عالم ينتظر المنقذ..
من يكون؟
متى يكون؟
حقيقة أم خيال؟
شعوب العالم بمختلف تصنيفاتها وأماكن إقامتها لها قصّة قديمة عن رجل موعود يولد ليخلّص العالم من شر الانسان (ظلمه، جبروته، فساده، كفره، كذبه، نفاقه....) هي ليست مجرّد قصّة، إنّها في الحقيقة أمل ورجاء .
سنحاول من خلال صوت الحضارات أن نتعرّف على كل ذلك دون أن نتدخّل برأينا وقناعاتنا لنقول هذا خاطئ وهذا مصيب ولكن من حقنا أن نتساءل كيف اجتمعت كل هذه الأمم على هذه الفكرة ؟
وهل هي خاصّة بالمقهورين في هذه المجتمعات الإنسانيّة؟
سنبحث في الشبكة عن مختلف هذه القصص لأننا لم نزر كل العالم ولا نعرف كل الديانات وسنورد بعض المقالات الموجودة فيها لأننا لم نقرأ جميع الكتب فلا يذهبن في خلدكم أننا نتبنى كل ما سيكتب أو كل ما سيقال لأننا في النهاية نبحث وكل منا حرّ في الاتباع.
بصفة مجملة: الإيمان بظهور المنقذ العالمي انما يعبر عن حاجة فطرية عامة لدى الانسان تقوم على تطلعه للكمال، وسعيه الدءوب لتحقيق العدل ومحاربة الظلم والظالمين، وهو كذلك ما بشرت بهِ النصوص الدينية المقدسة لأغلب الأديان.
وتطلق هذه التسمية على الدين الذي اتى به عيسى ابن مريم (ع) الى بني اسرائيل، الذين اعتقدوا: انه (المسيح) الذي ينتظرونه، وقد تحولت المسيحية على يد (بولس) الى دين عالمي بعد ان كانت خاصة باليهود، اذ تُعّد الآن من اكبر الديانات في العالم، والكتاب المقدس عند المسيحيين ليس كتاباً واحداً، وإنّما هو كتابان اثنان: احدهما هو (العهد القديم) او (التوراة)، والآخر (هو العهد الجديد) (الانجيل). والمسيحيون اليوم يتبعون ثلاث كنائس رئيسة هي:
الكنيسة الارثوذكسية الشرقية ومركزها القسطنطينية، والاسكندرية، وهي تمثل (الاقباط، والحبشة، والارمن، والسريان، وكنيسة انطاكية وتركيا واليونان وروسيا وصربيا).
الكنيسة الكاثوليكية (الغربية): ومركزها روما والفاتيكان، {ويتركز إتباعها في اوربا الغربية وامريكا الجنوبية}.
الكنيسة البروتستانتية الانجيلية: ليس لها مركز محدد، وتُعّد بريطانيا حاملة لواء البروتستانتية، ومن بريطانيا انتشرت الى امريكا (الشمالية)، وتجتمع هذه الكنائس على فكرة (التثليث والخطيئة الموروثة) التي أدت الى فكرة (الصلب والفداء)
المسيحية وعقيدة التجسد:
ان قصة المسيحية هي قصة ديانة نشأت عن الايمان: بأن الله قد تجلى في مؤسسها بالجسد، وأقام بين البشر، وعلى الرغم من ان ديانات اخرى قد طورت مفهوما عن التجسد، إلا أنّ أياً منها لم تعطه مثل هذه المركزية، وتتضمن بقية العقيدة المسيحية كلها الاعتقاد: بأن يسوع هو التجلي الاوضح لشخص الله، ويبدو ان اصحاب يسوع في وقت مبكر من تأريخ المسيحية رأوا فيه ذلك الممسوح الذي بشر به العهد القديم، وان وجهة النظر هذه نتلمسها واضحة في العهد الجديد عن طريق محاولته ارجاع نسب يسوع الى النبي داود، إذ ان المسيح الذي بشر به العهد القديم يعود نسبه الى نبي الله داود، فكان الهدف من هذه المحاولة اضفاء الشرعية على الوضع المسيحاني ليسوع، اذ جاء في انجيل لوقا: (انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب).
ويمكننا القول: ان أسس العقائد المسيحية في العصر الراهن هي:
التثليث.
تجسد الابن وظهوره بمظهر البشر ليصلب تكفيراً للخطيئة التي ارتكبها آدم.
