فجر الحرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حدريوي مصطفى
    أديب وكاتب
    • 09-11-2012
    • 100

    فجر الحرية

    فجر الحرية
    دويُ المدافع لا يرتاح؛ جبروته يزعق الأرض، يشق الأثير، وشظاياها خبطاء عشواء، من تصبه تمته، ومن تخطئه، يهرع، فيسعف جاره أو يواريه الثرى . والسماء الصيفية الصافية اغتصب هدوءَها زناناتُ بالعدد ، تذرع بسماجة الفضاء المعصور بين البحر والحدود المحرمة كغربان ضارية، وهنا وهناك كانت تمتد نحو العلا أصابع من دخان وغبار تطاول المنازل والعمارات مؤرخات لمرور الإيف سكستين العمياء، أما نسيم الآصال لم يك كعادته، كما ألفته الساكنة خفيفا، لطيفا، مسكونا بعبير البحر ورطوبة العشي وإنما كان محملا بريح الموت والأكفان النازفة والدم الثرالجسور.
    عبد الصبور يتابع الأحوال عبر المذياع غير عابئ بالموت المحدق به من كل الجهات، فقد وقر في قلبه بأن لا الحيطة ولا الحذر ولا الاختباء رادٌّ لقضاء الله. إن نجاته من عمود الدخان شبه أصم، وخروجه من تحت الردم حيا أيام الرصاص المصبوب صيراه رجلا لا يهاب المنايا ولا أسبابها؛ لذا فهو لم ينتبه ولم يهتم لنداءات زوجته المتكررة وتحذيراتها، فقد ظل يسقي أحواض الحبق ويشذب شجيرات الدفلى لجنينته الصغيرة بعدما جنى ـ على مهل ـ قرابة سطل من ثمار تينة على مرى حجر من باب بيته .
    ظلت زوجته تنادي وتحذر وظل غير مكترث بها مما جعلها تفتح الباب الكبير على مصرعيه بيديها كلتيهما ثم تخرج مندفعة هائجة لتمسكه من ياقته جهة قذاله وتصرخ في وجهه بأعلى صوتها حتى يسمعها:
    ـ بما أنك تملك كل هذه الشجاعة، ولا تخاف البتة، اذهب إذاً عند أم زينب وأحضر للتوأمين ، ابنيك : فجر وحرية زجاجة حليب ، لعلها قد حلبت عنزتها.
    لم يغضب لسلوكها الفظ لعلمه أنها ما كانت لتنفعل بهاته الحدة لولا حبها له وخوفها عليه فقط اكتفى بنظرة معاتبة وانبرى بخطى حثيثة يردد أغنية جوليا يطرس:
    وين وين وين
    ويـــــــن ويـــــــن
    وين الملايين
    الشعب العربي وين
    الغضب العربي وين
    الدم العربي وين
    الشرف العربي وين
    وين الملايين
    ويـــــــن ويـــــــن...
    وما كاد يصل البيت حتى سمع انفجارا قويا فوق رأسه ورى صاروخا منزلقا من علا يخترق بيت أم زينب ويسويه بعضه مع الأرض فمسح دون شعور السماء فلاحت له سحنة الإيف 16 تغوص في الأفق في حين ظل هديرها حياله يفلق الأجواء، حمدل وهيلل ثم اندفع نحو ما تبقى من البيت فتبدى له بين الركام عند انجلاء الغبار والدخان جسم السيدة أم زينب ممددا على السرير سالمة دون أدنى خدش لكن بلا حراك.قد ماتت المسكينة قبل الغارة بزمن فسنها المتقدم وقلبها الضعيف حالا دون أن تواكب ما يخط أهلها بمداد الكرامة والصمود وما يبذلون من جهد للدود على الحمى وسط انكفاء المرجفين وصمت العالمين.
    توغل بين الدمار فوجد أيضا العنزة زائغة البصر راجفة الفرائص ،أمسك بقرنها وسحبها خارجا اما جديها فلم يعدم له حيلة،بكل بساطة انحنى عليه وتأبطه.
    عاد بالبهيمتين إلى بيته، دفع الباب فانفتح وألقى بحمله بكل رفق على الأرض عند العتبة ثم قال لزوجته اسقي الطفلين واعتن بالضيفين واطلبي الرحمة لأم زينب.
    أجهشت السيدة باكية وقالت:
    ـ وهل ماتت أم زينب ؟
    رد عليها بنيرة حزينة:
    نعم، استشهدت وهأنا ذاهب لمشاركة الأهل في دفنها وإغاثة من بجوارها.
    التعديل الأخير تم بواسطة حدريوي مصطفى; الساعة 07-08-2014, 17:03.
    بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى الأول مشاهدة المشاركة
    فجر الحرية
