تويت
منعا للعدوى
الصراخ عال في الطابق الثالث من العمارة وسط القرية الهادئة.
الناس يتراكضون .. يَصِلون بسرعة من كل الجهات.... كبارا وصغارا ...امتلأت الساحة أمام العمارة...وامتلأت الشوارع...والشرفات والشبابيك واختلط الناس، رجالا ونساء وأطفالا، مع السيارات التي ملأت الشارع، وتعطلت حركة السير.
- سقط عليٌّ فجأة على مصطبة بيته..انطفأت عيناه.. وهمد. قال أحدهم.
- هل كان وحيدا في غرفته؟ وأين كانت زوجته؟
- كانت تشرب قهوة الصباح عند جارتها.. تستطلع طالعها، وتسمع آخر أخبار الناس ...وأبناؤه كانوا نياما في غرفهم.
ارتفع صوت من أول الشارع:
- افتحوا الطريق للطبيب، لقد وصل.
شقّ الطبيب الشيخ طريقه بين الناس حتى وصل إلى الجثة الممدة على المصطبة،وبعد أن فحصها أكدّ خبر وفاة علي.
خيّم السكون على المكان، وانعقدت الألسن، ولم يصدقوا الخبر عند سماعه،لكنهم صدقوه أمام الحقيقة الماثلة أمامهم، وقد حذر الطبيب من الاقتراب من الجثة قبل وصول الشرطة.
لكنه ظل واقفا، على غير عادته، ولم يغادر المكان! وعندما وصلت الشرطة اسرّالطبيب للضابط بسرٍّ لم يسمعه أحد من الجمهور.
توقع الجمهور أن ينتهي كل شيء كما كان ينتهي عند وفيات سابقة.
ملأ الضابط بعض الأوراق، ووقّع عليها، وأعطاها لأحد أبناء المتوفى، وأبلغه، قبل أن يغادر، بوجوب ُنقل الجثة إلى معهد الطب العدلي، للتأكد من سبب الوفاة.
وقع الخبر على مسامع الجميع كقنبلة انفجرت، وتناثرت شظاياها فأصابت الجميع، وانعقدت ألسنتهم، وتشابكت النظرات المتحركة تبحث عن أكثر من جواب لأكثر من سؤال!
وارتفع صوت الاحتجاج، ورفض الجمع ما قاله الضابط، وكان أكثر المحتجين أبناء المتوفى، وزوجته وأقاربه وتدخّل رئيس السلطة المحلية الذي حضر مع الشرطة، واحتج رجال الدين، ولم يصدق أحد ما تناقلته الألسن.
- ما الحاجة إلى التشريح؟ تساءل الكثيرون.
- الشك في أن سبب الوفاة مرض الإيبولا – قال الضابط.
أيقظ الشك الكابوس القديم، الخالد ،الذي يرافق الناس منذ فجر التاريخ، فأكثروا من التفسير والتحليل، واشتعل الرعب في العيون، واصفرت الوجوه، وبان التساؤل عن كل شيء، وتعالى الهمس، وصار صراخا بلا صوت.
قال شيخ عجوز: اقتربت الساعة، هذا المرض من علاماتها.
رد عليه شاب بشيء من النرفزة: ما علاقة قيام الساعة بمرض الإيبولا؟!
قالت فتاة لصديقتها، وهي تضحك ضحكة صفراء مبطنة بشيء من الخبث، قصدت أن تسمعها أكثر من جارة لها: الإيبولا مرض جنسي خطير، بدأ في أفريقيا.
تحركت المعلومة كما تتحرك الإشاعة، وبدأت تتدحرج ككرة ثلج. وتكبر!
ودخلت الإشاعة القلوب قبل العقول، واختبأ الناس في علبهم الإسمنتية بعقول مضطربة، وقلوب مرتعبة، وألسنة لا تتوقف عن الثرثرة بكثير من الخرافات والتنبؤات.
أقفلوا الأبواب والشبابيك، وتزوّدوا بالحُجُب والتعاويذ، ليحموا صغارهم من هذا الزائر الغريب الذي يحمل جرثومة الكُفْر مع جرثومة المرض.
واجتمع رئيس السلطة المحلية وأعضاؤها، ورؤساء السلطة السابقين والقادمين والدائمين، والسلطة الدينية، وكاتب الحُجُب ومديرو المدارس ومعلموها، والمسئولون عن الأمن في القرية، وشيوخ العائلات، وشيوخ فروعها، وفروع الفروع، لدراسة الأمر واتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمقاومة هذا المرض الكافر الذي يدق الأبواب المقفلة، وقرروا عدم السفر جماعات في وسائل الموصلات العامة كالباصات والقطارات وسيارات الأجرة ، في البلاد وخارجها، واستبدالها بالتوك توك لأنه خاص ومحمي، ولأن السفر جماعات غير السفر أفرادا، وعدم المبيت في الفنادق لكثرة زوارها، وتنوّعهم، وعدم اصطحاب الزوجات إلى خارج البلاد، حفظا على نقاء الأجنّة والأجيال القادمة، وكخطوة أولى تقرر حرصا على السلامة العامة، عدم الاقتراب من الميت ، منعا للعدوى.
22.10.2014
تعليق