ان الإله الاب، ترك للإله الابن حساب الناس على خطاياهم، فالإله الابن لانه ظهر بمظهر الإنسان، فهو اقرب لفهم بني الإنسان.
إذ تُعّد عقيدة التثليث حجر الزاوية في هذه الديانة، فـ (التثليث) عند المسيحيين يقوم على ان طبيعة الله عبارة عن ثلاثة اقانيم متساوية: (الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس)، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، والى الابن الفداء، والى الروح القدس التطهير. اما الاقانيم، فهي كلمة سريانية الاصل مفردها (اقنوم)، وهو الشخص الكائن المستقل، ويحدد اللاهوتيون معناه بقولهم: الاله الواحد في ثلاثة اقانيم متميزين (اب، وابن، وروح قدس)، وكل اقنوم قائم بذاته، طبيعتهم واحدة وجوهرهم واحد، وهم ازليون على حد سواء، لكن باختلاف المنشأ، فالاب موجود بنفسه لم يأخذ الوجود من سواه، والابن متولد من الاب، والروح القدس منبثق من كليهما، ولهذا فإنّ الكنائس كلها تعتقد التثليث، فهو موضع إتفاق، ولكن موضع الخلاف هو العنصر الإلهي في المسيح، أهو الجسد الذي تكون من روح القدس، ومن مريم العذراء، الذي بإختلاطهِ بالعنصر الالهي صار طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، أم ان الاقنوم الثاني له طبيعتان، ولذلك فإنّ المسيحيين كثيراً ما يعبرون عن هذا المفهوم بقولهم: (ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة) .
والأساس الثاني الذي تقوم عليه العقيدة المسيحية هو: فكرة الخطيئة الموروثة والصلب والفداء...، وفحواها: ان كل إنسان مذنب منذ ولادته، لانه يعد وارثاً لخطيئة ادم، وقد ارسل الله ابنه الوحيد الى العالم ليكفر عن خطيئة الناس بموته على الصليب فداء لهم، ويرى مفكروا المسيحية: ان الله الابن سر بان يصير انساناً، ويولد من مريم العذراء، لكي يكون إلهاً وإنساناً معاً، فهو إله (منذ الازل)، وإنسان (من وقت التجسد)، وهو بذلك إله تام، وإنسان تام، فهو ابن الله وابن الإنسان، كما لقب نفسه.
وهكذا دخلت عقيدة (التجسد) الى الديانة المسيحية، وبهذا الشكل (تجسد الإله الابن بصورة إنسان ليفدي البشر)، وبهذه الطريقة إستطاع الاله الابن (المسيح) ان يؤدي دوره في فداء الناس، والتكفير عن خطاياهم بموته على الصليب.
فعقيدة التجسد هي المحور الرئيس الذي تدور حوله باقي عقائد المسيحية.
اما الأساس الثالث، المسيح يحاسب الناس - فالمسيحيون يعتقدون بان: الأب اعطى سلطان الحساب الى الابن، وذلك لان الابن فضلا عن إلوهيته وابديته، ابن الإنسان أيضا، فهو أولى بمحاسبة الإنسان، وانه بعد ان ارتفع الى السماء جلس بجوار الأب على كرسي استعداداً لاستقبال الناس يوم الحشر ليدينهم على ما فعلوا.
تُعدّ فكرة المنقذ في الفكر الديني المسيحي امتداداً لفكرة المنقذ في الفكر الديني اليهودي، والفرق الجوهري بين الفكرتين: ان مسيح اليهود الموعود سيأتي، في حين ان مسيح النصارى صلب، ولكنه سيعود من جديد، فالمجيء الأول قد تم على يد (عيسى ابن مريم)، وان له مجيء ثان.
وان هذا المجيئ الثاني للمسيح سيقترن بمهمة سيؤديها: الشطر الأول من هذه المهمة في نظر المسيحيين عامة، هو اكمال الدور الذي قام به المسيح في مجيئه الاول، ألاّ وهو دور المخلص من الخطيئة، وفي المجيئ الثاني سوف يخلص يسوع العالم من الكفر والفسوق، وذلك بقضاءه على ابليس، وتخليصه الناس من هجماته، والشطر الثاني لهذه المهمة هو الملك، إذ يعتقدون: بأن - ملكوت الله- * يتحقق تماما بمجيء المسيح، اما الشطر الثالث من مهمة المسيح، فيتمثل بالدينونة، وهذه تعني: ان المسيح عندما يأتي سيدين - يقاضي – الاحياء والاموات.
