حصة خبز

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حارس الصغير
    أديب وكاتب
    • 13-01-2013
    • 681

    حصة خبز

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (حصة خبز)
    ======
    كدت أصل.. أمامي أربعة، وأجد نفسي أمام الشباك.
    لا يوجد منفذ واحد في المدينة توزع فيها حصص الخبز الشاح إلا ذلك المكان في وسط المدينة.
    كانت أول مرة أذهب إليه تحت إلحاح من زوجتي بعدما قررت أن أتعرف عن قرب ما تعانيه من ألم الطابور.
    تأففتُ مستسلما، وخرجت بعد الفجر بقليل مخدرا بالنوم مطوحا أمشي، وأخذت دوري في الطابور.
    كان الطابور طويلا متعرجا بين الأبنية والعمارات كدهر لا يتحرك الوقت فيه إلا لخطوات قليلة، ثم يتعثر، ويقف.
    كان الجو شتاء، والغيم المتلبد في السماء يزيد من شدة البرودة، وتيار صاقع يهب ويضرب بالأطراف حتى أوشكت أن تتجمد، والوجوه كالحة يائسة تزفر بضيق وقلق، ولا أحد يتزحزح عن دوره.
    تقدمت لخطوة، فأزحت رأسي جانبا عن الذي أمامي، فتفاجأت بجدار الفرن المبلط بسواد الدخان، ورأس العامل التي تطل من النافذة يملي أوامره متحكما، ينزل رحماته من الخبز على الواقف أمامه.
    شملتني فرحة مباغتة متوترة، وتقدمت لخطوة ثانية.. وقبل أن تتحرك قدمي لتأخذ الثالثة؛ فإذا بها يد معروقة، مرتعشة تلامس كتفي من الخلف. جفلت واستدرت، فكان الوجه القديم، والتجاعيد البارزة تحت العينين الكليلتين، والطرحة السوداء تغطي الرأس، والجسد الذي زاد الطابور من انحنائه تتوكأ بيدها على عصا خشبية، وتعلق بالذراع الآخر سبت.
    استأذنت بصوت متهدج: ممكن أخذ دورك! نظرت في الساعة التي كانت تتحرك في زمان خارج الطابور، وإلى العيون الزجرة خلفي؛ فترددت.
    كررت طلبها بإلحاح شديد: سامحني يا ابني.. أنا متعبة.
    أفسحت لها الطريق مرغما تتقدمني، ولعنات الطابور الممتد تنزل فوق رأسي كالجمر.
    حاولت مع الشخص الذي كان أمامي، لكن نظرة واحدة منه كنصل سكين كانت كافية لأن تجعلها تغمغم: يا ابني حرام عليك!

    في الخطوات القليلة الباقية إلى الفرن كان يدور صراعا هامسا بين العجوز والشخص الذي أمامها، هي تغمغم: يا ابني حرام عليك. ويرد الآخر مشوحا زاجرا: حرام على أمثالك.
    اكتفيت بالمتابعة لا أفهم، وظللت وراءها أتحسس تقدمها حتى أخذت حصتها من الخبز، وخرجت من الطابور.
    ولما جاء دوري، قال العامل بصوت خشن: نفد الخبز.. أمامك نصف ساعة.

    أطل زحام السيارات، ووجه المدير الجامد، وزوجتي تضحك بلا توقف، والعجوز التي وضعت الخبز في السبت، والطابور الذي يحملني كل مصائب الدنيا؛ فنكست رأسي مستاء.

    لكن أكثر ما حرك غليان الغضب في عروقي ذلك الشاب اليافع الذي نزل من السيارة، والتقف السبت من ذراع العجوز بقبضة قوية، التي مضت تستند على عصاها، وقد طافت على وجهها ظلال الغيم الماطر، ناولها مبلغا من المال، ثم سار محاذيا لها يغني.
    11/11/2014
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    #2
    لو كانت طلبت بضعة قروش لكن أهون من إثارة كل ذلك الاضطراب وسوء الفهم
    هناك من يستغل حاجة الفقراء والضعاف ليكسب دون تعب
    الخبز رمز الحياة والفقر في آن معا
    ومن يتحكم فيه يتحكم في رقاب الشعب
    ألا ترى أمريكا تتحكم بمحصول القمح العالمي، تستطيع أن تحكم على أي بلد بالجوع أو الثورة من خلال قمحها؟
    ونرى كيف أن أعوان أمريكا في المنطقة يحاربون كل من يحاول زراعة القمح!! والله المستعان

