[frame="9 80"][لماذا تصرخُ الرِّيحُ الحبيــسةُ بينَ أعْماقي
لماذا تعْبثُ الذكْرى بأشْـــــواقي وأوراقي
وكنتُ ظننتُها نــــامتْ بعُشٍّ خلفَ أحداقي
فماذا فجَّرَ الينبـــــــوعَ في أغْوارِ أشْواقي[/frame]
شعر الدكتور مصطفى عراقي
[لماذا تصرخُ الرِّيحُ الحبيــسةُ بينَ أعْماقي
"لماذا" وما أرق حروفها وأقربها إلى حالات الرقة وفي سياق هذا الحزنالذي تنجبه فينا القصيدة ، بصوت ميمها الأمومي كما قال ذوي العلم بالأمر في لغتنا خاصة واللغات البقية عامة، والذال هنا التي بها من معاني الذكورة والسيطرة ما فيها.. عجباً أيها المغترب في أثواب الحرف كيف لكلمة واحدة أن تجمع أساسا مشاعر الإنسان مشاعره تجاه الأم وكل من أثر في حياته من الرجال.. أخا أو أبا.. وبم أن الميم للأمومة وهي خاصة والذال للذكورة وهي عامة كثيرا.. فإني من الممكن هنا أن أستنتج أن هناك منزلة أكبر وأعلى وأغلى للأم وقد يكون لها في القصيدة مكان في الآتي بشكل مقصود وواع.. ربما، ولكن الأكيد أن لإحساس الشاعر بها امتدادات في كل كتاباته حتى ولو بنتيجة كالرقة التي لمسنا منها في "كف أمي.. لماذا تصـرخُ الرِّيـحُ الحبيسـةُ بيـنَ أعْماقـي
ولو جئنا للتاء تلك التي سموها ضعيفة الشخصية، إنها أشبه بمحاولة شاعرنا العملاق أن يسيطر على الموقف أن يهدأ ولكن غصبا عنه تحدث تأتأة بأصابعه مع بقية الكف.. هي فركة لا تصمد أمام صفير الصاد وحرف الخاء اللذان يحكيان جموح الريح عندنا في الريف..
تاء (محاولة السيطرة بفركة أصبع/ أو سيادة الحيرة والحزن إلى حد الضعف) إلى صاد وخاء (جموح الريح وانفعالها) ومتى تصفر الريح أويكون لها صوت الخاء .. إذا كانت هناك تجاويف أكثر.. فالصفير حين يكون مساحة واسعة... والخاء حين تكون هناك تجاويف.. أي عالم من السحر الشعوري والشعري يأخذنا إليه هذا العبقري..
وما وصفها الشاعر بأنها "صر" ولكن ذكر لنا فيها حاء الحرارة واللذوعة، ولكن ما هي الريح ..؟؟ إنها نسيم الهواء.. إنها روح النظم العبقرية التي تكتب هنا، أو هو روح ما مارسته سنوات الشاعر من دراسة أكاديمية ومشاعر.. ما باله يعشق الذكرى، وما يا أتي في ذكرها أروع؟ ما باله لا يصفها بقسوتها، ولكن بألذ ما يمكن في الذكرى وهو جمال حزنها –من وجهة نظري- بل إن صفتها أنها حبيسة، إذن كان صفيرها وخائيتها مبررين ليست للهدم، ولكنها طبيعة المحبوس في هياجه.. ومرة أخرى آتي إلى كلمة "بين أعماقي" وما فيها من وصف الشاعر لدواخله بالبلد الواسعة.. فهناك ريح.. وهي تصفر وتسمعك صوت الخاء بين أعماق الشاعر .. هناك مساحات واسعة يرسم بها الشاعر نفسه .. أنا عن نفسي دخلته الآن ولا أرى له بدءأ ولا أحسب له منتهى.. فما أنا الآن إلا حيث استضفني بين أعماقه مع الريح أمام موقف واحد لو صحت التسمية أو لم تصح فنقول عليه "موقف الريح".. ولي رغبة ف أن أبدي وجهة نظر هي أكيد زاوية لفهم الكلمة "بين أعماقي" فنحن قلنا سلفا في نفس التحليل عن لذة الحزن، ومنها قد يعتبر هذا