حديث المزح والجدّ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • توفيق بن حنيش
    أديب وكاتب
    • 14-06-2011
    • 490

    حديث المزح والجدّ

    أحييكم أيها الأحبة . أعرض عليكم اليوم نصا لكاتب نحرير وأديب عبقري سيكتشف البعض إسمه وسيصبّ البعض الآخر عليه جام غضبه ولكنّ ذلك لا ينقص من قيمة أدبه واعذروني إن أنا لم أجسن اختيار القسم الذي يتسع لهذا المقترح ,أعلمكم بأن تلاميذي قد تحيّرت عقولهم التي كانت سابقا في جنة الطّمأنينة ...
    حدّث رجل من الأنمار قال :
    وكانت ريحانة تحدّثنا فتقول :أنا آخرة قومي .وقد أكلتهم النّار جميعا ,وكان من ولد البراء بن كيسان .وسكنوا العمان ثمّ خرجوا عنها بعد أن أصابت بيوتهم نار ذهبت بأكثرهم .فجاء من بقي الحيرةَ ونزلوا بها فأقاموا .-فإنهم بها إذ غزونا قِبَلَهم- فأوقدنا نارا فأصابتهم فماتوا بها جميعا .وأدركها لبيد فوقاها النار وملكها .وكانت تحدّث أنه كان لقومها عن أساف ونائلة غير الخبر المعروف لا يشركون فيه أحدا وتقول :لم يبق اليوم من يعرفه غيري فهو هنا مكنون إلى يوم أموت .وتجعل يدها على صدرها فكأني بنهديها قد قاما واضطربا كرمال الكثبان نشأة الريح .ولما حال الحول على جنون لبيد حججت إلى الكعبة .فلما انتهيت من مناسك الحجّ كرهت أن يكون حجا بلا زيارة فإني لمنطلق من مكة إذ رأيت على طريق المدينة بيتا منفصلا عن البيوت والناس بين داخل وخارج .ولم أكن رأيته قبل ,فجئته فإذا حانوت وعربدة وعناء ونبيذ وخنى .فأنكرتها وأنا على حالي تلك من العبادة .وبينا أنا واقف راحلتي هناك ,إذ مرّ بي رجلان منصرفان من الحانوت وهما في نبيذ كثير ,فقال أحدهما ولسانه كالقصبة في الريح :قفا نشكو من ريحانة العين والحشى .
    وقد ذهب عني شطر البيت فقلت :لا أبرح البلد أو اعلم جلية الأمر .فعقلت راحلتي ودخلت فإذا هي والله ريحانتنا تغني وتُلقي إلى الناس فيبسطون لها الأيدي فتمسك وتعرض كما كانت تفعل بنا فخرجت لساعتي وانطلقت لشأني .وكان آخر عهدي بها .
    ثنّ طواني الدّهر وذهب أترابي في الحيّ ممن يعرفون ريحانة وإنّا انتجعنا قِبَلَ نجد فنزلت بنا امرأة فأضافها بعض الحيّ فسألت عنها فقالوا إنها تقول إنّ اسمها ريحانة .فأمرت أن تأتيني فجاءت وكانت من حيّ إلى حيّ لا تسكن عن الترحال ,تحدّث عن أبي هريرة ولا تبكي وتقول لقد جمدت عيني .وهي يومئذ قد ضرب الشيب في شعرها وذهب حسنها إلاّ نورا منه في العين وأصابت وجهها الأخاديد .وكانت لا تزال كعهدي ظريفة لسنة طيبة الحديث .ولكنها أصبح بها كالبحّ تقول فكأنما تبكي وليس على وجهها إلاّ نفس مسلمة راضية .وكانت لا تتحدّث عن ابي هريرة غلاّ كان آخر قولها :رحم الله أبا هريرة .
    حديث المزح والجدّ-,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,- ص 61- 66
    أرجو من التوانسة فسح المجال للمشارقة في محاولة التعرف إلى هذا الكاتب الفذّ...شكرا
  • توفيق بن حنيش
    أديب وكاتب
    • 14-06-2011
    • 490

