الدَّوَار
فوق ظهرها مسنودة إلى كتفيها في طريقها إلى المدرسة تحمل شنطتها وكأنها ستطير إلى السماء .
يقبض على دفاتره في كفّه , تذهبُ عيناه من بين كل العيون في الفضاء المفتوح على الطريق إلى المدرسة لتلتقي عينيها ... شعر بصفقة كفّين في قلبه ... هربت عيناها للتو ... أَحَسَّ بحفيف ورق الأشجار في غاباته يَنْفَلِقُ مرّةً واحدةً في ضوء الشمس المنبثقة من بين المطر الآن , وبأقواس قزح تتقاطع في آرجاء الدوار.
يُرَتِّبُ زمنه , وعلاقاته , وزمالاته في الزمان والمكان من كل يوم إلى المدرسة والعودة , ليشاهدها حيث تتقاطع طريقه مع طريقها في الدَوّار ... عليه أن يبكّر بالخروج من بيته قبل أن تخرج من بيتها , وسينتظر في الدَوَّار إن هي تأخرت .. ولاشك بارتباطات مع رفاق الفصل والذين سيلِحُّون بطريقة ما على مرافقته إلى المدرسة ومنها .
لاشأن له بأن يرافقوه بل شأنه بها , لايهمّه ماقبل الدوّار ومابعده , فليأتِ بشر كل الدنيا بعد الدوَّار ليرافقوه .
هي في ذات الحرج من زميلاتها , في المساحة من البيت حتى الدَوَّار , ومن المدرسة حتى الدوَّار , الأمر هناك .. ليس قبل وليس بعد ,, ولتأت كل الصديقات بعد الدَوَّار .
كل الحسابات هذه كانت مرتبكة , وغير حاسمة إلى مفاجآت الزملاء والزميلات ورعونة المارّة .
في الجمعة .. يوم العطلة الأسبوعية سيذهب إلى البحر , وسنذهب لتزورزميلتها , وليشاهد كلاهما الآخر في الدَوّار , ثم ليكن البحر ولتكن الصديقة أو لايكونان .
سيكبر وستكبر ..هكذا يردّد دائما , ليس غير سنتين مايفرق بينهما , هذا مايظنه , ستلحق به , المرأة تلحق بالرجل وتسبقه كما يقول الكبار ويؤكده الواقع حين تتحول المرأة يوما عن يوم في عجالة من جسدها .. لعلّها في المستوى الأول من المرحلة الاعدادية ,هو في الثاني , الرجل يتقدَّم المرأة إلى التعليم , المرأة تنتظر لتضيف سنتين إلى خدمة أسرتها , لتجلب الماء من البئر , ولتحمل القمامة خارج البيت , ولتساعد الأم في طهي الطعام ,وتدبير أشغال المنزل ....
سيتقدم أبوه إلى أبيها بعد البكالريوس , دائما مايحدّث نفسه بهذا , ولايشك أبدا بأن أباه هذا الذي يشتغل في نقل الركاب على دراجة النارية سيتقدم لطلب يدها ليد ابنه الوحيد , فالتكاثر ضرورة , وسيبيع الأب دمه من أجل أكمال دين أبنائه , ولإنجاب قرة عينه الأحفاد , وسيأخذها إلى مصايف اليمن الخضراء والزرقاء المترامية في الجبال وفي البحار , لقضاء شهر العسل كما يفعل الكبار .. إلى البحر الأحمر على الساحل الذهبي في عدن والكثيب في الحديدة , وإلى البحر العربي على ساحل أبين , وإلى المحيط الهندي في المكلا , وكعصفوين فوق جبل ربّي في إب حيث تعاشر نجوم السماء وتدخل في أنوار المنازل والممرات , وسينجبان طفلاً وطفلة , وسيكونان أسعد بهما من أبويهما يوم أنجباهما .
سَيْطَرَ عليه شعور أَبَوِيٌّ غظيم حين تخيّل طفليه في أحضانها , سنتين بين الطفل والطفلة , يلعبان بينه وبينها , إليه وإليها , وبها تحتضنه في صدرها , حين يقبض الطفلان على خنصريه في إعلان عن رغبتهما في الخروج معه إلى حديقة الألعاب .
