من أسقطتْ الفناجين ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جومرد حاجي
    أديب وكاتب
    • 17-07-2010
    • 698

    من أسقطتْ الفناجين ؟


    استيقظ أبو أحمد من النوم و أخذ يغنّي : سوّدتِ أيامي .. ضيّعتِ أحلامي .
    نظرت إليه زوجته التي كانت ترتّب الغرفة ، قائلة في نفسها : لقد سئمت
    من مزاحك . نظر إليها أبو أحمد و قال : يبدو أن الأغنية لم تعجبك .
    فلم تجب الزوجة فعاد الزوج لأغنيته ، تركته الزوجة و ذهبت إلى المطبخ
    لإعداد الفطور ، فجعل أبو أحمد يرفع صوته بالغناء : سوّدتِ أيامي ..
    ضيّعت أحلامي . ضحكت الزوجة و لم تستطع المقاومة ، و لكن ضحكتها
    تلك ما لبثت أن امتزجت بالغضب .
    جلس الزوجان يتناولان الفطور مع ابنهما الصغير خالد ، فطلب أبو أحمد
    منه ألا يسرع في تناول الطعام ، فقالت الزوجة : دعه يسرع كي لا يتأخر
    عن المدرسة . انزعج أبو أحمد من كلام زوجته و قال بنبرة صوت مرتفعة :
    لا ينبغي أن يسرع في الأكل ، فالأكل السريع غير صحّي ، إن كنت تخافين
    أن يتأخر ، فما عليكِ إلا أن تستيقظي في وقتٍ مبكر . ثم رمى الصحن الذي
    كان أمامه جانباً .
    كادت زوجته أن ترد عليه ، لكنها صمتتْ ، و سقطت دموعها .
    تأثر أبو أحمد حين رأى زوجته على تلك الحالة ، و اعتذر منها و عاد يغني
    مغيراً كلمات أغنيته : نوّرتِ أيامي ، زيّنتِ أحلامي . ابتسمت الزوجة و الدموع
    على خديها ، و قالت : هذا أنت ، لا تتغير .
    بعد أن ذهب خالد إلى مدرسته ، قرر أبو أحمد أن يأخذ إجازة ليخرج
    مع زوجته إلى مقصف قريب ، ففرحت زوجته ، و رأت في ذلك
    فرصة لتستعيد شيئاً من ماضيها الجميل ، أيام الخطوبة .
    بعد نصف ساعة وصلا المكان . طلبت الزوجة من أبي أحمد أن يتغزّل
    بها كما كان يفعل في الماضي ، فقال : كما تريدين . أنتِ الشمس في حياتي.
    قالت الزوجة : ما أجمل هذا الكلام . ضحك أبو أحمد وقال : لكني قصدت
    شمس الصيف المزعجة . قالت الزوجة : ألا يمكنك أن تتوقف يوماً
    عن المزاح . قال أبو أحمد : إن لم نمزح ، سننفجر من هذه الدنيا .
    قالت الزوجة : و لكنك تبالغ في ذلك ، و لا تتوقف أبداً . قال أبو أحمد :
    و أنتِ تبالغين في طلباتكِ ، ثم إنك تريدين أن أصبح شاعراً يؤلف كل
    يومٍ قصيدة ، وهذا ليس بمقدوري . صديقيني حبيبتي ، أنا أهرب من ضعوط
    الحياة عن طريق المزاح .
    ثم أنكِ تمثلين عنصراً هاماً من هذه الضغوطات ، فضحك أبو أحمد ثم أتبع :
    و لست أقصد أن أقلل من شأنك ، فأنت حبيبتي ، و أم أولادي ، بل عمري
    و زهرة حياتي . ابتسمت الزوجة بعدما سمعت تلك الكلمات الجميلة ،
    و قالت : ها أنت تقول كلاماً جميلاً ، لما لا تقوله في كل حين ؟
    صمت أبو أحمد و لم يعلّق . فقالت الزوجة : هل تذكر يوم أتيت إلى بيتنا
