جدي!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    جدي!

    جدي!ضغطت علي المتانة ثانية، تقلبت في الفراش أبغي صرفها لأستمتع بالنوم، لكنها تصر على حرماني من الاسترسال فيه.
    و الله إني لم أنعم بحلم و لا مرة واحدة، سيلازمي ذلك طوال حياتي، نهضت و أنا أتابع أسرتي تستمتع بلذة السبات. حاذرت على ألا أوقظ أحدا، اتجهت إلى الحائط الذي يفصل منزلنا عن بقية منازل الدار الكبيرة، و جنب صنبور الماء سعيت إلى صرف الضغط لأرتاح. فلم نكن نملك سوى مرحاض مشترك علي أن أفتح الباب الذي نادرا ما يقفل، و عبور ممر يفضي إليه، ممر فصل الدار الكبيرة و جعلها منازل متفرقة، قالت لي أمي:
    _إنها كانت في ملكية جدك، رحمة الله عليه، لكن، الشكوى لله، قام أخوالك، بعد وفاة والدي أبيك، ببيعها، الله ياخذ فيهم الحق.
    كرهت الجيران الذين استحوذوا على أملاكنا، و امتلأت حقدا على أخوال أبي الذين تركوه، حتى إني لم أعد أطيق مكان سكناهم، و لا أقربه..
    لا أحب الذهاب إلي هذا المرحاض المشترك نهارا فبالأحرى ليلا، و الطقس بارد رغم أنوار القمر الفضية التي تبهج الخاطر . فلو ضغطت عليك الظروف و وجدت نفسك ملزما بإفراغ متانتك أو التغوط، فلن تستطيع القيام بذلك لأنك ستجد المكان قد امتلأ عن آخره بمخلفات بشرية لم يشأ أصحابها إخفاءها في مكانها المطلوب. ثم إن السور المحيط بها به ثقوب تسمح للمارين في الحي أن يشاهدوا ما يقع، و كثيرون هم المتلصصون، و لاسيما بائعو الخضر الذين استولوا على حينا بفعل الجفاف. جاءت بهم ريح القحط لتحط بهم هنا حارمين إيانا من تلك المساحة التي تحتضن شغبنا. إذ حملتهم من بواديهم لامتهان بيع الخضر. كثيرا ما كنت أبحث عن فراغ به لتصريف نتانتي، و أنا أمنع نفسي من التقيؤ، أبقى أتلوى، و في الأخير أضعها فوق بعضها.
    المهم، تحت أضواء القمر الجميل، اتكأت على الحائط و بدأت في التبول، شاعرا براحة ممتعة، و حين رأيت أشباحا ترتسم على الحائط شعرت برعب، التفت إلى الأعلى لأجد ما يشبه شخصا يمشي على أربع يسعى إلى التخفي بغاية إيذائي.
    أطلقت صرخة، كسرت صمت اللحظة ، و أخرجت أسرتي من سباتها، تراجعت بسرعة مكملا ما بدأته في سروالي.
    تساءلت خالتي، و قد نهضت مفزوعة، عن سبب الصراخ، و قد كانت تمتعنا بحكاياتها المتتابعة و المشوقة، هي التي كانت تشتغل خادمة لدى أسرة يهودية بالملاح الجديد، تحمل منهم بعض الطعام، لم أكن أستسيغ طعمه، و لا أحب شكله و لونه.
    ثم نهض جدي لأمي و كان أعمى، يتوكأ على عصاه يريد أن يعرف السبب، كان يقوم مقام أبي الذي ذهب لقضاء شعيرة الحج في باخرة لمدة ثلاثة أشهر، كانت الرحلة البحيرية الأخيرة إلى الديار المقدسة بعد أن استطاع الإسرائليون من إنزال هزيمة نكراء بالعرب، و التهمت أجزاء من الأرض العربية بسرعة، فكان أن تم إغلاق ممر العبور.
    لما علم جدي السبب، صعد الدرج المفضية إلى السطح غير راغب أن يكون شمتة، كان يتلمس طريقه بعصاه، و بلغ السطح حيث بدأ في تحريك تلك العصا لإبعاد أي هجوم مباغت، كنت أتابع حركاته كاتما ضحكة رأيتها غير مناسبة في هذا المقام. الأسطج متقاربة و متشابكة يؤدي بعضها إلى بعض، يمكنك النتنقل بيسر بينها، و بلوغ الأحياء المجاورة .
    لما لم يعثر على أحد عاد أدراجه لاهثا، و في لحظة، وضع قدمه اليسرى في سطل جير كانت تضعه أمي هناك ليكون قريبا منها حتى تبيض الجدران و الأرض، فقد كانت مهووسة بالنظافة. لا يهدأ لها بال إلا حين ترى البياض يزهر .
    سقط أرضا و بقوة جعلته يلفظ أنفاسه.
    و أنا أكتب هاته الحكاية و قد صرت كهلا، مازلت أرى في عيني أمي اتهاما بأني قاتل أبيها.
يعمل...
X