الأمر قدحا في شخصية الشاعر أنه ماضوي أو يسرقه الماضي، حتى ولو اعتبر بعضهم هذا مغفورا لشخصية سوية ما دام لا يستمر كثيرا- ولكني أؤكد مما يبين بعدُ أنه ليس الشاعر من هذا النوع، وهو حقا يحتفظ بالذكرى فهو يسأل عن دافعها للصراخ، لا عن دافع وجودها أصلا.. والفارق واضح جدا بين الأمرين.. فأنا أعلم وأحس بوجود الذكري بين أعماقي، ولكنها هادئة هدوء الصبر مثلا.. وإنما صرخت الآن فأسأل عن سببها في الصراخ.. ويؤكد كلمات الشاعر لنا هذا التأكيد، ولكن بتدقيق بسيط نجد أن الريح حبيسة بين أعماقه.. أي عندنا عمق + عمق +
عمق وهكذا وبينهم تجد الريح المحبوسة.. الصارخة.. لم يقل لنا في عمقه ولكنها بين أعماقه.. وكأنني ببعض المدن التي بينها منطقة ما توجد فيها الريح.. إنها محاصرة في منطقة خارج الأعماق أو بين الأعماق.. وليست هي التي تحتل العمق بذاته.. ومن ثم فالشاعر من ذوي الخلق القوي المسيطر على نفسه، فهي محبوسة ليس في أعماقه ولكن بينها..
هنا يبدو ملمح هام جدا من ملامح الشاعر الرجل القوي وهنا يبرر عموم حرف "الذال" بالنسبة لخصوصية "حرف الميم" فالشاعر لا يحتاج إلى مشاعر من أي نوع قدر احتياجه إلى مشاعر امرأة هي الأم والزوجة، هي التي يمكنها أن توفر له نوعاً من المحبة التي شربها في (كف أمــ"ـه"ــي)..
لقد شرب خبرات الرجال وعرك حيواتهم ولم يعد في حاجة إلى معلم كي يمنحه تجارب صداقاته له، ولكنه في حاجة إلى مشاعر الميم.. تلك التي تناسب رقة الذكرى.. وإن ثارت وصرخت، فحقها حق المحبوس في محبة الحرية...
لماذا تعْبثُ الذكْرى بأشْـــــواقي وأوراقي
الـلـه حاميك أيها الرائع.. فالمعادل الكتابي للموقف المثير للقصيدة واضح جدا في الكتابة.. إننها نلجأ إلى التصوير في حالة الانفعال والحيرة الزائدة.. ومن هنا كان البيت الأول في مفاجأة الريح وثورتها وضعف محاولة السيطرة عليها في حرف التاء.. لكن جاء البيت الثاني يذكر الواقع (الريح/الذكرى) ونزلت بساحة القصيدة مواقف أخرى للمعالجة معاجلة المشكلة أو الموقف حيث بدأت عملية الكتابة.. "وأوراقي"..
ولكن حضر بأبوته حرف الباء..
ما الذي حدث بالضبط..
لقد صار الأمر أكثر راحة حين تدخلت كلمة "أوراق" في الموقف.. فهو بدأ الكتابة ومستوى الانفعال بالموقف صار في حكم نية السيطرة إلى حد كبير.. والدليل العودة من المشبه به إلى المشبه.. من الريح إلى الذكرى..
وفي الواقع يذكرني هذا بحكاية الأم التي تحب أولادها جميعا ولكنه تشتاق الغائب أو المريض أكثر.. فالشاعر قد يكون يلح عليه شعور الحاجة لأمومةٍ مُحبةٍ أكثر لذا عبر عنه في الأول وحده، وقد يكون من قبيل التربية الدينية "قال: أمك" قال ثم من يا رسول الله، قال أمك ...." أو من قبيل ما فسرناه في البيت الأول.. فإذا خفت حدة الموقف وانتهى حرج ضعف محاولات السيطرة بدأت مشاعر أخرى في البزوغ.. وقد لا يكون ظهور "الباء" من زاوية المشاعر فقط، ولكن خبرات الأب وحكمته ونصائحه التي كان يستنير بها الشاعر في حياته..