وهناك الكثير من الرؤى والنبوءات التي تتحدث عن مخلص آخر الزمان في كتاب العهد الجديد سنعرض لبعضها على سبيل المثال، ففي انجيل متي نقرأ: (فكونوا اذن على استعداد لان ابن الإنسان يجيء في ساعة لا تنتظرونها)، وفي انجيل مرقس نقرأ ايضاً: (في ذلك الحين يرى الناس ابن الانسان آتياً في السحاب بكل عزة وجلال، فيرسل ملائكته الى جهات الرياح الأربع ليجمعوا مختاريه من اقصى الارض الى اقصى السماء)، وايضاً (انكم بحاجة الى الصبر حتى تعملوا بمشيئة الله، وتحصلوا علــى وعده قليلا قليلاً من الوقت، فسيأتي الآتي ولا يبطئ).
فتتساقط النجوم من السماء وتتزعزع قوات السماء، وتظهرفي ذلك الحين علامة ابن الانسان في السماء، فتنسحب جميع قبائل الارض، ويرى الناس ابن الانسان آتياً على سحاب السماء بكل عزة وجلال، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت الى جهات الرياح الأربع ليجمعوا مختاريه من اقصى السماوات الى اقصاها، فضلا عن الكثير الكثيرمن النصوص التي تؤكد هذا المعنى وما شابهه، متناثرة في كتاب العهد الجديد.
ومن ناحية اخرى، ومع بروز حركة الإصلاح الديني البروتستانتي، تداخلت مع هذه الحركة الاساطير اليهودية، اذ أدخلت ضمن معتقدات هذه الحركة الاعتقاد: بان العناية الالهية متضمنة في حضور الرب في التاريخ الانساني.
وتأسيساً على ما تقدم، فإنّ الديانتين السماويتين اليهودية والمسيحية، تلتقيان مع العقائد الاخرى السابقة لهما في أصل فكرة الاعتقاد: بانتظار (منقذ او مصلح او مخلص) ينقذ البشرية من الظلم، وان اختلفت اسباب هذا الاعتقاد، إلاّ إن جوهره يكمن في الاضطهاد والظلم والقهر الذي عاشته الانسانية ردحا من الزمن، وهكذا فإنّ الاعتقاد بظهور المنقذ انما يشيع في حقب الاضطراب السياسي والاجتماعي، وكان للاضطهاد الذي عانته الديانة المسيحية على يد الرومان في القرن الميلادي الاول ابلغ الاثر في تفعيل هذه العقيدة في نفوس الناس، ودفعهم للبحث عن منقذ، بل في تجذر هذه العقيدة في العقل المسيحي، وفي الوجدان الديني للنصارى، ولكن الذي يميزالمنقذ في المسيحية عن غيره في الديانات والعقائد الاخرى هو: انه يجمع فضلاعن صفته الانقاذية أنه هو الرب، وهو النبي الذي صلب، وان ظهوره مرتبط بيوم البعث والقيامة والحساب، لانه هو الذي يحاسب البشر.
ان حقب الاضطراب السياسي والاجتماعي تعدّ البيئة المثالية لنمو مثل هذه العقائد، والتي تتنفس في ايام الشدائد (السبي البابلي لليهود، الاضطهاد الروماني للمسيحيين، الظلم الذي تعرضت له الطبقات الفقيرة والمسحوقة في جميع البلدان)، وهي بذلك تمثل الامل للمظلومين بغد مشرق سعيد تنتهي فيه عذاباتهم، ويثأروا فيه من مضطهديهم.
وقد أثبتت إحداث التاريخ على ان ما من امة تعرضت للعدوان والاضطهاد على يد الامم الاخرى، او ضاقت بها سبل العيش الكريم إلاّ وازدادت عندها وتائر الاعتقاد بظهور (المخلص المنتظر) الآتي لانقاذها عاجلا ام آجلا.