    #2
    "ردّا عليّ الكأس إنكما لا تدريان الكأس ما تجدي "
    أبو نواس
    حدّثت ريحانة قالت :كنت في مكة .فذهب لي بها شهور في حانوت .ثمّ كرهت الخمر وعربدته والغناء وما كنت أصنع منه والكعبة على كثب تَعتبر وتُصَلّى .فنفرت أياما وصاحبُ الحانوتِ غاضب عليّ واصحاب الليل والخمر إذا جنّ الليل يسألونه عني فلمّا كنت في بعض لياليّ هدّني أرق فلم أصبر عليه .فانسللت فخرجت أريد المدينة وكانت الساعة الغلسَ فسرت راجلة حتى ذهب بعض يومي وأدركت الهاجرة وعقلني النّصب .فحامت عيني فلاح لي وراء الجبل دخان .فجهدت وقصدت إليه فإذا حيّ الأنمار إلا أهلَ لبيد .فمازلت بهم فأكرموني على انقباض فيهم . وجاؤوني بطعام طيب فأكلت وماء كالبرَد فشربت ثمّ اضطجعت ونمت طويلا .
    فلما استيقظت كان الليل قد اسودّ .ونظرت فإذا القوم في شأن لهم .فصحت بامرأة رجل منهم كان يسمى سعدا وكانت مقبلة على قدر وقد أدخلت يدها تخرج منها الطّعام فقالت : نزل بنا الليلة أبو هريرة ونحبّ أن نكرمه .قومي يا هاته فسيكون منه كالمأدبة .فقمت فرأيت رجال الحيّ وقد اجتمعوا إلى رجل لم أكن أعرفه وهو يحدّثهم ويضحك ضحكا كثيرا فرايته سكران وكان كذلك .
    ثمّ تهيّأ الطّعام فصفف على بساط وجعل عند سَمُرةٍ هناك وجلس الرجال وتأخر عنهم الرجل وقصد إلى راحلته فأخرج زقا من الخمر وجاء به القوم فقالوا جميعا :آخفيتها ضنّا ؟قال : بل خوف أن تتوقعوا فتذهب المتعة .وجلسوا جميعا يأكلون ويشربون حتى ذهبت لهم ساعة ونيران الحيّ تخبوا وأصواتهم تعلوا .وأهمني أن يكونوا في لهو وأبقى في قطعة من الليل .فقمت كالوالهة فسعيت فوقعت على الزقّ فصببت وشربت أقداحا .وصاح بي بعضهم "حسب الأنمار لبيد وقام يريدني وقد أخذ منه الخمر .فقام له أبو هريرة ومنعني عنه وقال :دعوا الجارية تشرب ثمّ دنا مني ولان وقال :ما اسمك يا هاته ؟ قلت : ريحانة .قال :إنه ليس فينا إلاّ حَفْيٌّ بك محبّ لك فنحن نشرب ونحبّ من يشرب ألك في قدح ؟واخذ الزقّ من كأنما يريد ذلك فإذا هو قد رفعه وصبه على رأسي فصحت وارتعت وقال : انظروا ريحانة الخمر فانطلق أصحابه يضحكون مني وهممت أن ألطم وجهه لطمة تذهب بخمره .فما كدت أهمّ به حتى أخذني واحتملني وانا أضطرب فجعلني تحت سَمُرَة إلى الأرض وانصبّ عليّ .فوجدته صاحيا من أشدّ الرجال ,ثمّ شدّني إليه حتى صرت منه وقام عنا الرجال فجعل يرقّ ويحدّثني ويقول :ما كان أحسن انصبابك على الزقّ إلى أن طابت لي ريح الخمر في ثيابي ,
    فلما أصبحنا أردفني إلى مكة ,فلزمته ثلاثا ثمّ رجعت إلى الحانوت وقد طاب مقامي ,رحم الله أبا هريرة
    حدّث ابو هريرة قال - حديث التعارف في الخمر ص 69- 72
    التعديل الأخير تم بواسطة توفيق بن حنيش; الساعة 27-04-2014, 15:44.

