سوق الخميس بين القديم والحديث
بقلم //سيد يوسف مرسي
يحتل السوق مكانة عظيمة عند أهل قريتي ؛فهو بمثابة الفرج للقرية جميعاً ؛بكل معاني الكلمة ؛فيه تفرج الكروب وييسر المعسر ؛وتسدد الديون ؛ويتغير وجه القرية
فترتدي ثوباً أخر ؛حتي الرائحة تستبدل برائحة الطهي للطعام ؛فعلي مسافة كيلو متر تشم رائحة الطعام المسبك في القدور أى في (البِرَامِ) كما يسميه الناس عندنا وهو أناء يصنع من عجينة الفخار اسمها (الهَمْرِ ) تجلب من الجبال علي شكل حصى ويأتي بها ناس متخصصون لجلبها وبيعها للناس ؛إنهم يأتون بها من جبال النوبة ؛وتباع للناس بالمكيال كما تكال الحبوب ؛ويسدد ثمنها غالباً بالقسط ؛هذا الإناء يعطي الطعام نكهة خاصة ؛ورائحة خاصة ؛لذلك تشم رائحة الطعام قبل دخولك إلي القرية ؛ويزداد اشتداد الرائحة كلما اقتربت من البيوت ؛ناهيك عن رائحة الخبز الطازج ؛والذي يعم أغلب بيوت أهل القرية في ذلك اليوم ؛فأغلب النساء تؤجل عمل الخبز إلي يوم الخميس ؛وهو اليوم الذي يقام فيه السوق ؛وقد تسعر الأفران لغرض آخر وهو صناعة الفطير الأبيض ؛الذي يأكل دائماً بالمرق ؛ويحبذه أغلب أهل القرية ؛فالذي لم يأكل فطيراً أبيضاً في يوم السوق ؛كان كالذي مات في بيته ؛ويعتبر هذا اليوم له ؛يوم غير طبيعي ؛فيوم السوق هو يوم العيد الأسبوعي لقريتنا ؛والقرى المجاورة
لقريتنا ؛ فهو عيد بمعني الكلمة ؛تنتظره الناس علي لهف ؛ويعدون عدتهم لهذا اليوم ؛النساء والرجال علي حد سواء ؛بدءً من صباح يوم الجمعة التالي بعد الخميس ؛ أصحاب الديون يعدون ويجهزون ما قدروا عليه ؛لبيعه في السوق لسد ديونهم ؛
والنساء يجمعن بيض دجاجهم لبيعه في السوق ؛وأصحاب المواشي يصرفون منتجاتهم من السمن والجبن بالسوق ؛والبط والحمام و الأوز ؛وكذلك أصحاب الحبوب ؛وغيرهم وغيرهم كالتجار والحمالون علي عربات (الكارو) ؛
أن حركة السوق تبدأ بعد انتهاء صلاة العشاء من يوم الأربعاء مباشرة ؛تري التجار الذين يأتون من قري بعيدة ؛قد جاءوا ببضاعتهم ؛إما علي عربات (الكارو)التي تجرها الحمير والبغال ؛أو علي الدواب كالحمير والجمال ؛الكل في عجلة لا يريد أن يسبقه أحد من الناس ؛يريد كل واحد يجلس في مكانه الذي اعتاد عليه ؛والذي تظلله شجرة نخيل معمرة ؛أو شجرة سدر قديمة ؛تلقي ضلالها عليه وتحميه من لفح الشمس الحارقة ؛إذا كان ذلك في فصل الصيف ؛التي تشتد فيه الحرارة والقيظ ؛بالرغم من مساحة السوق الشاسعة والتي تمتد بطول عرض قريتنا من شرقها وغربها ؛لا تتخللها مساكن أو بيوت ؛أو أي شواغر تضيق علي الناس وتجعلهم يتنازعون الأماكن ؛من بعد صلاة العشاء من يوم الأربعاء وطوال فترة الليل ؛لا تسمع إلا أصوات عربات (الكارو) ونهيق الحمير ورغاء الجمال ؛وخصوصاً إذا كنت قريباً
من منطقة السوق ؛الأصوات لا تتوقف حتي وإن طلعت الشمس وانتصب السوق ؛