--------------------------------
موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية - المجلد الأول : مجموعة توحيد وأنبياء
الرابط http://books.google.tn/books?id=y9Uq...573&lpg=PT573&
من يكون؟
متى يكون؟
حقيقة أم خيال؟
شعوب العالم بمختلف تصنيفاتها وأماكن إقامتها لها قصّة قديمة عن رجل موعود يولد ليخلّص العالم من شر الانسان (ظلمه، جبروته، فساده، كفره، كذبه، نفاقه....) هي ليست مجرّد قصّة، إنّها في الحقيقة أمل ورجاء .
سنحاول من خلال صوت الحضارات أن نتعرّف على كل ذلك دون أن نتدخّل برأينا وقناعاتنا لنقول هذا خاطئ وهذا مصيب ولكن من حقنا أن نتساءل كيف اجتمعت كل هذه الأمم على هذه الفكرة ؟
وهل هي خاصّة بالمقهورين في هذه المجتمعات الإنسانيّة؟
سنبحث في الشبكة عن مختلف هذه القصص لأننا لم نزر كل العالم ولا نعرف كل الديانات وسنورد بعض المقالات الموجودة فيها لأننا لم نقرأ جميع الكتب فلا يذهبن في خلدكم أننا نتبنى كل ما سيكتب أو كل ما سيقال لأننا في النهاية نبحث وكل منا حرّ في الاتباع.
بصفة مجملة: الإيمان بظهور المنقذ العالمي انما يعبر عن حاجة فطرية عامة لدى الانسان تقوم على تطلعه للكمال، وسعيه الدءوب لتحقيق العدل ومحاربة الظلم والظالمين، وهو كذلك ما بشرت بهِ النصوص الدينية المقدسة لأغلب الأديان.
المخلّص في العقيدة المسيحية
المسيحية: (اقتباس)وتطلق هذه التسمية على الدين الذي اتى به عيسى ابن مريم (ع) الى بني اسرائيل، الذين اعتقدوا: انه (المسيح) الذي ينتظرونه، وقد تحولت المسيحية على يد (بولس) الى دين عالمي بعد ان كانت خاصة باليهود، اذ تُعّد الآن من اكبر الديانات في العالم، والكتاب المقدس عند المسيحيين ليس كتاباً واحداً، وإنّما هو كتابان اثنان: احدهما هو (العهد القديم) او (التوراة)، والآخر (هو العهد الجديد) (الانجيل). والمسيحيون اليوم يتبعون ثلاث كنائس رئيسة هي:
الكنيسة الارثوذكسية الشرقية ومركزها القسطنطينية، والاسكندرية، وهي تمثل (الاقباط، والحبشة، والارمن، والسريان، وكنيسة انطاكية وتركيا واليونان وروسيا وصربيا).
الكنيسة الكاثوليكية (الغربية): ومركزها روما والفاتيكان، {ويتركز إتباعها في اوربا الغربية وامريكا الجنوبية}.
الكنيسة البروتستانتية الانجيلية: ليس لها مركز محدد، وتُعّد بريطانيا حاملة لواء البروتستانتية، ومن بريطانيا انتشرت الى امريكا (الشمالية)، وتجتمع هذه الكنائس على فكرة (التثليث والخطيئة الموروثة) التي أدت الى فكرة (الصلب والفداء)
المسيحية وعقيدة التجسد:
ان قصة المسيحية هي قصة ديانة نشأت عن الايمان: بأن الله قد تجلى في مؤسسها بالجسد، وأقام بين البشر، وعلى الرغم من ان ديانات اخرى قد طورت مفهوما عن التجسد، إلا أنّ أياً منها لم تعطه مثل هذه المركزية، وتتضمن بقية العقيدة المسيحية كلها الاعتقاد: بأن يسوع هو التجلي الاوضح لشخص الله، ويبدو ان اصحاب يسوع في وقت مبكر من تأريخ المسيحية رأوا فيه ذلك الممسوح الذي بشر به العهد القديم، وان وجهة النظر هذه نتلمسها واضحة في العهد الجديد عن طريق محاولته ارجاع نسب يسوع الى النبي داود، إذ ان المسيح الذي بشر به العهد القديم يعود نسبه الى نبي الله داود، فكان الهدف من هذه المحاولة اضفاء الشرعية على الوضع المسيحاني ليسوع، اذ جاء في انجيل لوقا: (انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب).
ويمكننا القول: ان أسس العقائد المسيحية في العصر الراهن هي:
التثليث.
تجسد الابن وظهوره بمظهر البشر ليصلب تكفيراً للخطيئة التي ارتكبها آدم.
