طيات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    طيات

    طيات
    أشعر كما لو أن أحدا ألقى بداخلي عبوة حزن ناسفة انفجرت فحل الظلام. من يزيح ركام الغبار عن نفسي و ما تراكم
    من طوب القهر ؟ برامج التلفزة لا تزيدني إلا حزنا ،تؤجج غضبي و تهددني بارتفاع السكر في دمي الذي يغلي حتى يكاد يحترق ، قاعات السينيما أغلقت جميعها ، ما تبقى لا يعرض سوى التافه من الأفلام لإرضاء أذواق العامة و الدهماء ، لا وجود لمتاحف في مدينتي و لا مسارح ، أكاد أشعر بالتصحر يهدد خصوبة حياتي.
    فجأة ، لمعت في ذهني فكرة الذهاب إلى ساحة لهديم التاريخية ، فلن يخيب ظني ، و سأجد فيها طلبي و ما أبغيه من فرجة تطير ركام الأحزان. سرت إليها على الأقدام ، و كنت أفكر فيها : عرفت أحداثا و طرأت عليها تغييرات ، كانت سوقا لبيع الخضر و اللحوم و الصوف و الثياب ، ثم صارت : كما يقال ،مضربا لاستقبال السفراء و كبار القوم ، و في الوقت نفسه مسرح عقاب و تطيير الرقاب ، باب منصور يشهد بالرؤوس
    المقطوعة التي علقت على أعمدته الرخام. ثم في وقت لاحق سارت سوقا يبيع فيها السبليون متاعهم و بعض الأغراض لكسب القوت في زمن ضربهم الفقر المدقع ، و منهم من كان يتجول بين الأزقة و الحواري طلبا للقوت. كما أنها كانت مسرح مواجهة مع المستعمر الذي أراد التصرف في مياه وادي بوفكرن.
    لما بلغتها لفت انتباهي حلقة تعرض ألعابا بهلوانية ، كان أفراد حماد أو موسى يؤدون أدوارا سرعان ما أشعرتني بالملل لكونها مكررة معادة ، تساءلت مع نفسي : لم لا يطورون أداءهم ، و يأتون بالجديد و المبهر ؟ لم يعشقون التكرار و أداء نفس الأدوار ؟ انصرفت عنهم أطلب حلقة أخرى ، و أنا أعلم أن الساحة قد استعادت عافيتها و صارت مزارا لكل طالب متعة ، فقد أخرجت قبلا مجموعة من الباحثين و الدارسين المشهورين وطنيا و دوليا من أمثال ، حسن لمنيعي و شبشوب. و المنتظر ان تستعيد أدوارها التعليمية و التربوية نفسها و تصير مدرسة لتخريج أفواج جديدة من الدارسين. لم أذهب إلى حلقة الحوات لعلمي أن المفاجأة غير السارة قد تحدث ، علمتني التجربة ذلك ، بل سرت باتجاه حلقة الحكواتي. أخذ السارد بلبي و رفعني إلى أعلى عليين و هو يحكي مغامرات سيف بن ذي اليزن و كيف قضى على هجوم الحبشة ، و عن عنترة و كيف قضى على عنصرية أبيه و فرض عليه الاعتراف به ، و عن تغريبة بني هلال و بلوغهم المغرب و دورهم في مساندة هذا الطرف أو ذاك لتولي الحكم. حكايات تروي ما سطرته سيوف العزة من مكارم الانتصارات ، و قدرة الزعماء على رأب صدع الفرقة و توحيد صفوف القبائل المتناحرة و صهرها في بوتقة واحدة ذات هدف كبير و نبيل ، و نجحوا في تحقيق الأمجاد ، و كتابة البطولات بماء الذهب. كم كنت سعيدا و أنا أنصت لتلك الملاحم ، و كم كان صدري يرتفع و يعلو بإيقاع الحكاية ..كنت مأخوذا بطريقة الحكي ،إذ كان الحكواتي بارعا حقا إلى درجة أنه جعل الحضورمخدرا ، فقد أيقظني شخص يدخل يده في جيبي , ولما لم يجد فيه شيئا ، اتجه إلى جيوب الآخرين يفعل الأمر نفسه بخفة فلم يشعر بما يفعله أحد ، حمدت الله أني لم أكن أملك شروى نقير و إلا كان ذهب رزقي أو كنت سأعيش ورطة الصراع دفاعا عن حر مالي.
    سرحت النظر بعيدا أتأمل الساحة فتذكرت أنه مرة تم تركيب منصة صارت خشبة مسرح عرضت تاريخ مؤسس المدينة ، و الحق أنها كانت موجودة قبله ؛ أسستها قبيلتي الأمازيغية مكناسة الممتدة إلى حدود تازة ، و قد أسهمت في بناء هذه القلعة الحصينة أيضا. كل ما فعله أنه حصنها بمزيد أسوار ،و ببنايات معمارية عالية القيمة ، و حدائق و منتزهات و سجون سرية و علنية، حماية لها من هجوم بعض القبائل الثائرة ، و من غزو خارجي محتمل. بعدها صيرها عاصمة ملكه ، و منها انطلق لتحرير المدن الشاطئية من المغتصب البرتغالي و
