم سرادقات العزاء على أرضنا، هي الحياة إذن، وهي تفاصيل الأوجاع".
    ما المرئي خلال المدى والأفق؟
    سواد العزلة والرفض والانفراد.
    لماذا؟
    لأن العلاقات ليست ثنائية بل هي علاقات فردية فريدة، علاقات الأفراد المنهزمين بأنفسهم يتجرعون من خلالها الآلام ويبوحون بها بتنويعات كثيرة بغض الطرف عن الطرف الآخر زوجا كان أم أما أم أبا أم ابنا أم ... إلخ.
    (2)
    وينضح ذلك على العناوين، عناوين القصص وعنوان المجموعة؛ فعناوين القصص هي "لن يأتي، ونكران، ورصيف بلا قطار، ونكسة، ويوما ما سيعلمن، ووحده لا يدري، وبطلة خارج فصول الرواية، وأرض الشوك، ويوميات رحى عصرية، واعترافات متأخرة، ورحلة اليقين".
    ماذا تخبرك هذه العناوين؟
    "لن يأتي" ستعلمك "لن" التي يقول البعض عنها: إنها تؤبد النفي- أن الأمل لن يأتي، وسيجعلك "نكران" تجد ذلك الفقد بصورة أخرى، وسترى في "رصيف بلا قطار" تلك الرحلة الضاربة في التيه، وستجد مجهولية اليوم في "يوما ما سيعلمن"، وستلمس بيدك وقلبك في "وحده لا يدري" الوحدة على الرغم من الوجود المظهري في المكان الواحد المسمى بيتا، وستعيش العزلة والسفر في الاتجاه المضاد في "بطلة خارج فصول الرواية" و"يوميات رحى عصرية"، وستعايش الموت الفجأة على الرغم من اقتراب المقترنَيْنِ في "أرض الشوك" وسيفجؤك ذلك أيضا في "رحلة اليقين".
    وسيجعلك كل ذلك تستشعر أن التجربة القصصية تمتطي متن الوحدة والانفراد والوحشة، وأنها تلح على ذلك إلحاحا من خلال مواقف القصص التي تشعرك أن هذه القصص تنتمي إلى قصص المَعنى لا قصص الأشخاص ولا قصص الحدث؛ فالبطل الذي لا يختفي هو الحزن القاتم والسواد النفسي الحالك.
    وستجد التجربة القصصية ملحة على الظهور إلحاحا كثيرا لتكرار بعض الألفاظ التي تمثل مرتكزات دلالية.
    مثل ماذا؟
    مثل "رصيف" التي تتكرر مع القطارات في أكثر من قصة ومع غيرها، ومثل تناول الحدث الواحد في أكثر من قصة كما في قصة "لن يأتي" وقصة "يوميات رحى عصرية"؛ فكلتاهما تكمل الأخرى، وتضيف تفصيلات على الحدث الواحد، و... إلخ. ودائما تجد الآخر هو السبب في الآلام، سواء أكان زوجا غير عابئ، أم خطيبا طامعا، أم ابنا مغلوبا على أمره، أم ... أم ...إلخ، وهذا يزيد الإحساس بالألم؛ لأن فصم العلاقة مع هؤلاء لا يكون يسيرا واقعا ونفسا.
    (3)
    هذه بعض عطاءات القراءة الأولى العجلى، ولعل الله تعالى يمُنّ بقراءة أخرى أكثر عمقا!
يعمل...
X