بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بنت الشهباء
    أديب وكاتب
    • 16-05-2007
    • 6341

    بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين

    بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين


    بقلم: الدكتور بكري شـيخ أمين
    عضو اتحاد الكتاب العرب
    عضو اللجنة العالمية للغة العربية


    يلفت نظر الباحث العربي المدقق في هذا العصر كثرة الدراسات والنظريات المنصبة على العالم العربي ، والإسلامي بوجه خاص ، وعلى القارة الإفريقية بشكل عام ؛ صادرة في المقام الأول من العالم الغربي ، ثم من إسرائيل ، كما تصدر أحياناً من أقطار عربية معينة .
    وأكثر ما تدور أبحاث هذه النظريات أو الدراسات حول ( العقلية العربية ) وخصائصها ، وسماتها ، وميزاتها ، والفروق بينها وبين العقلية الأوربية في مظاهرها ، ومحتواها ، واتجاهها . والغريب أن تكون هذه الدراسـات متقاربة إلى حد الاتحاد في مضمونـها ، على الرغم من الاختلاف الشكلي في أســاليبها ، وطرق معالجتها .
    ولو قيض لك أن تقرن هذه الدراسات بعضها ببعض ، وتدرس هوية أصحابها ، وتتعرف غاياتهم ، لهالك الأمر ، وعرتك الدهشة ، وانتابك العجب ؛ فهم ينتسبون إلى نسب واحد ، هو العداوة لكل ما هو عربي ، ومسلم ، وشــرقي ؛ على الرغم من اتخاذهم جميعاً الأســلوب العلمي وسيلة ، والبحث الفكري الخالص خطة وطريقاً .
    ولو أتيح لك ـ كذلك ـ أن تفتح مذياعك على الإذاعة
    الإسرائيلية ، وتصغي إلى ما يبثه من برامج وأحاديث ، ولا سـيما في غير اللغة العربية ، لرأيت أنه يهدف إلى غرض بعيد ، هو سـلخ العرب من كل تراث حضــاري ، ومجد تليد ، وفكر أصيل ، وردّ ذلك كله إلى الأمم الأخرى غير العربيــة التي دخلت في الإسلام .
    غاية هذه الدراسات والإذاعات واحدة ، إنها الإلحاح على فكرة أساسية هي : أن الحضارة التي يفاخر العرب بها نتاج فارسي ،
    أو هندي ،أو تركي ، أو غير ذلك . وتضرب على ذلك الأمثلة الكثيرة ، فترد ابن سينا إلى الأصل الروسي ، والغزالي إلى الأصل الفارسي ، والبخاري إلى الأصل الأفغاني ، والفارابي إلى التركي ، وهلم جراً …
    وأغرب من هذا كله ، أن عدداً من الدول العربية والإسلامية تعتقد ـ عن حسـن نية ـ ما يقوله هؤلاء الناس ، فتقيم مهرجانات واحتفالات بهؤلاء العلماء ، في مناسبات مختلفـة ، وتدعي لنفسها استحواذ هذا العالم أو ذاك ، وربطه بها ، وسلخه عما سواها من البلدان ، كأنه إذا كان ولد على أرضها ، أو عاش في بلدها ، كان لها دون الناس جميعاً ، وحرم على غيرها ادعاؤه ، والتباهي به .
    هذا الزخم الفكري الهائل المنصب على العالم العربي والإسلامي شعوبية ، ولكن من نوع جديد .
    وإذا كان العرب في تاريخهم قد عرفوا الشعوبية ولدت في العصر الأموي ، وقويت واستفحلت واشتد ضرامها في العصر العباسي ، فإنـها لأهـون ألف مرة من الشـعوبية الجديدة المعاصرة .
    كانت شعوبية القدماء رد فعل على الحكام الذين امتهنوا العنصر الأعجمي ، واحتقروه ، وعاملوه معاملة لا يرضى عنها العدل ، ولا الإسلام ، ولا الخلق الحميد ، فلقد فرق الحـا كمون بين العربي والأعجمي ، والأبيض والأسود ، والقريب والبعيد ، وخالفــوا القرآن الكريم الذي ينص على أن ( أكرمكم عند الله أتقاكم ) وخالفوا السنة النبوية التي تنص على أن المسلمين سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، وكلمة النبي صلى الله عليه وسلم : سلمان منا آل البيت . وما سلمان إلا فارسي ، دخل الإسلام ، وغدا في تعاليم الدين الحنيف واحداً من المسلمين ، يحارب إن حاربوا ، ويسالم إن سالموا .
    لقد خالف الحكام آنذاك هذه التعاليم الرائعة ، وعاملوا غير العرب من المسلمين معاملة تختلف عن معاملة المسلمين من العرب ، وجعلوا الناس طبقات ، وصنفوهم إلى أصناف ، وقسموهم بين عرب وموال ، وظلموا الموالي ظلماً كبيراً ، واضطهدوهم ، واحتقروهم ، وفرضوا عليهم الجزية والزكاة في آن معاً . وكلمة الحجاج بن يوسف الثقفي مشهورة : لو رفع إليَّ عَقد بين مولى وعربية لفسخته .
    شعوبية هؤلاء كان مصدرها إثاراتٍ عربية من جهة ، وإثاراتٍ تتصل بالدين الفارسي من جهة ثانية ، وإثاراتٍ تتصل بالسياسة والحكم من جهة ثالثة ، وغير ذلك من العوامل .
    ومع هذا فقد لقيت تلك الحركة مقاومة شديدة من المجتمع الإسلامي كله ، وكان المسلمون من غير العرب أكبرَ المقاومين لها ، وأكبرَ خصومها ، ولا أدل على ذلك من موقف ابن قتيبة الدينوري على هذه المقاومة ، وكتاباتِه الكثيرة والعنيفة ، والمحكمةِ في الرد عليها .
    سمع الصاحب ابن عباد ـ وهو فارسي ـ مرة أحد الشعراء ينشده قصيدة ، فيها إشادة بالعنصر الفارسي ، وحطٌّ من قدر العرب ،
    فلم يعجبه ذلك ، والتفت إلى بديع الزمان الهمذاني ـ وهو فارسي كذلك ـ وقال له : رد عليه . ولم يحتمل أن يجري على لسان شاعر
    مثل هذا الهراء ، وأخذته الحمية على العرب والعروبة ،
    لأنهم مادة الإسلام ووعاؤه .
    إن الإسلام في جوهره لا يعترف بالعروق ، ولا بالحدود ،
    ولا بالأقاليم ، ولا بالأجناس ؛ والمسلمون ، أنى كانوا ، ومهما اختلفت ألوانهم ، وأصولهم ، ولغاتهم ، إخوة ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى .
    ويـوم كان الدين منيعاً ، حصيناً ، ويوم كان العرب أقوياء ،
    صـار المسلمون جميعاً عرباً ، فكراً ، ولغة ، وكتابة ، وحضارة ،
    وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الحضارة العربية الموسومة بسمة الإسلام .
    كانت الأرض كلها عربية ، وجاء هؤلاء المسلمون من شتى أقاليمهم ، فزرعوا أفكارهم في الأرض العربية ؛ ولذلك فإن المحصــول الذي نتج ، والزرع الذي نـما ، وترعرع ، واستوى ،كان عربي الهوية ، عربي الثمار .
    لم يكن الفرس جميعاً ، ولا الهنود ، ولا الأمم الأخرى من غير العرب شعوبيين ، وإنما كانت هذه الفئة صغيرة ، قليلة العدد ،
    لم يدخل الإسلام في قلبها ، ولم يجر في عروقها ، كما كان عند الكثرة الكاثرة ، ولهذا فقد سلطت حقدها ، وبذاءتها على العرب ، ؛ لأنها كانت تشعر بالنقص ، وتحس بالخذلان ؛ ولأنها كانت لا تعرف معنى السمو النفسي ، والكما ل الإنساني
    اللذين بثهما الإسلام في قلوب معتنقيه .
    ويؤيد هذا القول ما أورده ابن قـتيبة في أحد كتبه ، حيث قا ل :
    إن الشريف في قوم صنو الشريف في قوم آخرين ، ولا يبحث عن المثالب إلا من افتقدها في نفسه ، ولولا تحرجي من أن أبا عبيدة فسر كتاب الله لنشرت مثالبه الشخصية .
    كانت هذه الشعوبية الأولى محدودة بحدود ، وأصحابها معدودين ، ومنكروها من المسلمين غير العرب أكثر عدداً من متقبليها ، وآثارها لا تتخطى الجدال النظري البسيط .
    أما شعوبية اليوم فعجيب أمرها ، وبعيد غرضها ، وإنها لا تهدف إلى ما هدفت إليه شعوبية القدماء ، وإنما ترمي إلى غاية بعيدة جداً ، وهي سحق كل مجد وفضل وحضارة ، لا للعرب وحدهم ، وإنما للمسـلمين كذلك ،
    بل للآسيويين قاطبة ، والذين يرفعون لواءها : علماء ، وباحثون ، وفلاسفة ، ومخططون كبار ؛ وهي تنبع من منابع شتى في آن واحد ، تراها اندفعت من فرنسـا تارة ، ومن انكلترا تارة أخرى ، ومن إيطاليا أو من هنغاريا ، أو من ألمانيا ، وقد تصدر أحياناً من بلد عربي .
    ربما جاز لنا أن نقول : إن المستشرق الفرنسي ( رينان RENAN ) كان أول من فتح باب الهجوم على العرب في كتابه ( تاريخ اللغات السامية المقارن HISTOIRE GENERAL ET SYSTEME COMPARE DES ANGUES SMITIQUES وفيه حاول أن يؤكد أن في الدنيا نوعين من العقليات : عقلية آسيوية ، وعقلية آرية .
    أما العقلية الآسيوية فبعيدة عن الإبداع ، ومن صفاتـها الضعف والإخفاق في كل شيء ؛ وما عقيدة التوحيد التي تسيطر على معظم أقطار آسيا إلا دليل على هذا التخلف ، وهذا الانحطاط . والآسيويون متهافتون ، ضعفاء في أخيلتهم ،
    خوارون ، عاجزون في حروبـهم ، لم يشهد لهم التاريخ تفوقاً حربياً ، ولا انتصاراً في أي عصر من العصور ؛ بخلاف العقلية الآريــة ، المتميزة بالإبداع ، المتفردة بالعبقرية ، القادرة على التصرف ، المنتصرة في كل ميدان .
    ذلك هو الهراء الذي طلع به رينان ، وقد كان أول القطر ، ثم راح ينهمر ..
    تبعه المستشرق الهنغاري اليهودي غولدزيهر GOLDZEIHER
    في معظم كتبه ودراساته ، ولا سيما في كتابه المشهور : ( العقيدة والشريعة ) فقد شاه سماً زعافاً وبهتاناً مبيناً ، وزعم ـ من جملة ما زعم ـ أن حضارة المسلمين ليست نتاجاً عربياً ، وإنما كانت نتاجاً غير عربي ، وألح على التفريق بين العقلية العربية التي هي عقلية آسيوية غير منتجة ، وبين العقلية الآرية المبدعة .