    الاسباني ، كما حرر بعض الثغور ، و لم يكن لينجح ، بحسب المسرحية ، لولا كارزماته و
    قدرته على تأليف قلوب الناس و توحيد كلمتهم والإعلاء من شأن الحرية بتكريه الناس في الاحتلال و تذكيرهم بقيمة الجهاد دينيا و دنيويا ، مع التذكير بأن طرد الغاصب المحتل فرض عين لا يتطلب أي تأخير ، و للجهاد وقع حسن في الآذان ، إذ به تم عزل و تنصيب الكثير من الحكام و الأسر.
    قلت : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ، و عليها ما اكتسبت ؛ و تحسرت على ما نحن فيه ، آلمني وضعنا الراهن ، و كاد الدم يسيل من قلبي و عيني. و أنا في حيرتي سادرا ، و في غيي القديم غارقا ، إذا برجل أسمر اللون ، ذي عينين ضيقتين تنمان عن دهاء ، و جبهة مسطحة ، ربعة ، قوي البنية يظهر لي من اللامكان ، يضع على رأسه عمامة بيضاء تحيط بطربوش أحمر ، و يرتدي سلهاما مسكيا شدت أطرافه عند الكتف الأيسر بمشبك من ذهب ، تحته جلباب أبيض و قميص طويل من اللون نفسه ، أقبل علي طلق المحيا بابتسامة عريضة و قال لي : لا تصدق كل ما يروى عني ، غربل المعلومات ، ثم لا تحكم على أفعالي بمنطق عصركم ، فما قمت به من أعمال قد تراها حاطة بالكرامة ، عنيفة بل وحشية ، لكن ظروف العصر كانت تتطلب مثل تلك الأفعال ، البلاد كانت تعيش اضطرابات و فوضى ، و
    الأعداء محدقون بها من كل جانب ، و قد بدأوا في قضم أجزاء منها ، و كل تراخ مني أو ليونة لن تكون إلا وبالا. ثم انظر إلى ما قمت به من تشييدات و قلاع و حصون لتعلم أن الزمن كان زمن حرب و دفاع عن الأرض و العرض ، و أي شريف ذي كرامة لن يسمح بضياع بلاد المسلمين ، فالشدة في تلك الآونة واجبة ، و الضرب بيد من حديد ضرورة لإخافة أعداء الداخل قبل الخارج ، و هي طريقة لردع أية رغبة في الخروج عن الطاعة. و لم أنل من أي فقيه كما يدعي البعض لتأليب الناس علي ، أما عن نزواتي ، و مغامراتي الجنسية فهي بفعل فحولتي ، و رغبتي في أن يكون لي أبناء كثر.. و لما رآى الدهشة بادية على محياي ، أردف ، كمن يريد إفحامي : ثم ، انظر إلى حالكم ، تشرذم و صراعات دونكيشوطية لا تخدم إلا مصالح الأعداء ، و تحقق لهم ما عجزوا عن تحقيقه في زماننا ، لقد أشعلتم الحرب بينكم و استعنتم على أنفسكم بالأعداء ، فبئس المصير ؛ إن عظامنا لتتقلب في التراب ألما على ما أنتم فيه .ثم غاب بسرعة كما ظهر ، تاركا إياي في حيرة كبرى ، تذكرت ما طلبه مني فقلتفي نفسي : لست مؤرخا حتى أقوم بقراءة تاريخ الرجل بموضوعية.
    بقيت فترة لا أعلم زمنها سادرا أفكر في ما حصل لي إلى أن باغثني الغروب ، و بدأ الظلام يعلن عن نفسه ، حينها أحسست بثقل خطوي ، و تقوس ظهري ، و ركبني حزن مضاعف ، سرت باتجاه منزلي ، و في الطريق عرجت على أقرب صيدلية حيث ابتعت علبة حبوب منومة ، و لما دخلت إلى منزلي ، أخذت ورقة و قلما ، و بالقرب من سريري كتبت التالي :
    سأتمدد على فراشي ، سأفرغ العلبة فوق راحة كفي الأيمن ، سأبتلعها كلها ، و أدعو النوم
    بإغراء ليداعب أجفاني ؛ و سأحلم بلغد مشرق{ فأنا عامر بالأمل في أن تبرز في هذا الليل البهيم وجوه مشرقة تجذب الناس إليها، و تنفخ فيهم روحا نورانية تنشئهم نشئا آخر.}
    ..............................
    زهرة الجاهلية ، سالم حميش ، رواية ، دار الآداب. ص59.ط 1. س 2003
  • بسباس عبدالرزاق
    أديب وكاتب
    • 01-09-2012
    • 2008

