الزمن يواصل عدوه كما عهده دوما ، وهذه قهوته التي لا يتذكر عددها الآن...دوائردخان سيجارته تتوالى كثيفة وهذه الأفكار تتراكم غامضة ومشتة في رأسه المنهوك وهو يحاول بلا جدوى ترتيببها وفكّ رموزها، ربّما بسبب الموسيقى الصاخبة التي تخترق أذنيه وتربك محاولاته المتكرّرة في التركيز ...
كان يحاول في الاثناء التسلي بقدّاحته فيديرها بين أصابعه مرارا وتكرارا في شبه حركة رتيبة ، ليقذها في النهاية على سطح طاولته بعد أن أشعل سيجارة أخرى ...ربّما قد أرّقته أفكاره مرة أخرى...كم هو قصير ذلكم الذي قابله بالامس لكنه رغم قصره يبدو أنيقا نوعا ما ولبقا نوعا آخر.
لقد سأل عنه مرات ثلاث ذلك الحارس الذي يبدو طيّبا ، ويبدو غبيّا أيضا ولم يظفر بلقائه إلاّ في المرة الثالثة، حيث قاده حارس المؤسسة هو وصديقه إلى مكتب هذا القصير اللبق.
كان يتصور أنه سيجد جلبة ترسلها له أروقة المبنى لآلات كاتبة تدقها أنامل السكريتيرات والموظفات ، ولموظفين يمرون سراعا هنا وهناك بين مكاتب المجلة يحملون أوراقا أو دفاتر ، أو لا يحملون شيئا، ويحدثون بكعب أحذيتهم دقات موسيقية مشوّشة تثير الأعصاب ... لكنه لم يلاحظ شيئا من كلّ ذلك بل وجد نفسه في بركة صمت يتخبّط فيها المكان ، كأنه رداء الموت يغشى مدينة أصاب قومها الطّاعون ...وها هو الذي سأل عنه مرات ثلاث يجلس على كرسي محاذ لمكتب يبدو أنّه لزميل له يحاوره في تلك القاعة التي ينتهي إليها الرواق الصغير ، وهي مشرّعة الباب بحيث يبدو ذلك الشخص قبالته تماما ، وقد إنتصب فجأة مرحّبا بالقادمين إليه ، ثم أدخلهما غرفة شاغرة تحوي مكتبين ، وعلى بابها يافطة تعلن أنها المكتب الخاص بالقسم الثقافي. وأفرد لهما كرسيين حذو مكتب تصدّره ، وعلى وجهه ملامح معيّنة ربما كانت نتيجة إبتسامة أو شبه إبتسامة ..أصابه هو وصاحبه شيء من الإرتباك سريعا ما تجاوزاه وهما يعلنان عن سبب قدومهما... رغبتهما في المساهمة في تحرير مواضيع تلك المجلة الثقافية ، ربما تغيرت ملامح المسؤول هاته المرة لكنه فاجئهما بسؤاله الذي نزل عليهماكالسيل ، هل لكما اعمال ثقافية سبق نشرها؟ نعـم ــ أين نشرت ؟
أجاب صديقه بأنه نشر في بعض الصحف المحليّة ، وأجاب هو بنفس الرد ، مضيفا بعض المساهمات في مجلات وجرائد عربية ، وإن كانت في حقيقة الأمر مساهمات وهمية . إلاّ أن القصير اللبق لم يتركه بسلام بل أصابه بقذيفة مفاجئة لم يحسب لهاحساب ولم يهيء لها وسائل الدفاع...
أيّ المجلات التي نشرت فيها ؟ ... نشرت في بعض المجلات والجرائد .... وأدركه ببعض العناوين لمجلات وصحف عربية مغمورة ، فاستسلم لجوابه أو هكذا بدا له ، ووقف معلنا إنتهاء الجلسة بعد أن دفع بنصوصهما التي أودعاه إيّاها بين ثنايا مجموعة من الملفات ، وأخبرهما بأنها ستطرح على لجنة القراءة لتبت فيها بالرأي الفصل .
