حصان في علبة كبريت
قدّم ملفا كاملا يحوي كل مستمسكاته الرسمية،الى الموظف المسؤول في الدائرة،،تصفحه على عجاله،ثم كتب عليه بخط واضح:فقدان شهاده جنسيه
البنايه يعلوها غبار تشم فيه رائحة الملفات ،،وغضب المراجعين،،وأصوات أبواق السيارات في نصف الشارع المحاذي،الذي تآكل نصفه الاخر بسبب الحواجز ،،حتى صار أشبه بزقاق يحتضر، لضيقه وكثرة المارة.
الموظفون تعلو وجوههم ابتسامة قنوعة ،،تدل على الرضا،،والراحة والطمأنينة ،، جلس في ركن الباحه الاماميه وعلى مرمى النظر من ملفه المركون على الطاوله مرّه، وأخرى في الدرج ،،وثالثة مخفياً بين كدس من الملفات المؤجلة .
هذه الدائرة لا تبعث على الاطمئنان قالها مع نفسه بنبرة خفيةٍ،،وشظايا نظراته ترشق الوجوه من حوله ،،الحيرة تهيمن على الجميع ،،ولغة الهمس المتبادل وعلامات الامتعاض،،تبدو واضحه،، وتعطي وصفاً دقيقاً لتلكئ الدائره الفاضح في إنجاز المعاملات.
طال انتظاره،،وهو جالساً في مكانهِ،، يراقب حركة الموظف المسؤول بأنفه الطويل،،وعينينه الصغيرتين ،النازحتين من محجريهما الى الخلف قليلاً ، والمشوبتين بصفرة باهتة، يعلوهما جفنان يمتازان بلمزات سريعة ،،هذه إذن العيون الغمّازه،،وهذا هو الشخص اللئيم بعينه .
تقدم اليه يسأله عن المعاملة وكآبة مقيتة تستولي عليه
رد عليه بلؤم:
ملفك ناقص وكلّ مستمسكاتك مشكوك فيها!
وبشكل مفاجئ،وطريقة غير مألوفه ،،اخرج من جيبهِ علبةَ كبريتٍ
فارغة المحتوى وقال:
لا يمكنك الدخول للدائرة لإنجاز معاملتك الا اذا استطعت ان تُدْخِل حصاناً في هذه العلبة،،أصيب بالذهول ،،وإستشاط غضباً،ما هذا الطلب
الغريب ؟، لم اسمع بحياتي طلباً مثله ،، هل تراه يسخر مني ؟ قال ذلك ،ثم هدأ من روعه لانه تذكر بانه يمتلك رقبة ،مثل رقبة البعير،،
خطفَ علبة الكبريت من يد اللئيم،،وانطلق خارج الحواجز ترافقه كتلة من الهواء الحار،،وتوقف في ركن بعيد عن الماّرة،،راح يتخيل الحصان الذي سوف يدخل علبة الكبريت،،رأى أحدَ الماّرة في الزقاق الجانبي وهو يجر حصاناً أبيضا ًجامحاً..هبطت فوقه سحابة بيضاء اللون فغطته ،إخترقتْها خيوط رمادية من الدخان المتصاعد، من محل شواء الكباب على الرصيف المجاور، قصمتْ الخيوط الرمادية ظهر الحصان من المنتصف تماماً ،، تحولتْ الأشياء في ذهنه الى صورة اخرى
وبدت الأمكنة والبنايات تأخذ شكلاً هلامياً ،،التحق بعضها مع بعض ،فضاقت الشوارع وانحسرت الأزقة و توارى الجزء الأمامي للحصان الأبيض ،،ثم تلاه الجزء الٓاخر،،وأختفى الزقاق كله بعد ذلك ،،امتدت يده في جيبه الأيمن ، تحسّسّ بعض ممتلكاته وما لديه من نقود،وأغرته تجليات الحصان الجامح وملمسه عن قرب ،،ثم ازداد عدد الأحصنة ، شعر بانه يتعرض للسرقه ،،من لص دخيل او لئيم،،وربما منه هو ،،اطرق نحو الارض قليلا،وتضخّم حجم علبة الكبريت في يده الاخرى،ورأى بان شيئا ما يهرب من وجهه ، له هيئة القناع ،،أراد ان يتأكد من وجود وجهه الحقيقي في مكانه، ولكن يبدو ان يده التي دسها في جيبه ،قد اختفت هي الاخرى،،اين اختفت يدي؟وبومضة خاطفة لاحظ اللص في الثواني الاخيره ،،حيث كان الحصان قد دخل علبة الكبريت .
إتجه فوراً الى مدخل الدائره ،،وكانت اساريره منبسطة جداً،،وقف امام الموظف اللئيم،،سلّمه علبة الكبريت بسرعة وقال:
لقد وضعت بداخلها ثلاثة أحصنة عربية أصيلة
إستلم ملفّه،،واسرع يخطو خطوته الاولى على سلّم الدائره
وقد اكتشف ان لهذا اللئيم صفه اخرى اضافة للأنف الطويل هي صفة اليد الطولى ولكن ..في خراب الدائره.
