السجن جدار والسجان بقعة على الجدار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وديع عرابي
    أديب وكاتب
    • 04-10-2010
    • 99

    السجن جدار والسجان بقعة على الجدار



    سرقهم الوقت، الحديث المبعثر هنا وهناك، وبطولات لا يعرف حقيقتها إلا أصحابها، كلّما ارتفعت نبرة الراوية فيسرد مغامرتها التي لا تنتهي،ازدادت شدة تعلقها بالقلم والورقة البيضاء، التي سرعان ما تحولت بأشكالها غير المنتظمة إلى ملامح وشعور وإحساس يهزه الحنين والشوق لشيء لم تدركه حتى الآن.



    ترفع رأسها، تبتسم بنظرة سارقة، تترنح برأسها لترسل علامات الإعجاب، لشيء قيل، لم تسمع منه حرفا. لا أدري ماذا رسمت، ولكن شدتني تلك البقعة الأسطوانية، في أعلى الجدار المهشمة أطرافه.


    الجدار الجدار!! هذا الحائط الذي طالما تحلم أن تقفز منه أو تهشمه وتقطعه إرباً إرباً، كم تمنتْ لو كان مصنوعا من ورق، لمزقته والتاعت فتاته وامتصت منه الغضب الساكن في حجرة قلبها الوديع!!.


    عجبا لم لمْ ترسم بابا أو نافذة صغيرة، لتهرب منها وتتخلص من هذا الجمود المحدق في أقفال عينيها، لكانت ارتاحت !! ولم هذه البقعة الرطبة أعلى الجدار!! وخطوط تكوينها دقيقة جدا، متماسكة وكأنها نتوءات خرجت لتقص لنا حكاية أو بقعة ضوء شاحبة من تاريخ الذكريات، لماذا لا ترسم التفاؤل وتمحو من حياتها كل هم زائد؟، لماذا لا تجدد ابتساماتها العفوية؟.


    أعلم أنها وحيدة ولا ترى سواها في الوحدة العتيقة، أعلم أن خجلها أطّر عالمها منذ صرختها الأولى، هي هكذا تغفو على صدر النسيان، الطريق أمامها مخيفة وطويلة، وأيادي العبث تداعب خصلات شعرها الحريري، الغياب يمازحها ويرسم السهاد بين جفونها، مشتتة، فلا هي أخذتني معها لمكنونات أسرارها، ولا تركتني أقتات فتات الشوق.



    كل شيء هنا في الغرفة ساكن، ضجيجهم وضحكاتهم تتعالى في بقعة الجدار، وضجيج تدفق خلجات قلبها يصدأ دون حراك، تشدّ بيراعها لترسم حدود السماء المعلقة، وترسل إليه أحاديث الحزن التي باتت تسكنني، هناك دائما ذاكرة ترفرف فوق العيون، لا تستطيع الدموع غسلها، تترك في القلب غصة ووجعا. حتى أنت ذكراك موجع !.


    أشارت إحداهن إلي بإصبعها : ( سحقا لك أتمارسين القوة عليّ، أتتعالين عليّ بإشارتك الحقيرة هذه، من أنت تكونين، أيتها الباحثة عن الأنا )،



    اسمع – اسمع- نحن لا نصدق أنّك اعترفت؟ .


    تبسمت قليلا، وعيناي لا تفارقان السواد المنسكب على البياض، وان كان بعيدا بعض الشيء، رفعت بصيرتها، وتوقف قطار اليراع عن سفره، لا لعطب أو لخلل، والهامة المنقبة على الورق، أخذت تتحرك إلى الأعلى، (هل أنهت رسمتها؟ أم شدّها عابر السؤال؟ أم تنتظر إجابتي؟)






    - أجبتها بفلسفة: هناك مع حكايتي، مع العمر المحصور في خرم الإبرة، اعترفت واعترفت، وكلما استجوبت للاعتراف، يبتسمون وتتساما ضحكاتهم من حدة احترافي على الاعتراف ويحيوني بشرف وشرف!. إلى متى يا سيدتي –الفاضلة- أبقى اعترف ؟ أراني رغم تمردي على الكلام ! إني راحل إلى حيث الكلمة أو الحرف، إلى وكري القديم وزنزانتي، أين أنت أيها الإله؟ كي تقنع ذاكرتي ! أن مدينتي قد أغلقت أبوابها !! وانّ الجنون استوطن أشلاءَ المنفى، حرقني الحزنُ ! ووقفت عالقةً بحنجرتي حدودُ الصلوات! اغتسل الليل مني دمعا!. نعم أنا من صوب ببندقيته، وأطلق جميع رصاصاته، وأوقعته قتيلا، انّه ذئب، يعتاش السرقة، وله في الدنيا قصاص.



