[align=justify]استيقظ باكرا هذا الصباح على غير عادته. إنه لا يتذكر منذ متى لم يستيقظ على الساعة السادسة صباحا. أطل من النافذة..لقد لبست المدينة حلة جديدة، حلة البياض. ربما كان ذلك ما حفزه على ترك الفراش. ارتدى ملابسه واختفى داخل معطفه وترك الغرفة..
وفي الشارع الرئيسي كانت جل الدكاكين والمحلات مغلقة. إنه يوم الأحد..حالة طقس غير عادية لم تتعود عليها المدينة. ولكنها اليوم على موعد مع الضيف الأبيض. أسرع الخطى بحثا عن كشك لبيع الجرائد. كل ما تبقى من زمن النضال هو إدمانه على قراءة الجرائد. في الماضي كان من متتبعي "الصباح"، أما الآن فيقرأ "المساء"!!..اشترى الجريدة وقصد مقهى الأوبرا حيث اعتاد أن يجلس كل يوم لأنه لا يشتغل..لا يبحث عن عمل. منذ مغادرته للجامعة وأيام النضال في سبيل البروليتاريا انتهى كل شيء، هذا رأيه. لقد حصل على شهادة إجازة في علم الاجتماع..يعيش عالة على نفسه وأهله ومجتمعه..
في أحد الأكشاك القديمة في منتهى الشارع اقتنى جريدته. وهو يتفحص ما بين السطور انتبه إلى ما كتب بالخط العريض في الصفحة الأولى من الجريدة.." مبادرة التشغيل: إنها مبادرتك!!". عنوان رسم على محياه ابتسامة سخرية. يعي جيدا أنها لا تعدو عن كونها شعارات رنانة تصدح بها وسائل الإعلام. . مواراة التراب على شباب الشباب وطمس للحقيقة التي يرقد عليها المجتمع الصدأ..هل هو المسؤول الوحيد على بطالته؟ سؤال يتكرر في مخيخه يوما بعد آخر دون الجرأة على إعطاء الجواب...
وفي مكانه المعتاد جلس يرتشف القهوة الساخنة في الوقت الذي كانت تجوب في مخيلته جملة من الأفكار والأحلام التي بقيت من الماضي. الماضي الذي لطالما أراد أن يمحوه ويمحو تلك الحقيقة النتنة التي كانت تغلفه. إنه، كما يقول عنه المحيطون به، متشائم فاقد لكل شيء..ربما فقد حتى نفسه!!
أثناء سفره في ثنايا سطور الجريدة المحبوبة وفي عمود "مفكرات حمار" قرأ ما يلي : " حياتنا اليومية ليست إلا ثقل حمار هارب...كلما زاد تحملنا لهذا الثقل، زادت خبرتنا في الحياة. ومهما بلغنا "الدقة" في شرح التجربة...لن يستطيع "غيرنا" أن يدرك معناها كما ندركها نحن من عشناها وجربناها. فعندما نعيش تجربة ما...فإنها تحفر في ذاكرتنا وتوشم على ظهورنا ويستحيل أن ننساها أو أن نمحو أثرها". كلمات "رنانة" خرجت من فم حمار!! ولكنها توقظ الذات من سباتها وتقصفها في الأعماق، وتقول لها استفيقي سيدتي فالوقت وقت التشمير عن السواعد. فالحمار الحقيقي من يتحمل أكثر مما يقدر عليه، وتذكر قول الشاعر:
وما تحمل ثقل الطحان إلا الحمار
ولولاه ما سد رمق النهار..
فتحية لطيبة الحمار في زمن الانكسار
لقد كان لهذه الموجة من الأفكار صدى صاروخيا صارخا في داخله. دخله وسواس من نوع خاص..حساب النفس ومراجعة الذات. آنذاك استعاد كل آن ولحظة من حياته التي من ناحية ذهبت هدرا..ولكنها من نواحي أخرى تبعث على الأمل. في ذات الوقت أشرق محياه من جديد. دبت في روحه حياة أخرى.
حينها استفاق من أفكاره التي لا تزال ترن في جوفه بين الذي كان قبلا حانقا مكفهرا وبين الذي يستفيق بفضل وعظ الحمار... هم بوضع ثمن القهوة على الطاولة وانصرف وهو عازم على البحث عن عمل بدءا من الغد...