    تعليق

    • محمد فطومي
      رئيس ملتقى فرعي
      • 05-06-2010
      • 2433

      #3
      أستاذنا الفاضل توفيق بن حنيش،
      تحيّة عطرة لك.
      أعتقد أنّ الوسيلة المثلى لنكرّم أدباءنا المراجع هي أن نقرأ لهم، فقط بكلّ بساطة، فهم لم يتركوا لنا الأثر الذي تركوه طلبا في ثروة أو جاه أو سلطان، م ما فعلوا إلاّ ليضعوا حجرا تحت سور الفكر العملاق، علها تقرّب إطلالتنا فيما وراءه درجة.
      أحييك على الاختيار و أنقله إلى قسم القصة العربيّة .
      مدوّنة

      فلكُ القصّة القصيرة

      تعليق

      • توفيق بن حنيش
        أديب وكاتب
        • 14-06-2011
        • 490

        #4
        وانا بدوري أحييك وأثمن كلماتك البليغة ,,,نعم يا صديقي هذا بعض مما كتب الاديب التونسي الكبير محمود المسعدي في روايته حدّث ابو هريرة قال وقد عنّت لي المساهمة في التّعريف بهذا المبدع الفذّ .أتمنى ان يجد الصّحب في نصوصه ما اجد كما أتمنى ان يشدّ الكثير الرجال إلى معينه لينهلوا منه ...شكرا اخي فطوم واعتذر عن الإبطاء في الردّ
        التعديل الأخير تم بواسطة توفيق بن حنيش; الساعة 01-05-2014, 13:35.

        تعليق

        • محمد فطومي
          رئيس ملتقى فرعي
          • 05-06-2010
          • 2433

          #5
          العفو أستاذنا القدير توفيق بن حنيش،
          بوركت جهودك.
          أعتقد أن كتابات المسعدي لا تقتصر فقط على إخضاع الوجود إلى محاورة انسانيّة من حيث المضامين و حسب بل تتجاوز ذلك مشكّلة ظاهرة في فنّ الكتابة أصلا، كأنّ التّعبير هو الجوهر بحدّ ذاته، و أيّ مأساة - في نهاية الأمر -تظاهي مأزق التّعبير؟
          شكرا لك سيّدي.
          مودّتي.
          مدوّنة

          فلكُ القصّة القصيرة

          تعليق

          • توفيق بن حنيش
            أديب وكاتب
            • 14-06-2011
            • 490

            #6
            كما عهدتك دائما .تشدّك الجواهر ولا تقف عند الاعراض ...شكرا أستاذنا فطومي وتقبّل مني هذه الهدية التي كتبتها متدربا على النسج على منوال المسعدي .
            حينما حمل على الأعناق ,ضحكت "ريحانة" وصاحت في الرجال :" لم تأخذوا إلاّ وهم الصورة .لقد أفاني وأفنيته منذ البعث الاوّل ." ت بن حنيش

            تعليق

            • محمد فطومي
              رئيس ملتقى فرعي
              • 05-06-2010
              • 2433

              #7
              شرفا و غبطة أستاذ توفيق،
              حلّقت بعيدا مع الصّورة الهديّة، لعلّي نلت من الرّحلة انطباعا بأنّ الأدب فلسفة أو لا يكون، و كلّ محاولة لا تكون نواتها فلسفة ما هي بالتأكيد محض عشوائيّة.
              راقني تصميمك الرائع للفكرة.
              مدوّنة

              فلكُ القصّة القصيرة

              تعليق

              يعمل...
              X