ودارت حركة البيع والشراء فيه ؛تظل هذه الأصوات إلي ما يقرب من أذان مغرب يوم الخميس ؛
**********
والسوق في قريتنا ليس سوق واحداً ؛إنما هو مجموعة أسواق ؛ولكل سوق مكانة ؛
ولا يذهب واحداً ببضاعة مخالفة في سوق لا تباع فيه بضاعته ؛وهو أمر تعارف عليه الجميع منذ قام السوق بقريتنا ؛
فهناك سوق للحبوب كالفول والعدس والذرة الرفيعة والشامية والحلبة ؛ويجاوره سوق مشتق منه يباع فيه الفول السوداني وتقاوي البرسيم والترمس ؛وسوق للأغنام ؛وسوق للماعز ؛وسوق للبتلو الصغير (صغير الجاموس )؛أما البتلو الكبير(الجاموس الكبير) والبقر والجمال ؛فقد اختص بهم سوق المدينة الذي هو أشمل وأوسع من سوق قريتنا ؛ ويجاور سوق الأغنام والماعز سوقا ًللحوم ؛فتجد أصحاب الذبائح يصيحون لبيع لحوم ذبائحهم وهي مازالت حية ؛قبل أن تذبح فيأتي المشتري ليري الذبيحة التي سيشتري منها يراها بصحتها وكامل عافيتها ؛يعلم ويعرف أنها ذكر وليس أنثي ؛فلحوم الإناث مكروهة عند الناس ؛لما فيها من خوف وشك ؛فقد تكون هذه الأنثى بها عشر حديث ؛أو أنها حديثة عهد بعد ولادتها لصغارها فتعاف الناس أكل لحوم الإناث وتسارع وتحبذ أكل لحوم الذكور ؛لذلك تجد شُراء اللحوم يتفقدون الذبائح قبل الموافقة علي الشراء من لحومها ؛وبعد أن يتم عدد الشارين تأخذ الذبيحة
إلي مكان الذبح ولا يبعد كثيرا من مكان الوقوف ويتم ذبحها وتقسيمها ؛حسب العدد بالتساوي إن كانت أرباعاً أو أسداساً أو أثماناًً ؛اللحوم توزن في السوق بميزان ؛
تصنع كفتيه من سعف النخيل وتعلق كل كفة بثلاثة حبال رفيعة ؛علي أن يجمع حبال كل كفة ؛ويربطوا في طرف قطعة خشبية مثقوبة في الوسط ؛ويربط في هذا الثقب حبل صغير الحجم في ثقبه الوسطي ؛حتى يتثنى الإمساك به عند الوزن وتقدير الكمية ؛ويقوم بذلك الجزار ومعه بعض الجالسين في معاونته ؛للوزن ومضارعة كميات اللحمة بعضها ببعض ؛وكذلك يقوم الجزار (بترضيع ) اللحمة أى ينسقها ويخلطها بعضها ببعض أي تصنف اللحمة من جميع أجزاء الذبيحة؛فلا يأخذ واحداً قسمته ونصيبه من مكان واحد من الذبيحة ؛بل تكون لحمته من جميع أجزائها من الذراع والبطن والفخذ ؛هذا النظام هو نظام بيع اللحوم بالقسمة ويسميه الناس عندنا (قسامي ) وميزان الخوص لم يدم طويلاً؛سرعان ما ظهر ميزان أحدث منه ؛ فقد ظهر ميزان معدني ؛من البرنز الأصفر أو النحاس ذات سلاسل معدنية ؛ فساد وقتاً غير قليل ؛ثم ظهر الميزان صاحب القاعدة المعدنية والتي تصنع من الحديد الزهر؛ ويوضع علي الأرض بدلاً من مسكه باليد إذا ما أردت الوزن ؛ ثم ظهر الميزان الحساس صاحب المؤشر ومازال ؛ لكن التطور لم يتوقف ؛فقد ظهر الميزان الرقمي (الديجتال) وهو المعمول به الآن؛