    دويُ المدافع لا يرتاح؛ جبروته يزعق الأرض، يشق الأثير، وشظاياها خبطاء عشواء، من تصبه تمته، ومن تخطئه، يهرع، فيسعف جاره أو يواريه الثرى . والسماء الصيفية الصافية اغتصب هدوءَها زناناتُ بالعدد ، تذرع بسماجة الفضاء المعصور بين البحر والحدود المحرمة كغربان ضارية، وهنا وهناك كانت تمتد نحو العلا أصابع من دخان وغبار تطاول المنازل والعمارات مؤرخات لمرور الإيف سكستين العمياء، أما نسيم الآصال لم يك كعادته، كما ألفته الساكنة خفيفا، لطيفا، مسكونا بعبير البحر ورطوبة العشي وإنما كان محملا بريح الموت والأكفان النازفة والدم الثرالجسور.
    عبد الصبور يتابع الأحوال عبر المذياع غير عابئ بالموت المحدق به من كل الجهات، فقد وقر في قلبه بأن لا الحيطة ولا الحذر ولا الاختباء رادٌّ لقضاء الله. إن نجاته من عمود الدخان شبه أصم، وخروجه من تحت الردم حيا أيام الرصاص المصبوب صيراه رجلا لا يهاب المنايا ولا أسبابها؛ لذا فهو لم ينتبه ولم يهتم لنداءات زوجته المتكررة وتحذيراتها، فقد ظل يسقي أحواض الحبق ويشذب شجيرات الدفلى لجنينته الصغيرة بعدما جنى ـ على مهل ـ قرابة سطل من ثمار تينة على مرى حجر من باب بيته .
    ظلت زوجته تنادي وتحذر وظل غير مكترث بها مما جعلها تفتح الباب الكبير على مصرعيه بيديها كلتيهما ثم تخرج مندفعة هائجة لتمسكه من ياقته جهة قذاله وتصرخ في وجهه بأعلى صوتها حتى يسمعها:
    ـ بما أنك تملك كل هذه الشجاعة، ولا تخاف البتة، اذهب إذاً عند أم زينب وأحضر للتوأمين ، ابنيك : فجر وحرية زجاجة حليب ، لعلها قد حلبت عنزتها.
    لم يغضب لسلوكها الفظ لعلمه أنها ما كانت لتنفعل بهاته الحدة لولا حبها له وخوفها عليه فقط اكتفى بنظرة معاتبة وانبرى بخطى حثيثة يردد أغنية جوليا يطرس:
    وين وين وين
    ويـــــــن ويـــــــن
    وين الملايين
    الشعب العربي وين
    الغضب العربي وين
    الدم العربي وين
    الشرف العربي وين
    وين الملايين
    ويـــــــن ويـــــــن...
    وما كاد يصل البيت حتى سمع انفجارا قويا فوق رأسه ورى صاروخا منزلقا من علا يخترق بيت أم زينب ويسويه بعضه مع الأرض فمسح دون شعور السماء فلاحت له سحنة الإيف 16 تغوص في الأفق في حين ظل هديرها حياله يفلق الأجواء، حمدل وهيلل ثم اندفع نحو ما تبقى من البيت فتبدى له بين الركام عند انجلاء الغبار والدخان جسم السيدة أم زينب ممددا على السرير سالمة دون أدنى خدش لكن بلا حراك.قد ماتت المسكينة قبل الغارة بزمن فسنها المتقدم وقلبها الضعيف حالا دون أن تواكب ما يخط أهلها بمداد الكرامة والصمود وما يبذلون من جهد للدود على الحمى وسط انكفاء المرجفين وصمت العالمين.
    توغل بين الدمار فوجد أيضا العنزة زائغة البصر راجفة الفرائص ،أمسك بقرنها وسحبها خارجا اما جديها فلم يعدم له حيلة،بكل بساطة انحنى عليه وتأبطه.
    عاد بالبهيمتين إلى بيته، دفع الباب فانفتح وألقى بحمله بكل رفق على الأرض عند العتبة ثم قال لزوجته اسقي الطفلين واعتن بالضيفين واطلبي الرحمة لأم زينب.
    أجهشت السيدة باكية وقالت:
    ـ وهل ماتت أم زينب ؟
    رد عليها بنيرة حزينة:
    نعم، استشهدت وهأنا ذاهب لمشاركة الأهل في دفنها وإغاثة من بجوارها.
    جميل أن أكتشف قصوري
    و خيبتي لوقت طويل
    و اسمك أمامي و لا أعرفني
    مصطفى الأول كيف نسيت أنك الأول
    و لم أترجم العشق ربما لعناد
    و النكاية التي يدير بها الشخوص الحياة على الشابكة
    سوف آتيك خاضعا لأنال حظي منك بعد حزن و مشقة !
    أهلا بك مصطفى الجميل .. أنرت العالم !
    sigpic

