في منتصف الثمانينات .. و في الرابعة صباحاً..و في الطابق الرابع من المستشفى الحكومي..
خرجت للدنيا بصمت ..مقطب الجبين ..سادراً في وحدتي التي عشتها لتسعة أشهر..
- لم يصرخ..و لم يبكِ ..
هكذا تقول الممرضة للطبيب المناوب..
اقترب مني .. و جعل يقلبني ذات اليمين و ذات الشمال ..و ضرب على صدري الصغير .. لكني لم أصرخ أبدا !! لعلي كنت من لحظتها رجلا !!
- تنفسه طبيعي .. و نبضه كذلك..
-إذن لا مشكلة يا دكتور..
- لا مشكلة أبدا ..فقط ضعوه في الحضانة ليوم كامل..
حملتني الممرضة عاريا .. بجسد غض .. أرتجف من هذا المحيط الجديد الذي خرجت له .. أقحمتني في غرفة زجاجية صغيرة .. و مليئة بروائح معقمة قد تكون تشبه ذلك المكان الذي مكثت فيه قبل أن يلفظني للعراء..
حولي غرف زجاجية كثيرة فيها أطفالٌ صغارٌ جداً .. أتلفت يميناً مرة و يساراً أخرى وجوه ذات لون محمر تغفو قليلاً و وجوه تستسلم للبكاء..و ليسوا مثلي .. لست أدري لماذا لا أكون مثلهم ..لماذا لا أبكي ؟
أحاول أن أغفو قليلا بعد عناء الرحلة .. لكن الممرضة الغبية تقطع علي خلوتي.. تحملني من جديد بين يديها ..تمسح على رأسي الخالي من الشعر .. " لماذا لم يكن لي شعر مثل بقية الرضع" لا أدري المهم أن هذا ليس وقت الأسئلة يا أنا..
- تفضلي سيدتي هذا ابنك و قد حان موعد إرضاعه..
تبسط أمي يديها .. تتلقفني بحركة متقنة يبدو أن أمي قد أنجبت غيري .. فهذا واضح..
تظل عينا أمي معلقة في وجهي .. أحاول إغلاق عيني من الضوء المسلط من مصباح الإضاءة .. تمسح على وجهي .. تهديني قبلة .. و تشرع في إرضاعي .. بينما تقول لوالدي الجالس في الزاوية..
_ هل تظن به مكروه حينما لم يصرخ .. فقد سمعت أن الطفل الذي لا يصرخ لحظة ولادته قد يكون ....
و تسكت أمي .. بينما يقول والدي ..
- لا تقلقي .. سترينه غدا طبيباً كبيراً .. يبدو أن رأسه الخالي من الشعر دليل على ذكائه..
- لماذا لا يكون شاعراً ..
أترك الرضاعة .. و أنظر لهما غريبان يتباحثان في أمر لا يخصهما !!
سأكون ممرضة كتلك الممرضة التي أقحمتني في البيت الزجاجي..
لكن لماذا لم أبكِ .. لماذا لا أصرخ ..أحاول جاهدا أن أصرخ ..فلا أستطيع .. الصوت يخونني .. و يتمرد على قدرتي.. بل و يهجرني .. لأكبر بدونه .. بدون صوتي..
.
خرجت للدنيا بصمت ..مقطب الجبين ..سادراً في وحدتي التي عشتها لتسعة أشهر..
- لم يصرخ..و لم يبكِ ..
هكذا تقول الممرضة للطبيب المناوب..
اقترب مني .. و جعل يقلبني ذات اليمين و ذات الشمال ..و ضرب على صدري الصغير .. لكني لم أصرخ أبدا !! لعلي كنت من لحظتها رجلا !!
- تنفسه طبيعي .. و نبضه كذلك..
-إذن لا مشكلة يا دكتور..
- لا مشكلة أبدا ..فقط ضعوه في الحضانة ليوم كامل..
حملتني الممرضة عاريا .. بجسد غض .. أرتجف من هذا المحيط الجديد الذي خرجت له .. أقحمتني في غرفة زجاجية صغيرة .. و مليئة بروائح معقمة قد تكون تشبه ذلك المكان الذي مكثت فيه قبل أن يلفظني للعراء..
حولي غرف زجاجية كثيرة فيها أطفالٌ صغارٌ جداً .. أتلفت يميناً مرة و يساراً أخرى وجوه ذات لون محمر تغفو قليلاً و وجوه تستسلم للبكاء..و ليسوا مثلي .. لست أدري لماذا لا أكون مثلهم ..لماذا لا أبكي ؟
أحاول أن أغفو قليلا بعد عناء الرحلة .. لكن الممرضة الغبية تقطع علي خلوتي.. تحملني من جديد بين يديها ..تمسح على رأسي الخالي من الشعر .. " لماذا لم يكن لي شعر مثل بقية الرضع" لا أدري المهم أن هذا ليس وقت الأسئلة يا أنا..
- تفضلي سيدتي هذا ابنك و قد حان موعد إرضاعه..
تبسط أمي يديها .. تتلقفني بحركة متقنة يبدو أن أمي قد أنجبت غيري .. فهذا واضح..
تظل عينا أمي معلقة في وجهي .. أحاول إغلاق عيني من الضوء المسلط من مصباح الإضاءة .. تمسح على وجهي .. تهديني قبلة .. و تشرع في إرضاعي .. بينما تقول لوالدي الجالس في الزاوية..
_ هل تظن به مكروه حينما لم يصرخ .. فقد سمعت أن الطفل الذي لا يصرخ لحظة ولادته قد يكون ....
و تسكت أمي .. بينما يقول والدي ..
- لا تقلقي .. سترينه غدا طبيباً كبيراً .. يبدو أن رأسه الخالي من الشعر دليل على ذكائه..
- لماذا لا يكون شاعراً ..
أترك الرضاعة .. و أنظر لهما غريبان يتباحثان في أمر لا يخصهما !!
سأكون ممرضة كتلك الممرضة التي أقحمتني في البيت الزجاجي..
لكن لماذا لم أبكِ .. لماذا لا أصرخ ..أحاول جاهدا أن أصرخ ..فلا أستطيع .. الصوت يخونني .. و يتمرد على قدرتي.. بل و يهجرني .. لأكبر بدونه .. بدون صوتي..
.
تعليق