    سلطت الضوء على معاناة وعمقها مترامي الاطراف ببراعة وفتحت باب التفكير بانطلاق

    سرد أنيق ولغة جميلة

    أبدعت

    تقديري
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]

    تعليق

    • وفاء الدوسري
      عضو الملتقى
      • 04-09-2008
      • 6136

      #3

      النص أكثر من رائع أستاذنا:حارس الصغير

      سأخبرك أن الطيور لا تتنزه إلا في العالم العربي
      لدي صور في احد مطاعم النمسا كنت اتناول غدائي في مكان مخصص خارج المطعم
      وشاركني في الطعام الطيور حتى اكتفيت واعطيتها ما تبقى وطارت!!
      والصور تتحدث!!! إذا!!
      !!!!!!!!!!!!!!!!
      في الغرب الطيور لا تتنزه في الفضاء!!
      !!!!!!!!!!!!!!
      لذلك كانت لدينا هذه الطوابير البشريه..اليس كذلك؟
      ربما لا توافقني لكن إذا وقفت على الحياد سترى أبعاد كلامي هذا!!

      أيضا لم يعجبني تعليق الأخ الصالح حقيقة هههههه
      يقول اغنياء يستغلون فقراء! شيء مضحك
      أمريكا لا يقال عنها غنيه!!
      أمريكا ذكيه.. الأذكياء يسرقون الأغبياء !!
      ودمتم

      تحية وتقدير
      التعديل الأخير تم بواسطة وفاء الدوسري; الساعة 14-11-2014, 13:01.

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة حارس الصغير مشاهدة المشاركة
        بسم الله الرحمن الرحيم
        (حصة خبز)

        ======
        كدت أصل.. أمامي أربعة، وأجد نفسي أمام الشباك.
        لا يوجد منفذ واحد في المدينة توزع فيها حصص الخبز الشاح إلا ذلك المكان في وسط المدينة.
        كانت أول مرة أذهب إليه تحت إلحاح من زوجتي بعدما قررت أن أتعرف عن قرب ما تعانيه من ألم الطابور.
        تأففتُ مستسلما، وخرجت بعد الفجر بقليل مخدرا بالنوم مطوحا أمشي، وأخذت دوري في الطابور.
        كان الطابور طويلا متعرجا بين الأبنية والعمارات كدهر لا يتحرك الوقت فيه إلا لخطوات قليلة، ثم يتعثر، ويقف.
        كان الجو شتاء، والغيم المتلبد في السماء يزيد من شدة البرودة، وتيار صاقع يهب ويضرب بالأطراف حتى أوشكت أن تتجمد، والوجوه كالحة يائسة تزفر بضيق وقلق، ولا أحد يتزحزح عن دوره.
        تقدمت لخطوة، فأزحت رأسي جانبا عن الذي أمامي، فتفاجأت بجدار الفرن المبلط بسواد الدخان، ورأس العامل التي تطل من النافذة يملي أوامره متحكما، ينزل رحماته من الخبز على الواقف أمامه.
        شملتني فرحة مباغتة متوترة، وتقدمت لخطوة ثانية.. وقبل أن تتحرك قدمي لتأخذ الثالثة؛ فإذا بها يد معروقة، مرتعشة تلامس كتفي من الخلف. جفلت واستدرت، فكان الوجه القديم، والتجاعيد البارزة تحت العينين الكليلتين، والطرحة السوداء تغطي الرأس، والجسد الذي زاد الطابور من انحنائه تتوكأ بيدها على عصا خشبية، وتعلق بالذراع الآخر سبت.
        استأذنت بصوت متهدج: ممكن أخذ دورك! نظرت في الساعة التي كانت تتحرك في زمان خارج الطابور، وإلى العيون الزجرة خلفي؛ فترددت.
        كررت طلبها بإلحاح شديد: سامحني يا ابني.. أنا متعبة.
        أفسحت لها الطريق مرغما تتقدمني، ولعنات الطابور الممتد تنزل فوق رأسي كالجمر.
        حاولت مع الشخص الذي كان أمامي، لكن نظرة واحدة منه كنصل سكين كانت كافية لأن تجعلها تغمغم: يا ابني حرام عليك!