بسوق اللحوم نظام آخر ؛يذهب إليه طائفة أخري من الناس ؛الناس الذين هم أقل مقدرة علي الشراء بنظام (القسامي ) يقوم بعض الجزارين بذبح بعض الشياه أو الماعز؛وتقسيمها (بالكوم ) والكوم هو عبارة عن بعض قطع اللحم من الضلع والفخذ
وغيرهما من الذبيحة يقدره الجزار البائع توضع طبلية خشبية ؛يأتي إليها الغير قادر علي الشراء بنظام (القسامي ) ويقدر الجزار ثمن الكوم من اللحم الذي أمامه مثلاً بعشرة قروش ؛فيكون في نهاية بيع كل لحوم الذبيحة مكسبه وربحه فإذا ما أنتهي من بيع لحوم ذبيحته ؛جاء بأخرى حتي ينتهي يوم السوق ؛فيكون قد باع أكثر من ذبيحة له ؛وبالرغم من أن هذا النظامان موجودان بالسوق عندنا إلا أن هناك نظاماً أخر؛أو نفسه وحفر لنفسه مكان بالسوق ؛لا يقل أهمية وله رواده والعاشقين للشراء من هذا النظام ؛(اللحمة الخشنة ) وهي عبارة عن لحوم العجالى والبقر والجاموس ؛فله روادها وعشاقها ؛هذه اللحوم تباع بنظام الوزن ؛أي بالكيلو في وقتنا الحاضر ؛
أما أيام زمان ؛فكان البيع يتم بوحدة المكيال السائدة في ذلك الوقت ؛ فكانت توزن اللحوم الخشنة بالأُقة والرطل وكلٌ حسب رغبته وقدرته ؛أما اليوم فالوزن والبيع بالكيلو جرام؛وفي النظام القديم لا تلجأ الناس للوزن بالرطل أو الأُقَةِ ؛حيث كان هناك نظام التقسيم بالقيراط والسهم ؛فتقسم الذبيحة إذا كانت من (الجاموسي) الصغير؛تقسم إلي إلي أربعة وعشرون سهما أو قيراط وكل مجموعة تشترك في سهم أو قيراط يقسم فيما بينهم ؛منهم من يأخذ ربع السهم أو القيراط ومنهم يأخذ نصفه ومنهم يشتري السهم كاملاً ؛كلاً حسب مقدرته؛
والجزارين بسوقنا هم أقرباء ؛إنهم من عشيرة واحدة ؛شتان أن تجد بينهم غريب عنهم ؛ليشاركهم نشاطهم وعملهم ؛فذلك من دواعي المستحيل ؛كأنه يستولي علي رزقهم ولقمة عيشهم ؛فيضيق عليه الخناق حتى يكل ويمل من تصرفاتهم ؛ويقرر الفكاك والفرار؛كي من المهلكة التي قد يلاقيها من هؤلاء ؛
أن هذه الطائفة تمتهن الجزارة مهنة لهم جميعاً ؛والذي لا يستطيع ممارسة الذبح منهم ؛ أعدوا مهنة لا تبعد الجزارة ؛فإما أن يجمع الجلود وشرائها من السوق ؛وإما يكون صاحب متاع يؤجر للجزارين ؛ وذلك مقابل قطعة من لحم الذبيحة ؛مقابل تأجير السكاكين والسواطير والفرش وعلاقات الذبائح (وَالقُرَم ) الخشبية التي تقطع عليها اللحمة؛وهؤلاء ينتشرون حول الجزارين بسوق اللحمة ؛يتصايحون فيما بينهم ؛
في أخر اليوم يجمع كل واحداً منهم حصيلته التي جمعها جراء تأجيره لأدواته ؛فيخرج بكمية من اللحم لا بأس بها ؛تباع لمن يريد شرائها من الناس ؛وهناك من الناس ؛من يترقبهم وينتظرهم لشراء ما جمعوا ؛وأحياناً تجد بعضهم يجلس في أحد أركان سوق اللحم وقد وضع في حجر جلبابه كمية من اللحم عارضاً لها للبيع ؛
إنه السوق يا صديقي الذي تفرج فيه الكروب ويسترزق الجميع منه
تحياتي
مع جولة قادمة في ربوع السوق