...ها هو صوت عال يرجعه لواقع المقهى الصّاخب ، صادر من ذلك الركن القصي في المقهى عن أحد الزبائن، يكيل شتائما لشخص غائب يبدو أنه حاضر تمام الحضور ، وإن كان حضوره في ذهن الشاتم له ، وربما كان وجوده أتمّ من وجود ذلك الرفيق الذي يجالس الزبون ويحرك رأسه من فوق الى تحت ، ويبتسم من حين لآخر كأنّه يتلذذ السّباب..ولكن ما همّه هو إن كان ذاك الرجل يكيل شتائما أو مدائحا ...
أشعل سيجارة جديدة وطفق يلهي نفسه بمراقبة الشارع ، وتلك الأنثى القادمة من أوّله رافلة في ثوبها الأحمر القاني.. وهذه الشاحنة المحملة بالخضار تحجب عنه الأنثى بتوقفها أمام ناظريه لبرهة ، ولمّا إنطلقت تلاشت صاحبة الثوب الاحمرمن الرؤيا ...
هل ينشر نصّه ؟..ربما ، وربما لا ينشر ، وقد لا تجيزه لجنة القراءة بالمجلة إن كانت هناك بالفعل لجنة ... قد يتوقفون عند إسمه فحسب ولا يجدون فيه البريق الأخاذ الذي يحبون ، فينصرفون عن النص بداهة ... لينشر نصّه أو لا ينشر، لن يأثر ذلك فيه كثيرا ، لأنه سيواصل الكتابة حتما لا لشيء إلاّ لأنه مسكون بها ومجنونها ،ولن يقدر التخلص من عقالها ..إذن لن يتوقف، سيواصل الكتابة ... ويكتب .. ويكتب .وإن لم يطلع على ما يمكن أن يكتبه أحد غيره، فليكن حبّا في الكتابة وإكبارا وتقديرا لما تعلمه من حروف وكلمات ومفاهيم وقيم وإن تعارضت مع رأي البعض من تجار الإبداع الثقافي الذين توشحت بهم المنابر والمناسبات الثقافية خاصة في أيامنا هذه .
كان يحاول في الاثناء التسلي بقدّاحته فيديرها بين أصابعه مرارا وتكرارا في شبه حركة رتيبة ، ليقذها في النهاية على سطح طاولته بعد أن أشعل سيجارة أخرى ...ربّما قد أرّقته أفكاره مرة أخرى...كم هو قصير ذلكم الذي قابله بالامس لكنه رغم قصره يبدو أنيقا نوعا ما ولبقا نوعا آخر.
لقد سأل عنه مرات ثلاث ذلك الحارس الذي يبدو طيّبا ، ويبدو غبيّا أيضا ولم يظفر بلقائه إلاّ في المرة الثالثة، حيث قاده حارس المؤسسة هو وصديقه إلى مكتب هذا القصير اللبق.