        في الخطوات القليلة الباقية إلى الفرن كان يدور صراعا هامسا بين العجوز والشخص الذي أمامها، هي تغمغم: يا ابني حرام عليك. ويرد الآخر مشوحا زاجرا: حرام على أمثالك.
        اكتفيت بالمتابعة لا أفهم، وظللت وراءها أتحسس تقدمها حتى أخذت حصتها من الخبز، وخرجت من الطابور.
        ولما جاء دوري، قال العامل بصوت خشن: نفد الخبز.. أمامك نصف ساعة.

        أطل زحام السيارات، ووجه المدير الجامد، وزوجتي تضحك بلا توقف، والعجوز التي وضعت الخبز في السبت، والطابور الذي يحملني كل مصائب الدنيا؛ فنكست رأسي مستاء.

        لكن أكثر ما حرك غليان الغضب في عروقي ذلك الشاب اليافع الذي نزل من السيارة، والتقف السبت من ذراع العجوز بقبضة قوية، التي مضت تستند على عصاها، وقد طافت على وجهها ظلال الغيم الماطر، ناولها مبلغا من المال، ثم سار محاذيا لها يغني.
        11/11/2014
        أعجبتني القصة كثيرا
        و هي تتناول بعض متاعب المواطن البسيط و أحيانا جشعه، و كما نقول عندنا (العبد الملهوف)
        و لك أن تتصور فقط أنه مع إشاعة صغيرة جدا عن ندرة مادة ما في الأيام المقبلة، حتى يهب الناس لاقتناء تلك المادة مما يسبب لارتفاع سعرها و بذلك تحصل المضاربة.. حتى توصل الأمر بأحد الباعة أن يبيع القمح مع فأس أو دعه و اذهب

        و المشكلة ليست الفقر أو الأمية
        بل هذا الكائن العربي الذي تخلى عن إنسانيته
        مشكلتنا هي مشكلة حضارة و ثقافة
        فعندما نبني إنسانا متحضرا و مثقفا سنترفع عن مثل تلك السلوكيات
        و صدقني ليست مشكلتنا مشكلة علم
        فحتى الطبيب و المهندس و الأستاذ الجامعي يقف بالطابور و لكن بسلوك مقزز حتى أنك لا تستطيع تقريقه عن الصعلوك، فتجده لا يحترم الطابور
        و يتجاوز الجميع فقط لمصلحته
        و قس على ذلك في كل الأماكن


        محبتي صديقي الوسيم
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • فوزي سليم بيترو
          مستشار أدبي
          • 03-06-2009
          • 10949

          #5
          التشويق بطل النص ، فشعرت لوهلة أنني أقف في هذا الطابور .
          أما تصرّف الشاب اليافع والمرأة العجوز فإنه أمر غير سوي
          كالذي يبيع تذاكر مباراة أو فيلم سينما في السوق السودا .
          أقول لبطل النص : تعيش وتوكل غيرها .
          وأقول لأخي حارس الصغير : أبدعت وشكرا لك .
          فوزي بيترو

          تعليق

          • حارس الصغير
            أديب وكاتب
            • 13-01-2013
            • 681

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى الصالح مشاهدة المشاركة
            لو كانت طلبت بضعة قروش لكن أهون من إثارة كل ذلك الاضطراب وسوء الفهم
            هناك من يستغل حاجة الفقراء والضعاف ليكسب دون تعب
            الخبز رمز الحياة والفقر في آن معا
            ومن يتحكم فيه يتحكم في رقاب الشعب
            ألا ترى أمريكا تتحكم بمحصول القمح العالمي، تستطيع أن تحكم على أي بلد بالجوع أو الثورة من خلال قمحها؟
            ونرى كيف أن أعوان أمريكا في المنطقة يحاربون كل من يحاول زراعة القمح!! والله المستعان

            سلطت الضوء على معاناة وعمقها مترامي الاطراف ببراعة وفتحت باب التفكير بانطلاق

            سرد أنيق ولغة جميلة

            أبدعت

            تقديري
            بالتأكيد صديقي مصطفى الصالح من يملك يحكم ويتحكم
            والخبز أول أدواته في ذلك
            وامريكا تعرف كيف تستغل غباء .....
            من تعرفهم
            يحكمون الخناق وفي النهاية نعاني نحن
            شرفت بحضورك كما عودتني
            دام رقيك
            تحيتي