    #2
    عبدالرحيم
    صديقي البهي

    قبل أن أحكم على نصك
    لابد أن أعيد القراءة لتأن

    محبتي صديقي
    لي عودة تليق بك
    السؤال مصباح عنيد
    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

    تعليق

    • الساحر الحزين
      عضو الملتقى
      • 08-08-2014
      • 73

      #3
      ماتعجز عن رؤيته في الواقع، فالأحسن لك رؤيته في حلمك، كي تتغذى الذات بالطاقة الأمل بين واقع مرير وقصور ذاتي!..تحياتي أستاذي "عبدالرحيم التدلاوي " لك وتقديري....
      [CENTER]


      [/CENTER]

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        طيات

        هي أحداث طواها الزمن بين إبطيه
        و استسلمنا نحن للنوم
        و التاريخ لا يأبه للنائمين، فقط أحيانا يباغتهم ببعض الكوابيس و بعض الأحلام مثل بعض البطولات لأفراد معينين
        و لكن عندما تستيقظ الأمة فإن التاريخ سيضطرب و يمضي لأوراقه و هو يتابع ما تفعل الأمة كوحة كاملة و ليس كومضة تعلق على الجدران أو تعرض أثناء نومنا

        كانت سياحة طريفة و جميلة رغم ما فيها من نقد للضمير، و صفع لذواتنا

        آن أن نستيقظ
        أتسمعون المنبه، و الباب يكاد ينخلع من الطرق

        إنه التاريخ ينادي
        يريد أن نصنعنا كما نريد نحن
        و ليس كما صنع أسلافنا أنفسهم


        أحببت حديثك الجميل جدا و قد بدى مثل مقامة أو رسالة أو خاطرة
        بل قصة ناقدة للوضع

        همسة هناك بعض الهنات أتمنى مراجعتها صديقي البهي



        سرني القراءة مرة أخرى لنصك صديقي البهي عبدالرحيم
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • عبدالرحيم التدلاوي
          أديب وكاتب
          • 18-09-2010
          • 8473

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة بسباس عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
          عبدالرحيم
          صديقي البهي

          قبل أن أحكم على نصك
          لابد أن أعيد القراءة لتأن

          محبتي صديقي
          لي عودة تليق بك
          مرحبا بك ، أخي البهي ، بسباس
          شكرا لك على كرم الحضور.
          سعيد بوجودك في متصفحي.
          و عودة ميمونة.
          مودتي

          تعليق

          • حسن لختام
            أديب وكاتب
            • 26-08-2011
            • 2603

            #6
            قص جميل وعميق
            محبتي

            تعليق

            يعمل...
            X