ان الإله الاب، ترك للإله الابن حساب الناس على خطاياهم، فالإله الابن لانه ظهر بمظهر الإنسان، فهو اقرب لفهم بني الإنسان.
إذ تُعّد عقيدة التثليث حجر الزاوية في هذه الديانة، فـ (التثليث) عند المسيحيين يقوم على ان طبيعة الله عبارة عن ثلاثة اقانيم متساوية: (الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس)، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، والى الابن الفداء، والى الروح القدس التطهير. اما الاقانيم، فهي كلمة سريانية الاصل مفردها (اقنوم)، وهو الشخص الكائن المستقل، ويحدد اللاهوتيون معناه بقولهم: الاله الواحد في ثلاثة اقانيم متميزين (اب، وابن، وروح قدس)، وكل اقنوم قائم بذاته، طبيعتهم واحدة وجوهرهم واحد، وهم ازليون على حد سواء، لكن باختلاف المنشأ، فالاب موجود بنفسه لم يأخذ الوجود من سواه، والابن متولد من الاب، والروح القدس منبثق من كليهما، ولهذا فإنّ الكنائس كلها تعتقد التثليث، فهو موضع إتفاق، ولكن موضع الخلاف هو العنصر الإلهي في المسيح، أهو الجسد الذي تكون من روح القدس، ومن مريم العذراء، الذي بإختلاطهِ بالعنصر الالهي صار طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، أم ان الاقنوم الثاني له طبيعتان، ولذلك فإنّ المسيحيين كثيراً ما يعبرون عن هذا المفهوم بقولهم: (ثلاثة في واحد، وواحد في ثلاثة) .
والأساس الثاني الذي تقوم عليه العقيدة المسيحية هو: فكرة الخطيئة الموروثة والصلب والفداء...، وفحواها: ان كل إنسان مذنب منذ ولادته، لانه يعد وارثاً لخطيئة ادم، وقد ارسل الله ابنه الوحيد الى العالم ليكفر عن خطيئة الناس بموته على الصليب فداء لهم، ويرى مفكروا المسيحية: ان الله الابن سر بان يصير انساناً، ويولد من مريم العذراء، لكي يكون إلهاً وإنساناً معاً، فهو إله (منذ الازل)، وإنسان (من وقت التجسد)، وهو بذلك إله تام، وإنسان تام، فهو ابن الله وابن الإنسان، كما لقب نفسه.
وهكذا دخلت عقيدة (التجسد) الى الديانة المسيحية، وبهذا الشكل (تجسد الإله الابن بصورة إنسان ليفدي البشر)، وبهذه الطريقة إستطاع الاله الابن (المسيح) ان يؤدي دوره في فداء الناس، والتكفير عن خطاياهم بموته على الصليب.
فعقيدة التجسد هي المحور الرئيس الذي تدور حوله باقي عقائد المسيحية.
اما الأساس الثالث، المسيح يحاسب الناس - فالمسيحيون يعتقدون بان: الأب اعطى سلطان الحساب الى الابن، وذلك لان الابن فضلا عن إلوهيته وابديته، ابن الإنسان أيضا، فهو أولى بمحاسبة الإنسان، وانه بعد ان ارتفع الى السماء جلس بجوار الأب على كرسي استعداداً لاستقبال الناس يوم الحشر ليدينهم على ما فعلوا.
تُعدّ فكرة المنقذ في الفكر الديني المسيحي امتداداً لفكرة المنقذ في الفكر الديني اليهودي، والفرق الجوهري بين الفكرتين: ان مسيح اليهود الموعود سيأتي، في حين ان مسيح النصارى صلب، ولكنه سيعود من جديد، فالمجيء الأول قد تم على يد (عيسى ابن مريم)، وان له مجيء ثان.
وان هذا المجيئ الثاني للمسيح سيقترن بمهمة سيؤديها: الشطر الأول من هذه المهمة في نظر المسيحيين عامة، هو اكمال الدور الذي قام به المسيح في مجيئه الاول، ألاّ وهو دور المخلص من الخطيئة، وفي المجيئ الثاني سوف يخلص يسوع العالم من الكفر والفسوق، وذلك بقضاءه على ابليس، وتخليصه الناس من هجماته، والشطر الثاني لهذه المهمة هو الملك، إذ يعتقدون: بأن - ملكوت الله- * يتحقق تماما بمجيء المسيح، اما الشطر الثالث من مهمة المسيح، فيتمثل بالدينونة، وهذه تعني: ان المسيح عندما يأتي سيدين - يقاضي – الاحياء والاموات.