كان يتصور أنه سيجد جلبة ترسلها له أروقة المبنى لآلات كاتبة تدقها أنامل السكريتيرات والموظفات ، ولموظفين يمرون سراعا هنا وهناك بين مكاتب المجلة يحملون أوراقا أو دفاتر ، أو لا يحملون شيئا، ويحدثون بكعب أحذيتهم دقات موسيقية مشوّشة تثير الأعصاب ... لكنه لم يلاحظ شيئا من كلّ ذلك بل وجد نفسه في بركة صمت يتخبّط فيها المكان ، كأنه رداء الموت يغشى مدينة أصاب قومها الطّاعون ...وها هو الذي سأل عنه مرات ثلاث يجلس على كرسي محاذ لمكتب يبدو أنّه لزميل له يحاوره في تلك القاعة التي ينتهي إليها الرواق الصغير ، وهي مشرّعة الباب بحيث يبدو ذلك الشخص قبالته تماما ، وقد إنتصب فجأة مرحّبا بالقادمين إليه ، ثم أدخلهما غرفة شاغرة تحوي مكتبين ، وعلى بابها يافطة تعلن أنها المكتب الخاص بالقسم الثقافي. وأفرد لهما كرسيين حذو مكتب تصدّره ، وعلى وجهه ملامح معيّنة ربما كانت نتيجة إبتسامة أو شبه إبتسامة ..أصابه هو وصاحبه شيء من الإرتباك سريعا ما تجاوزاه وهما يعلنان عن سبب قدومهما... رغبتهما في المساهمة في تحرير مواضيع تلك المجلة الثقافية ، ربما تغيرت ملامح المسؤول هاته المرة لكنه فاجئهما بسؤاله الذي نزل عليهماكالسيل ، هل لكما اعمال ثقافية سبق نشرها؟ نعـم ــ أين نشرت ؟
أجاب صديقه بأنه نشر في بعض الصحف المحليّة ، وأجاب هو بنفس الرد ، مضيفا بعض المساهمات في مجلات وجرائد عربية ، وإن كانت في حقيقة الأمر مساهمات وهمية . إلاّ أن القصير اللبق لم يتركه بسلام بل أصابه بقذيفة مفاجئة لم يحسب لهاحساب ولم يهيء لها وسائل الدفاع...
أيّ المجلات التي نشرت فيها ؟ ... نشرت في بعض المجلات والجرائد .... وأدركه ببعض العناوين لمجلات وصحف عربية مغمورة ، فاستسلم لجوابه أو هكذا بدا له ، ووقف معلنا إنتهاء الجلسة بعد أن دفع بنصوصهما التي أودعاه إيّاها بين ثنايا مجموعة من الملفات ، وأخبرهما بأنها ستطرح على لجنة القراءة لتبت فيها بالرأي الفصل .
...ها هو صوت عال يرجعه لواقع المقهى الصّاخب ، صادر من ذلك الركن القصي في المقهى عن أحد الزبائن، يكيل شتائما لشخص غائب يبدو أنه حاضر تمام الحضور ، وإن كان حضوره في ذهن الشاتم له ، وربما كان وجوده أتمّ من وجود ذلك الرفيق الذي يجالس الزبون ويحرك رأسه من فوق الى تحت ، ويبتسم من حين لآخر كأنّه يتلذذ السّباب..ولكن ما همّه هو إن كان ذاك الرجل يكيل شتائما أو مدائحا ...
أشعل سيجارة جديدة وطفق يلهي نفسه بمراقبة الشارع ، وتلك الأنثى القادمة من أوّله رافلة في ثوبها الأحمر القاني.. وهذه الشاحنة المحملة بالخضار تحجب عنه الأنثى بتوقفها أمام ناظريه لبرهة ، ولمّا إنطلقت تلاشت صاحبة الثوب الاحمرمن الرؤيا ...
هل ينشر نصّه ؟..ربما ، وربما لا ينشر ، وقد لا تجيزه لجنة القراءة بالمجلة إن كانت هناك بالفعل لجنة ... قد يتوقفون عند إسمه فحسب ولا يجدون فيه البريق الأخاذ الذي يحبون ، فينصرفون عن النص بداهة ... لينشر نصّه أو لا ينشر، لن يأثر ذلك فيه كثيرا ، لأنه سيواصل الكتابة حتما لا لشيء إلاّ لأنه مسكون بها ومجنونها ،ولن يقدر التخلص من عقالها ..إذن لن يتوقف، سيواصل الكتابة ... ويكتب .. ويكتب .وإن لم يطلع على ما يمكن أن يكتبه أحد غيره، فليكن حبّا في الكتابة وإكبارا وتقديرا لما تعلمه من حروف وكلمات ومفاهيم وقيم وإن تعارضت مع رأي البعض من تجار الإبداع الثقافي الذين توشحت بهم المنابر والمناسبات الثقافية خاصة في أيامنا هذه .
تعليق