سيد يوسف مرسي
بقلم //سيد يوسف مرسي
يحتل السوق مكانة عظيمة عند أهل قريتي ؛فهو بمثابة الفرج للقرية جميعاً ؛بكل معاني الكلمة ؛فيه تفرج الكروب وييسر المعسر ؛وتسدد الديون ؛ويتغير وجه القرية
فترتدي ثوباً أخر ؛حتي الرائحة تستبدل برائحة الطهي للطعام ؛فعلي مسافة كيلو متر تشم رائحة الطعام المسبك في القدور أى في (البِرَامِ) كما يسميه الناس عندنا وهو أناء يصنع من عجينة الفخار اسمها (الهَمْرِ ) تجلب من الجبال علي شكل حصى ويأتي بها ناس متخصصون لجلبها وبيعها للناس ؛إنهم يأتون بها من جبال النوبة ؛وتباع للناس بالمكيال كما تكال الحبوب ؛ويسدد ثمنها غالباً بالقسط ؛هذا الإناء يعطي الطعام نكهة خاصة ؛ورائحة خاصة ؛لذلك تشم رائحة الطعام قبل دخولك إلي القرية ؛ويزداد اشتداد الرائحة كلما اقتربت من البيوت ؛ناهيك عن رائحة الخبز الطازج ؛والذي يعم أغلب بيوت أهل القرية في ذلك اليوم ؛فأغلب النساء تؤجل عمل الخبز إلي يوم الخميس ؛وهو اليوم الذي يقام فيه السوق ؛وقد تسعر الأفران لغرض آخر وهو صناعة الفطير الأبيض ؛الذي يأكل دائماً بالمرق ؛ويحبذه أغلب أهل القرية ؛فالذي لم يأكل فطيراً أبيضاً في يوم السوق ؛كان كالذي مات في بيته ؛ويعتبر هذا اليوم له ؛يوم غير طبيعي ؛فيوم السوق هو يوم العيد الأسبوعي لقريتنا ؛والقرى المجاورة
لقريتنا ؛ فهو عيد بمعني الكلمة ؛تنتظره الناس علي لهف ؛ويعدون عدتهم لهذا اليوم ؛النساء والرجال علي حد سواء ؛بدءً من صباح يوم الجمعة التالي بعد الخميس ؛ أصحاب الديون يعدون ويجهزون ما قدروا عليه ؛لبيعه في السوق لسد ديونهم ؛
والنساء يجمعن بيض دجاجهم لبيعه في السوق ؛وأصحاب المواشي يصرفون منتجاتهم من السمن والجبن بالسوق ؛والبط والحمام و الأوز ؛وكذلك أصحاب الحبوب ؛وغيرهم وغيرهم كالتجار والحمالون علي عربات (الكارو) ؛
أن حركة السوق تبدأ بعد انتهاء صلاة العشاء من يوم الأربعاء مباشرة ؛تري التجار الذين يأتون من قري بعيدة ؛قد جاءوا ببضاعتهم ؛إما علي عربات (الكارو)التي تجرها الحمير والبغال ؛أو علي الدواب كالحمير والجمال ؛الكل في عجلة لا يريد أن يسبقه أحد من الناس ؛يريد كل واحد يجلس في مكانه الذي اعتاد عليه ؛والذي تظلله شجرة نخيل معمرة ؛أو شجرة سدر قديمة ؛تلقي ضلالها عليه وتحميه من لفح الشمس الحارقة ؛إذا كان ذلك في فصل الصيف ؛التي تشتد فيه الحرارة والقيظ ؛بالرغم من مساحة السوق الشاسعة والتي تمتد بطول عرض قريتنا من شرقها وغربها ؛لا تتخللها مساكن أو بيوت ؛أو أي شواغر تضيق علي الناس وتجعلهم يتنازعون الأماكن ؛من بعد صلاة العشاء من يوم الأربعاء وطوال فترة الليل ؛لا تسمع إلا أصوات عربات (الكارو) ونهيق الحمير ورغاء الجمال ؛وخصوصاً إذا كنت قريباً
من منطقة السوق ؛الأصوات لا تتوقف حتي وإن طلعت الشمس وانتصب السوق ؛
