مسرح النقد والشهادة لمحمد مسكين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عزيز عياد
    أديب وكاتب
    • 23-11-2012
    • 17

    مسرح النقد والشهادة لمحمد مسكين

    بسم الله الرحمان الرحيم
    مقدمة: ظل البحث عن صيغة مسرحية تتجاوز القوالب المسرحية الغربية الجاهزة، لا سيما الصيغة الأرسطية، ديدن رواد المسرح العربي بصفة عامة منذ مارون النقاش، والمسرح المغربي بصفة خاصة منذ ظهور الأشكال الفرجوية الشعبية: الحلقة، البساط، سيدي الكتفي، ذلك أن هذه الصيغة لا تستجيب بأي حال من الأحوال مع تركيبة الإنسان العربي المغربي الحضارية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فلكل خصوصيته التي يتميز بها، وظروفه المناخية التي أنتجته. وهذا لا ينفي استفادة هؤلاء جميعا من التجارب الغربية التي تأسست على أفكار أرسطو لا سيما في كتابه" فن الشعر"، إلا أنهم سعوا جاهدين إلى البحث عن قالب يتماشى وهويتهم العربية/ المغربية الأصيلة. يقول عبد الرحمان بن زيدان" عندما نتحدث عن المسرح العربي فإننا نؤكد على الحضور النوعي للمسرح المغربي فيه، لأن ما تحمله تجربته من اجتهادات وإضافة عبارة عن لقاء وفراق وحوار وقطيعة، وقبول ورفض للجاهز إنها العملية التي لا تقبل الأجوبة ولا الموديل ولا الأشكال المحنطة لأن الهدف هو استيعاب المستورد ونقده البناء مشروع متحرك يلغي القراءة التراثية للتراث وينفي سلطة الغرب ومسرحه القمعي. من هنا جاءت التجربة المسرحية بالمغرب متنوعة بعطاءاتها..."[1] إن أولى خطوة قام بها المسرح المغربي هو السعي إلى تحقيق ذاتهوواقعيته، ثم الاستجابة لذوق الجمهور بعد ذلك، تجلت هذه الخطوة في السبعينات مع مسرح الهواة، الذي اتخذ من الذاكرة الشعبية ومخزونها الثقافي زادا له، في محاولة لإيجاد بديل للشكل المسرحي الاستعماري الذي تبنى استراتيجيات عدة، من أبرزها وأدهاها، الاستعمار الفكري. وقد تفرع عن مسرح الهواة كثير من الاتجاهات من أبرزها: المسرح الاحتفالي والمسرح الثالث، والمسرح الفردي، ومسرح النقد والشهادة، أو النفي والشهادة، و سنخص بالدراسة مسرح النفي والشهادة لرائده المرحوم محمد مسكين. نبذة عن حياته: ولد محمد مسكين في فاتح دجنبر سنه1951 بمدينة وجدة، امتهن التدريس، والتحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1983 وقد توفي سنة 1991 تميز محمد مسكين بعطاءاته المتعددة والمتميزة في المسرح إبداعا ونقدا وتنظيرا ساهمت عوامل عدة في صقل هذه الموهبة نذكر منها: - انخراطه في الجمعيات كجمعية المسرح البلدي والمسرح الشعبي والمسرح العمالي.([2]) -تخرجه من شعبة الفلسفة وامتهانه تدريسها مما عمق الوعي الثقافي لديه.([3]) - مروره بتجربة السجن القاسية بسبب مواقفه السياسية.([4]) -تعمق الوعي الاجتماعي لديه عند انتقاله إلى مدينة جرادة ومعاينته وضعية العمال هناك.