
بني قومي ابتسموا ودعوني أبتسم..فأنا أذوب عشقا في الابتسامة حينما أراها تلامس شفاه الصبح الجميل،وتداعب مبسم الشمس الساطع بانوارالبُشْريات،وتلاطف ثغر القمر الباسم ليلة تمامه،فإذا الورى يهب من سباته وقد امتلأ كيانه انشراحا وحبورا بعد ليل عابس بهيم،وإذا ازهار الحقول تنفتح أوراقها الوديعة لتحضن نسائم طلعة يوم جديد..وإذا الطيور الناعسة جاحظة الاجفان تصدح بنشيد الابتهاج..وإذا أفنان الشجر تميس مبدعة رقصة ترفل في أردية البسمات..فابتسموا ودعوني أبتسم..
ابتسموا ،فأنا احب تفاؤل الناس وضحكات الناس وقهقهات الناس وبسمات الناس..وكل الكائنات المنفرجة أساريرها عن بسمة تملأ الوجود بهاء..على أنني أكره أتراحهم وأمقت تأوهاتهم وأنزعج لأنّاتهم بقْدٍرهُمْ فيه مفرطون..
لقد قالوا إن :"هذه الابتسامات التي نراها في حياتنا معظهما بدأت بابتسامة واحدة".يقولون ذلك وهم الصادقون في قولهم،وإن كان في بعض قولهم نظر..أما انا فأقول : بل الحياة ذاتها وكل ما في الكون بدأ بابتسامة واحدة مثل قبس من نور لاح على حين غرة فأضاء ببريقه العالمين..ألم يكن الكون في غور العدم منقبضا مدحورا ثم انبثق للوجود مفعا بالبِِشْر من مجرد ابتسامة في محراب القداسة الربانية ثم جاءت من بعده اكوان من بعد أكوان إلى ما شاء الله ؟ فابتسموا ودعوني أبتسم..
كلما خلوت إلى النفس اللوامة،تساءلت في حيرة كبيرة كما أهل الحكمة : ماجدوى ألم بعد لذة وحزن بعد فرح وموت بعد حياة؟؟بل ما سرهذه المتناقضات وما الغاية منها؟..لكن لا يلبث سيل من الردود أن ينهال على مسمعي من اهل الدراية والعرفان:إنها الأضداد التي تعطي معنى للحياة أيها المتسائل الحائر..ألا تنبثق اللذة والفرح والحياة من الألم والحزن والموت؟فالسعيد إنما يصبح سعيدا لأنه حتما عرف الشقاء.. والشقي إنما يكون شقيا لأنه ذاق ثمرة السعادة..والشيء بنقيضه يُعرف..والشيء بضده يُذكر..
هكذا يقولون يا بني قومي..فإن كان وجود الشيء حقا يستوجب وجود نقيضه،وكان حتما عليكم ان تحيوا جبرا لا اختيارا راضخين للحتميات والنواميس الكونية، فليكن بكاؤكم بأقل قدر ممكن وضحككم بأكثر قدر ممكن..حاذروا أن يكون هذا بمقدار ذاك..ولتعلو الابتسامة على وجوهكم على الدوام كهالة من نور من فيض تفاؤلكم..لا تطيروا وجانبوا التجهم ولا تكشروا تكشيرا..اضحكو كثيرا وابكوا قليلا..فالكثرة تغلب القلة..والقلة آيلة بلا ريب إلى اندحار..
وإني لأعجب أيما إعجاب بنفوس تغلي في دواخلها براكين وشواظ من ياس وقنوط،واستياء وقطوب،فإذا هي تظهر خلاف ما تبطن،وإذا الدمعة تستحيل إلى ابتسامة،والانقباض إلى أريحية..فطوبى لك ايتها النفوس الهادئة المطمئنة...!
فما بال قوم قد اجهدهم جبروت الحياة الطاغي وتقاذفتهم أعاصير الزمن الصارم،وتكالبت عليهم صروف الدهر تباعا؟ وهاهم هؤلاء يولولون خانعين،وتنساب من مقلهم المحمومة أدمع القانطين،ويملأون الارض نواحا وعويلا في استسلام وخضوع لما جرت به المقادير..فاسودت المطامح وانقطع الرجاء وخابت الآمال...أفينتظرون ان تنقلب حيواتهم إلى جنات النعيم بقدرة قادر؟..فليصنعوا جناتهم بأيديهم ولينزعوا عن ذواتهم أردية الشؤم بعزم وطيد ؟؟!!
فيابني قومي ابتسموا ودعوني أبتسم..فما بادت أقوام من قبلكم وهلك خلق كثير إلا لأنهم عبسوا مكشرين عن أنياب الاكفهرار،وقطبوا الاجبُن صاغرين..فكان ان حق عليهم القول وقضي الامر..فانظروا،بني قومي،ما أنتم فاعلون..!!!
تعليق