    خاطباً ، كيف كان حالك ؟ كنت شديد الخجل ، و مرتبكاً أشد ارتباك .
    قال أبو أحمد : نعم أذكر . و أذكر كيف سقطت الفناجين من يديكِ ، و أنتِ
    تقدمين القهوة .
    قالت الزوجة : هذا لم يحدث !
    قال أبو أحمد : كيف لم يحدث ؟ أذكر ذلك جيداً .
    قالت الزوجة مندهشة : أنا لم أفعل ذلك أبداً . لقد بدأت أشك في ذاكرتك .
    بدا أبو أحمد حائراً ، و قال في نفسه : هل تقول زوجتي الصدق ؟
    أيمكن أن أكون متوهماً ؟!
    نظرت الزوجة إلى أبي أحمد و سألته : أين سرحت ؟
    قال أبو أحمد : هل أنتِ متأكدة من أنك لم تسقطي الفناجين في ذلك اليوم ؟
    فقالت الزوجة : نعم متأكدة .
    أدخل كلام أبو أحمد الريبة إلى قلب زوجته ، و أخذت تتقاذفها الظنون ،
    فقالت في نفسها : لا بد أنه متزوج من امرأة أخرى ، و ربما زوجته الثانية هي من أسقطت الفناجين ، فاختلط عليه الأمر ، و تخيل أنني أنا من فعلت ذلك .
    في المساء تفاجأ أبو أحمد من زوجته ، إذ لم تتقوه بكلمة ، على غير عادتها .
    فقد كانت دائماً تصنع الأحاديث ، و تسأله أسئلة لا تنتهي ، و تصنع المشاكل
    من كثرة الكلام ، دون أن تدري أنها امرأة ثرثارة ، و فوق كل ذلك كانت تظن
    أنها مظلومة .
    كان أبو أحمد سعيداً لصمت زوجته رغم اندهاشه الكبير . أخذ ينظر إليها
    و هي سارحة الفكر . قال في نفسه : ما لها ؟ بماذا تفكر ؟ لم تتكلم كلمة
    منذ مجيئنا من المقصف . على أي حال هكذا أفضل ، لقد تعبت منها ، و آن
    لي أن أرتاح قليلاً .
    في اليوم التالي و قبل انتهاء أبو أحمد من عمله بربع ساعة ، كانت زوجته
    قد وصلت إلى الشركة التي يعمل فيها ، فجعلت تنتظر في الخارج لتراقبه .
    خرج أبو أحمد من الشركة ، و ركب سيارة أجرة ، فاستقّلت هي واحدة أيضاً
    و تبعته .
    أخذت تسترجع أحاديثه في الماضي ، حين كان يتأخر عن المنزل فيقول
    أنه كان يجلس وحده ، لأنه يحب أن يقضي أوقاتاً خارج البيت ، و أنه يحب
    البقاء حرّاً و لو لساعات قليلة . قالت في نفسها : تريد أن تبقى وحيداً
    يا خائن ، أم أنك تذهب إلى بيت زوجتك الثانية ؟
    لقد كُشف أمرك . تخدعني كل هذه السنوات ، آهٍ من الرجال ، كلهم خائنون .
    فجأة توقفت السيارة ، فنزل منها أبو أحمد و اتجه نحو بناء على يمين الطريق ،
    فلحقت به الزوجة مسرعة قبل أن تفقده . ثم صعد أبو أحمد إلى الطابق الرابع
    و الزوجة تلحق به ، و بهدوء شديد دون أن يلحظ ذلك .
    دخل أبو أحمد إحدى الشقق . فتوقفت المرأة ، و شعرت بغضب شديد ،
    إذ لم يعد عندها أدنى مجال للشك من أن زوجها قد تزوج واحدة أخرى .
    قرعت الجرس ، فخرج أبو أحمد مندهشاً و مرتبكاً و قال : ما الذي جاء بكِ
    إلى هنا ؟
    فجعلت تصرخ : أتقول ما الذي جاء بي إلى هنا يا خائن ؟ أين هي ؟