أُسْقِطَ في يده , حين عزم على أن يتقدم زملاءه إلى الدَوَّار , فقد علم بأن البنات يتأخَّرْنَ , ليس في الالتحاق بالمدرسة فحسب , بل وفي البيت قبل الذهاب إلى المدرسة , بسبب من الارتباط المنزلي , وإزالة بقايا التصرفات الليلية للأسرة والأطفال , وفضلات المستلزمات البائتة , ويأتين متأخرات عن الطلاب في مدارس الذكور هؤلاء الفارغين من أية مسئولية في الشأن المنزلي .
لاحظ زملاؤه بأنه يتغيب عن الحصة الأخيرة .. كان قد قرّر أن يتقدم زملاءه ويغادر المدرسة ليجدها في الدَوَّار قبل أن يأتوا إلى هناك .
أُسْقِطَ في يده , فقد علم بأنهن يقمن بتنظيف الفصول في نهاية اليوم الدراسي قبل عودتهن إلى منازلهن وسيتأخرن في العودة على الطلاب الذكور . .
في هذه المرّة من كلِّ الأيام .... كانت هي وحدها دون زميلاتها , في طريقها إلى المدرسة .. كان قد بكّر على غير أيامه ليختبئ في مكان ما من الدَوَّار , في زاويةٍ ما , يشاهد منها زملاءه وكلَّ المارّة . .
مَرَّتْ طالباتٌ وطلاب , زملاؤه وغير زملائه , ذكورٌ وإناث , وتأخَّرَتْ هي ..
. قال لها : لقد تأخَّرْتِ اليوم عن بقية الأيام , كنت أنتظرك منذ السابعة .
- - من أنت ؟ ردّت عليه
- لم يردّ .. كأنه لم يقل شيئاً , كأنه ليس هو .. ذهب عنها , ليلتفت بعد أن تأكد له أنها قد غادرت الدَوَّار , فوجدها لازالت في محلّها , وبأن ذات عينيها تصافح عينيه ليست ككل المرات السابقة .
- لحقها كانت قد ذهبت ... تابعها . كانت تعود إلى منزلها وليست لتذهب إلى المدرسة .. إنتصب السؤال : لماذا تعود ؟ لماذا لم تذهب إلى المدرسة ؟ ولماذا جاءت إلى الدوار إذن ؟
.في الأيام التالية كان يغيب عن المدرسة , ولم ينتظم بعد ذلك ..
- وفي الفناء وخلال الاستراحة يتحلق التلاميذ حول واحدٍ منهم , كانوا يتسابقون إلى الوسط من الحلقة .. لكن واحداً فقط هو من سيحكي على الجميع .. كان لِكُلِّ واحدِ منهم حكايته , ليتفقوا أخيرا على إجراء القرعة كل يوم لتحديد الحكواتي الذي سيأتي بالجديد عن الزميل المتسرّب .
- عند هذه الأسطر من القصة قال الطالب الحكواتي : لقد تمت خطوبة فتاة في الصف السابع من مدرسة البنات للتعليم الأساسي القريبة من مدرستنا من شيخ دين بالمملكة العربية السعودية والذي كان قد شاهد صورتها التي بعث بها أبوها إليه فاستحسنها ... ويتابع زميله في اليوم التالي وآخرون لاحقا : بل هام بها , وفي حين أن مايشاع هو خطبتها فإن الحقيقة غير ذلك فلقد أهداها أبوها لشيخ الدين كما أهدى أبو بكررضوان الله عليه إبنته عائشة لمحمد عليه الصلاة والسلام وبأنه قد تم إبرام عقد النكاح بين أبيها عنها , ومنصوبٍ من المحكمة عن شيخ العلم في المملكة .
-وأن الفتاة لن تذهب بعد اليوم إلى المدرسة .. وسيتم زفّها إلى عريسها في البلد الجارخلال ثلاثة أيام بعد إلحاقها رسميا بعصمته إستناداً على عقد النكاح ..
في القصاصة الأخيرة من هذه القصة نقرأ : بعد عام .... تم تسجيل أكرم كمتسرب من المرحلة الأساسية في التعليم العام , وشاع خبرٌمفاده بأن أكرم قد غادر إلى المملكة العربية السعودية وبأنه يشتغل لدى شيخ دين هناك كسائق , براتبٍ , وسكنٍ , ووجباتٍ ثلاث .
