رحيل العتمة (مسرحية في فصلين)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد برهومي
    أديب وكاتب
    • 14-12-2012
    • 17

    رحيل العتمة (مسرحية في فصلين)

    الفصل الأول

    المشهد الأول

    في ضوء باهت يظهر والي المدينة المخلوع على الركح بكرسي متحرك وهو يخاطب متحسرا صورة ابنه داغر المعلقة بصوت شبه مسموع:

    ضقت ذرعا بدموعٍ ** و نحيــب وأنينْ
    إنني فوضت أمري ** لإله العالميــــنْ
    فيك يا نجلا شقيا ** عاقني منذ سنينْ
    كنت في قومي وجيها ** كنت عدلا وأمينْ
    كنت للمظلوم غوثا ** ونصيرا ومعينْ
    كنت للأضياف عبدا ** كنت عون المعوزينْ
    ريثما استأثرت جورا ** بمكاني يا لعينْ
    بعد أن خنت عهودي ** يا زعيم المارقينْ


    فجأة يدنف داغر الإبن الذي كان يسترق السمع خلسة ثم يخاطب أباه متهكما:

    سمعت أذْني كلاما ** فيه ظلم وتجنِ
    من أب فظ غليظ ** دأبه الإعراض عني
    إن تراني قـد سرقت العـــــــــرش يا تاج اللجينِ
    قم وأغمد سيفك المسلــــــــــول في بؤبؤ عيني
    قم على رجليك واقتلنــــــــــي لكي ترتاح مــني

    فيرد والده في حسرة وألم:
    جئتني تسخر مني ** بعد أن صرت الزعيمْ
    أنت من سببت دائي ** أيها الوغد اللئيمْ
    أنت من أحرقت قلبي ** ريثما صرت سقيمْ
    أنت من خنت الأمانهْ ** أنت شيطان رجيمْ

    يغتاض داغر من كلام أبيه لكنه يتمالك نفسه ويخاطب حرس القصر بأسلوب مبطن:

    أيها الجند خــــــذوه ** مــددوه بالســريـرْ
    أطعموه مـــــن لذيذٍ ** ألبسوه مــن حريرْ
    عاملوه بـاحتـــــرامٍ ** إنه شخص ضرير
    أبعدوا الأصفاد عنه ** فهو حرّ لا أسيـــرْ

    يتقدم جنديان على جناح السرعة لينقلا أبا داغر بكرسيه المتحرك الى غرفته المعزولة وينسدل الستار على هذا المشهد

    ************************************************** ************************************




    المشهد الثاني

    في جو مهيب داغر يتوسط عددا من أعضاء مجلس الشورى الشيوخ ,يشير عليهم بالجلوس ويبادر بالقول:

    بعد التحية والسلامْ ** حتما سأفتتح الكلامْ
    بالقول أن بلادنا ** بالرغم من كيد اللئامْ
    لابد أن تبقى المنارة والمثــــــــــــالَ على الدوامْ
    أصوات بعض الغاضبيــــــــــنَ توعّدت بالإنتقامْ
    ثأرا لوالدنا فكيف الحــــــــــــلُّ ياوفدي الكرامْ

    يقول أحد الشيخ بوقار بعد أن يطلب الإذن بالتدخل:

    والي المدينة منصب ** نختاره بالإنتخابْ
    فالإقتراع سبيلنا ** حتى يهادننا الشبابْ
    إني أشير عليكمُ ** بوجوب إرضاء الغِضابْ

    يطلب شيخ ثان الكلمة برفع يده فيؤذن له:

    فلننتخبْ كي نكتسب ** ود الصغارمع الكبارْ
    لكننا نحن الألى في الفرز ** أصحاب القرارْ


    يبتسم داغر في خبث ويعقب:

    طوبى لوال حوله ** أصحاب أفكار نبيههْ
    ادعوا الرعية تقترعْ ** بطريقة حرهْ نزيههْ
    حتى تظل بلادنا ** بين البلاد هي الوجيههْ

    يضع الجميع اليد فوق اليد ويشربون على نخب الإنتخابات المزمع إجراؤها.ثم رويدا رويدا يسدل الستار...

    ************************************************** *************************************


    المشهد الثالث:


    في جو كرنفالي بهيج يظهر داغر بنشوة وفرح أعقاب الإعلان عن فوزه في الإنتخابات وهو يقول:

    شكرا لكم يا عترتي ** فبفضلكم نلت الرجاءْ
    وغدوت واليكم بإجمــــــــــــــــــاع الجميع بلا مراءْ
    ولسوف أغمركم بعطــــــــــــــــف مثل أمطار السماءْ

    ثم يركز النظر على رئيس الحرس مستكملا :

    أما الألى أبدوا العقــــــــــــــــــــوق لنا لهم منا الجزاءْ
    زجوا بهم في السجن حتـــــــــــى يظهروا كل الولاءْ
    وإذا تمادوا فاقتلـــوا من لا يعــود عن العداءْ

    فيرد على الفور بطاعة و خضوع:

    الأمر أمرك سيدي ** سنسوقهم لسجونِنا
    سنذيقهم مرّ العـــــــــــــــــــــذاب لكي يدينوا بدينِنا
    فإذا تمادوا في العنــــــــــــــــاد قضَوْا بحد سيوفِنا

    يهتف الجميع بصوت منغم وموحد:
    عشت يا والي المدينهْ ** عشت يا والي البلادْ
    أنت ربان السفينهْ ** أنت فخر للعبادْ
    أنت للنفس المكينهْ ** خير ذخر واعتمادْ

    وينتهي المشهد رويدا رويدا بهذه الأهازيج......