    أين هي زوجتك الثانية ؟ فسحبها أبو أحمد إلى الداخل خشية من أن يسمعهم
    الجيران .
    أخذت الزوجة تبحث كالمجنونة عن الزوجة الثانية ، فلم تجد أحد . قالت :
    أين هي ؟ قال أبو أحمد : عمَّ تتكلمين ؟ أنا لست متزوجاً من غيرك .
    لقد فتشتِ المكان . هل تريدين أن تبحثي في الخزانة أو تحت السرير ؟
    تفضلي هيا .
    قالت الزوجة : ما هذه القطط ؟ قال أبو أحمد : أربيها ، تعلمين أني أحب
    القطط .
    _ أخبرني لماذا تأتي إلى هنا ؟
    _لقد قلت لكِ في الماضي أني أحب أن أقضي بعض الساعات وحيداً حراً .
    _ هل تقسم أنك لست متزوجاً من امرأة أخرى ؟
    _ و الله لست متزوجاً من امرأة ثانية .
    _ لماذا لم تخبرني أن لديك منزلاً آخر ؟
    _ كي لا أسمع ثرثرتك كل يوم . ثم إنّني لا أملك هذا المنزل ، لقد استأجرته .
    _ ثرثرتي ! هل أنا ثرثارة ؟
    _ نعم ثرثارة ، أنا أهرب من كلامك و ثرثرتك التي لا تنتهي .
    أنا هنا حر أفعل ما أشاء ، أربي القطط ، ألعب معها . و أستقبل أصدقائي
    كما أشاء . ألم تغضبي في الماضي من زيارة أصدقائي ؟ كم مرة تشاجرنا
    من أجل ذلك ؟ أنت امرأة لا تهتم إلا بنفسها . لم تسألي يوماً عن راحتي
    و لم تسألي يوماً ماذا أريد . و أنا أسايرك و أقول في نفسي ، مسكينة ليس
    لها غيري .
    أتعلمين لو كان لكِ أهل كنت طلقتكِ منذ زمن ؟ لكنك وحيدة
    و ليس لكِ أحد غير أخيكِ المهاجر .
    سكتت الزوجة و لم تعرف ماذا تقول . في هذه الأثناء قرع الجرس ،
    قال أبو أحمد : هؤلاء أصدقائي جاؤوا لزيارتي . اذهبي إلى البيت ، سأعود
    في المساء .
    خرجت الزوجة و انتظرت عند موقف السيارات ، و لم تمر لحظات
    حتى جاء أبو أحمد و قال : سأوصلكِ إلى البيت . لا يهون عليّ أن أترككِ
    في هذا المكان وحدكِ . مازلتِ زوجتي و حبيبتي ، و لكن رجاءً اتركيني
    أتنفس قليلاً . فرحت الزوجة لمجيء أبي أحمد و ارتاحت إذ أنّ اهتمامه
    بها لم ينقطع حتى في ثورة غضبه ، لكن بقي ذلك السؤال المحيّر لا يفارقها :
    من تلك التي أسقطت فناجين القهوة ؟
    التعديل الأخير تم بواسطة جومرد حاجي; الساعة 13-08-2014, 23:49.
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    #2
    و مع ذلك بقي في نفس الزوجة شيء من حتى..
    لن يهدأ لها بال حتى ينهد سقف الزوجية
    مودتي

    تعليق

    • جومرد حاجي
      أديب وكاتب
      • 17-07-2010
      • 698

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
      و مع ذلك بقي في نفس الزوجة شيء من حتى..
      لن يهدأ لها بال حتى ينهد سقف الزوجية
      مودتي
      أسعدني مرورك أخي
      الكاتب عبد الرحيم التدلاوي ،
      لك مني جزيل الشكر ،
      دمت في خير .

      تعليق

      يعمل...
      X