صــبيحة شـــبر وبــلاءات الكـلمة السـحرية أحـبُك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صبيحة شبر
    أديبة وكاتبة
    • 24-06-2007
    • 361

    صــبيحة شـــبر وبــلاءات الكـلمة السـحرية أحـبُك


    صــبيحة شـــبر وبــلاءات الكـلمة السـحرية أحـبُكَ

    فيصل عبد الحسن
    تنقلنا القاصة العراقية صبيحة شبر في روايتها القصيرة العرس إلى السبعينات من القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت نهضة في التعليم، بسبب أزدهار أسعار النفط، وظروف الأستقرار السياسي المؤقتة، التي كانت تنذر بعواصف شتى قادمة لتبدد ذلك الأستقرار الكاذب، وأحداث الرواية القصيرة تدور في أروقة الجامعة، والمناطق المحافظة في مدينة كربلاء، وتحكي عن البحث المهووس عن النصف الآخر، الذي تبحث عنه الفتاة العراقية المحافظة في ذلك الوقت، ليكون حبيبها وزوج المستقبل، والتي تظن أن الله تعالى خلقها لتدور في فلكه حتى آخر العمر، وتروي لنا الروائية بضمير المتكلم عن شخصيات روايتها القصيرة من خلال ستة عشر فصلا قصيرا، ما يفي برسم صورة شاملة للمأساة التي ترويها الفتاة التي ظنت أنها وقعت على بغيتها، وأختارت الزوج المناسب الذي سيحيطها بحنانه وحبه، طيلة العمر، وأنه سيكون وفيا لكلمة أحبك التي قالها لها بعد أيام من تعرفها عليه في الجامعة.
    فصول اعترافية
    تنحصر أعترافات شخوص الرواية بالزوجة الضحية والزوج، وسميرة وأحمد ولطيفة وسهام وهؤلاء من اصدقاء الزوجين، وتبدو الزوجة من خلال المنلوجات الطويلة التي خصتها بها المؤلفة، فتاة حالمة بشاب عصري يقدم لها قلبه كما تقدم له قلبها، ليعيشا معا حلمهما بتأسيس حياة من التعاون والألفة والأخلاص، ولكن الزوج الذي كان كثير العلاقات النسائية، ولم تكن علاقاته تلك مع كثرتها علاقات كاملة وطبيعية، كونه كان يعاني من عقد نفسية كثيرة جعلته لا يستطيع أكمال أية علاقة نسائية بشكل طبيعي، فهو يتوقف عادة في علاقاته الكثيرة بعد أن يغريهن بحلو الحديث والتقرب منهن، وأسداء مختلف الخدمات لهن، وأضحاكهن وكتابة قصائد المديح لجمالهن، وكتابة بحوث التخرج لمساعدتهن، والقيام بكل ما يطلبنه منه، ليتقرب منهن بشتى الصور، ولكنهن في النهاية لا يجدن فيه الفارس الذي يبحثن فيه عن الرجولة المطلوبة، فتصير العلاقة علاقتهن به علاقة صداقة، ويشعرن معه، وكأنهن مع مخلوق غريب لا يمت لجنس الذكور ولا لجنس الإناث بصلة، وهذه الصورة المرضية التي ترسمها لنا الزوجة لزوجها من خلال فصول أعترافية مشبعة بالألم والذكريات الحزينة.
    الكلمة السحرية
    بينما تنقلنا الفصول التي رويت على لسان الزوج، إلى واقع الفقر المزري الذي كانت تعيشه عائلته، وأنه لم يكن يوما من الأيام يحب فتاة بعينها، بل انه عمد إلى تزجية الوقت بمغازلة هذه والتودد إلى تلك، وعشق جمال تلك والأعجاب بحديث هذه، دون ان تكون لديه رغبة حقيقة في حب أية واحدة ممن ألتقاهن في حياته، أو كانت لديه رغبة بالأقتران بواحدة منهن، فالزواج مسالة لم يفكر بها أبدا، لشعوره الداخلي ان أية أمرأة لن تستطيع أن تمنحه السعادة التي يطلبها، فقد كانت مشاعره تجاه المرأة مشاعر مشوشة، وغامضة ولا يعرف ماذا