إن مفردات الذكورة هنا أكثر من واحدية "الميم" في لماذا.. إضافة إلى أن الميم في "كلمة استفهام" والباءات واحدة في منتصف الكلمة "وكأني وهي روعة الذكر هنا فالطفل يقع في موقف حرج، يجب أن أيقع أولاً نتيجة لقلة خبرة أو أن الموقف غريب مثلا "ويبدو هذا في حرف التاء" وبعده حرف "العين" ذلك الذي يمثل الشكوى وأكثر ما يوجد في تعبيرات الكلمات الحربية والمواقف الحربية حيث العواء والتعوذ والتعري و و و ، ومن ثم يأتي حرف الباء مسانداً بصورة الأب الذي ينصح ويعلم..
هل يحتاج الشاعر لا إلى الأب ولكن لنقل إلى حكمة الأب ونصائحه والإحساس بقربه في موقف وقع فيه الشاعر في منتصف موقف يعـ"أب"ـث بحياة طفل الشاعر..
ولا ننسى حرفي الذال..
وما المسافة بين "أشواقي" وبين أوراقي" إنها لا شك مسافة بين المقدمة والنتيجة وللدراسة الأكاديمية المنظمة فيما أحسب تأثيرا في هذا النظم الآن، وهي مسافة بين خطى الآتي وجسر العبور عبور النهر إلى الضفة الأخرى.. بين العلة والدواء..
وكنتُ ظننتُها نــــامتْ بعُشٍّ خلفَ أحداقي
فماذا فجَّرَ الينبـــــــوعَ في أغْوارِ أشْواقي
من خلف الأحداق إلى كلمة" فجر" لا يمكنني إلا استرجاع صورة الدمع أول قراءة.. وما أرق استخدامات الكلمة "ينبوع" إنها الذكرى ولو كانت قاسية ومهما كانت قاسية عذبة في حضرتها متى حضرت.. ولكن في "في" تلك الظرفية التي دائما تشعرني بفراغات حول ما هو "في" أغوار.... إن هناك الينبوع الذي تفجر "في" وبعدها كلمة أغوار.. وما أعمق من تركيب كهذا!! "في" ظرفية، و"أغوار" بأعماق هذه الكلمة / الجمع/ السحيقة / الكبيرة الخ... ما أقصده أن الشاعر لا زال يرسم منظرا طبيعيا بل بلدا فيها مساحات واسعة جدا.. فمن قبل كانت بين.. والآن صارت "في" فهل تكون الأعماق قد تجمعت فصارت واحدة أو متحدة والمنطقة المحصورة بينها صارت فيها، ولهذا ما له في إثبات حالة التوحد التي التحمت فيها كيانات الشاعر وأجزاؤه مع بدايات هذه الذكرى.. ولعله يبدو نتيجة هذا الالتحام في أمنية الشاعر في آخر القصيدة.. ما بين "بين" ((بين أعماقي)) وبين "في" ((في أغوار)) مسافة الجسر للعبور.. والوقوف مع الشاعر الآن على الضفة الأخرى من النهر..وكيف لا لهذا الالتحام أن يكون هنا في نهاية المقطوعة الساحرة تلك؟ كيف لا؟ وقد نبأنا حرفا الميم والباء.. وقد اجتمعا بفرق زمني قصير جدا فيما قبل هذا البيت..
ومع ذلك لا يفقد الشاعر العمق في الموضوع ولا المعنى فهنا ما زالت "أغوار" بما تحمله من معنى مفردها مجموعاً هنا.. إنها لحظة من لحظات التجلي والتوحد الرائع.. تلك التي تنبئ عن آت في النية.. رغم كل الوجع وكل الحزن...
..
لنا الله أمام عبقرية لغوية لمستها فيكم أيها العالم الجليل..