    ولحقه المستشرق الإيطالي غويدي ( الأب ) المعروف بالكبير . جاء إلى القاهرة ليحاضر في ( فضل العرب في الفلك والجغرافية والطب والعلوم الأخرى ) وكان في مطلع محاضرته رائعاً ، بلغ حد الإبداع ، لما أظهر من موضوعية ، ورصانة ، وحياد . وقد أنصف العرب ، وأشاد بفضائلهم ، وأظهر حساباتهم أدق من حسابات الإغريق والرومان والأمم الأخرى في هذه العلوم . ولكنه ما لبث أن هوى من حالق حين حاد عن موضوعه الأصيل إلى بحث في أسباب العبقرية والإبداع ، وقد حصرهما في العقلية الآرية دون سواها ، وأنكرها على العقلية الآسيوية ..وهكذا .
    ومن إنكلترا طلع مرغوليوث بمثل ما طلع به رينان ، وغولدزيهر ، وغويدي ، وبدأ يشكك في كل التراث العربي ، وبكل العقل العربي ، ويملأ دروسه ومحاضراته بالأراجيف ، ويقنع طلابه ببراهين وأدلة ما أنزل الله بها من سلطان .وما هي إلا حقبة حتى كان صوت برتراند رسل الفيلسوف الإنكليزي يملأ الآفاق ، وكلمته التي جاءت في كتابه الضــخم ( تاريخ الفلسفة ) أكبر من أن تنسى . لقد قال : إن المكتبة العربية بكل ما تحتويه من تراث ومؤلفات أضن عليها برف من رفوف مكتبتي . والذي يلفت النظر أن الذين ترجموا كتابه إلى العربية لم يعلقوا بكلمة واحدة على هذه الإهـانة .
    والذي سدد الطعنة النجلاء لكل ما صدر عن العرب والمسلمين هو الفيلسـوف الألماني ( أزوالد شبينجلر ) في كتابه المشهور :
    ( انهيار الغرب ) .
    لقد أوصل نظرية التفريق بين العقليات إلى قمتها ، من حيث
    البحث العلمي ، وتلمس الدلائل الموضوعية ، والاعتماد
    على فلسفة التاريخ وتطوره .
    كانت نظريته تقـوم على فكرة ( الظاهرة الأولية) وهو يعني أن لكل أمة من الأمم ( ظاهرة أولية ) هي التي تتحكم في سلوكها ،
    وعقلها ، ونتاجها .
    وفكرة ( الظاهرة الأولية) استقاها من علم البيولوجيا
    والنبات ، فقد لاحظ أنه قد يتفق نوعان أو أكثر من النباتات
    في المظاهر الخارجية ، السوق متشابهة ، والأغصان متشابهة ،
    والأوراق كذلك ، وأحياناً قد تتشابه الثمار ، ولكن لدى
    فحص الأوردة الصغيرة في الأوراق النباتية يظهر الفرق
    في عدد هذه الأوردة ، أو شكلها . وهذا الفرق الدقيق هو
    الذي يميز صنفاً من صنف ، ونوعاً من نوع .
    وكذلك أمر الناس ، فقد ينتقل عربي ـ مثلاً ـ إلى بلد أوربي ،
    فيظهر كأنه منهم ، من حيث طعامه ، وشرابه ، ولباسه ، ووجهه ،
    ولونه ، وقد يشبههم حتى في لغتهم ، والفرق الوحيد الذي
    منهم يكمن في( الظاهرة الأولية) المترسبة في أعماقه . وتبدو
    واضحة لدى أنواع من السلوك ، وألوان من التحريض .
    قد يثور إذا حدق أحد في زوجته ، أو غازلها ، وقد يضرب
    من يهينه أدنى إهانة ، في حين أن ( الظاهرة الأولية) عند
    غيره قد لا تكون لها هذه الاستجابات ، وإنما تكون لها
    استجابات أخرى ، ومن لون مختلف .
    كذلك درس شبينجلر تطور التاريخ ، فرأى كل أمة تمتاز
    بـ ( ظاهرة أولية ) تختلف عن الظاهرة الأولية عند سواها .
    فالإغريق مثلاُ تبدو ظاهرتهم الأولية في ( المكان ) ومن صفات
    المكان وجود الأعمدة علواً ، والمسافات امتداداً . لهذا فإنهم عنوا
    بالأعمدة ، والمعابد المختلفة ذات الأعمدة الجميلة ، وقالوا بتعدد الآلهة .
    والظاهرة الأولية عند الرومان تبدو في ( العمود ، أو الجبل ) وهو يرمز إلى الاستعلاء والقمة . وهذه الظاهرة هي التي جعلتهم يتفوقون حربياً على الشعوب الأخرى ، ويتسلطون عليها . كذلك فإن مفهوم الدولة عندهم منسجم مع هذه الظاهرة ، إذ يرونها فوق المجتمع ، وما خلاصة مجموعة ( جستنيان ) الفقهية إلا برهان على هذه الفوقية ، أو على هذه الظاهرة ـ على حد قوله ـ .
    أما العرب ، ويعني بالعرب كل ما امتد من الجزيرة العربية
    إلى أن يشمل سورية ، والعراق ، والقسم العربي من فارس ،
    فالظاهرة الأولية تتجلى في ( الكهف ) . و( الكهف ) عند شبينجلر يمثل محدودية مظلمة ، ذات ازورار غير منفتح ، وإيحاؤه محدود ،
    مكتنف باللاانفتاح ، وبالإغراق في الإبهام .
    وللتدليل على صحة ما ذهب إليه ضرب مثلاً بالهندسة العربية المولعة بالأقواس ، والقباب ، والمحاريب بل ببنائهم الأصلي
    الذي هو ( الخيمة ) . وفي زعم شبينجلر فإن الخيمة توحي بالكهف ،
    ولا سيما في مظهرها الخارجي ، بل في مظهرها الداخلي كذلك .
    وإلحاحاً علىهذه الظاهرة الأولية جاء إلى الشعر العربي
    وزعم أنه مظهر للخيمة .
    استدل على ذلك بعلم العروض الذي ابتكره الخليل بن
    أحمد الفراهيدي ، وبالتسميات التي استخدمها في أكثر
    مصطلحاته ، كالعروض ، والسبب ، والوتد ، وغيرها ، فإنها
    جميعاً تدل على الخيمة وأجزائها .
    والقصيدة العربية دليل آخر على هذه الخيمة ، فالتزام
    الشاعر بقافية واحدة من أول القصيدة إلى آخرها يجعلها
    بمثابة العقدة التي تمثل رأس الخيمة ، ويجعل الأبيات بمثابة
    الشعاع الذي ينطلق من هذه العقدة ، أو يتجمع فيها .
    وهذا كله يوحي بصورة الخيمة .
    إذن ، فالخيمـة ، والأقواس ، والمحاريب ، والشعر العربي
    تقود إلى ظاهرة ( الكهف ) وهذا يفسر انغلاق التفكير ، وتحجره ،
    أو قل : يمثل ـ على الأقل ـ محدوديته وانطباقه .
    وهكذا ، راح ينتقل من أمة إلى أخرى ، ويبتدع لها ظاهرتها
    الأولية ، ويحاول أن يستخدم كل المعطيات العلمية للدلالة على
    صحة ما يقول ويدعي .
    ولا نغالي إذا قلنا : إن هذا الفيلسوف الكبير ينا ل من
    علماء الفلسفة الحضارية التقدير الكبير ، والاحترام الجم ،
    ويعد من أعظم مفكري القرن الحالي .
    نظرية شبينجلر هذه رد عليها العلماء ، وقالوا : إن كل
    زعم في التمييز بين الأقوام ، وظاهراتهم الأولية هو وهم من
    الأوهام ، لا يسنده واقع ، ولا تؤيده حقيقة ، ولا يدعمه منطق .
    فليس هناك في الدنيا كلها أمة صافية ، وأن كل أمة وضعت
    رجلها في التاريخ صارت مركبة . وصفاء العروق غاب عن هذا
    العالم منذ آلاف السنين ، حتى إنه غاب عن الأسكيمو ذاتهم ،
    بعد أن وفدت عليهم البعثات الاستكشافية ، واختلطت بهم ، وبدمائهم .
    وبعد ، فإن الواجب يقضي أن ننصف بعض المستشرقين
    أمثال ماسينيون ، ونولدكه ، ودي غويه ، وفلوجل ، وولفنسون
    الذين ردوا على رينان ومن لافّه ، وعارضوهم بأبحاث علمية ،
    وبراهين ساطعة ، وبينوا إسرافهم في هذا التمييز بين
    العقليات ، ورموهم بالتعصب ، ومخالفة الحقيقة ، والبعد
    عن العدل والإنصاف ، وضربوا الأمثلة الكثيرة على تفوق الساميين ـ والعرب على رأسهم ـ في ميادين مختلفة ، سواء في الانتصارات
    الحربية أو في الأمور الحضارية
    كل ما نريد الوصول إليه أن نقول : إذا كانت شعوبية
    القدماء قد انصبت على احتقار قوم معينين ، فالشعوبية الحديثة
    انصبت على احتقار العقليات والأمزجة الآسيوية ، والمسلمون
    جزء من هذه الآسيوية . وبمعنى آخر نريد أن نقول :
    إنه في رأي الشعوبية الحديثة أنه مهما بلغ الإنسان العربي
    أو الآسيوي من العلم والمعرفة والعمق فإنه قد يصبح
    عالماً أو عارفاً ، ولكنه يستحيل عليه أن يكون عبقرياً
    أو مبدعاً ، لأن ظاهرته الأولية تحده بحدود .
    ولا بد من أن نؤكد على فكرة أساسية في هذا الموضوع ،
    وهي أنه لا يكفي أن نقتصر على ما ردَّ به بعض العقلاء
    من الغرب وحدهم ، ولا على الرد على تلك النظريات بشتائم
    أصحابها ، وسبابهم ، إن ذلك لا يغني عن الحق شيئاً .
    الواجب الكبير أن نرد على الدلائل المنطقية العقلية
    بمثلها ، إن لم يكن بأرجح منها ، ولا يتم ذلك إلا إذا قامت
    دراسات عميقة ، رصينة ، تبين خصائص المجتمع العربي ،
    ومزاياه ، وإتنولوجيته ، بمثل ما فعل ابن خلدون في مقدمته ،
    أو بمثل ما تطلع إليه ابن سينا في رسالته الصغيرة
    ( منطق المشرقيين ) . وقد أراد أن يتمها ولكن تقاصر به العمر ،
    وحينئذ يخرجون إلى الناس بخصائص المجتمع العربي ،
    وإملاءات هذا المجتمع ، ليقولوا : إن الفكر العربي يميل إلى
    النحو الفلاني ، وإن الفكر العربي قادر على مواجهة الطبيعة
    بكل ما فيها من عقد . ولا يستطيع أن يقوم بهذا إلا علماء متخصصون في هذه الدراسات ، قادرون على مجابهة الأفكار بمثلها ،
    تدعمهم الحكومات ، وتنفذ وسائل الإعلام في البلاد العربية
    جميع ما يريدون ، وتسهل لهم الســبل للوصول إلى كل بقعة من العالم .