([5]) دلالة النفي والشهادة: يقول محمد مسكين:" أما النفي فيعني أن كل كتابة هي نفي لما سبقها و تجاوز لها، نفي المألوف و العادي بل أنها نفي لذاتها أما الشهادة فتعني أن كل كتابة شهادة على مرحلتها التاريخية شهادة على لحظتها لأن المسرح هو أكبر من مجرد فرجة، إنه مجال الملاحظة و مجال المشاهدة من خلال الإنسان على ذاته و لحظته التاريخية و ماضيه و حاضره "([6]) من هنا نستطيع تلمس أولى سمات مسرح محمد مسكين الدلالية، فهو مسرح هادف وواقعي، يسعى إلى فعل التجاوز، تجاوز مفهوم المسرح من مجرد الكتابة أو مجرد تحقيق متعة الفرجة إلى فعل النفي و النقد للسائد، ومن ثم إلى تحقيق فعل الشهادة على العصر، فالكتابة المسرحية عنده مفتاح لكل ما استغلق و ليس قفلا "وفي أدنى الحدود هي عشق المفاتيح لما يفتح الآفاق ويجعل الذات تمتد خارج أسوارها و تسيل تسيل تغمر كل شيء"([7]). لذلك نجد عبد الكريم برشيد يصافح توجه محمد مسكين في إطار ما أسمياه بـ"الكتابة الحقيقية". فالكتابة الحقيقية لا يمكن أن تكون شيئا آخر غير "شهادة عل الحاضر، ونبوءة بالنسبة للمستقبل، وبغير النبوءة يغيب الإبداع في الحكاية، تغيب الرؤيا ويحضر النظر"([8])، و "الكتابة التي لا تمارس الفجر لا تمارس البدايات يجتذبها الغروب، تكتلها النهايات... تتموقع ضمن ما هو مشيد، ى تملك قدرة تكسير ما هو جاهز أو سابق على وجودها".([9]) خلفية مسرح النفي والشهادة في التنظير: 1- الملحمية: يندرج مسرح النفي والشهادة ضمن المسرح الواقعي عامة([10] فهو نموذج المسرح الواقعي الملتزم([11]) ، هو مسرح ذو طابع عقلاني وواقعي. إنه مسرح بريخت الذي ينطلق من الواقع المعاش، ويدفع المتلقي إلى المشاركة لأنه يعيش نفس الواقع عن طريق كثير من التقنيات كتحطيم سكونية الفرجة، وتجاوز الجدار الرابع والتباعد وتغريب الحدث([12]). إن هدف المسرح الملحمي هو أدلجة المتفرج وتسييسه طبقيا([13]) ،لذلك وجد فيه مسرح الهواة ملاذا لتحقيق أهدافه الكبرى على مستوى الصراع الاجتماعي، فهذا النوع من المسرح يجعل المتفرج مساهما في العرض وخصوصا نتيجة فعل التغريب الذي يقلق ذهن المتلقي ويطرح أسئلة ثم يحاول البحث لها عن أجوبة، فيكون مشاركا ليس في العرض فقط بل في قضايا مجتمعه وقضاياه هو.([14]) يسمي محمد مسكين مسرحه باسم مسرح النقد والشهادة "وهو اسم لا

    يعني أكثر مما يعنيه مفهوم الملحمة"([15])
    يقول محمد مسكين "إن المسرح النقدي يجب أن يكسر المألوف، ويؤسس خطابه خارج قوالب الإدراك والفهم. هاته القوالب التي أصبحت تأسر الإنسان العربي العربي ضمن حدود ضيقة. إن هذا المسرح يجب أن يتحرك في اتجاه فضح قمعية الواقع الذي يحول الانسان العربي وعاء يصب فيه قيما بالية يحوله جهازا للاستقبال يحوله كائنا يستهلك ولا يبدع" .([16]) ففي هذا النوع من المسرح إذا " يصبح الواقع بكل بساطة هو الخلفية المرجعية الأساسية للمبدع".([17])
    2- الإحتفالية:
    استفاد مسرح النفي والشهادة من مختلف الأشكال الابداعية الشعبية الفرجوية لأنه كما سبقت الاشارة إلى ذلك ركز على الواقع واستمد منه مقوماته وأسسه وجعله أساس خلفيته التنظيرية لذلك فهو لا يقتصر على الجانب الملحمي بل يجمع بينها وبين الاحتفالية لذلك يقول الأستاذ مصطفى الرمضاني" اقترحت له اسم المسرح الملحمي الاحتفالي أو الاحتفالية الملحمية".([18])
    أسباب تمسك محمد مسكين بالمنهج الواقعي:
    *وضعه العائلي، فقد عاش محمد مسكين ضمن وضع عائلي قاس علمه معنى المعاناة الجتماعية والاقتصادية. *انخراطه في العمل الجمعوي مبكرا(جمعية المسرح البلدي، المسرح الشعبي، المسرح العمالي). *معاناته القاسية في بداية مشواره المسرحي(التدرب فوق السوق المغطى بوجدة). *انتقاله إلى مدينة جرادة ومعاينته أوضاع العمال هناك، الشيء الذي انعكس على مسرحياته الأولى: عاشور، نيرون السفير المتجول، إصبر يا أيوب. *انتماؤه إلى شعبة الفلسفة عد السبب المباشر في تمسكه بالمنهج المادي وبالواقعية خصوصا في فترة عرفت بأحداثها السياسية والفكرية المتأججة إضافة إلى انتشار الفكر الماركسي.([19]) * انتشار الوعي في مرحلة السبعينيات بمدى فاعلية القوى التقدمية في التغيير.([20])
    مميزات مسرح محمد مسكين:
    * كان محمد مسكين يتميز بموهبة التقاط الحدث الدرامي ليقدمه بأسلوب نقدي ساخر([21] فواقعه العائلي ونضجه الفكري جعلاه يعيش إلى جانب مختلف شرائح المجتمع لا سيما الكادحة منها، ومعاينة واقعها المتردي عن كثب. * مسرح محمد مسكين مسرح غير مهادن لا يرضى بالثبات والسكون، يسعى إلى خلخلة السائد قصد إعادة بناء المجتمع.([22]) * مسرح النفي والشهادة يهدف إلى فضح وتعرية وإدانة الواقع انطلاقا من قراءة نقدية له تسعى إلى تشخيص مواطن الخلل.([23]) * يكتسي مسرح محمد مسكين طابع التجريبية إذ ينفلت من قيود المألوف والسعي إلى المغاير والمختلف.([24]) * هو مسرح لا يؤمن بالثابت بل يؤمن بالمتحرك. * تميز بطابع المحلية يتجلى ذلك من خلال الشخصيات المعروفة في المجتمع المحلي كعبد الله المكانة([25])، وقصة ميلودة بنت إدريس المعروفة في المنطقة الشرقية من المغرب([26])، ورقصات لعلاوي([27])، كما تحدث عن تحويل مياه سيدي امعافة في مسرحية "امرأة قميص زغاريد"([28]).
    * يربط مسرح محمد مسكين بين الثالوث المعرفي والجمالي والإيديولوجي([29]) الشيء الذي دفع به إلى جعل الأشكال الاحتفالية جزءا من الخطاب المعرفي والايديولوجي في محاولة منه-في إطار خلخلة السائد- شحن ذهن المتلقي ودفعه إلى المشاركة الواعية والمساءلة والتفكير، فواقعية مسرحه تلبس على المسرح زيا ملتزما([30]).
    * دعوته إلى مسرح تنويري ورفض الظلمة([31])
    تجليات هذه المميزات:
    إن الصفات الآنفة الذكر تضفي على مسرح النقد والشهادة مسحة واقعية يسعى من خلالها إلى نقد الواقع نقدا يستمد أسسه من الواقعية، فهو بذلك شهادة على الحاضر وضده من أجل صنع "الفكر الحي والانسان الحي والفلسفة الحية". يقول على لسان حي بطل مسرحية النزيف" هيا يا فهمان نبحث عن أحضان الناس فلتسقط كل فلسفات الغربة عاش الفكر الحي عاشت الحياة".([32]) أما عن نفي الغربة فقد جاء على لسان الكاشف المتحدث عن دمياط في مسرحية النزيف:
    الكاشف: هذا الرجل كله غربة، يقول مؤلف هاته المسرحية، ومن سالت عروقه نزيفا إن الممثل الذي يؤدي دور دمياط عليه تحقيق التركيب بين ما يبدو متناقضا بين الحكمة والجنون، وبين قمة الحزن وأقصى درجات الفرح، بين عشق الحقيقة واحتقارها"([33])
    أما عن قضية دعوته إلى مسرح تنويري ورفض الظلمة فيقول على لسان حمان:
    - حمان: استأنست بالغربة وهؤلاء ما أغربهم.
    - دمياط: إنهم ناس شعبك أتوا من دروب عشقتها يحملون أحزانا عشتها.
    - حمان: لكن تغشاهم الظلمة لا أراهم.