وليعذرني من لم يلمسها
لماذا تعْبثُ الذكْرى بأشْـــــواقي وأوراقي
وكنتُ ظننتُها نــــامتْ بعُشٍّ خلفَ أحداقي
فماذا فجَّرَ الينبـــــــوعَ في أغْوارِ أشْواقي[/frame]
شعر الدكتور مصطفى عراقي
[لماذا تصرخُ الرِّيحُ الحبيــسةُ بينَ أعْماقي
"لماذا" وما أرق حروفها وأقربها إلى حالات الرقة وفي سياق هذا الحزنالذي تنجبه فينا القصيدة ، بصوت ميمها الأمومي كما قال ذوي العلم بالأمر في لغتنا خاصة واللغات البقية عامة، والذال هنا التي بها من معاني الذكورة والسيطرة ما فيها.. عجباً أيها المغترب في أثواب الحرف كيف لكلمة واحدة أن تجمع أساسا مشاعر الإنسان مشاعره تجاه الأم وكل من أثر في حياته من الرجال.. أخا أو أبا.. وبم أن الميم للأمومة وهي خاصة والذال للذكورة وهي عامة كثيرا.. فإني من الممكن هنا أن أستنتج أن هناك منزلة أكبر وأعلى وأغلى للأم وقد يكون لها في القصيدة مكان في الآتي بشكل مقصود وواع.. ربما، ولكن الأكيد أن لإحساس الشاعر بها امتدادات في كل كتاباته حتى ولو بنتيجة كالرقة التي لمسنا منها في "كف أمي.. لماذا تصـرخُ الرِّيـحُ الحبيسـةُ بيـنَ أعْماقـي
ولو جئنا للتاء تلك التي سموها ضعيفة الشخصية، إنها أشبه بمحاولة شاعرنا العملاق أن يسيطر على الموقف أن يهدأ ولكن غصبا عنه تحدث تأتأة بأصابعه مع بقية الكف.. هي فركة لا تصمد أمام صفير الصاد وحرف الخاء اللذان يحكيان جموح الريح عندنا في الريف..
تاء (محاولة السيطرة بفركة أصبع/ أو سيادة الحيرة والحزن إلى حد الضعف) إلى صاد وخاء (جموح الريح وانفعالها) ومتى تصفر الريح أويكون لها صوت الخاء .. إذا كانت هناك تجاويف أكثر.. فالصفير حين يكون مساحة واسعة... والخاء حين تكون هناك تجاويف.. أي عالم من السحر الشعوري والشعري يأخذنا إليه هذا العبقري..
وما وصفها الشاعر بأنها "صر" ولكن ذكر لنا فيها حاء الحرارة واللذوعة، ولكن ما هي الريح ..؟؟ إنها نسيم الهواء.. إنها روح النظم العبقرية التي تكتب هنا، أو هو روح ما مارسته سنوات الشاعر من دراسة أكاديمية ومشاعر.. ما باله يعشق الذكرى، وما يا أتي في ذكرها أروع؟ ما باله لا يصفها بقسوتها، ولكن بألذ ما يمكن في الذكرى وهو جمال حزنها –من وجهة نظري- بل إن صفتها أنها حبيسة، إذن كان صفيرها وخائيتها مبررين ليست للهدم، ولكنها طبيعة المحبوس في هياجه.. ومرة أخرى آتي إلى كلمة "بين أعماقي" وما فيها من وصف الشاعر لدواخله بالبلد الواسعة.. فهناك ريح.. وهي تصفر وتسمعك صوت الخاء بين أعماق الشاعر .. هناك مساحات واسعة يرسم بها الشاعر نفسه .. أنا عن نفسي دخلته الآن ولا أرى له بدءأ ولا أحسب له منتهى.. فما أنا الآن إلا حيث استضفني بين أعماقه مع الريح أمام موقف واحد لو صحت التسمية أو لم تصح فنقول عليه "موقف الريح".. ولي رغبة ف أن أبدي وجهة نظر هي أكيد زاوية لفهم الكلمة "بين أعماقي" فنحن قلنا سلفا في نفس التحليل عن لذة الحزن، ومنها قد يعتبر هذا الأمر قدحا في شخصية الشاعر أنه ماضوي أو يسرقه الماضي، حتى ولو اعتبر بعضهم هذا مغفورا لشخصية سوية ما دام لا يستمر كثيرا- ولكني أؤكد مما يبين بعدُ أنه ليس الشاعر من هذا النوع، وهو حقا يحتفظ بالذكرى فهو يسأل عن دافعها للصراخ، لا عن دافع وجودها أصلا.. والفارق واضح جدا بين الأمرين.. فأنا أعلم وأحس بوجود الذكري بين أعماقي، ولكنها هادئة هدوء الصبر مثلا.. وإنما صرخت الآن فأسأل عن سببها في الصراخ.. ويؤكد كلمات الشاعر لنا هذا التأكيد، ولكن بتدقيق بسيط نجد أن الريح حبيسة بين أعماقه.. أي عندنا عمق + عمق +
عمق وهكذا وبينهم تجد الريح المحبوسة.. الصارخة.. لم يقل لنا في عمقه ولكنها بين أعماقه.. وكأنني ببعض المدن التي بينها منطقة ما توجد فيها الريح.. إنها محاصرة في منطقة خارج الأعماق أو بين الأعماق.. وليست هي التي تحتل العمق بذاته.. ومن ثم فالشاعر من ذوي الخلق القوي المسيطر على نفسه، فهي محبوسة ليس في أعماقه ولكن بينها..