    الأسف الشديد هو أن نظرية رينان ، وشبينجلر ، وغولد زيهر ، وماسينيون ، وغويدي ، ومن لف لفهم وجدت آذاناً صاغية ،
    وقلوباً متفتحة ، في مصر بالدرجة الأولى ، ثم تبعتها لبنان
    وسورية ، وبقية العالم العربي .
    في مصر كانت مدرسة ( أحمد لطفي السيد ) مرآة صادقة لنظريات رينان ، ومن ذكرنا من هؤلاء المستشرقين ..
    هذه المدرسة وقفت أمام تيارين في عصرها ، الأول المتمثل في الأحزاب الوطنية المنادية باستقلال مصر ، والثاني المتمثل
    في الدعوة إلى الإسلام وحده .
    أصدر أحمد لطفي السيد جريدة ( الجريدة ) وجعلها منبراً
    للشباب المثقف في مصر كلها ، وكان على رأســهم عبد العزيز فهمي ، وعلي عبد الرازق ، وطه حسين ، وسلامة موسى ، وأحمد أمين ،
    ومحمود عزمي ، وتوفيق النديم ، وكثيرون لا يحصون عدداً .
    اعتقد هؤلاء الناس بسبب تلمذتهم على المستشرقين ، وتبنيهم لآرائهم ونظرياتهم أن مصر ما دامت متمسكة بتراث شرقي آسيوي ، وبالعقلية الآسيوية العقيمة غير المعطية ولا المنتجة ، فإنها لن تفلح في تحرير الوطن من كل راسب ، سواء أكان هذا الراسب دينياً أم حضارياً ،
    وما الإبداع والنبوغ إلا نتاج آري ، والعرب ومعهم كل الآسيويين
    لا إبداع عندهم ، ولا نبوغ ، ولا أصالة ، ولا شيء يستحق الذكر .
    خذ مثلاً نظريات طه حسين في كتابه " حديث الأربعاء " ،
    وانظر كيف رد عبقرية المتنبي ، وابن الرومي ، وأبي تمام
    وابن جني إلى أصول غير عربية ، وسلخ عن جميع
    العلماء والشعراء العرب كل أصالة وإبداع .
    وفي كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " زعم أن مصر ـ وإن كانت واقعة جغرافياً في القارة الإفريقية ـ إلا أنها جزء من القارة
    الأوربية وقا ل : هذه الحضارة الإسلامية الرائعة لم يأت بها
    المسلمون من بلاد العرب ، وإنما أتوا ببعضها من هذه البلاد ـ ويقصد
    مصر ـ وببعضها الآخر من مجوس الفرس ، وببعضها الآخر
    من نصارى الروم . ثم تساءل من جديد : أمصر من الشرق
    أم من الغرب ؟
    وفي كتابه " في الشعر الجاهلي " طرح شكاً كبيراً في الشعر الجاهلي ، وأنكر وجود عدد من الشعراء ، ولم يكتف بذلك ، بل عمد إلى أقدس المقدسات ، وهو القرآن الكريم ، فزعم أنه يبحث فيه بحثاً موضوعياً ، فشك في قصصه ، وشك في صحة تلك القصص ، وأراد من وراء ذلك أن يقنع الناس بفساد ما يعتقدون ، ولكن الله سلم ، إذ ثارت عليه مصر من أولها إلى آخرها ، واندفع الناس إليه من كل
    فج عميق يريدون تقطيعه وتمزيقه ، لولا أن حمته الدولة ، وجعلت عليه ألف حارس وحارس ، وما إن مضت فترة ، وهدأت النفوس إلا وعين ـ بقدرة أصابع خفية ـ وزيراً للمعارف ، يتصرف بأمور التعليم والتوجيه في ذلك البلد المسلم العظيم .
    هذه الكراهية للعرب والمسلمين والشرق سمة ظاهرة عند
    جميع أفراد هذه المدرسة ، فسلامة موسى قال بالحرف الواحد
    في كتابه " اليوم والغد " : كلما ازددت خبرة وتجربة وثقافة توضحت أمامي أغراضي في الأدب كما أزاوله ، فهي تتلخص في أنه يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلحق بأوربا . وكلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ، وشعوري بأنه غريب عني ؛ إلى أن يقول في آخر كلامه : أنا كافر بالشرق ومؤمن بالغرب . وكان من جملة ما دعا إليه أن يكون التعليم أوربياً ، لا سلطان للدين عليه، ولا دخل له فيه . ومن قوله : اعتقادنا بأننا شرقيون بات عندنا كالمرض ، ولهذا المرض مضاعفات .
    وامتدت العدوى إلى لبنان ، ولكنها اتخذت مسارات أخرى ،
    أولها محاربة اللغة العربية لأنها بصراحة لغة القرآن ؛ وراح
    الدكتور أنيس فريحة أستاذ اللغات السامية في الجامعة الأمريكية
    في بيروت يدعو في كتابه المعنون بـ " نحو عربية ميسرة "
    إلى هجر اللغة العربية الفصيحة ، واتخاذ العامية اللبنانية بديلاً عن الفصحى ، وملأ كتابه هذا هجاء للقرآن ، ولكل التاريخ الإسلامي .
    وشايعه كاتب آخر اسمه " مارون غصن " دبج مئا ت المقالات في هذا الاتجاه . واتفق الرجلان : أنيس فريحة ومارون غصن على الدعوة إلى العامية اللبنانية ، وكتابة هذه العامية بالحروف اللاتينية ؛ وكان يزعجهما ، بل يقززهمـا ـ كما قال المرحوم الدكتور عمر فروخ ـ أن يريا مسلمي لبنان يتلون القرآن الكريم ، ويتجهون إلى المساجد ، ويتحدثون بالعربية ، ويكتبونها ، ويدافعون عنها .
    وتبعهما شعوبي آخر ، أمضى لساناً ، وأقوى شكيمة ، وأكثر أنصاراً ، وأوضح حجة ً ، هو سعيد عقل الماروني الزحلاوي ، فلقد أصر على أن يكتب ديوانه الأول المعنون بـ " جلنار " باللغة العامية الزحلاوية ، ثم كتب ديوانه الثاني " يارا " بالعامية وبحروف لاتينية ، وكذلك فعل في ديوانه الثالث " لن " .
    ويبدو أن دعوة الدكتور فريحة ومارون غصن وسعيد عقل لاقت صدى محبباً ورواجاً طيباً في لبنان بعامة ، وعند الموارنة بخاصة ، وعند كل الشعوبيين المبغصين لكل ما هو عربي أو مسلم .
    ونتساءل اليوم عن أولئك الناس الذين يتكلمون
    الفرنسية أو الإنكليزية في بيوتهم في لبنان ، أو يجعلون أكثر كلماتهم إنكليزية أو فرنسية ، هل هذا ياترى أثر من آثار الاستهانة بالعربية
    واحتقار لها ، أو له سبب آخر ؟
    وماذا نقول عن الفضائية اللبنانية L.B.C. والتي جعلت جل
    الأحاديث التي تذاع فيها ، والبرامج التي تبثها ، وأخص بالذكر
    برنامج " ياليل ، ياعين " والذي يحرص معظم العرب ، ولا سيما في الخليج العربي ، على مشاهدته لما فيه من تشويق وإغراء وأمور مستباحة ، باللغة العامية ، والمليئة بما يقشعر منه الخلق الرفيع ، وتشمئز منه اللغة العربية الشريفة .
    وإذا كانت هذه الفضائية لبنانية ، والقائمون عليها من أعداء العربية الفصحى ، إذن فماذا نقول عن فضائية الإمارات العربية المتحدة المسماة بفضائية " أبو ظبي " وقد استضافت سعيد عقل ثلاثة أسابيع عدداً ، وخصصت له في كل أسبوع مقابلة امتدت ثلاث ساعات كاملة ، كان يتحدث فيها عن هذه اللغة الميتة ، ويدعو بملء فمه ، وبكل صراحة إلى هجرها ، ومحاربتها ، وعدم اعتمادها في الحديث ، والكتابة ، والتأليف وسماها لغة الجاهلية ، وحتى يكون البرنامج ناجحاً ، والدعوة محببة ، زينت البرنامج بكل ما هو حبيب إلى الناس من موسيقى ، وصور ، وأفانين ، وصورت دواوين الشاعر بصور مكبرة ، ومجسمة ، وقربت آلة التصوير من الكلام حتى كاد كل متفرج أن يرى الشعر العامي باللهجة الزحلاوية ، ويرى العامية اللبنانية مكتوبة بحروف لاتينية ، وكانت عناوين الدواوين معروضة بأ حلى ما يكون العرض ؟
    ماذا نقول عن هذه الدعوة ، بل من الذي يختفي وراءها ، ومن الذي تبنى هذه الضيافة ، ولم لم يدع مثل هذه الدعوة الحارة رجال من الأزهر ، أو من مجمع اللغة العربية من دمشق ، أو من رجالات كليات الآداب العربية ممن عرفوا وشهروا بحسن الحديث والدفاع عن هذه اللغة الشريفة ؟
    على أن حديثنا عن سعيد عقل ومدرسة الدعوة إلى العامية يجب ألا تشغلنا عن النظر في تيارات شعوبية أخرى ، لا تقل عن مدرسة سعيد عقل خبثاً ، وسوء طوية ، وشعوبية سوداء ؛ إنه تيار يتمثل بأدونيس ويوسف الخال ثم بعبد الوهاب البياتي وأمثالهم ، يناصرهم مجموعة من النقاد ، ويدعمهم إعلام غني ، وإذاعات ، ونقاد ، ومنظرون ، وسدنة ، ومجلات منها : " شعر " و"مواقف " ، و" حوار " .
    يتخذ هذا التيار مواقف عدائية من التراث تنصب على
    كل ما هو عربي ، أو إسلامي منه ، بشكل صريح ، لا لبس
    معه عند أدونيس ويوسف الخال ، وبشكل معلن مرة ، ومبطن
    مرة عند عبد الوهاب البياتي .
    ومواقفهم هذه المعادية للتراث تتجلى من خلال قناعات ثابتة
    نابعة من أفكار مسبقة ، ومن هذه الأساليب طرح مشكلة
    " الحداثة " والإلحاح على ضرورة وجودها ، مع إصرار أن تكون
    بعيدة عن أي صلة بالتراث ، و ربطها بالتيارات الفنية والفكرية
    الأجنبية ، و محاربتها المباشرة لكل ما يتصل بالقومية أو بالدين ،
    أو اللغة العربية الفصحى ، بل سعيها لتحطيم اللغة الفصيحة التي هي الحصن الحصين لحماية الأدب والتراث بعامة .
    فالبياتي مثلاً نشأ في بيئة علمية تتصل بالتراث ، يتنكر بسبب
    اعتناقه المذهب الماركسي لكل ما يتصل بالدين والتراث من قريب
    أو بعيد . يقول في إحدى قصائده شاتماً الكتب الصفراء ، والتي
    هي تراث العرب والمسلمين : يقول :
    شبابي ضاع في المقابر
    والكتب الصفراء والمحابر
    من بلد لبلد مهاجر
    آه من صمت القواميس المريب
    ومقامات الحريري
    على هامش مخطوط قديم
    ذكرتني بكلاب الزمهرير تنبح الموتى
    بصحراء الجليد