.
فوق ظهرها مسنودة إلى كتفيها في طريقها إلى المدرسة تحمل شنطتها وكأنها ستطير إلى السماء .
يقبض على دفاتره في كفّه , تذهبُ عيناه من بين كل العيون في الفضاء المفتوح على الطريق إلى المدرسة لتلتقي عينيها ... شعر بصفقة كفّين في قلبه ... هربت عيناها للتو ... أَحَسَّ بحفيف ورق الأشجار في غاباته يَنْفَلِقُ مرّةً واحدةً في ضوء الشمس المنبثقة من بين المطر الآن , وبأقواس قزح تتقاطع في آرجاء الدوار.
يُرَتِّبُ زمنه , وعلاقاته , وزمالاته في الزمان والمكان من كل يوم إلى المدرسة والعودة , ليشاهدها حيث تتقاطع طريقه مع طريقها في الدَوّار ... عليه أن يبكّر بالخروج من بيته قبل أن تخرج من بيتها , وسينتظر في الدَوَّار إن هي تأخرت .. ولاشك بارتباطات مع رفاق الفصل والذين سيلِحُّون بطريقة ما على مرافقته إلى المدرسة ومنها .
لاشأن له بأن يرافقوه بل شأنه بها , لايهمّه ماقبل الدوّار ومابعده , فليأتِ بشر كل الدنيا بعد الدوَّار ليرافقوه .
هي في ذات الحرج من زميلاتها , في المساحة من البيت حتى الدَوَّار , ومن المدرسة حتى الدوَّار , الأمر هناك .. ليس قبل وليس بعد ,, ولتأت كل الصديقات بعد الدَوَّار .
كل الحسابات هذه كانت مرتبكة , وغير حاسمة إلى مفاجآت الزملاء والزميلات ورعونة المارّة .
في الجمعة .. يوم العطلة الأسبوعية سيذهب إلى البحر , وسنذهب لتزورزميلتها , وليشاهد كلاهما الآخر في الدَوّار , ثم ليكن البحر ولتكن الصديقة أو لايكونان .
سيكبر وستكبر ..هكذا يردّد دائما , ليس غير سنتين مايفرق بينهما , هذا مايظنه , ستلحق به , المرأة تلحق بالرجل وتسبقه كما يقول الكبار ويؤكده الواقع حين تتحول المرأة يوما عن يوم في عجالة من جسدها .. لعلّها في المستوى الأول من المرحلة الاعدادية ,هو في الثاني , الرجل يتقدَّم المرأة إلى التعليم , المرأة تنتظر لتضيف سنتين إلى خدمة أسرتها , لتجلب الماء من البئر , ولتحمل القمامة خارج البيت , ولتساعد الأم في طهي الطعام ,وتدبير أشغال المنزل ....
سيتقدم أبوه إلى أبيها بعد البكالريوس , دائما مايحدّث نفسه بهذا , ولايشك أبدا بأن أباه هذا الذي يشتغل في نقل الركاب على دراجة النارية سيتقدم لطلب يدها ليد ابنه الوحيد , فالتكاثر ضرورة , وسيبيع الأب دمه من أجل أكمال دين أبنائه , ولإنجاب قرة عينه الأحفاد , وسيأخذها إلى مصايف اليمن الخضراء والزرقاء المترامية في الجبال وفي البحار , لقضاء شهر العسل كما يفعل الكبار .. إلى البحر الأحمر على الساحل الذهبي في عدن والكثيب في الحديدة , وإلى البحر العربي على ساحل أبين , وإلى المحيط الهندي في المكلا , وكعصفوين فوق جبل ربّي في إب حيث تعاشر نجوم السماء وتدخل في أنوار المنازل والممرات , وسينجبان طفلاً وطفلة , وسيكونان أسعد بهما من أبويهما يوم أنجباهما .
سَيْطَرَ عليه شعور أَبَوِيٌّ غظيم حين تخيّل طفليه في أحضانها , سنتين بين الطفل والطفلة , يلعبان بينه وبينها , إليه وإليها , وبها تحتضنه في صدرها , حين يقبض الطفلان على خنصريه في إعلان عن رغبتهما في الخروج معه إلى حديقة الألعاب .