    دمياط موجها حواره إلى الكواليس: "الضوء يا ناس، سلطو أضواء مسرحكم على هؤلاء الناس(تسلط الأضواء على الجمهور).([34])
    التنظير عند محمد مسكين :
    يرى محمد مسكين أن المسرح المغربي يفتقد بالدرجة الأولى الأساس النظري فالخطاب المسرحي التنظيري عنده منذ مارون النقاش حتى الان هو خطاب "دفاعي نكوسي " يرجع إلى التراث للبحث فيه عن مبررات وجوده.([35]) كما يرى أن التنظير للمسرح ينبغي أن يتم من داخل الكتابة المسرحية ذاتها لا من الخارج يقول "إن التنظير في عرفي هو محاولة التأسيس بهدف إرساء قواعد ثابثة للكتابة الابداعية لهذا كان التنظير محاولة تتم من الداخل أي من طرف المبدع نفسه إنطلاقا من تصور خاص لعملية الكتابة ولأدواتها وحدودها"([36]) لذلك فهو يركز على قراءتين: قراءة الماضي بلغة الحاضر وقراءة الحاضر بلغة الفضح و الكشف من اجل تجاوز السائد عن طريق خلخلته وتعريته سعيا إلى بناء مجتمع مغاير وهذا هو اساس تسمية مسرحه بهذا الاسم إذ هو مسرح نفي لما هو كائن ونقده حتى تتحقق شهادة المسرح عليه ثم هي بعد تستشرف واقعا مغايرا يقوا محمد مسكين بانه ليس المهم " هو ما تحققه الكتابة المسرحية على الورق ولكن ما تحققه خارج ذاتها، لهذا يجب ان لا ننتظر منها الهدوء و الانسجام. ([37]) ويقول ايضا " إن هذا المسرح يجب أن يتحرك في اتجاه فضح قمعية الواقع الذي يحول الإنسان العربي وعاءا يصب فيه قيما بالية يحوله جهازا للإستقبال يحوله كائنا يستهلك ولا يبدع"([38])
    مكانة الجمهور في مسرح النفي والشهادة:
    الجمهور قي سرح محمد مسكين" له دلالة حضور الآخر، الآخر الذي لا تتحقق الحياة بدونه"([39]) لذلك فهو يؤكد على البعد الواقعي والمباشر للحياة والمجتمع ويرفض كل ما من شأنه ان يغيب هذا البعد، فالمسرح الحق عنده هو الذي ينطلق من المعاينة المباشرة والملموسة لقضايا الناس في كل فضاءاتهم في الشارع و الأسواق والساحات والمعامل.([40]) وفي دعوته التي اشرنا إليها سابقا إلى مسرح تنويري يرى محمد مسكين أن على الجمهور أن يساهم في إثبات شهادته وتوقيع تلك الوثيقة كما جاء على لسان دمياط وهو يتحدث إلى حمان عن الجمهور:
    -دمياط: حكايتك قدم لهم قلبك ذاكرتك
    -حمان: ذاكرتي حياتي
    -دمياط: حياتك شهادة على هذا الزمن ووثيقة يجب أن يعرضها الكل"[41] وكذلك على لسان حي: -...يجب أن نبحث...عن أي شيء نبحث؟ عن الناس؟ولماذا؟وكيف؟ ماذا...؟ماذا نقول يا حمان؟ يجب أن تمتد في الآخرين.كيف.أن نكسر حواجز الغربة ونزحف نحو الآخرين .نحو الناس .عجيب يا صاحبي كيف يجب أن تتحول أفكارنا سلاحا لهم، جزءا منهم؟ يمكن أن ننتهي و يبقى الآخرون؟ ...يا للحكمة بقول فهمان الفكر إذا انتصر على لذات تحول زنانا و قضبانا، الفكر إذا أراد أن ينزف حياة يجب أن يشترك فيه الآخر، الفكر حياة، فلتسقط الغربة([42]). ولعل هذا السعي نحو الارتماء في \أحضان /الآخر/الإنسان/ الناس، هو ما طبع مسرحيات محمد مسكين لأنه ˝إذا كانت الكتابة المسرحية إبداعا إنسانيا فإن هذا الإبداع يصدر من الإنسان ويتجه نحو الإنسان˝.([43]) ولا تبقى هذه الأفكار حبيسة التنظير بل تترجمها شخوص مسرحيات محمد مسكين، فها هي شهرزاد تلتحم مع الآخر/ الناس إذ تقول ˝ أنا العاشقة المشتاقة لقلوب الناس، لعقولهم، أنا القارئة وجوههم... الناس فجري وشمسي وبعدهم غروبي وانتهائي˝.([44])
    مسرح النقد والشهادة والتراث:
    على غرار كثير من المحاولات والتنظيرات المسرحية امتح مسرح النقد والشهادة مادته الدراسية من التراث الشعبي، ولا تعني العودة إلى التراث عند محمد مسكين الاستكانة إليه بصنميته على مستوى الأحداث والشخصيات أي باعتباره يشكل الإرث الحضاري وإنما يتحول لديه "رموزا ومواقف يحددها المستوى الإيديولوجي."([45]) فشخصية جحا المعروفة لدينا تتملص من أسطوريتها التاريخية لتتحول إلى رمز للنضال ضد القوى الامبريالية في الوقت الحاضر من خلال مسرحية "عاشور".([46]) "أما السروجي فلم يعد بطل مقامات الحريري إنما أصبح رمزا للانتهازية لأنه احترف السمسرة ليتسلق طبقيا على حساب الفرافير المستضعفين".([47]) وكذلك في مسرحية "نيرون السفير" فقد وظف محمد مسكين شخصية نيرون القائد الروماني رمزا للقمع والامبريالية"([48]). وهذا ما دفعه إلى القول ˝أن الكتابة المسرحية العربية لم تتحرك احد الآن في فضائها الخاص بل في دائرة خارجية هي دائرة الماضي التراث. إنها ليست كتابة الإبداع ولكن كتابة الذاكرة. إن الكتابة التي تحدث شرخا في الذاكرة ليست كتابة صخب وتوتر، وإنما ممارسة لشبح الكتابة فقط، ما دامت تهادن وتعيد إنتاج الأشياء بحرفية وإخلاص˝([49])
    أدوات مسرح النقد والشهادة:
    لا يمكن الحديث عن مسرح دون الحديث عن جميع مكوناتها ولعل أهمها هي الأدوات والوسائل التي يتوسلها لتحقيق غايايه. فمسرح النفي والشهادة التجأ إلى أدوات ملحمية كالتغريب لإضفاء الطابع الفكري على النصوص في ضوء هذه الأداة يتم طرح مفارقات مدهشة تتجاوز المألوف نحو "ولادة البغلة" هذه المفارقات من شأنها أن تقلق ذهن المتلقي وتخرجه من سكونيته، فيمتلئ فضاء فكره بالأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة، ومن ثم ينشأ الوعي ويتعمق بقضاياه الخاصة وقضايا مجتمعه أضف إلى ذلك أداة الانفصال والتباعد حيث كان الممثلون ينفصلون عن أدوارهم فيفضحون الحيل المسرحية على الخشبة الشيء يضفي طابع الارتجال على المسرحية.
    "-عاشور: إنني لا أستطيع الاستمرار في تشخيص دور عاشور إذ لم أعرف لماذا وكيف مات.
    الكاهن:˝ينزل ويخلع القناع˝ أيها الفئران إن مؤلف المسرحية لم يضع نهاية له\ه المسرحية([50])
    يدعو محمد مسكين من خلال النص السابق الذي استشهدنا به في علاقة المسرح بالتراث إلى تجديد الكتابة، وبالتالي تجديد أدواتها. وهذا ما يراه عبد الكريم برشيد إذ يقول˝ إن الخطاب المسرحي يملك دائما حق تجديد أدواته وتقنياته وذلك استجابة لتغيير البيئات المكانية والزمانية، وبهذا وجب أن نعيد النظر ليس في المسرح كمسرح ولكن في الصيغة التي تسربت إلينا من الغرب... ومن هنا وجب أن توضع هذه الصيغة موضع الشك والتساؤل، وأن نضع أيضا مرحلة كبيرة ومهمة من تاريخنا المسرحي موضع التساؤل أيضا˝([51])
    مسرح النفي والشهادة والاحتفالية:
    تبقى الإشارة أن مسرح محمد مسكين لا يخلو من الطابع الاحتفالي الذي كان سائدا ومسيطرا على الساحة المسرحية، كما في مسرحية امرأة قميص وزغاريد حيث وظف أشكال الفرجة الشعبية مثل الحلقة والممثلون والأغاني الشعبية والرقص والنكات والحكايات([52]) أما على مستوى التنظير فإن مسرح النقد والشهادة لم يخرج عن الاتجاه الاحتفالي وخصوصا في تركيزه على مفهوم الشعبية إذ يقول عبد الكريم برشيد" إن السؤال التالي ما هو المسرح الشعبي غالبا ما يجر خلفه هذا الجواب إنه المسرح الذي ينزل إلى الشعب سواء في المعامل أو الأسواق أو الأوراش"([53]) وهو نفس ما دعا إليه محمد مسكين من خلال مسرحه.