هنا يبدو ملمح هام جدا من ملامح الشاعر الرجل القوي وهنا يبرر عموم حرف "الذال" بالنسبة لخصوصية "حرف الميم" فالشاعر لا يحتاج إلى مشاعر من أي نوع قدر احتياجه إلى مشاعر امرأة هي الأم والزوجة، هي التي يمكنها أن توفر له نوعاً من المحبة التي شربها في (كف أمــ"ـه"ــي)..
لقد شرب خبرات الرجال وعرك حيواتهم ولم يعد في حاجة إلى معلم كي يمنحه تجارب صداقاته له، ولكنه في حاجة إلى مشاعر الميم.. تلك التي تناسب رقة الذكرى.. وإن ثارت وصرخت، فحقها حق المحبوس في محبة الحرية...
لماذا تعْبثُ الذكْرى بأشْـــــواقي وأوراقي
الـلـه حاميك أيها الرائع.. فالمعادل الكتابي للموقف المثير للقصيدة واضح جدا في الكتابة.. إننها نلجأ إلى التصوير في حالة الانفعال والحيرة الزائدة.. ومن هنا كان البيت الأول في مفاجأة الريح وثورتها وضعف محاولة السيطرة عليها في حرف التاء.. لكن جاء البيت الثاني يذكر الواقع (الريح/الذكرى) ونزلت بساحة القصيدة مواقف أخرى للمعالجة معاجلة المشكلة أو الموقف حيث بدأت عملية الكتابة.. "وأوراقي"..
ولكن حضر بأبوته حرف الباء..
ما الذي حدث بالضبط..
لقد صار الأمر أكثر راحة حين تدخلت كلمة "أوراق" في الموقف.. فهو بدأ الكتابة ومستوى الانفعال بالموقف صار في حكم نية السيطرة إلى حد كبير.. والدليل العودة من المشبه به إلى المشبه.. من الريح إلى الذكرى..
وفي الواقع يذكرني هذا بحكاية الأم التي تحب أولادها جميعا ولكنه تشتاق الغائب أو المريض أكثر.. فالشاعر قد يكون يلح عليه شعور الحاجة لأمومةٍ مُحبةٍ أكثر لذا عبر عنه في الأول وحده، وقد يكون من قبيل التربية الدينية "قال: أمك" قال ثم من يا رسول الله، قال أمك ...." أو من قبيل ما فسرناه في البيت الأول.. فإذا خفت حدة الموقف وانتهى حرج ضعف محاولات السيطرة بدأت مشاعر أخرى في البزوغ.. وقد لا يكون ظهور "الباء" من زاوية المشاعر فقط، ولكن خبرات الأب وحكمته ونصائحه التي كان يستنير بها الشاعر في حياته..
إن مفردات الذكورة هنا أكثر من واحدية "الميم" في لماذا.. إضافة إلى أن الميم في "كلمة استفهام" والباءات واحدة في منتصف الكلمة "وكأني وهي روعة الذكر هنا فالطفل يقع في موقف حرج، يجب أن أيقع أولاً نتيجة لقلة خبرة أو أن الموقف غريب مثلا "ويبدو هذا في حرف التاء" وبعده حرف "العين" ذلك الذي يمثل الشكوى وأكثر ما يوجد في تعبيرات الكلمات الحربية والمواقف الحربية حيث العواء والتعوذ والتعري و و و ، ومن ثم يأتي حرف الباء مسانداً بصورة الأب الذي ينصح ويعلم..