    وفي قصيدة أخرى أكثر غموضاً يقول :
    أدخل في عينيك
    تخرجين من فمي
    على جبينك الناصع أستيقظ
    في دمي تنامين على سرر أمطار
    صحارى التتر الحمراء مجنوناً أناديك
    بكل صرخات العالم الوحشية واللغات
    كل وجع العاشق في قاع جحيم المدن
    العاشق والولي والشهيد
    في دمي تنامين .

    هل فهم أحد ماذا يريد البياتي أن يقول ، اللهم إلا كلاماً تأباه اللغة العربية الفصيحة والشريفة .
    ومن هذه المدرسة نظم الشاعر اللبناني عادل فاخوري الكلام
    التالي ، وأخذته الإذاعة اللبنانية ، ولحنته ، ودعته بالقصيدة الإلكترونية .
    قال الفاخوري تلميذ أدونيس :
    هسهسات السنابل
    صليل
    في الهوا
    ينتهي رحيل
    سين . سين . سين .
    سرساب أسود
    عصفور يطير
    يتبعثر في الريح
    يولد
    عند تجمع الأثير
    ويهوى الصعود
    كلما
    هم
    به
    من النشوة
    همى
    النشوة ريش
    سين . سين . سين
    سرساب أسود
    أبجد . هوز . حطي . كلمن
    سعفص . قرشت
    سين . سين
    أبجد هوز . حطي
    الحرف يسري حيث الموت
    حاء
    فحيح
    عصفور
    عين . صاد
    عصفور
    عين . صاد
    النشوة ريش
    اشخط
    النشوة ريش
    اشخط
    خط . نقطة . خط
    خط . نقطة . خط
    خط .
    ترى ماذا يريد هذا الرجل أن يقول ، بل ماذا يريد بتلك الحروف المقطعة ، عين . سين . عين صا د … تراها معارضة لحا ميم عين سين قاف ، أو ألف لام ميم ، أم لشيء آخر؟
    وهذه قصيدة أخرى من مدرسة يوسف الخال وأدونيس
    والبياتي لمحمد بدر خان :
    مثل المرايا الملونة في الشوارع
    قمح مسلوق في كرم الجبل
    وهو رماد
    في أيام الأعياد
    قلبي سجين في سايغون
    قتيل ، قديس ، خالد
    فوق المرتفعات
    وفي الملاحم
    ولكنه جواب في القتال
    لاجئ صبور عبر الزمن
    متمرد الآن
    مسمار في جلد جلد جاموس

    وإذا كنا قد نسبنا هذه الأشعار إلى أدونيس وصحبه ، فمن هو هذا الرجل ، وماذا يريد ؟
    أدونيس رجل سوري الأصل ، من جبال العلويين ، اسمه الحقيقي : أحمد سعيد علي ، واتخذ لنفسه لقب إله الخصب عند القدماء وهو " أدونيس " . تقلب بين الشيوعية ، والقومية السورية ، والناصرية ، ثم تنصر ، وهجر الوطن العربي كله ، واستوطن فرنسا ، ولا يزال فيها .
    أدونيس صاحب رسالة في هدم التراث ، وهو الفيلسوف ،
    والمنظر لهذا الاتجاه . ففي كتابه " الثابت والمتحول " وبخاصة في الجزء المسمى بـ " صد مة الحداثة " حرب معلنة شعواء وصريحة على كل
    قيم التراث ، والدين ، والأدب ، والشعر ، ورفض لكل أدب
    فيه أثارة من دين وإسلام .
    وهو يرى أن المشكلة المصيرية والحضارية تتمثل بمشكلة الدين ، ويعني به الدين الإسلامي ليس غير . قا ل أدونيس عن الإسراء
    والمعراج من قصيدة طويلة ساخرة من كل القيم الدينية على
    لسان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم :
    رأيت باباً كتبت عليه
    كتابة قرأتها
    فانفتح الباب ، رأيت خلفه
    جهنماً
    رأيت غابات من النسوان
    يغلين في القطران
    يُطرحن للأفاعي
    هذا جزاء نسوة
    يظهرن للغريب .. هذي امرأة
    صورتها صورة الخنزير ..جسمها حمار
    لأنها لم تغتسل من حيضها
    هذا عقاب امرأة تعشق غير زوجها
    هذا جزاء امرأة
    لا تحسن العشرة .. أو لا تحسن الوضوء
    لا تصلي
    ……..
    أفليست هذه الشواهد دليلاً على تلمذة هؤلاء لأولئك الشعوبيين ، ودعوة إلى إحباط كل شيء عربي ، أو إسلامي ، أو آسيوي ؟ .
    ولماذا نتكلم عن مصر ولبنان وننسى ما يحدث في بلدنا الذي نعيش فيه ، وهو سورية ؟
    لقد امتلأت شوارعنا بإعلانات كبيرة ، ومضاءة بالليل ، ومنصوبة أمام كل عين ، ومثبتة في كل زاوية تحمل دعاية بلغة عامية ، أو بلغة أجنبية عن مصنوعات وطنية ، فهذا صابون جود مورننغ ، وهذه النكهة من دربي ، وتلك نوت يات ، وهكذا .. ويضيق الصدر من هذه اللغة ، وتحتج وتحتج ، ولا من يسمع أو يجيب .
    لقد كتبت مقالاً مرة لإحدى الصحف ألفت النظر إلى هذه الظاهرة الخطيرة ، وأربط شرف الأمة بشرف لغتها ، وفوجئت في اليوم التالي بمقالي منشوراً ، ولكن بعبارات ليست عباراتي ، وبكلام ليس من كلامي ، وأما ما طالبت به فقد حذف من أوله إلى آخره ، وكان المقال لا أسخف منه ، ولا أهزل . وحدثني عدد من الأصدقاء كتبوا بمثل ما كتبت ، وفوجئوا بمثل ما فوجئت .
    وأخيراً ، لا بد من الانتباه إلى أن الشــعوبية الحديثة تتخــذ اليوم مظاهــر مختلفة ، وتتلبس ملابس شتى ، منها :
    1ـ الدعوة الحارة إلى إحياء اللهجات العامية المحلية ،
    وهجر اللغة العربية الفصيحة ، وقد تنادي بإحلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية ،والانصراف عن قواعد النحو والإعراب ، وترك الشعر التقليدي ذي الوزن الخليلي ، واستبداله الشعر الحر الحديث .
    2ـ الدعوة إلى التفريق بين العقليات ، وتعميق الفروق
    بينها في الدراسات والبحوث ، وربط المبدعين العرب في شتى ألوان
    العلوم والفنون بغير الأصل العربي ، ورده إلى أصول آرية ،
    أو على الأقل ، إلى أصول غير عربية .
    3ـ إشاعة فكرة ( الرفض ) التي تتبنى رفض الماضي ، ورفض الكتب الصفراء ، ورفض التراث ، ورفض كل اعتزاز بمجد تليد .. والدعوة إلى التطلع إلى أمام ، أو إلى احتذاء أمم أخرى تختلف ظروف حياتها عن ظروف الحياة العربية حاضراً ، وماضياً ، ومستقبلاً .
    هذه المظاهر خطيرة ، وأصحابها يتسلحون ظاهراً بالموضوعية ، والعلمية ، والغيرة ، وسواها من ادعاءات ... والمؤسف أن هؤلاء الناس يعملون ، ويجدون ، ويكتبون ، وينشرون ، وأن محبي العروبة ، وكل ما اتصل بها يقنعون بالقليل ، وكثير منهم لا يكلفون أنفسهم جهداً في الرد العلمي ، والبحث الجاد ، والتعمق المتعب ، والإقناع الصارم ، بل كثيراً ما يعتمدون على سواهم في هذه المهمات الخطيرة .
    أيها العرب ‍ ! افتحوا عيونكم على الخطر الداهم ، وادفعوه قبل أن يكون طوفاناً مغرقاً .