            تعليق

            • حارس الصغير
              أديب وكاتب
              • 13-01-2013
              • 681

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة وفاء عرب;11055[COLOR=#0000ff
              النص أكثر من رائع أستاذنا:حارس الصغير

              سأخبرك أن الطيور لا تتنزه إلا في العالم العربي
              لدي صور في احد مطاعم النمسا كنت اتناول غدائي في مكان مخصص خارج المطعم
              وشاركني في الطعام الطيور حتى اكتفيت واعطيتها ما تبقى وطارت!!
              والصور تتحدث!!! إذا!!
              !!!!!!!!!!!!!!!!
              في الغرب الطيور لا تتنزه في الفضاء!!
              !!!!!!!!!!!!!!
              لذلك كانت لدينا هذه الطوابير البشريه..اليس كذلك؟
              ربما لا توافقني لكن إذا وقفت على الحياد سترى أبعاد كلامي هذا!!

              أيضا لم يعجبني تعليق الأخ الصالح حقيقة هههههه
              يقول اغنياء يستغلون فقراء! شيء مضحك
              أمريكا لا يقال عنها غنيه!!
              أمريكا ذكيه.. الأذكياء يسرقون الأغبياء !!
              ودمتم

              تحية وتقدير
              [/COLOR]
              المبدعة الرائعة
              وفاء عرب
              بالفعل امريكا تفعل ما هو يخدم مصالحها
              تأخذ خيراتنا وتتركنا نتنازع حول الفتات
              ليس قضية خبز فحسب
              سعدت بقراءتك وكلماتك المشجعة
              تحيتي

              تعليق

              • حارس الصغير
                أديب وكاتب
                • 13-01-2013
                • 681

                #8
                أعجبتني القصة كثيرا
                و هي تتناول بعض متاعب المواطن البسيط و أحيانا جشعه، و كما نقول عندنا (العبد الملهوف)
                و لك أن تتصور فقط أنه مع إشاعة صغيرة جدا عن ندرة مادة ما في الأيام المقبلة، حتى يهب الناس لاقتناء تلك المادة مما يسبب لارتفاع سعرها و بذلك تحصل المضاربة.. حتى توصل الأمر بأحد الباعة أن يبيع القمح مع فأس أو دعه و اذهب

                و المشكلة ليست الفقر أو الأمية
                بل هذا الكائن العربي الذي تخلى عن إنسانيته
                مشكلتنا هي مشكلة حضارة و ثقافة
                فعندما نبني إنسانا متحضرا و مثقفا سنترفع عن مثل تلك السلوكيات
                و صدقني ليست مشكلتنا مشكلة علم
                فحتى الطبيب و المهندس و الأستاذ الجامعي يقف بالطابور و لكن بسلوك مقزز حتى أنك لا تستطيع تقريقه عن الصعلوك، فتجده لا يحترم الطابور
                و يتجاوز الجميع فقط لمصلحته
                و قس على ذلك في كل الأماكن


                محبتي صديقي الوسيم

                الصديق الرائع بسباس عبد الرزاق
                لا حرمت منك أبدا
                بالتأكيد قضية الموطن هي أهم ما يشغل أي إنسان خاصة وإن كان محروما
                تحيتي

                تعليق

                • حارس الصغير
                  أديب وكاتب
                  • 13-01-2013
                  • 681

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
                  التشويق بطل النص ، فشعرت لوهلة أنني أقف في هذا الطابور .
                  أما تصرّف الشاب اليافع والمرأة العجوز فإنه أمر غير سوي
                  كالذي يبيع تذاكر مباراة أو فيلم سينما في السوق السودا .
                  أقول لبطل النص : تعيش وتوكل غيرها .
                  وأقول لأخي حارس الصغير : أبدعت وشكرا لك .
                  فوزي بيترو
                  المبدع القدير
                  فوزي بيترو
                  كل الشكر لمرورك الأنيق
                  وهكذا الحياة أوجاع في أوجاع وسيأكل كثيرا ﻷن كل شيء أصبح صعبا وخانقا
                  تحيتي

                  تعليق

                  يعمل...
                  X