جميلة والرخام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    جميلة والرخام

    جميلة والرخام


    حين اختطفه الموت أدركت مقدار ما خلفه غيابه في حياتها من فراغ ... فقد انقطعت علاقتها بمن حولها حين اختارته بدل ما أرادوا .... تذكرت جنازته .... القبر الذي ابتلع جثته كان بحجم ما تشعر به من ضياع، وفراغ ...
    ترددت قليلا قبل أن تلامس أصابعها جرس الباب ... يبدو المسكن فاخرا ... هنا يقطن أناس لا يقلقون بخصوص أواخر الشهر، ولا يفرغون عجزهم بضرب الزوجة والأبناء ... كانت تشعر بالرهبة في السابق كلما مرت قرب مثل هذه البنايات ...
    راودها شعور بالقلق ... فهي لا تعرف وجه الشخص الذي خاطبته في التليفون.
    كم ينبض القلب بذكراه، وبقدر ما بقيت العين تحتضنه من ملامحه ... أيقنت الآن أن أجمل الفضاءات هي تلك التي لا زالت تحتل مساحات من الذهن والعين...
    وتجيش النفس بعبير الذاكرة...
    اشتدت رغبتها في السير بلا وجهة، وأن تغمض عينيها وتسير في اتجاه المجهول...
    أن يقبل هذا الرجل تشغيلها ... شعاع نور قد يعيد لحياتها بعض الأمل والاستقرار...
    ترددت مرة أخرى قبل أن تضغط على الزر... الصمت يعم المكان، وسرت في جسدها قشعريرة ربما بسبب خوفها بين جدران رخامية لا تبعث في نفسها ما هي بحاجة إليه من هدوء...
    في لحظة ما تصورت أن بإمكانها هزم العدم... ترى هل كان بالإمكان تقليص مساحة الألم،... ممددة كانت في سجنها المسيج بالفراغ...
    وأخلى ظل الهدوء مكانه في الفؤاد لصقيع الوحدة...
    شعرت ببرودة رخام الجدار تحت كفها... تذكرت قوله يوما: الرخام هو أجمل شيء ميت...
    والآن حان وقت رحيلي... لا تبك يا رفيقة أطلقي العنان لذكرياتك عساها تخفف عنك لحظة الرحيل... سأكون هناك بالانتظار لما يأزف أوان رحيلك...
    وتساءلت: أليس ما عزمت عليه، ضعف واستسلام... واختيار لموت بطيء...
    ومرة أخرى ارتعدت يدها وهي تتحرك نحو زر جرس الباب...
    تذكرت أنها لم تحدد طبيعة العمل الذي سيعرضه عليها صاحب هذا البيت... كان الحديث مبهما، ومحملا بالكثير من الألغاز...
    ارتعدت يدها جراء برودة الرخام، خالته نائما تحت هذا الحجر... أبدا لن تداعب ضحكتك فضاءات الحياة،... راودتها فكرة بناء قبره وتغليفه بالرخام، عسى أن تكون الأجرة كافية لتحقيق ذلك... ترى ما الذي يريده منها صاحب البيت... تذكرت أنه شجعها على عدم التردد في العمل عنده ، وأنها ستحصل منه على أكثر مما تتوقع من أموال... فهو بحاجة فقط لقدر من العناية بعد أن أحيل على التقاعد...
    فكرت أن عليها امتلاك ما يكفي من الشجاعة لقبول العرض... وتذكرت أن اسمها أعجبه حين سألها عبر التليفون:
    -إسمي جميلة يا سيدي
    -وأنا متأكد أنك كذلك؟ قال لها.
    وماذا عساها تفعل الآن؟ فهي تشعر بقدر من الضياع، والخوف... مؤكد أنه ينظر إليها من عليائه، ينتظر لحظة تجاوزها لخط الوصول...
    وبلا تفكير كان أصبعها يضغط على زر الجرس انبعث صوت بلبل جميل،... انفتح باب الشقة، ومن وراء الباب ظهر وجه الشيخ تعلوه ابتسامة ماكرة:
    -أحب من يحترم مواعيده مثلك يا جميلة.
    خطت داخل البهو فوق أرضية رخامية زرقاء وسقف علته سحب تسبح في فضاء لازوردي،... فقالت وكأنها تحدث نفسها: عسى أن يكون البحر قبري، والسماء كفني وحضن الحبيب الغائب شمس تدفيء ذكريات ولو كانت من رخام.

    حسن لشهب
  • حيدر الوائلي
    أديب وكاتب
    • 07-02-2013
    • 180

    #2
    رائعة استاذي الفاضل
    كنا نحن ايضا ننتظر من سيخرج لها
    الا ان جمال كلماتك وعذوبتها تمنيتها لن تنتهي
    رائع ما وجدت هنا
    لك التحية والتقدير

    تعليق

    • حسن لشهب
      أديب وكاتب
      • 10-08-2014
      • 654

      #3
      شكرا لاهتمامك أخي المكرم
      مودتي الخالصة

      تعليق

      • حدريوي مصطفى
        أديب وكاتب
        • 09-11-2012
        • 100

        #4
        الرخام هو السيد هنا ، بل هو البطل. كيف سهل لك أن تجعل من الرخام النواة الفرعية اصلا في البناء الدرامي؟...بحق السانحة التي شغلتك فريدة ومميزة. ومقدار امرأة حوصرت بين الرخام تمنت الموت حبا في ذاك وخوفا من هذا نص جميل بحق
        حدريوي مصطفى (العبدي)
        التعديل الأخير تم بواسطة حدريوي مصطفى; الساعة 14-08-2014, 10:03.
        بت لا أخشى الموت منذ عرفت أن كل يوم بل كل لحظة يموت شيء مني

        تعليق

        • حسن لشهب
          أديب وكاتب
          • 10-08-2014
          • 654

          #5
          شهادة أعتز بها أخي مصطفى
          شكرا لمرورك

          تعليق

          • حسن لشهب
            أديب وكاتب
            • 10-08-2014
            • 654

            #6
            سعدت بتفاعلك وذوقك الراقي أخي المكرم
            مودتي

            تعليق

            • بسباس عبدالرزاق
              أديب وكاتب
              • 01-09-2012
              • 2008

              #7
              نص رائد بحق

              الرخام هذا الكائن الميت ذو الجمال الصاخب و صدقت بوصفه إياه كذلك

              أمتعتني أستاذي بهذه الميمونة فعلا


              شكرا لمتعة القراءة


              تقديري استاذ حسن لشهب
              السؤال مصباح عنيد
              لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                كنت ماهرا في نسج الدواخل
                ومسها دون ضجيج
                أو تفاصح يعري جسد النص الجميل
                و قد يصل إلي التقرير و المباشرة كما نقرأ في نصوص تتبنى حالة مشابهة
                و أميز منطقة ظهر فيها هذا الفينال
                الذي أدرته بجمال و رونق عال
                و كان الربط بين الرخام بعلاته و بهائه مقنعا إلي حد بعيد !

                شكرا لك أستاذي
                محبتي
                sigpic

                تعليق

                • حسن لشهب
                  أديب وكاتب
                  • 10-08-2014
                  • 654

                  #9
                  شكرا لكرمك وتنويهك المحفز لمزيد من الجهد والعطاء
                  محبتي وتقديري لمتابعتك

                  تعليق

                  يعمل...
                  X