    حلب : 21 / 3 / 2007 الدكتور بكري شيخ أمين
    التعديل الأخير تم بواسطة بنت الشهباء; الساعة 23-07-2007, 21:51.

    أمينة أحمد خشفة
  • الشربينى خطاب
    عضو أساسي
    • 16-05-2007
    • 824

    #2
    من سمات البحث العلمي هو الحياد عندما يبحث قضية ما ، فالباحث لا يعرض رأيه إلا بعد عرض القضية بامانة علمية من وجهتيها المتضادة وأراء كل فريق يناصر وجه نظره ، لكن كاتب المقال كون راياً وأراد ان يصبه يسربه إلي عقلنا الواعي وفاته ربما قد نكون لدينا بعض من معارف سابقة تناقض هذا الطرح نوجزها
    اولاً : أن الشرق الأقصي و الأوسط كانت به حضارات بداية من الحضارة الضينية والهندية والفارسية والحضارة الفرعونية
    ونلاحظ هنا ان المقال اهمل متعمداً الحضارة الفرعونية وحضارة بلاد النهرين ، فالحضارات لا تقوم إلا علي علم والعلم يجب ان يدون كي تستفيد منه الأجيال والحضارات تتعاقب ولكي يدون العلم يجب أن تكون هناك لغة ، ومنشأ اللغة كما هو متفق بين الشرق والغرب هي لغة سام بن نوح عليه السلام ومنها تفرعت اللغات السامية
    ولنعد قليلاً إلي الوراء ونستخدم العقل الذي هو أبو العلم ولنسال أنفُسنا كيف بني نوح عليه السلام سفينته علي مراي ومسمع من قومه في مدة زمنية طويلة ، لا اختلاف بين أهل الكتاب أنها لم تكن من المعجزات التي خلقت في لمح البصر ، إذاً هي نتاج جهد بنائي يحتاج علم هندسي وتعديني وزراعي 00 فالسفينة من الخشب والدسر " المسامير " { ذات الواح ودسر 00 }وإلي هذا المسمار نسبت اللغة المسمارية التي كتب بها علم الحضارة البابلية والأشورية علي الواح من طين قبل حرقها ولكي يصنع هذا المسمار من معدن فلا بد من علم يفرق بين المعادن وعلم لصهر المعادن وصناعة تصنع المسامير وعلم للزراعة فتزرع الأشجار ومهنة لتقطيع الأشجار وأخري لشقها إلي الواح بمقاسات دقيقة والأمر يحتاج إلي نباتات تنتج ألياف يصنع منها نسيج الأشرعة ثم نتسائل كيف كانت تسير السفينة في البحر أكانت تهتدي بالنجوم والقمر والشمس فتتعاقب الأيام والشهور والسنين 00 علي ظهر هذه السفينة كان نوح عليه السلام وأبنائه وكل الحيوانات والديابات والزواحف والطيور فنسب العقل المريض لأهل الكتاب تميز ابناء سام ويافث علي اخيهم حام ، ففكرة التميز هذه تسيطر علي الغرب الصهيوني اليهودي والمسيحي بعد أن ورثوا حضارات آسيا وأفريقيا فالحضارة اليونانية والرومانية استفادت أيما استفادة من تلك الحضارات وظهر عصر الفلاسفة اليونانيون والرمان ورسخوا قداسة الملوك بل جعلوهم آلهة وانصاف ألهة وابتكروا المنهج المعرفي الغربي المبني علي فكرة التميز الديني للديانة المسيحية واحتل اليونايين والرمان كل بلاد العالم إلي أن ظهر الدين الإسلامي في الجزيرة العربية الغارقة في الجاهلية ولنتذكر سوياً أول آية نزلت علي النبي محمد بن عبد الله علية الصلاة والسلام
    { اقرأ 000 ما انا بقارئ 00 اقرأ وربك الأكرم 00 الذي علم بالقلم 00علم الإنسان ما لم يعلم 00 الآية }
    فالقرآن نزل في أمة لم تدون علمها واعتمدت علي حفظ تراثها شفاهة وبرعوا في الحفظ واللغة العربية ولولا ان الرسول أمر كتبة الوحي بكتابة الآيات ما كتبوا سور القرآن حتي في مرحلة الخلفاء الراشدين وبداية عهد جمع الأحاديث النبوية كان يضعف الأحاديث المكتوبة ولا يأخذ إلا بالأحاديث المحفوظة وفي عهد الدولتين الأموية والعباسية كانت الكتابة في الدواوين باللغة الفارسية التي انتشر الأسلام في بلادها وظهر نجم البخاري ومسلم وبدية جمع وتدوين الأحاديث
    وكان العرب قبائل رحل لا يستقرون إلا حيث بوجد العشب والماء ، فالحضارة تحتاج إلي استقرار وغالباً ما تكون علي ضفاف الأنهار وحال القبائل العربية حال اسباط اليهود الإثني عشر فلا حضارة لهم ، وكما هو معروف أن أي حضارة يدل عليها ما تركت من أثار مبنية أو حفريات أو برديات وثائقية مكتوبة وقد اخبرنا الله في كتابة العزيز عن أقوام أبادهم بذنوبهم وترك بعض من آثارهم لنتعرف علي مكان معيشتهم {سد مأرب ـ مدائن صالح 00الخ0000}
    والعصر الذهبي للإنتشار المنهج العلمي الإسلامي بدأ في عهد الخلبفة عمر بن عبد العزيز عندما امر بنقل العلم الفارسي بالتراجم فبدا نبوغ العلماء العرب والمسلمين وفتحوا مشارق الغرب ومغاربها وانتقل معهم العلم إلي بلاد اوربا في الكمياء والطب والفلك 000 ودار الزمن دورته بدأ عصر النهضة في أوربا وعادت منطقتنا العربيه تعج في ظلام الجهل من جديد ، يتقدمون خطوات في مجال العلم والإختراعات ونتاخر نحن خطوات ، نكتفي بإستهلاك ما يصنعون ولا نصنع ما نحتاج ، فملكوا رقابنا وفتحوا ابواب بلادهم لإستقبال علمائنا الهاربين من جهل السلطة وجبروتها إلي جنة االغرب اللعين فبرعوا واخترعوا الأسلحة الفتاكة وحرموا علينا استخدامها 00 ولم تعد لنا قضية ألا اتهام بعضنا البعض بالتبعية لليهود أو التفاخر بالأنساب هذا عربي وهذا فرعوني وهذا مجوسي وتأصيل الشعوبية والقبلية والمطالبة بتعميم لغة لهجية بعينها علي باقي اللهجات حتي لو كان مخالفاً شرع الله ولا حولة ولا قوة إلا بالله
    خالص تقديري واحترامي

    تعليق

    • عبدالرحمن السليمان
      مستشار أدبي
      • 23-05-2007
      • 5434

      #3
      [align=justify]الأستاذ الكريم الشربيني خطاب،

      في الحقيقة إن مقال الدكتور بكري شـيخ أمين دقيق جدا في توصيفه للشعوبية المحدثة، وكل الأسماء الواردة فيه متورطة في مسايرة التيار الشعوبي بدرجات متفاوتة. يعلم ذلك من المثقفين العرب المطلعون على كتابات المذكورين في المقال أعلاه، وما أقلهم!

      وعلى الرغم من أن نظرية رينان في العقل الآري الخ قد انتهت منذ زمن بعيد، إلا أن الشعوبية اليوم تنتهج طرائق كثيرة أشرت إلى بعضها في باب "مقالات وخواطر سليمانية".***

      والواقع يشهد بأن المثقفين العرب لا يزالون عاجزين عجزا مريبا عن التعاطي مع مسائل مثل 1. الاستشراق 2. الشعوبية المحدثة 3. رد الشبهات الدينية الخطيرة التي تثار في الشبكة العنكبويتية، لأن المثقفين ثقافة موسوعية، الواعين بتاريخ أمتهم وتداعيات حاضرها وتحديات مستقبلها هم في حقيقة الأمر أندر من "لبن العصفور" في دنيا العرب!