هادي المياح29/7/2014
قدّم ملفا كاملا يحوي كل مستمسكاته الرسمية،الى الموظف المسؤول في الدائرة،،تصفحه على عجاله،ثم كتب عليه بخط واضح:فقدان شهاده جنسيه
البنايه يعلوها غبار تشم فيه رائحة الملفات ،،وغضب المراجعين،،وأصوات أبواق السيارات في نصف الشارع المحاذي،الذي تآكل نصفه الاخر بسبب الحواجز ،،حتى صار أشبه بزقاق يحتضر، لضيقه وكثرة المارة.
الموظفون تعلو وجوههم ابتسامة قنوعة ،،تدل على الرضا،،والراحة والطمأنينة ،، جلس في ركن الباحه الاماميه وعلى مرمى النظر من ملفه المركون على الطاوله مرّه، وأخرى في الدرج ،،وثالثة مخفياً بين كدس من الملفات المؤجلة .
هذه الدائرة لا تبعث على الاطمئنان قالها مع نفسه بنبرة خفيةٍ،،وشظايا نظراته ترشق الوجوه من حوله ،،الحيرة تهيمن على الجميع ،،ولغة الهمس المتبادل وعلامات الامتعاض،،تبدو واضحه،، وتعطي وصفاً دقيقاً لتلكئ الدائره الفاضح في إنجاز المعاملات.
طال انتظاره،،وهو جالساً في مكانهِ،، يراقب حركة الموظف المسؤول بأنفه الطويل،،وعينينه الصغيرتين ،النازحتين من محجريهما الى الخلف قليلاً ، والمشوبتين بصفرة باهتة، يعلوهما جفنان يمتازان بلمزات سريعة ،،هذه إذن العيون الغمّازه،،وهذا هو الشخص اللئيم بعينه .
تقدم اليه يسأله عن المعاملة وكآبة مقيتة تستولي عليه
رد عليه بلؤم:
ملفك ناقص وكلّ مستمسكاتك مشكوك فيها!
وبشكل مفاجئ،وطريقة غير مألوفه ،،اخرج من جيبهِ علبةَ كبريتٍ
فارغة المحتوى وقال:
لا يمكنك الدخول للدائرة لإنجاز معاملتك الا اذا استطعت ان تُدْخِل حصاناً في هذه العلبة،،أصيب بالذهول ،،وإستشاط غضباً،ما هذا الطلب
الغريب ؟، لم اسمع بحياتي طلباً مثله ،، هل تراه يسخر مني ؟ قال ذلك ،ثم هدأ من روعه لانه تذكر بانه يمتلك رقبة ،مثل رقبة البعير،،
خطفَ علبة الكبريت من يد اللئيم،،وانطلق خارج الحواجز ترافقه كتلة من الهواء الحار،،وتوقف في ركن بعيد عن الماّرة،،راح يتخيل الحصان الذي سوف يدخل علبة الكبريت،،رأى أحدَ الماّرة في الزقاق الجانبي وهو يجر حصاناً أبيضا ًجامحاً..هبطت فوقه سحابة بيضاء اللون فغطته ،إخترقتْها خيوط رمادية من الدخان المتصاعد، من محل شواء الكباب على الرصيف المجاور، قصمتْ الخيوط الرمادية ظهر الحصان من المنتصف تماماً ،، تحولتْ الأشياء في ذهنه الى صورة اخرى
وبدت الأمكنة والبنايات تأخذ شكلاً هلامياً ،،التحق بعضها مع بعض ،فضاقت الشوارع وانحسرت الأزقة و توارى الجزء الأمامي للحصان الأبيض ،،ثم تلاه الجزء الٓاخر،،وأختفى الزقاق كله بعد ذلك ،،امتدت يده في جيبه الأيمن ، تحسّسّ بعض ممتلكاته وما لديه من نقود،وأغرته تجليات الحصان الجامح وملمسه عن قرب ،،ثم ازداد عدد الأحصنة ، شعر بانه يتعرض للسرقه ،،من لص دخيل او لئيم،،وربما منه هو ،،اطرق نحو الارض قليلا،وتضخّم حجم علبة الكبريت في يده الاخرى،ورأى بان شيئا ما يهرب من وجهه ، له هيئة القناع ،،أراد ان يتأكد من وجود وجهه الحقيقي في مكانه، ولكن يبدو ان يده التي دسها في جيبه ،قد اختفت هي الاخرى،،اين اختفت يدي؟وبومضة خاطفة لاحظ اللص في الثواني الاخيره ،،حيث كان الحصان قد دخل علبة الكبريت .
إتجه فوراً الى مدخل الدائره ،،وكانت اساريره منبسطة جداً،،وقف امام الموظف اللئيم،،سلّمه علبة الكبريت بسرعة وقال:
لقد وضعت بداخلها ثلاثة أحصنة عربية أصيلة
إستلم ملفّه،،واسرع يخطو خطوته الاولى على سلّم الدائره
وقد اكتشف ان لهذا اللئيم صفه اخرى اضافة للأنف الطويل هي صفة اليد الطولى ولكن ..في خراب الدائره.
هادي المياح29/7/2014
تعليق