    -أنت كما أنت، تتفنن في اختيار الكلام المسجوع، كيف كان السجن والسجان؟


    - السجن جدار والسجان بقعة على الجدار!!!.


    فزعت فرائسها، وأدركت تجسس عيوني لها، ولكنها ابتسمت خجلا، وتابعت في بوح مشاعرها، على شكل خطوط، شعرت بمرارة اليتم، ولأول مرة تسمع صراخ القلب الموجوع، وشهقات الولع المبعثرة على جسدها، كحبات العطر تسيل ندية من أوردتها.


    - كيف يكون السجان بقعة على الجدار!!!.


    عندما قيدوني بأسلاكهم، ورموا بيّ الزنزانة، وأغلقوها بأقفالهم الحديدية، لم يكن سوى جدار دائري، ورُسم أعلاه بقعة على شكل نافذة، بثلاثة قضبان حديدية مرتفعة، لا اقدر الوصول إليها إلا قفزا، وكلما قفزت أكثر،لأتعلق بها لعلّني أبصر الشمس والنور، أصاب بخيبة أمل، فأعاود الكرة بعد الكرة، كم كنت غبيا!! يحرسني وهمٌ على جدار من الأسى، كم كنت غبيا!!.


    توقفتْ عن الرسم، وبخفة ألقت القلم على اللوحة، وأنصتت لما سردته من أحاديث، وبريق في عينيها يخاطبني بصمته المعتاد، أنا في خطاك، أنا في وحدتك، أنا في أنين أحلامك، ليلُنا يسرق السمع لأوجاعنا، يهدينا جمرة ساخنة، نرطب شوق الرحيل، تشبهني أنت في الغياب، يا سحابة السحر، يا ظلّي الكبير، انك تحمل اسمي، فلا تتركني كما فعل الآخرون.



    وقفت وبخطى ثابتة، تقدمتُ نحوها، وألقيت نظرة إلى ما خطت يداها، وقلت لها همسا :



    ما عاد الكلام يطاق.
    التعديل الأخير تم بواسطة وديع عرابي; الساعة 17-04-2014, 20:04.
  • محمود عودة
    أديب وكاتب
    • 04-12-2013
    • 398

    #2
    رجو المعذرة قرأت القصة عدة مرات محاولا فهم العلاقة بين الفتاة الفنانة بريشتها والأسير او السجين ، زوجته أم حبيبته ام خطيبته أم مجرد زائرة وإن كنت اميل الى انها زوجته ورغم ما في النص من عبارات غير مترابطة الا انك ابدعت في السر اللغوي المتقن ولكن الحبكة ما عاد الكلام يطاق رأيت انها اجادت الرسم أرجو المعذرة وان يتسع صدرك لملاحظاتي
    مودتي وتحياتي

    تعليق

    • وديع عرابي
      أديب وكاتب
      • 04-10-2010
      • 99

      #3
      شكرا اخي العزير
      على العكس بتاتا انا لا اخجل من النقد البناء ابدا
      افرحني مرورك الكريم
      حبذا لو اعطيتني امثلة من الجمل الغير مترابطة ، القصة مطعمة بلغة الخاطرة وحملتها الكثير من الرموز ولا اعرف اذا خرجت بقالب جميل او.. ولكنها محاولة.
      اكرر شكري

      تعليق

      • أحمدخيرى
        الكوستر
        • 24-05-2012
        • 794

        #4
        كانت ترسم لوحتها بناء عن حديثهما او ما يدور بينهما ..
        فـ تتخيل نفسها داخل السجن ثم تعود إلى واقعها وتستكمل حديثها معه ..
        هناك قفزة فى النص كما آشار استاذنا " محمود عودة " فـ الفتاة فى بعض الاحيان اراها مريضة نفسية " اغلقت على نفسها ، والطبيب المعالج هو نفسه " المعتقل السابق " يحكى لها قصته " ليخرجها عن عزلتها ، وسجنها الذى فرضته على نفسها ..
        وتارة اخرى يدور الحديث كما اظهرته لغة السرد " كرجل وزوجته "
        على اى حال يبقى المعنى فى عقل الكاتب " ولكن هذه القفزة " او الجملة المفقودة " لم تكن فى صالح العمل هذه المرة .
        اشكرك اخى الحبيب " وديع "
        على القصة الطيبة

        تحياتى
        https://www.facebook.com/TheCoster

        تعليق

        • وديع عرابي
          أديب وكاتب
          • 04-10-2010
          • 99

          #5
          قاريء فذ انت
          شكرا على مرورك اخي العزيز

          تعليق

          يعمل...
          X