هل يحتاج الشاعر لا إلى الأب ولكن لنقل إلى حكمة الأب ونصائحه والإحساس بقربه في موقف وقع فيه الشاعر في منتصف موقف يعـ"أب"ـث بحياة طفل الشاعر..
ولا ننسى حرفي الذال..
وما المسافة بين "أشواقي" وبين أوراقي" إنها لا شك مسافة بين المقدمة والنتيجة وللدراسة الأكاديمية المنظمة فيما أحسب تأثيرا في هذا النظم الآن، وهي مسافة بين خطى الآتي وجسر العبور عبور النهر إلى الضفة الأخرى.. بين العلة والدواء..
وكنتُ ظننتُها نــــامتْ بعُشٍّ خلفَ أحداقي
في هذا البيت موسيقى من نوع رائع.. وأنا لا أعرف في أنواع الموسيقى ولكن أحسها فقط.. وكيف لا وكلمة "كنت" في أغلب ما قرأته فيها أنها ترد في موقف الرقة والرجوع إلى الماضي في حزن وجمال..
فالكاف ليس فيها قلقلة القاف، وبعدها النون الحزينة الغائبة في ترانيم الرقة ومنتهى حكمة الوجع.. وتنتهي بالتاء التي تتركها في أذني السامع تأتأة الأصابع، فكأنها نسمة في جو الحزن وارتحلت تاركة أثراً ما..
بين النون والميم أكثر من جمال.. وفي وجود الباء ملتصقة بـ"ـعش" ما يؤكد أبوة الشاعر لهذه الذكرى.. فالطائر الأب يضع فرخه في عش، يا لها من قمة لغوية يدوس بها الشاعر كل قيود اللغة..
البدء بسؤال شد العين والأذن والقلب، إن الحادثة تتشكل في أبيات قليلة كهذه.. قصة قصيرة من "شكوى وحيرة [لماذا تصرخُ الرِّيحُ الحبيــسةُ بينَ أعْماقي]، وحالة الحزن وسببه في [لماذا تعْبثُ الذكْرى بأشْـــــواقي وأوراقي] والروعة في البيت التالي حيث [وكنتُ ظننتُها نــــامتْ بعُشٍّ خلفَ أحداقي] في موسيقاه، في نوناته الحزينة، في صورة الذكرى النائمة .. والنائمة في عشِّ.. وكأني أرى لدى الشاعر أعشاشاً كثيرة اختار منها لنومة الذكرى عشاُ ويا لروعة أن يكون عش الذكرى خلف الحدقة.. إنها إذا تطير يكون أقرب مكان لها العين لكي تطير .. وإن
- وإنها تنام في العش، وما روعة هذا العش ثانيا وعاشراً.. وما الذي ينام في العش إلا صغار الطير تلك التي يربيها أبواها من الطيور بعيدا عن عيون الناس وعيون أكثر الكائنات.. ما هذا أيها الشاعر المجيد؟ ما هذه الروعة كل هذه الآلام تحملها.. تبدو وكأنها غير موجودة...
كان الشعراء قديما يقولون إن دموعهم إذا خلوا بأنفسهم تكون قريبة في الليل، ولكنك تجعلها في عشها خلف الحدق..
أقسمت بالله ما رأيت أروع من تلك الصورة الخلابة..
يا صاحب الذكرى التي تطلق طيرها متفجراً.. وما الذي يتفجر إلا ماء الدمع..
هنا لا يمكنني إلا الصمت..
الصمت مستمتعا بتلك اللوحة التي لم يرسمها قبلك شاعر وإن رسمها بعدك آخر فأنت السابق لها حسب ما وفقني الله في قراءتي من أشعار آخرين..
فالكاف ليس فيها قلقلة القاف، وبعدها النون الحزينة الغائبة في ترانيم الرقة ومنتهى حكمة الوجع.. وتنتهي بالتاء التي تتركها في أذني السامع تأتأة الأصابع، فكأنها نسمة في جو الحزن وارتحلت تاركة أثراً ما..
بين النون والميم أكثر من جمال.. وفي وجود الباء ملتصقة بـ"ـعش" ما يؤكد أبوة الشاعر لهذه الذكرى.. فالطائر الأب يضع فرخه في عش، يا لها من قمة لغوية يدوس بها الشاعر كل قيود اللغة..
