
في هذه البلدة الصغيرة التي يحتضنها البحر في شغف ،ويشعل وهج صمتها هديره المدوي كلحن رجولي خشن،يعانق الصمت الصدى ويلامس النور التراب، تختلط كل الألوان فينتج عنها جمالا ساحرا يخطف عقول كل من رآها.
صباحا قبل أن تلقي الشمس خيوطها المسدلة، تنطلق قوافل النساء كأطياف تنسل من بين الغمام، لا تكاد تلحظهن الأعين، أطياف صامتة لا تبوح بسرها إلا لنور الشمس؛ الذي يسرج لهن قبس من ضوء يجلي ظلام الليل المتعب، و يبعث فيهن بعض من قوة تساعدهن على قهر الشقاء ، نساء قد حملنا بين أيديهن الصدئة معاول وفؤوس، يقطعن طريقا شاقا وعرا للوصول إلى الحقول، تنعكس إشارات الصباح على وجوههن المشرقة فيغدو المشهد أشبه بحلم أبيض شفاف لكنه مر بطعم الوجع ...
علجية امرأة داهمها خريف العمر في سنينها الخمسين، وأصبحت مثقلة بالهموم، تنزف جرح الحياة وهي ترى بناتها يكبرن؛ في عمر الزمن كأنهن زهور ذابلة؛ من تعب العمل في الحقول، تمنت أن تراهن مختلفات؛ يحلمن ويعشن حياة أفضل، تخفي حزنها المرير عن الأعين ولا تظهر منه شيء، حين يجن الليل تختلي بدموعها وذكريات زوجها الراحل الذي تركها وحيدة كسيرة كظل هش تفيء بها صروف الزمن يمنة ويسرة، بناتها لم تبتسم لهن الحياة يعملن مع أمهن في الأرض يزرعن الأحلام ولا يحصدن غير الصبر الطويل ،قطعة أرض تركها الأب ورحل، لم يترك غيرها، قطعة كأنها روحه، لا تزال صامدة في وجه النسيان، تصلح لزراعة حلم ، تسد الرمق؛ لكنها لا تسمن من جوع، قطعة من روحه لم تدفن معه في رحيله الصامت ،أخوه الأكبر يطارد الأم المسكينة لتبيعه الأرض، يريد أن يدفن آخر ذكرى باقية من أخيه، لكن الزوجة ترفض بشدة، تستمر في رحلة الصبر هي و بناتها
و لا تخضع لمساومات الصهر، ولا لتهديداته، فهي متشبثة بأخر نفس من زوجها وجسده؛ الذي تراه في كل ذرة تراب وتبصره في كل خطوة تخطوها في ذلك الحق.
اعتذر على بساطة قلمي وأنا هنا لاتعلم منكم بارك الله
تعليق