وهناك الكثير من الرؤى والنبوءات التي تتحدث عن مخلص آخر الزمان في كتاب العهد الجديد سنعرض لبعضها على سبيل المثال، ففي انجيل متي نقرأ: (فكونوا اذن على استعداد لان ابن الإنسان يجيء في ساعة لا تنتظرونها)، وفي انجيل مرقس نقرأ ايضاً: (في ذلك الحين يرى الناس ابن الانسان آتياً في السحاب بكل عزة وجلال، فيرسل ملائكته الى جهات الرياح الأربع ليجمعوا مختاريه من اقصى الارض الى اقصى السماء)، وايضاً (انكم بحاجة الى الصبر حتى تعملوا بمشيئة الله، وتحصلوا علــى وعده قليلا قليلاً من الوقت، فسيأتي الآتي ولا يبطئ).
فتتساقط النجوم من السماء وتتزعزع قوات السماء، وتظهرفي ذلك الحين علامة ابن الانسان في السماء، فتنسحب جميع قبائل الارض، ويرى الناس ابن الانسان آتياً على سحاب السماء بكل عزة وجلال، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت الى جهات الرياح الأربع ليجمعوا مختاريه من اقصى السماوات الى اقصاها، فضلا عن الكثير الكثيرمن النصوص التي تؤكد هذا المعنى وما شابهه، متناثرة في كتاب العهد الجديد.
ومن ناحية اخرى، ومع بروز حركة الإصلاح الديني البروتستانتي، تداخلت مع هذه الحركة الاساطير اليهودية، اذ أدخلت ضمن معتقدات هذه الحركة الاعتقاد: بان العناية الالهية متضمنة في حضور الرب في التاريخ الانساني.
وتأسيساً على ما تقدم، فإنّ الديانتين السماويتين اليهودية والمسيحية، تلتقيان مع العقائد الاخرى السابقة لهما في أصل فكرة الاعتقاد: بانتظار (منقذ او مصلح او مخلص) ينقذ البشرية من الظلم، وان اختلفت اسباب هذا الاعتقاد، إلاّ إن جوهره يكمن في الاضطهاد والظلم والقهر الذي عاشته الانسانية ردحا من الزمن، وهكذا فإنّ الاعتقاد بظهور المنقذ انما يشيع في حقب الاضطراب السياسي والاجتماعي، وكان للاضطهاد الذي عانته الديانة المسيحية على يد الرومان في القرن الميلادي الاول ابلغ الاثر في تفعيل هذه العقيدة في نفوس الناس، ودفعهم للبحث عن منقذ، بل في تجذر هذه العقيدة في العقل المسيحي، وفي الوجدان الديني للنصارى، ولكن الذي يميزالمنقذ في المسيحية عن غيره في الديانات والعقائد الاخرى هو: انه يجمع فضلاعن صفته الانقاذية أنه هو الرب، وهو النبي الذي صلب، وان ظهوره مرتبط بيوم البعث والقيامة والحساب، لانه هو الذي يحاسب البشر.
ان حقب الاضطراب السياسي والاجتماعي تعدّ البيئة المثالية لنمو مثل هذه العقائد، والتي تتنفس في ايام الشدائد (السبي البابلي لليهود، الاضطهاد الروماني للمسيحيين، الظلم الذي تعرضت له الطبقات الفقيرة والمسحوقة في جميع البلدان)، وهي بذلك تمثل الامل للمظلومين بغد مشرق سعيد تنتهي فيه عذاباتهم، ويثأروا فيه من مضطهديهم.
وقد أثبتت إحداث التاريخ على ان ما من امة تعرضت للعدوان والاضطهاد على يد الامم الاخرى، او ضاقت بها سبل العيش الكريم إلاّ وازدادت عندها وتائر الاعتقاد بظهور (المخلص المنتظر) الآتي لانقاذها عاجلا ام آجلا.
--------------------------------
موسوعة عباس محمود العقاد الإسلامية - المجلد الأول : مجموعة توحيد وأنبياء
الرابط http://books.google.tn/books?id=y9Uq...573&lpg=PT573&
تعليق