يريد من كل العلاقات التي يسعى إليها ببذل الوقت والجهد، والكرامة أحيانا حين يصطدم بفتاة تصده صدا عنيفا، وشاء حظه أن يجد فتاة محافظة لم تخض تجارب حب مع الرجال أبدا، ولم تسمع من أحد قبله كلمة أحبك، فحالما همس لها بالكلمة السحرية أحبك حتى جن جنونها حبا به، ولم تكن فتاة عديمة المواهب بل هي فتاة جميلة، جامعية التعليم، وموظفة ومرتبها محترم، وتملك بيتا ورثته عن جدتها، ولديها سيارتها الخاصة، وأهلها من العائلات المعروفة والغنية في المحافظة، وأمام كل تلك المغريات لم يكن أمامه إلا التقدم لخطبتها، فوضعه المالي مهزوز، وما يحصل عليه من وظيفته بعد تخرجه يذهب لمساعدة عائلته، وقد وجد في هذه الفتاة فرصته المناسبة، التي لن يتركها لأحد غيره.
    العريس
    وعمدت أسرة الفتاة التي تحرت عن وضع الخاطب، وسلوكه ان تمنع أبنتها من قبول الأقتران بهذا الرجل، ولكن أصرار الفتاة عليه أجبرهم على موافقتها على مضض، ولم يكن لدى الخاطب، وأسرته من المال أو القدرة على الصرف على العرس، فعمد أبو الفتاة على تأثيث بيت الزوجية لهما، وأقامة حفلة العرس للعروسين، ولكن ليلتهما الأولى، وما بعدها كانت أخفاقا على أخفاق، وكان العريس طيلة الليل يسكر، ولا يستطيع ان يفعل شيئا لعروسه، المنتظرة، المتلهفة على أستكمال عرسهما، وتتويج حبهما، كما يجرى عادة بين المتزوجين الجدد، لكنه لم يستطع مع ما بذله من محاولات فاشلة، وكان طوال الوقت يلوم نفسه لأنه تزوجها، فهو لا يحبها، ولا يريدها زوجة، وما قاله لها من أنه يحبها إلا كلمة حلوة لا يقصدها حقا، ولم يفكر أن هذه الكلمة ستورطه بالزواج.
    وبالرغم من شخصية الزوجة الباكية، الشاكية همها لمن هب ودب، خصوصا بعدما تعرفت وضع زوجها الغريب منذ الليلة الأولى، فقد كان هناك حاجز بينه وبينها، وربما جاء ذلك الحاجز بسبب طفولته البغيضة، ووضع آسرته الأقتصادي المنهار، وصداقاته لصبيان أكبر سنا منه غير أسوياء وقد أدى به كل ذلك إلى عجز جنسي حقيقي، وميول مرضية أيذائية في علاقاته بالأنثى، إلا اننا نجد في الرواية شخصية إيجابية هي شخصية سميرة صديقة الزوجة والتي تعرف ماذا تريد من الحياة، وحالما تلتقي بأحمد الذي يشابهها في كل شيء حتى تنسى صديقتها التي كانت سببا في تعارفهما.
    أوجاع النساء
    رواية العرس من الروايات العراقية القصيرة التي روت فيها الكاتبة مأساة الزوجة العراقية المحافظة، التي تقع ضحية للكثير من البلاءات بسبب الكلمة السحرية أحبك، التي يطلقها شخص لا يعنيها حقيقة، ولا يعرف معنى محددا لها في حياته، أنه يفهم الحب كما يعنيه قاموسه المرضي علاقات شتى مع نساء كثيرات، ليثير بها غيرة زوجته، وجعلها في أتون يومي، وتذهب كل محاولاتها وتضحياتها في سبيل علاجه من وضعه المرضي سدى، وتعيش معه غربة حقيقية تكتمها عن الآخرين خصوصا عن أهلها الذين نصحوها من قبل بعدم الأقتران بهذا الرجل، والرواية بالرغم من قصرها إلا أنها حكت أوجاع نساء كثيرات لائذات بالصمت وفضيلة الصبر، لبناء ما تهدم من حياتهن وتجاوز المحن التي مرت بهن، والحلم بحياة سليمة مبنية على الحب الحقيقي والكفاح المشترك، وأيضا من أجل أن يكون لكلمة أحبك معنى عميقا وصادقا.


يعمل...
X