    ************************************************** *************************************
    ************************************************** *************************************


    الفصل الثاني

    المشهد الأول

    في ضوء خافت يوحي بالعتمة ,يظهر الوالي بمخدعه مع زوجته مروج
    لاحظت هذه الأخيرة صمته و تفكيره فمسحت على شعره بنعومة وناجته مستفسرة :

    مولاي ماسر انشغالك ؟ *** أفصح لكي يرتاح بالكْ
    هل جدّ أمر عارض أفضــــــــــــــى إلى تكدير حالِكْ؟
    لاحظت أنك مذ دخلــــــــــــــت علي لم تنطق فمالَكْ؟

    يرد بصوت خفيض بعد زفرة وتنهد:

    بعض القبائل لم تعد تعطـــــــــي الجباية و الضرائبْ
    بعض القبائل لم تعد تخشــى العســـــــــاكر والكتائب
    ما ذاك غير بداية *** لتمرد من كل جانبْ

    فتقول مروج على الفور:

    الحل سهل سيدي *** باللين ينتزع الغضبْ
    خفض ضرائبهم لكي *** يرضوا فينطفئ اللهبْ
    ولتعفهِم من بعضها *** زمنا إذا عظم السببْ

    يبتسم داغر بعدما تتسع حدقتاه ويقول في سرور:

    رأي سديد راشدٌ *** هو ذاك يازوجي البتولْ
    إني سأسقط عنهمُ *** ما زاد من تلك الحمولْ
    وسنشتري بديونهم *** ما يملكون من الحقولْ

    ينتهي هذا المشهد و ينزل الستار ببطء

    ************************************************** ********

    المشهد الثاني

    الراوي

    بعدما تتفاقم الديون على الرعية يستحوذ داغر وزوجته مروج على جل أراضيها وماشيتها وأرزاقها كسداد لتلك الديون,فيشيع الفقر والخصاصة بين بسطاء العملة وصغار الفلاحين ويترتب عن ذلك غضب عارم يتملك طبقة الكادحين تجاه الطبقة الحاكمة المستغلة.

    ---------------------------------------

    نرى بزاوية مظلمة من الركح أفراد جماعة منشقة تجتمع للتخطيط لانقلاب على واليهم الظالم الجبار

    قائد التنظيم بصوت منخفض:

    هل أنتمو يا إخوتـي *** في أهبة وتحفـزِ ؟
    سنطيح بالباغي غدا *** بيد الفقير المعوزِ
    سنزيــــحه ما ذاك بالأمـــــــــر العسير المعجزِ

    يجيب بقية الجماعة بصوت واحد:

    لا شك إنا كلنا *** متأهبون و جاهزونْ
    وبعون خالقنا لسوف نزيح عــرش الظالمينْ
    بالعزم سوف ندكــّــه ونصد كيد الآثميـــــنْ

    يعقب القائد باطمئنان:

    شكرا فخطتنا غدا *** حشد الجموع كمالجنودْ
    ثم التوجه بعدها *** بِهِمُو ليخترقوا السدودْ
    ثم الولوج لحجرة الوالـي ليؤسر في القيودْ
    إيّاكمــو أن تقتلــــوه نريــــــــده حيـا نريدْ
    حتى تحاكمه الرعية وفـق منهــــــاج سديدْ


    ************************************************** ********************

    المشهد الثالث

    نرى على الركح جمعا مسلحا من المواطنين يبارزون عددا قليلا من حرس الوالي فينتصرون عليهم .. ثم يهرعون مسرعين إلى غرفة نوم داغر لكنهم يتفاجؤون بعدم وجوده هناك

    يسأل قائد الجماعة أحد غلمان داغر في غضب :

    أيها العبد أجبي *** أين مولاك الــــمُصان؟
    هل هنا بين الجوراري السمر والغيد الحسان؟

    يمهمه العبد ويجيب في رعشة:

    مولاي سارع بالخروج *** ومضى إلى ملك العلوج
    ليجيره وسط الحصون *** وبين أسوار البروج
    مولاي غادر صحبة الأطفــــال والزوجهْ مروج
    من بعدما حملوا الجواهـر والدراهم في السروج

    تهتف الجماعة في صخب:

    هيا بنـــــا هيا بنـــا *** نتعقبِ الوغد الجبانْ
    لنسدّ درب وصوله *** نـاجٍ إلى بــرّ الأمانْ

    فيرد القائد بحكمة:

    لا..أتركوه وشأنـــه *** هولم يعدْ خطرا علينا
    لكنه ماعاش ســــــــــــــــوف يظل مطلوبا لدينا
    هيا لنحفلَ كلنــا *** برجوع عزّتنــا إلينا

    فيهتف الجميع في سرور بصوت واحد:

    يحيا حمانا و الوطن *** يحيا على مرّ الزمنْ
    تحيا عزيمتنا التي انتصرت على كل المحن

    ثم بتؤدة يسدل الستار على هذه الأهازيج...

    ************************************************** ****************************
    بقلم محمد برهومي
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد برهومي; الساعة 19-07-2014, 11:33.
  • منيره الفهري
    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
    • 21-12-2010
    • 9870

    #2
    أهلا و سهلا و مرحبا بالشاعر التونسي الكبير
    محمد برهومي
    نورت الملتقى ب
    هذا الحضور الجميل المثري
    حقيقة استمتعت جداااا بهذه المسرحية الشعرية التي فيها من المعاني الكثير و من التجارب الاكثر
    شكرااا لهذا الإبداع
    ننتظر روائعك دائما أستاذنا الجليل

    تعليق

    • محمد برهومي
      أديب وكاتب
      • 14-12-2012
      • 17

      #3
      العفو استاذتي..قطرة من بحركم الفياض...شكرا على كرمكم ودماثة اخلاقكم..لكم كل الود والتقدير

      تعليق

      يعمل...
      X