أُسْقِطَ في يده , حين عزم على أن يتقدم زملاءه إلى الدَوَّار , فقد علم بأن البنات يتأخَّرْنَ , ليس في الالتحاق بالمدرسة فحسب , بل وفي البيت قبل الذهاب إلى المدرسة , بسبب من الارتباط المنزلي , وإزالة بقايا التصرفات الليلية للأسرة والأطفال , وفضلات المستلزمات البائتة , ويأتين متأخرات عن الطلاب في مدارس الذكور هؤلاء الفارغين من أية مسئولية في الشأن المنزلي .
لاحظ زملاؤه بأنه يتغيب عن الحصة الأخيرة .. كان قد قرّر أن يتقدم زملاءه ويغادر المدرسة ليجدها في الدَوَّار قبل أن يأتوا إلى هناك .
أُسْقِطَ في يده , فقد علم بأنهن يقمن بتنظيف الفصول في نهاية اليوم الدراسي قبل عودتهن إلى منازلهن وسيتأخرن في العودة على الطلاب الذكور . .
في هذه المرّة من كلِّ الأيام .... كانت هي وحدها دون زميلاتها , في طريقها إلى المدرسة .. كان قد بكّر على غير أيامه ليختبئ في مكان ما من الدَوَّار , في زاويةٍ ما , يشاهد منها زملاءه وكلَّ المارّة . .
مَرَّتْ طالباتٌ وطلاب , زملاؤه وغير زملائه , ذكورٌ وإناث , وتأخَّرَتْ هي ..
. قال لها : لقد تأخَّرْتِ اليوم عن بقية الأيام , كنت أنتظرك منذ السابعة .
- - من أنت ؟ ردّت عليه
- لم يردّ .. كأنه لم يقل شيئاً , كأنه ليس هو .. ذهب عنها , ليلتفت بعد أن تأكد له أنها قد غادرت الدَوَّار , فوجدها لازالت في محلّها , وبأن ذات عينيها تصافح عينيه ليست ككل المرات السابقة .
- لحقها كانت قد ذهبت ... تابعها . كانت تعود إلى منزلها وليست لتذهب إلى المدرسة .. إنتصب السؤال : لماذا تعود ؟ لماذا لم تذهب إلى المدرسة ؟ ولماذا جاءت إلى الدوار إذن ؟
.في الأيام التالية كان يغيب عن المدرسة , ولم ينتظم بعد ذلك ..
- وفي الفناء وخلال الاستراحة يتحلق التلاميذ حول واحدٍ منهم , كانوا يتسابقون إلى الوسط من الحلقة .. لكن واحداً فقط هو من سيحكي على الجميع .. كان لِكُلِّ واحدِ منهم حكايته , ليتفقوا أخيرا على إجراء القرعة كل يوم لتحديد الحكواتي الذي سيأتي بالجديد عن الزميل المتسرّب .
- عند هذه الأسطر من القصة قال الطالب الحكواتي : لقد تمت خطوبة فتاة في الصف السابع من مدرسة البنات للتعليم الأساسي القريبة من مدرستنا من شيخ دين بالمملكة العربية السعودية والذي كان قد شاهد صورتها التي بعث بها أبوها إليه فاستحسنها ... ويتابع زميله في اليوم التالي وآخرون لاحقا : بل هام بها , وفي حين أن مايشاع هو خطبتها فإن الحقيقة غير ذلك فلقد أهداها أبوها لشيخ الدين كما أهدى أبو بكررضوان الله عليه إبنته عائشة لمحمد عليه الصلاة والسلام وبأنه قد تم إبرام عقد النكاح بين أبيها عنها , ومنصوبٍ من المحكمة عن شيخ العلم في المملكة .
-وأن الفتاة لن تذهب بعد اليوم إلى المدرسة .. وسيتم زفّها إلى عريسها في البلد الجارخلال ثلاثة أيام بعد إلحاقها رسميا بعصمته إستناداً على عقد النكاح ..
في القصاصة الأخيرة من هذه القصة نقرأ : بعد عام .... تم تسجيل أكرم كمتسرب من المرحلة الأساسية في التعليم العام , وشاع خبرٌمفاده بأن أكرم قد غادر إلى المملكة العربية السعودية وبأنه يشتغل لدى شيخ دين هناك كسائق , براتبٍ , وسكنٍ , ووجباتٍ ثلاث .
.
تعليق