      وتحية طيبة عطرة.

      *** مقالة "الشعوبية الجديدة" على الرابط التالي: http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=808
      [/align]
      التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن السليمان; الساعة 23-07-2007, 11:55.
      عبدالرحمن السليمان
      الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      www.atinternational.org

      تعليق

      • الشربينى خطاب
        عضو أساسي
        • 16-05-2007
        • 824

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحمن السليمان مشاهدة المشاركة
        [align=justify]الأستاذ الكريم الشربيني خطاب،

        في الحقيقة إن مقال الدكتور بكري شـيخ أمين دقيق جدا في توصيفه للشعوبية المحدثة، وكل الأسماء الواردة فيه متورطة في مسايرة التيار الشعوبي بدرجات متفاوتة. يعلم ذلك من المثقفين العرب المطلعون على كتابات المذكورين في المقال أعلاه، وما أقلهم!

        وعلى الرغم من أن نظرية رينان في العقل الآري الخ قد انتهت منذ زمن بعيد، إلا أن الشعوبية اليوم تنتهج طرائق كثيرة أشرت إلى بعضها في باب "مقالات وخواطر سليمانية".***

        والواقع يشهد بأن المثقفين العرب لا يزالون عاجزين عجزا مريبا عن التعاطي مع مسائل مثل 1. الاستشراق 2. الشعوبية المحدثة 3. رد الشبهات الدينية الخطيرة التي تثار في الشبكة العنكبويتية، لأن المثقفين ثقافة موسوعية، الواعين بتاريخ أمتهم وتداعيات حاضرها وتحديات مستقبلها هم في حقيقة الأمر أندر من "لبن العصفور" في دنيا العرب!

        وتحية طيبة عطرة.

        *** مقالة "الشعوبية الجديدة" على الرابط التالي: http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=808
        [/align]
        الأستاذ الفاضل / د0 عبد الرحمن السليمان
        أشكرك علي اهتمامك بخلق مناخ ثقافي يجذب الباحثين والدارسين والقراء من امثالي هذا من ناحية اما من ناحية أخري لا اعتراض علي توصيف الدكتور بكري شيخ أمين للشعوبية المحدثة كوصف عام وهذا الوصف اخبرنا به الله في محكم آياته { إن خلقناكم شعوباً وقبائل 00 الاية } { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه 000 الآية } وأعتقد وربما يكون اعتقادي خاطئ لم ترد كلمة لغة في القرآن الكريم بل ورد لسان 00 لسان عربي مبين ، ويحضرني معني من حديث علي ابن ابي طالب كرم الله وجهة " نحن قوم لا ننبر ولولا أن القرآن نزل بالنبر ما نبرنا " وهذا الحديث يدل علي ان الشعوبية قديماً كانت موجودة ومعترف بها 00
        وقد أثرت نقطة مهمة جداً لم نلتفت إليها من قرون عدة موضوع الإستشراق والمستشرقين لقد حرثوا أوطاننا شرقاً وغرباً وبحثوا ونقبوا بأسلوب علمي ومنهجي كل دقائق حياتنا حتي لغتنا العربية وعرفوا أسرارها أكثر من الناطقين بها واليوم يقلبون علينا أصحاب النعرات العرقية أنظر يا دكتور اليوم علي الفضائيات نتاج عمل المستشرقين {قضايا الأكراد ـ الأمازيق ـ النوبين ـ النبطين ـ القبائل الحدودية في كل بلاد الوطن العربي } وها هي تركيا الدولة العلمانية تعلن بكل وضوح بإسم الحق التاريخي انها لها الحق في ثروات شمال العراق ، تلك منظومة اسس لها بعد الحرب العالمية الأولي
        " معاهدة سيسبيكو " وعلي أساس هذا الحق التاريخي استولت إسرائيل علي فلسطين 00 أما عن الشخصيات التي ورد أسمئها بالمقال طبقاً لنطرية المؤامرة
        فهي تلعب دورها داخل هذه المنطومة ، بتخريب اللغة العربية التي هي لغة القرآن وقد سمعت سعيد عقل علي احدي الفضائيات يعلن أن اللغة أي لغة إن لم تستخدم تموت ، فإستخدام اللغة في الحياة اليومية بين الناس هو إحياء لها ، فكيف تموت اللغة ونحن نستخدها ، تموت وتشبع موت عندما نتكلم بلغة غير العربية ، وسعيد عقل ورفقائه يدعون إلي تعميم اللهجات الشامية والموصلية وغيرها هذا عن لغة التخاطب والجكي اليومي بين الناس أما عن لغة العلم
        والنطريات العلمية والمناهج الدراسية في الطب والهندسة والفزياء والكمياء 00 أرجوا ان تعفيني من التعليق عليها فقد أصابني الخجل 00
        خالص تقديري واحترامي

        تعليق

        • بنت الشهباء
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 6341

          #5
          خالص تقديري واحترامي لهذا الحوار الرائع الممتع النزيه
          الذي يدور ضمن إطار حضاري وراق , هدفه وغايته الدفاع عن
          أصولنا وثوابتنا وقيمنا التي لا بد لنا أن نعود إليها

          وللعلم فإنني أنقل الحوار إلى الدكتور بكري شيخ آمين ...
          ولولا أعماله الأدبية التي تأخذ جلّ وقته , لكان أرسل الرد إليكم
          وما يمنعني عن الرد لأنني لست صاحبة الدراسة هذه ..
          وأعدكم عن قريب العاجل بأن يأتيكم الرد من الدكتور بكري شيخ آمين

          وجزاكم الله خيرًا

          أمينة أحمد خشفة

          تعليق

          • عبدالرحمن السليمان
            مستشار أدبي
            • 23-05-2007
            • 5434

            #6
            [align=justify]الأستاذ الفاضل الشربيني خطاب،

            شكرا جزيلا لحضرتك على المداخلة الثرية وعلى حسن ظنك بي.

            في الحقيقة هنالك خطة ممنهجة لدك ثوابت العرب ــ وأهمها الدين واللغة ــ من الأساس. ونحن نشاهد تطبيق هذه الخطة كل يوم: على الفضائيات العربية، وفي الشبكة العنكبوتية، ومن خلال تقاعس المؤسسات العربية الرسمية عن خدمة اللغة والثقافة كما ينبغي .. والمثقفون العرب تجاه ذلك على حزبين: حزب يمشي مع التيار وهو حزب الأكثرية، وآخر يتصدى للتيار وهو حزب الأقلية.

            نحن الآن في زمن العولمة الجارفة، ولقد عرتنا العولمة وأظهرت جميع مواطن الضعف والقبح فينا. ولا يمكن إصلاح ما يمكن إصلاحه والتصدي لمحاولات مسخ الهوية إلا بالعلم لأن المعارك المستقبلية ستكون معارك علمية!

            ما يحزنني جدا، ويقض مضجطعي (وهذا الكلام ليس إنشاء)، هو أني ألاحظ أن أكثر المثقفين العرب لا يرون المشكلة، ولا يعون أبعادها على المدى المتوسط والمدى البعيد. والأنكى من ذلك أن كثيرا من المثقفين أصبحوا أداة تمييع بدلا من أداة تنوير.

            يا أخي الفاضل: على الرغم من ذلك كله تنتشر لغتنا في العالم انتشارا ملفتا للنظر! فلقد بلغ عدد طلاب العربية في مدنية أنتورب في بلجيكا (وعدد سكانها نصف مليون نسمة)، الألف طالب وطالبة. الأمر ذاته في أكثر المدن الغربية .. بل إن تقرير مجلة Science الرصينة يشير إلى أن العربية ستحتل بحلول 2050 المرتبة الثالثة بين لغات البشر (قبل الإنكليزية وبعد الصينية والهندية)، بدلا من المرتبة الحالية (الخامسة). فكلما ازداد تكالب المتكالبين عليها في عقر دارها، ازداد عدد المقبلين عليها في العالم، وهذا من بديع العناية.

            هذا والحديث ذو شجون، وأدعو جميع الزملاء والزميلات الأفاضل للمشاركة فيه بآرائهم لأنه موضوع يتعلق بمصيرنا ومستقبل أبنائنا وبناتنا.

            حياك الله أستاذي الشربيني خطاب.
            [/align]
            التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرحمن السليمان; الساعة 23-07-2007, 21:37.
            عبدالرحمن السليمان
            الجمعية الدولية لمترجمي العربية
            www.atinternational.org

            تعليق

            • أسامة أمين ربيع
              عضو الملتقى
              • 04-07-2007
              • 213

              #7
              [align=right]الأستاذة بنت الشهباء،


              أشكرك على تقديم هذا المقال القيِّم لنا، وياليتك تنسقيه بحيث يبدو بشكل كتابة عادية (منسقة على اليمين) لتيسير القراءة.

              وسؤالي أيضاً، هل نشر المقال في دورية أو مجلة ؟

              ولك الشكر سلفاً.[/align]

              تعليق

              • بنت الشهباء
                أديب وكاتب
                • 16-05-2007
                • 6341

                #8
                الأستاذ أسامة أمين ربيع

                لقد تم تنسيق المقال

                أما بالنسبة إلى سؤالك هل نشر المقال في دورية أو مجلة
                فقد اتصلت حالًا بأستاذي وعمي الغالي وسألته فأجابني :
                إما يكون قد نشر في مجلة : أهلا وسهلًا
                أو : المجلة العربية التي تصدر في الرياض


                وقد شاهد كل الردود والمداخلات التي أتت في سياق الموضوع
                من قبل الدكتور عبد الرحمن السليمان
                والأستاذ الشربيني الخطاب
                وهو يشكركم على ما تبذلونه من جهد في سبيل الدفاع عن لغتنا العربية وشرفها , ويقول إن هذا الموضوع موثق بالدلائل العلمية والعملية .
                ولم ينشره في مجلة أو جريدة إلا بعد أن راجع أساتذته الكبار أمثال الأستاذ الدكتور عمر فروخ العالم العربي الكبير المشهور في العالم كله , والعبقري
                الثاني فيلسوف العصر وشبيه أبي العلاء المعري بذكائه وحافظته الشيخ عبد الله العلايلي رحم الله الرجلين الكبيرين .
                وطالع الداووين الحديثة , وعرف أصحابها وناقشهم حول هذا الموضوع .
                وهو مصر دائما على أن يبقى مدافعا عن شرف هذه اللغة الشريفة التي نزل بها القرآن الكريم ,
                والتي بها يحيا , وعليها يموت , وبها يواجه رب العالمين يوم الحساب
                التعديل الأخير تم بواسطة بنت الشهباء; الساعة 24-07-2007, 07:40.