البدء بسؤال شد العين والأذن والقلب، إن الحادثة تتشكل في أبيات قليلة كهذه.. قصة قصيرة من "شكوى وحيرة [لماذا تصرخُ الرِّيحُ الحبيــسةُ بينَ أعْماقي]، وحالة الحزن وسببه في [لماذا تعْبثُ الذكْرى بأشْـــــواقي وأوراقي] والروعة في البيت التالي حيث [وكنتُ ظننتُها نــــامتْ بعُشٍّ خلفَ أحداقي] في موسيقاه، في نوناته الحزينة، في صورة الذكرى النائمة .. والنائمة في عشِّ.. وكأني أرى لدى الشاعر أعشاشاً كثيرة اختار منها لنومة الذكرى عشاُ ويا لروعة أن يكون عش الذكرى خلف الحدقة.. إنها إذا تطير يكون أقرب مكان لها العين لكي تطير .. وإن
- وإنها تنام في العش، وما روعة هذا العش ثانيا وعاشراً.. وما الذي ينام في العش إلا صغار الطير تلك التي يربيها أبواها من الطيور بعيدا عن عيون الناس وعيون أكثر الكائنات.. ما هذا أيها الشاعر المجيد؟ ما هذه الروعة كل هذه الآلام تحملها.. تبدو وكأنها غير موجودة...
كان الشعراء قديما يقولون إن دموعهم إذا خلوا بأنفسهم تكون قريبة في الليل، ولكنك تجعلها في عشها خلف الحدق..
أقسمت بالله ما رأيت أروع من تلك الصورة الخلابة..
يا صاحب الذكرى التي تطلق طيرها متفجراً.. وما الذي يتفجر إلا ماء الدمع..
هنا لا يمكنني إلا الصمت..
الصمت مستمتعا بتلك اللوحة التي لم يرسمها قبلك شاعر وإن رسمها بعدك آخر فأنت السابق لها حسب ما وفقني الله في قراءتي من أشعار آخرين..
فماذا فجَّرَ الينبـــــــوعَ في أغْوارِ أشْواقي
من خلف الأحداق إلى كلمة" فجر" لا يمكنني إلا استرجاع صورة الدمع أول قراءة.. وما أرق استخدامات الكلمة "ينبوع" إنها الذكرى ولو كانت قاسية ومهما كانت قاسية عذبة في حضرتها متى حضرت.. ولكن في "في" تلك الظرفية التي دائما تشعرني بفراغات حول ما هو "في" أغوار.... إن هناك الينبوع الذي تفجر "في" وبعدها كلمة أغوار.. وما أعمق من تركيب كهذا!! "في" ظرفية، و"أغوار" بأعماق هذه الكلمة / الجمع/ السحيقة / الكبيرة الخ... ما أقصده أن الشاعر لا زال يرسم منظرا طبيعيا بل بلدا فيها مساحات واسعة جدا.. فمن قبل كانت بين.. والآن صارت "في" فهل تكون الأعماق قد تجمعت فصارت واحدة أو متحدة والمنطقة المحصورة بينها صارت فيها، ولهذا ما له في إثبات حالة التوحد التي التحمت فيها كيانات الشاعر وأجزاؤه مع بدايات هذه الذكرى.. ولعله يبدو نتيجة هذا الالتحام في أمنية الشاعر في آخر القصيدة.. ما بين "بين" ((بين أعماقي)) وبين "في" ((في أغوار)) مسافة الجسر للعبور.. والوقوف مع الشاعر الآن على الضفة الأخرى من النهر..وكيف لا لهذا الالتحام أن يكون هنا في نهاية المقطوعة الساحرة تلك؟ كيف لا؟ وقد نبأنا حرفا الميم والباء.. وقد اجتمعا بفرق زمني قصير جدا فيما قبل هذا البيت..
ومع ذلك لا يفقد الشاعر العمق في الموضوع ولا المعنى فهنا ما زالت "أغوار" بما تحمله من معنى مفردها مجموعاً هنا.. إنها لحظة من لحظات التجلي والتوحد الرائع.. تلك التي تنبئ عن آت في النية.. رغم كل الوجع وكل الحزن...
..
لنا الله أمام عبقرية لغوية لمستها فيكم أيها العالم الجليل..
وليعذرني من لم يلمسها
تعليق