الألسنة الثلاثة: المقول والقلم و المرقم.
يبدو أن حرف القاف و أخاه حرف الميم قد اختصَّا بمهمة التعبير الشفوي أو الكتابي، فالمقول هو اللسان، و يسمى اللَّقلق كذلك، هو أداة التعبير الشفوي، كما أن الميم موجودة في "الفم"؛ و القلم، اليراع، معروف و هو مع المرقم، أو المرقن، المستعاض به عن القلم، وسيلتا التعبير الكتابي.
و ليس غرضي من هذا العرض الحديث عن هذه الأدوات الثلاث و إنما الحديث عن تقويم هذه الألسنة الثلاثة.
فكما يجب على المتحدث أن يصلح من مقوله فلا يقول إلا حقا و لا ينطق إلا صدقا ما استطاع إلى ذلك سبيلا يجب عليه أن يقوِّم من مقوله هذا حتى لا ينطق بلحن قبيح و لا يضل عن نواميس و قواعدالحديث العربي الصحيح.
وكذلك يجب أن يكون شأنه مع الوسيلتين الأخرايين: القلم والمرقم، أو المرقن، فلا يخط إلا صحيحا و لا يرقم، أو يرقن، إلا صوبا يتوافق مع تلك النواميس و القواعد سالفة الذكر ما استطاع إلى ذلك سبيلا كذلك.
كان الأدباء والمربُّون في القديم يحرصون على تقويم اللِّسانين، و القلم أحدهما، و الآخر معروف و هو المقول، فيفردون فصولا في بعض كتبهم المخصصة للأدباء كما فعل ابن قتيبة الدينوري، رحمه الله تعالى، في "أدب الكاتب" مثلا فقد خصص فصلا لـ "تقويم اللسان" و آخر لـ "تقويم اليد" و يعني به القلم.
وقد خصص الأستاذ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي الحسيني المغربي، رحمه الله تعالى، كتابا لتقويم اللِّسانيْن شرعنا في عرض مواده هنا في ملتقى اللغة العربية بعنوان "تقويم اللّسانين" لكن يبدو أن الناس يفضلون الاستمرار في الرداءة اللسانية المكتسبة و هي "أيدز" الحديث والكتابة، نسأل الله السلامة والعافية، على الأخذ بأسباب الوقاية أو العلاج من هذا الداء العضال.
لست أدري ما بال الكُتَّاب العرب يرضون بالدنية في خطاباتهم بدلا من الحرص على إصلاح عيوبهم وما أكثرها قولا و رسما و رقنا و تراهم يتهافتون على البهرج المعوج و يعزفون عن المنهج المبهج.
نسأل الله تعالى الهداية إلى ما فيه صلاحنا أقوالا و أفعالا و أحوالا، آمين يا رب العالمين.
تعليق