                أمينة أحمد خشفة

                تعليق

                • أسامة أمين ربيع
                  عضو الملتقى
                  • 04-07-2007
                  • 213

                  #9
                  [align=right]الأستاذة بنت الشهباء،

                  أشكرك مجدداً، وبالنسبة للمجلة العربية فهي على الإنترنت وإن شاء الله نطلع على المقال قريباً في صفحاتها : http://www.arabicmagazine.com

                  أمَّا مجلة أهلا وسهلا فقد وجدت أيضاً موقعها (وأنا لم أسمع بها من قبل) : http://pr.sv.net/aw/index.htm

                  خالص شكري لك وللدكتور بكري شيخ أمين على التوضيح، وسؤالي عن المرجع لم يكن أبداً من باب الشك في المضمون بل على العكس كان من باب الاستعلام للاستدلال المرجعي بهذا المقال عند اللزوم.[/align]

                  تعليق

                  • بنت الشهباء
                    أديب وكاتب
                    • 16-05-2007
                    • 6341

                    #10
                    بدايةً أشكرك أستاذ أسامة على متابعتكَ للموضوع
                    وعلى اتحافنا برابط المجلة العربية , ومجلة أهلًا وسهلًُا على الانترنت

                    وللعلم يا أستاذ أسامة فإن أهم شيء تتميز به عائلتنا هي الأمانة , وهذا من فضل الله علينا وكرمه

                    والدكتور بكري شيخ آمين هو ابنة عمة والدي وعمي في الرضاعة
                    والأمانة هي بالنسبة لنا شرف نلتزم به , وميثاق مقدس هو أساس تعاملنا حتى مع أنفسنا

                    وكنت قد سألته اليوم عبر الهاتف في أي مجلة نشر هذا البحث فقال لي بالحرف الواحد
                    لا أذكر متى نشر , ولكن إما في المجلة العربية , أو مجلة أهلًا وسهلًا
                    وأستاذ كبير له مكانته العلمية والأدبية حينما أطلب منه أن يرسل لي بعض من بحوثه لنشرها
                    لا أفكر أن أسأله في أي مجلة أو صحيفة نشر هذا البحث ,
                    لأنني أثق بأمانته وإخلاصه وصدقه
                    و فخر لنا أن يكرمنا ويتحفنا بكنوزه ودرره الثمينة , ولا يطلب منا جزاءً ولا شكورًا

                    وأتمنى أن تدخل لهذا الرابط وتتعرف على شخصية الأستاذ الدكتور بكري شيخ آمين عن قرب

                    علم من أعلام الشهباء لجوّه وزن من يستمع إلى سحر بيان كلمه , ويترنم لبيان لطائف قَصَصه , ويشدو طرباً لسماع بديع بلاغة سطوره ... هادئ متزن, شخصيته لامعة متفرّدة , وفكره متقّد واسع , يحاول أن يجذب لحديثه كلّ من كان معه , حتّى إنّ جليسه يتمنى بأن لا تنتهِ أحاديثه المشّوقة الماتعة بالفكاهة أحياناً , وأحياناً


                    ودمت بخير
                    الأمينة المؤتمنة
                    التعديل الأخير تم بواسطة بنت الشهباء; الساعة 24-07-2007, 18:13.

                    أمينة أحمد خشفة

                    تعليق

                    • د.مصطفى عطية جمعة
                      عضو الملتقى
                      • 19-05-2007
                      • 301

                      #11
                      تحية عطرة للأخت بنت الشهباء
                      وللدكتور بكري شيخ أمين
                      والقضية جيدة للغاية ، والعرض ممتع
                      وإن كنت أرى أن يتم التركيز في هذا المقال على مفهوم الشعوبية المستحدثة ، وتعميقه ، مع ربطه - كما تفضل - بالاستشراق والعلمانية المتطرفة ، وأرى أن يتم دراسة انعكاس ذلك على الأدب في مقال آخر بشكل معمق ومفصل .
                      ملحوظة :
                      ينبغي الإشارة إلى جهود البروفيسور إدوارد سعيد ، في كتبه القيمة خاصة كتابه الاستشراق ، وكيف رد على مدرسة الاستشراق الزائفة ، وأثبت أنهم كانوا مرتبطين بدوائر الاحتلال والسيطرة .
                      تحياتي للجميع

                      تعليق

                      • الشربينى خطاب
                        عضو أساسي
                        • 16-05-2007
                        • 824

                        #12
                        [align=right][QUOTE=د.مصطفى عطية جمعة;18457]تحية عطرة للأخت بنت الشهباء
                        وللدكتور بكري شيخ أمين
                        والقضية جيدة للغاية ، والعرض ممتع
                        وإن كنت أرى أن يتم التركيز في هذا المقال على مفهوم الشعوبية المستحدثة ، وتعميقه ، مع ربطه - كما تفضل - بالاستشراق والعلمانية المتطرفة ، وأرى أن يتم دراسة انعكاس ذلك على الأدب في مقال آخر بشكل معمق ومفصل .
                        ملحوظة :
                        ينبغي الإشارة إلى جهود البروفيسور إدوارد سعيد ، في كتبه القيمة خاصة كتابه الاستشراق ، وكيف رد على مدرسة الاستشراق الزائفة ، وأثبت أنهم كانوا مرتبطين بدوائر الاحتلال والسيطرة .
                        تحياتي للجميع[/QUOTE]
                        الأستاذ الفاضل / د0 مصطفي عطية جمعة
                        أتفق مع سيادتكم فيما أشرتم أليه {وإن كنت أرى أن يتم التركيز في هذا المقال على مفهوم الشعوبية المستحدثة ، وتعميقه ، مع ربطه - كما تفضل - بالاستشراق والعلمانية المتطرفة ، وأرى أن يتم دراسة انعكاس ذلك على الأدب في مقال آخر بشكل معمق ومفصل }
                        علينا أن ندع منهج لهذا البحث للإجابة علي عدة اسئلة منها قبل أن نسترسل في مناقشة الموضوع المطروح
                        1 ـ ماهي الشعوبية وكيف نشأت ؟
                        2 ـ ما الفرق بين الشعوبية والقبلية ؟
                        3 ـ كيف نشأت اللغة وكيف نشات اللهجات ؟ 4
                        4 ـ هل اللهجة هي الرابط لفئة من الناس لتكوين جماعة لها كيان شعوبي ؟
                        5 ـ هل الجماعات الشعوبية منعزلة عن بعضها البعض ؟
                        6ـ هل العوامل الجغرافية والإقتصادية عنصر هام في خلق الشعوبية ؟
                        7 ـ ما هي محاسن الشعوبية القديمة وعيوبها وما هي عيوب الشعوبية المستحدثة ؟
                        أستاذي الفاضل
                        نفتقد معالم مهنج معرفي أسلامي يجمعنا ويأسس لنا مدارس الإبداع الجماعي ، فقد ورثنا تراث الإبداع الفردي وعشق الذات ، غاية أمل كل شاعر قديماً أن تعلق قصائده ، فإذا مات لم نجد من يسير علي نهجه ، والعبرة في مدارس العلم التي أغلقت ابوابها بعد موت مؤسسيها، أين مدرسة جابر بن حيان و الخوارزمي والحسن بن الهيثم ، ماتت بعدهم واصبحت اثراً بعد عين ، وفتح الغرب والشرق علي نهجها مدارس العلم وفصول الدراسة ، وهاجر إليها كل عالم ماهر و د0 زويل خير دليل
                        فهل انا واهم أو أنشد مستحيلاً
                        خالص تقديري واحترامي
                        [/align]

                        تعليق

                        • بنت الشهباء
                          أديب وكاتب
                          • 16-05-2007
                          • 6341

                          #13
                          بالعودة إلى البحث الذي قدّمه لنا الأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين – حفظه الله – تحت عنوان " بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين " وما تفضّل به أساتذتنا الأفاضل من مدخلات قيّمة ....

                          نعود مرة ثانية إلى هذا البحث ، وما طرحه من أسئلة أستاذنا الفاضل الشربيني خطاب في ردّه على مداخلة أستاذنا الفاضل الدكتور مصطفى عطية جمعة ...


                          1- ماهي الشعوبية وكيف نشأت ؟
                          2- ما الفرق بين الشعوبية والقبلية ؟
                          3- كيف نشأت اللغة وكيف نشأت اللهجات ؟
                          4- هل اللهجة هي الرابط لفئة من الناس لتكوين جماعة لها كيان شعوبي ؟
                          5- هل الجماعات الشعوبية منعزلة عن بعضها البعض ؟
                          6- هل العوامل الجغرافية والاقتصادية عنصر هام في خلق الشعوبية ؟
                          7- ما هي محاسن الشعوبية القديمة وعيوبها وما هي عيوب الشعوبية المستحدثة ؟

                          ونرجو من أساتذتنا الأفاضل أن يستمر الحوار حول هذا البحث ، وأن يتحفونا بالإجابة عن الأسئلة المطروحة
                          ولهم منا جزيل الشكر والتقدير

                          أمينة أحمد خشفة

                          تعليق

                          • أحمد أنيس الحسون
                            أديب وكاتب
                            • 14-04-2009
                            • 477

                            #14
                            أولاً أنا أفتخر وأعتز أن الدكتور بكري من أساتذتي
                            هذا هو الدكتور بكري ، وهذا هو قلمه المليء بالهم العربي الإسلامي ، عشق اللغة ودافع عنها بما قدّم ويقدم .