    تعليق

    • حسن لختام
      أديب وكاتب
      • 26-08-2011
      • 2603

      #3
      سرد قوي ينقل للقارىء تفاصيل قدر الشخوص، لينتهي باستشهاد "أم زينب"
      لكنها تترك بعض من ميراثها ل"فجر وحرية" كي يعيشا رغم صوت المدافع وهدير الصواريخ
      دمت مبدعا..مرحبا بك اخي مصطفى الأول في الملتقى
      تقديري لإبداعك الجميل

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        لنصوصك نكهتها الخاصة ، و ملامحها التي لا تشبه ملامح أخرى .. ودائما ما أعيش المتعة مكتملة حين أكون
        بينها أقتاتها بفرح ، و أجادل ما تعاظم علىّ ، حتى يلين ، أو ألين له ، لندرك الشمس قبل أن تخضع لبحر المغيب هناك
        حيث الرحلة في طريقها الآخر تلملم ذيولها .
        كنت هنا ترسم بريشة ، و تحاصر بطلك ، وكأنك تعرف أن الأمر في مثل هذه الحالات كما أطلقت ، و بينت
        فكنت مع الصدق أقرب منه إليك .. و لم تقس على تلك الطيبة حين أفزعها و نال منها الخوف على رجلها ، فأرادت أن تتحدث حتى مع الدخان و الهواء الذي يتحرك حوله ..
        ومن فجر و حرية صنعت القضية ، و الراحل الذي قضى ، لأجل شيء أعظم ، لأجل المستقبل و الغد القادم

        جميل رسمك أستاذي ، و غنية روحك بما أنت أهل له من روعة وجمال !

        عزيزي .. رجاء .. لا تغب حدريوي مصطفى العبدي ، ابن المغرب الساحر
        و حب المصريين
        sigpic

        تعليق

        • حدريوي مصطفى
          أديب وكاتب
          • 09-11-2012
          • 100

          #5
          شكرا عزيزي ربيع على مرورك الكريم وكلماتك النبيلة التي ما عرفت لسنتها تبديلا...
          لا تخش فمهما طارت وتاهت الطيور تعود إلى منشئها وعشها...فلها حنين أبدا إلى القش الذي دفاها والماء ولو كان عدا طلا إذ رواها...فكيف بها وقد كانت بين خمائل تستظل ومن ماء زلال تعب
          شكرا لك بقدر مداد ما خطت يداك
          حدريوي مصطفى (العبدي)
          بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني

          تعليق

          • حدريوي مصطفى
            أديب وكاتب
            • 09-11-2012
            • 100

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
            سرد قوي ينقل للقارىء تفاصيل قدر الشخوص، لينتهي باستشهاد "أم زينب"
            لكنها تترك بعض من ميراثها ل"فجر وحرية" كي يعيشا رغم صوت المدافع وهدير الصواريخ
            دمت مبدعا..مرحبا بك اخي مصطفى الأول في الملتقى
            تقديري لإبداعك الجميل
            شكرا للأخ حسن الختام على المرور الكريم الطائي والقراءة الرائعة
            وتقبل مني ثنائي أفضله على الحفاوة والترحيب، أتمنى أن أكون بحق أهلا بالتقدير والاهتمام
            حدريوي مصطفى (العبدي)
            بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني

            تعليق

            • حسن لختام
              أديب وكاتب
              • 26-08-2011
              • 2603

              #7
              يثبت النص
              تحيتي

              تعليق

              • نجاة قيشو
                أديب وكاتب
                • 18-08-2014
                • 41

                #8
                نص بطعم الوجع ...نص بنسق سردي ممتع و بناء متراص احببت الفكرة و اللغة الراقية جميل من كل النواحي قرأته مرات و مرات ..تقبل مروري ..تحيتي لقلمك

                تعليق

                • بسباس عبدالرزاق
                  أديب وكاتب
                  • 01-09-2012
                  • 2008

                  #9
                  نص رائع
                  أحببت الفكرة و ترابط النص
                  أحببت البطل أيضا و كل ما حوله
                  أستاذ مصطفى الأول سعيد بالقراءة لك

                  تقديري و احتراماتي
                  السؤال مصباح عنيد
                  لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                  تعليق

                  • حدريوي مصطفى
                    أديب وكاتب
                    • 09-11-2012
                    • 100

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
                    يثبت النص
                    تحيتي
                    شكرا الأستاذ الأديب حسن لختام عى تفاعلك التام...
                    مودتي وامتناني
                    بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني

                    تعليق

                    • حدريوي مصطفى
                      أديب وكاتب
                      • 09-11-2012
                      • 100

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة نجاة قيشو مشاهدة المشاركة
                      نص بطعم الوجع ...نص بنسق سردي ممتع و بناء متراص احببت الفكرة و اللغة الراقية جميل من كل النواحي قرأته مرات و مرات ..تقبل مروري ..تحيتي لقلمك
                      الأديبة نجاة...سعيد أنا...بتفاعلك مع نصي وأملي أن يكون أهلا بالتوصيف المسبغ عليه
                      مودتي وخالص امتناني
                      بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني

                      تعليق

                      • حسن لشهب
                        أديب وكاتب
                        • 10-08-2014
                        • 654

                        #12
                        قوة السرد هنا من قوة اللغة التي يوليها الكاتب عناية خاصة ولعلي لا أبالغ حين أسجل افتتاني بما تكتبه أيها الأديب الألمعي..
                        تقديري واحترامي لقلمك أخي مصطفى.

                        تعليق

                        • وسام دبليز
                          همس الياسمين
                          • 03-07-2010
                          • 687

                          #13
                          فجر الحرية ...ومتى ستشرق هذه الشمس لترمم ولو جزءا مما سببته الحروب في القلوب نص جميل ينقل الصور بعفوية وقوة فنرى الغبار والدخان ونسمع صوت اطلاق النارودوي المدافع ...

                          تعليق

                          • حدريوي مصطفى
                            أديب وكاتب
                            • 09-11-2012
                            • 100

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
                            نص رائع
                            أحببت الفكرة و ترابط النص
                            أحببت البطل أيضا و كل ما حوله
                            أستاذ مصطفى الأول سعيد بالقراءة لك

                            تقديري و احتراماتي
                            بل الأ سعد هو أنا ...عندما يقرأ لي أديب يعرف خفايا الكلمة ...وله آليات ترويضها...
                            شكرا أخي أتمنى أن أكون بحق جدير بهذا الاهتمام والتقدير
                            بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني

                            تعليق

                            • حدريوي مصطفى
                              أديب وكاتب
                              • 09-11-2012
                              • 100

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
                              قوة السرد هنا من قوة اللغة التي يوليها الكاتب عناية خاصة ولعلي لا أبالغ حين أسجل افتتاني بما تكتبه أيها الأديب الألمعي..
                              تقديري واحترامي لقلمك أخي مصطفى.
                              أستاذي سعيد أنا بقراءتك وبمروك النوراني المهيب....والله لأرى نصوصي تزداد بهاء بإشراقتك ، لتبق أبدا مشرق الكلمة ويظل عطاؤك دافقا
                              شكرا لك وتقبل مني بفائق الاحترام والشكر
                              حدريوي مصطفى العبدي
                              بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني

                              تعليق

                              يعمل...
                              X