ودارت حركة البيع والشراء فيه ؛تظل هذه الأصوات إلي ما يقرب من أذان مغرب يوم الخميس ؛
**********
والسوق في قريتنا ليس سوق واحداً ؛إنما هو مجموعة أسواق ؛ولكل سوق مكانة ؛
ولا يذهب واحداً ببضاعة مخالفة في سوق لا تباع فيه بضاعته ؛وهو أمر تعارف عليه الجميع منذ قام السوق بقريتنا ؛
فهناك سوق للحبوب كالفول والعدس والذرة الرفيعة والشامية والحلبة ؛ويجاوره سوق مشتق منه يباع فيه الفول السوداني وتقاوي البرسيم والترمس ؛وسوق للأغنام ؛وسوق للماعز ؛وسوق للبتلو الصغير (صغير الجاموس )؛أما البتلو الكبير(الجاموس الكبير) والبقر والجمال ؛فقد اختص بهم سوق المدينة الذي هو أشمل وأوسع من سوق قريتنا ؛ ويجاور سوق الأغنام والماعز سوقا ًللحوم ؛فتجد أصحاب الذبائح يصيحون لبيع لحوم ذبائحهم وهي مازالت حية ؛قبل أن تذبح فيأتي المشتري ليري الذبيحة التي سيشتري منها يراها بصحتها وكامل عافيتها ؛يعلم ويعرف أنها ذكر وليس أنثي ؛فلحوم الإناث مكروهة عند الناس ؛لما فيها من خوف وشك ؛فقد تكون هذه الأنثى بها عشر حديث ؛أو أنها حديثة عهد بعد ولادتها لصغارها فتعاف الناس أكل لحوم الإناث وتسارع وتحبذ أكل لحوم الذكور ؛لذلك تجد شُراء اللحوم يتفقدون الذبائح قبل الموافقة علي الشراء من لحومها ؛وبعد أن يتم عدد الشارين تأخذ الذبيحة
إلي مكان الذبح ولا يبعد كثيرا من مكان الوقوف ويتم ذبحها وتقسيمها ؛حسب العدد بالتساوي إن كانت أرباعاً أو أسداساً أو أثماناًً ؛اللحوم توزن في السوق بميزان ؛
تصنع كفتيه من سعف النخيل وتعلق كل كفة بثلاثة حبال رفيعة ؛علي أن يجمع حبال كل كفة ؛ويربطوا في طرف قطعة خشبية مثقوبة في الوسط ؛ويربط في هذا الثقب حبل صغير الحجم في ثقبه الوسطي ؛حتى يتثنى الإمساك به عند الوزن وتقدير الكمية ؛ويقوم بذلك الجزار ومعه بعض الجالسين في معاونته ؛للوزن ومضارعة كميات اللحمة بعضها ببعض ؛وكذلك يقوم الجزار (بترضيع ) اللحمة أى ينسقها ويخلطها بعضها ببعض أي تصنف اللحمة من جميع أجزاء الذبيحة؛فلا يأخذ واحداً قسمته ونصيبه من مكان واحد من الذبيحة ؛بل تكون لحمته من جميع أجزائها من الذراع والبطن والفخذ ؛هذا النظام هو نظام بيع اللحوم بالقسمة ويسميه الناس عندنا (قسامي ) وميزان الخوص لم يدم طويلاً؛سرعان ما ظهر ميزان أحدث منه ؛ فقد ظهر ميزان معدني ؛من البرنز الأصفر أو النحاس ذات سلاسل معدنية ؛ فساد وقتاً غير قليل ؛ثم ظهر الميزان صاحب القاعدة المعدنية والتي تصنع من الحديد الزهر؛ ويوضع علي الأرض بدلاً من مسكه باليد إذا ما أردت الوزن ؛ ثم ظهر الميزان الحساس صاحب المؤشر ومازال ؛ لكن التطور لم يتوقف ؛فقد ظهر الميزان الرقمي (الديجتال) وهو المعمول به الآن؛