                            هؤلاء الشعوبيون هم نفسهم الذين روجوا للوحة بابلو بيكاسو التي رُسمت بذيل الحمار ، هم الذين يصنعون اللوحة ونحن نساعدهم بالترويج لها ، وأتساءل دوماً يا دكتور بالنسبة لهذه الشخصيات المعادية للغة العربية ، أتساءل من صنعها؟ من صفق لها؟
                            علماً أنني أدركت وعرفت أننا من يصفق لهم بوعي أو بدون وعي ، مثلاً نحن نقرأ سعيد عقل الشاعر المبدع ولا نقرؤه العدو للغتنا ، فمن ساهم في رسمه على هذه الصورة يا دكتور؟
                            أنا أرى أن الشعوبية ضد العربية وإن نبعت من الغرب فإن بوقها العرب أنفسهم ، وأسفاه على كل من يحمل هوية عربية ويندس تحت عباءة الغرب الشرس، وقس على ذلك أدونيس وغيره ممن روّج الإعلام الأدبي لهم وزرعهم رموزاً كبيرة في الذاكرة ، وهم من نادى بشكل أو بآخر نبذ الهوية الأصيلة ديناً ولغةً.

                            أشكر الدكتور بكري جداً لكل ماقال وما سيقول ، وأنا المولع بقراءة مؤلفاته دوماً ، ولعل أكثرها وقعاً على قلبي ( التعبير الفني في القرآن الكريم - والبلاغة العربية في ثوبها الجديد )وبالتأكيد من يقرأ هذه المؤلفات، سيعرف إلى أي مدى الكتور بكري ابن هذه الهوية الأصيلة ، وسيعرف عشقه وإخلاصه لها، الذي عاش بها وفيها ولها.
                            على الرغم من حملة الشعوبية على هويتنا العربية أتذكر عهد الله تعالى بحفظ هذه اللغة فأطمئن وأشعر بالسعادة.

                            شكراً عطراً للأخت بنت الشهبا التي تفضلت علينا بنشر هذا البحث ، ونتمنى أن تتحفنا دوماً بالمزيد من فيض الدكتور بكري نظراً لسهولة تواصلها معه.
                            دمتم بخير.
                            التعديل الأخير تم بواسطة أحمد أنيس الحسون; الساعة 24-11-2009, 21:11.
                            sigpicأيها المارون عبر الكلمات العابرة ..

                            اجمعوا أسماءكم وانصرفوا
                            آن أن تنصرفوا
                            آن أن تنصرفوا

                            تعليق

                            • د. توفيق حلمي
                              أديب وكاتب
                              • 16-05-2007
                              • 864

                              #15
                              أشكر بنت الشهباء على نقل هذا المقال الثري لعالم كبير لكي نناقشه هنا ، وقد تعودت أن أقرأ قطافها الناضج من رياض الفكر والمعرفة.
                              وأشكر الأستاذ الدكتور بكري شـيخ أمين على ما بسطه من فكر عميق ورؤى في موضوع شائك بالغ التعقيد ، وربما يكون هذا المقال من أفضل المقالات التي قرأتها في هذا الشأن.
                              غير أني أجد أن الكثيرين من أصحاب الفكر والنهى الكبار على مدى القرون ، لم يتعرضوا لنقطة هامة أساسية ، وهي النقطة التي تمخض عنها هذا الإرتباك والمشاكل والتحديات التي واجهها ومازال يواجهها الإسلام وكذلك مسمى العروبة ، وعلى رأس ذلك الشعوبية التي تعرض لها المقال والتي أجد لها ما يبررها ، فهي ليست ظالمة على إطلاق ذلك ، وليست بادئة ولكنها ترد الفعل.
                              ولعلني هنا أتعرض لهذا محتسباً ، وأخوض فيما يعزف الآخرون عن الخوض فيه ، مبتغياً الحق ووجه الله وحده. وربما يكون من الأفضل أن أوجز بعض ما في تلك النقطة الأساسية في عناوينها فقط:

                              1- قام العرب بعربنة الإسلام ، وتوارثوا حكمه ، حتى أن قريش وحدها حكمت دولة الإسلام أكثر من ستة قرون ، وجعلوا اللغة العربية هي لغة المسلم ، بما كسر قاعدة أساسية في الإسلام ، وهي أنه دين لكل عرق ولسان بلا تمييز، ولا ينتزع المسلم من انتمائاته اللغوية أو الوطنية. وقد جر ذلك على الإسلام وحتى الآن مشاكلاً لا حصر لها.
                              2- نزل القرآن باللغة العربية ولهجة قريش ، وكان إعجازه في اللغة والأسلوب هو الذي نهض به في فجره فقد تبين الناس أنه لا يمكن ان يكون من بشر. وذلك يعني أن القرآن الكريم بمعجزته اللغوية يخص الناطق باللغة العربية ، بل الذي يجيدها ويسمو في ذلك لكي يمكنه معرفة أوجه الإعجاز فيه. أما غير الناطق بالعربية فقد خصه القرآن بمعجزة أخرى غير معجزة اللغة التي لا يعرفها ، وتلك المعجزة الأخرى هي معجزة العقيدة كمفهوم ثم معجزة القواعد والأحكام والمنهج التي تقيم المجتمع الإنساني المثالي وتتوافق مع أي مكان وزمان ، على أساس تلك العقيدة ، والتي لا يمكن لبشر مهما أوتي من علم وفكر أن يصل إلى تلك المنظومة المتكاملة من الاسس والقواعد والبناء ، فذلك منهج الخالق لمن خلق ، ينظم له حياته وما بعد مماته.

                              3- كل ناطق بالعربية عليه العبء الأكبر في حفظ الدين وتطبيقه ونشره ، ذلك لكون القرآن قد نزل باللغة التي يعرفها ، وتكون حتمية الإيمان عنده حتمية أصيلة لجمعه بين معجزة القرآن بلغته والإسلام بمنهجه وقواعده.

                              4- مسمى القومية العربية أضر بالإسلام كثيراً ومايزال. فليست اللغة والدين وحدهما يمثلان قومية ، ولم نسمع بالقومية الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها ، إنما القومية هي قومية العرق والدم أولا وأخيراً حتى لو اختلفت اللغة أو الدين. وقد جعل العرب من كل مسلم عربياً بالضرورة ن وفرضوا اللغة العربية على البلاد التي فتحت لعربنتها ، وهو ما ليس في الإسلام الذي نزل لكل مكان وزمان ، ولا ينتزع المسلم من انتمائاته ، وليس على المسلم غير الناطق بالعربية أن يعرف من العربية إلا بعض آيات من القرآن تعينه على الصلاة ، وله أن يعرف بقية الإسلام بلغته الأصيله لا تُنتزع منه ، وإن أراد دراسة العربية فله ذلك دونما فرض عليه. ولم تنجح فكرة القومية العربية رغم الزخم الهائل عبر التاريخ لفرضها من قبل العرب، وذلك لكونها ليست قومية حقيقية ، وهي قومية فقط لأصحابها من قبائل الجزيرة العربية أصحاب الدم والعرق الواحد. ولا نجد في تاريخ الإسلام معتركاً إلا استُنْهِضَ فيه الناس بكلمة الله أكبر وليس بدعوى انتماء للعروبة أو غير ذلك.

                              5- في عصرنا الحديث تم إيقاظ مسمى القومية العربية بهدف تحييد المسمى الحقيقي وهو مسمى القومية الإسلامية ، فقد نزل الإسلام ليَجُبَّ قومية الدم والعرق بقومية الدين والعقيدة ، فأصبحت القومية الإسلامية قومية حقيقية لمنهج ، وليست قومية عرق أو لغة. ونرى في التاريخ الحديث أن اعداء الإسلام قد أرخوا العنان لمسمى القومية العربية ، وتركوا الدعاة لها يلهثون خلفها لينفضوا عنهم اللهث وراء القومية الحقيقية ، فلم يحاربوا مسمى القومية العربية لعلمهم بزيف ذلك وأنه لن يجمع ، وحاربوا مسمى القومية الإسلامية بضرواوة ومازالوا ، فهو المسمى الذي يمكنه أن يجمع بكلمة واحدة في لحظة واحدة جميع المسلمين في الأرض.

                              6- إذا أراد المسلمون إقامة الإسلام الحق فعليهم التمسك بقومية الدين كأولوية على أي مسمى لقوميات أخرى عرقية أو لغوية ، والابتعاد عن الدعوة لعربية الإسلام ، بل الدعوة لعالميتة كيفما كان اللسان والعرق ، مع الحفاظ في نفس الوقت على لغة القرآن التي نزل بها فهي الأصل الأصيل ، وعلى عاتقهم يقع ذلك. وربما كان في فقه الليث ابن سعد ، الفقيه المصري الكبير ، ترسيخاً لهذا المعنى حيث أرسى القواعد والأحكام التي تناسب البلد الذي يعيش فيه والتي تختلف عن البلدان الإسلامية الأخرى دون المساس بأسس الدين وثوابته ، وهو الفقيه الذي أُغْرِقتْ جل كتبه في النيل.

                              والموضوع يطول في كل جملة مما سبق ، فليت الأستاذ بكري شيخ أمين يدلي بدلوه في ذلك.
                              والشكر موصول للأديبة الأريبة بنت الشهباء
                              التعديل الأخير تم بواسطة د. توفيق حلمي; الساعة 24-11-2009, 22:48.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X