ومع تساقط الثلوج بدأت خطاه التي رسمها على بياض الثلوج على طول الشارع تختفي ماحية كل أثر يدل على مروره من هذا المكان وفي هذا الزمان..فيوم لنا ، ويوم علينا .. وكما اختفى سابقا في معطفه اختفى من جديد..[/align]
عثمان علوشي: 3 مارس 07
يمكن قراءة بعض تعليقات أهل "واتا" الأحباء
وفي الشارع الرئيسي كانت جل الدكاكين والمحلات مغلقة. إنه يوم الأحد..حالة طقس غير عادية لم تتعود عليها المدينة. ولكنها اليوم على موعد مع الضيف الأبيض. أسرع الخطى بحثا عن كشك لبيع الجرائد. كل ما تبقى من زمن النضال هو إدمانه على قراءة الجرائد. في الماضي كان من متتبعي "الصباح"، أما الآن فيقرأ "المساء"!!..اشترى الجريدة وقصد مقهى الأوبرا حيث اعتاد أن يجلس كل يوم لأنه لا يشتغل..لا يبحث عن عمل. منذ مغادرته للجامعة وأيام النضال في سبيل البروليتاريا انتهى كل شيء، هذا رأيه. لقد حصل على شهادة إجازة في علم الاجتماع..يعيش عالة على نفسه وأهله ومجتمعه..
في أحد الأكشاك القديمة في منتهى الشارع اقتنى جريدته. وهو يتفحص ما بين السطور انتبه إلى ما كتب بالخط العريض في الصفحة الأولى من الجريدة.." مبادرة التشغيل: إنها مبادرتك!!". عنوان رسم على محياه ابتسامة سخرية. يعي جيدا أنها لا تعدو عن كونها شعارات رنانة تصدح بها وسائل الإعلام. . مواراة التراب على شباب الشباب وطمس للحقيقة التي يرقد عليها المجتمع الصدأ..هل هو المسؤول الوحيد على بطالته؟ سؤال يتكرر في مخيخه يوما بعد آخر دون الجرأة على إعطاء الجواب...
وفي مكانه المعتاد جلس يرتشف القهوة الساخنة في الوقت الذي كانت تجوب في مخيلته جملة من الأفكار والأحلام التي بقيت من الماضي. الماضي الذي لطالما أراد أن يمحوه ويمحو تلك الحقيقة النتنة التي كانت تغلفه. إنه، كما يقول عنه المحيطون به، متشائم فاقد لكل شيء..ربما فقد حتى نفسه!!
أثناء سفره في ثنايا سطور الجريدة المحبوبة وفي عمود "مفكرات حمار" قرأ ما يلي : " حياتنا اليومية ليست إلا ثقل حمار هارب...كلما زاد تحملنا لهذا الثقل، زادت خبرتنا في الحياة. ومهما بلغنا "الدقة" في شرح التجربة...لن يستطيع "غيرنا" أن يدرك معناها كما ندركها نحن من عشناها وجربناها. فعندما نعيش تجربة ما...فإنها تحفر في ذاكرتنا وتوشم على ظهورنا ويستحيل أن ننساها أو أن نمحو أثرها". كلمات "رنانة" خرجت من فم حمار!! ولكنها توقظ الذات من سباتها وتقصفها في الأعماق، وتقول لها استفيقي سيدتي فالوقت وقت التشمير عن السواعد. فالحمار الحقيقي من يتحمل أكثر مما يقدر عليه، وتذكر قول الشاعر:
وما تحمل ثقل الطحان إلا الحمار
ولولاه ما سد رمق النهار..
فتحية لطيبة الحمار في زمن الانكسار
لقد كان لهذه الموجة من الأفكار صدى صاروخيا صارخا في داخله. دخله وسواس من نوع خاص..حساب النفس ومراجعة الذات. آنذاك استعاد كل آن ولحظة من حياته التي من ناحية ذهبت هدرا..ولكنها من نواحي أخرى تبعث على الأمل. في ذات الوقت أشرق محياه من جديد. دبت في روحه حياة أخرى.
حينها استفاق من أفكاره التي لا تزال ترن في جوفه بين الذي كان قبلا حانقا مكفهرا وبين الذي يستفيق بفضل وعظ الحمار... هم بوضع ثمن القهوة على الطاولة وانصرف وهو عازم على البحث عن عمل بدءا من الغد...
ومع تساقط الثلوج بدأت خطاه التي رسمها على بياض الثلوج على طول الشارع تختفي ماحية كل أثر يدل على مروره من هذا المكان وفي هذا الزمان..فيوم لنا ، ويوم علينا .. وكما اختفى سابقا في معطفه اختفى من جديد..[/align]
عثمان علوشي: 3 مارس 07
يمكن قراءة بعض تعليقات أهل "واتا" الأحباء
تعليق