بسوق اللحوم نظام آخر ؛يذهب إليه طائفة أخري من الناس ؛الناس الذين هم أقل مقدرة علي الشراء بنظام (القسامي ) يقوم بعض الجزارين بذبح بعض الشياه أو الماعز؛وتقسيمها (بالكوم ) والكوم هو عبارة عن بعض قطع اللحم من الضلع والفخذ
وغيرهما من الذبيحة يقدره الجزار البائع توضع طبلية خشبية ؛يأتي إليها الغير قادر علي الشراء بنظام (القسامي ) ويقدر الجزار ثمن الكوم من اللحم الذي أمامه مثلاً بعشرة قروش ؛فيكون في نهاية بيع كل لحوم الذبيحة مكسبه وربحه فإذا ما أنتهي من بيع لحوم ذبيحته ؛جاء بأخرى حتي ينتهي يوم السوق ؛فيكون قد باع أكثر من ذبيحة له ؛وبالرغم من أن هذا النظامان موجودان بالسوق عندنا إلا أن هناك نظاماً أخر؛أو نفسه وحفر لنفسه مكان بالسوق ؛لا يقل أهمية وله رواده والعاشقين للشراء من هذا النظام ؛(اللحمة الخشنة ) وهي عبارة عن لحوم العجالى والبقر والجاموس ؛فله روادها وعشاقها ؛هذه اللحوم تباع بنظام الوزن ؛أي بالكيلو في وقتنا الحاضر ؛
أما أيام زمان ؛فكان البيع يتم بوحدة المكيال السائدة في ذلك الوقت ؛ فكانت توزن اللحوم الخشنة بالأُقة والرطل وكلٌ حسب رغبته وقدرته ؛أما اليوم فالوزن والبيع بالكيلو جرام؛وفي النظام القديم لا تلجأ الناس للوزن بالرطل أو الأُقَةِ ؛حيث كان هناك نظام التقسيم بالقيراط والسهم ؛فتقسم الذبيحة إذا كانت من (الجاموسي) الصغير؛تقسم إلي إلي أربعة وعشرون سهما أو قيراط وكل مجموعة تشترك في سهم أو قيراط يقسم فيما بينهم ؛منهم من يأخذ ربع السهم أو القيراط ومنهم يأخذ نصفه ومنهم يشتري السهم كاملاً ؛كلاً حسب مقدرته؛
والجزارين بسوقنا هم أقرباء ؛إنهم من عشيرة واحدة ؛شتان أن تجد بينهم غريب عنهم ؛ليشاركهم نشاطهم وعملهم ؛فذلك من دواعي المستحيل ؛كأنه يستولي علي رزقهم ولقمة عيشهم ؛فيضيق عليه الخناق حتى يكل ويمل من تصرفاتهم ؛ويقرر الفكاك والفرار؛كي من المهلكة التي قد يلاقيها من هؤلاء ؛
أن هذه الطائفة تمتهن الجزارة مهنة لهم جميعاً ؛والذي لا يستطيع ممارسة الذبح منهم ؛ أعدوا مهنة لا تبعد الجزارة ؛فإما أن يجمع الجلود وشرائها من السوق ؛وإما يكون صاحب متاع يؤجر للجزارين ؛ وذلك مقابل قطعة من لحم الذبيحة ؛مقابل تأجير السكاكين والسواطير والفرش وعلاقات الذبائح (وَالقُرَم ) الخشبية التي تقطع عليها اللحمة؛وهؤلاء ينتشرون حول الجزارين بسوق اللحمة ؛يتصايحون فيما بينهم ؛
في أخر اليوم يجمع كل واحداً منهم حصيلته التي جمعها جراء تأجيره لأدواته ؛فيخرج بكمية من اللحم لا بأس بها ؛تباع لمن يريد شرائها من الناس ؛وهناك من الناس ؛من يترقبهم وينتظرهم لشراء ما جمعوا ؛وأحياناً تجد بعضهم يجلس في أحد أركان سوق اللحم وقد وضع في حجر جلبابه كمية من اللحم عارضاً لها للبيع ؛
إنه السوق يا صديقي الذي تفرج فيه الكروب ويسترزق الجميع منه
تحياتي
مع جولة قادمة في ربوع السوق
سيد يوسف مرسي
تعليق