    أفق مسرح النقد والشهادة:
    رغم كل ما بذله محمد مسكين من أجل إنجاح فكرة كتابة النقد والشهادة إلا أن بعدها كما نظر له لم يتبلور فوق الركح، رغم تعدد الاجتهادات التي تعاملت مع نصوصه المسرحية (وعلى رأسهم يحيى بودلال). ([54]) إضافة إلى أن محمد مسكين لم يقل كلمته النهائية في هذا النوع من المسرح.([55])
    خاتمة:
    ما يمكن أن يسجل على مسرح محمد مسكين هو انه مسرح هادف وملتزم، يتخذ من التراث أساسا له، يسائله ويقتبس منه رموزه الدلالية [شخصيات] في بناء تصور عن الحاضر من خلال توظيف تلك الرموز [الشخصيات] بعد تملصها من أسطوريتها، لخدمة قضايا تهدف إلى كشف وتعرية الحقائق وتقديمها سائغة سلسلة للمتلقي بعد شحنها بالأسئلة المقلقة لذهنه، من أجل مشاركته في تحليلها ونقدها. لذلك آثر أن يسمي اتجاهه المسرحي هذا مسرح النفي أو النقد والشهادة، نفي السائد ونقده نقدا بنائيا ثم بعد ذلك هو شهادة على مرحلته التاريخية.
    لائحة المراجع:
    · أسئلة المسرح العربي: عبد الرحمان بن زيدان- سلسلة الدراسات النقدية-دار الثقافة الدار البيضاء- الطبعة الأولى 1407/1987. · الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة: د مصطفى الرمضاني- منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة-جامعة محمد الأول- الطبعة الأولى 1996. · كتابة التكريس والتغيير في المسرح المغربي- عبد الرحمن بن زيدان- أفريقيا الشرق،1985، البيضاء. · مجلة التأسيس المغربية- العد1-1987. · مجلة الثقافة المغربية المسرح المغربي قراءة في أوراق التنظير: عبد المجيد شكير. · مجلة كلية الآداب-والعلوم الإنسانية بوجدة-ع3- س3- 1992. · مسرح عبد الكريم برشيد التصور والإنجاز- د مصطفى الرمضاني –مطبعة تريفة بركان- الطبعة الأولى 2007. · مهرجان المهابيل- النزيف- محمد مسكين- منشورات دار الأطفال- الدار البيضاء- الطبعة الأولى-1985.

    1- أسئلة المسرح العربي: عبد الرحمان بن زيدان- سلسلة الدراسات النقدية-دار الثقافة الدار البيضاء- الطبعة الأولى 1407/1987. ص:44


    1- الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة: د مصطفى الرمضاني- منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة-جامعة محمد الأول- الطبعة الأولى 1996.ص: 137.
    - نفسه ص: 137[3]
    1- الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة ص:137
    - نفسه ص: 147[5]
    ص:28- مجلة الثقافة المغربية المسرح المغربي قراءة في أوراق التنظير: عبد المجيد شكير[6]
    4- مجلة التأسيس المغربية- العد1-1987 ص: 47
    5- مهرجان المهابيل- النزيف- محمد مسكين- منشورات دار الأطفال- الدار البيضاء- الطبعة الأولى-1985. ص:7/8.
    - مجلة التأسيس المغربية ص: 47[9]
    - الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة ص:138[10]
    - نفسه: ص: 137[11]
    - مجلة كلية الآداب: د مصطفى الرمضاني ص: 38-39[12]
    - نفسه ص: 38-39[13]
    - نفسه ص: 39[14]
    - نفسه ص 39[15]
    - مجلة كلية الآداب: مصطفى الرمضاني ص:39[16]
    - نفسه ص: 39[17]
    - نفسه ص: 39[18]
    - الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة مصطفى الرمضاني ص:146-147[19]
    2- مجلة كلية الآداب-والعلوم الإنسانية بوجدة-ع3- س3- 1992. ص: 38
    - الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة- ص: 137[21]
    - نفسه ص: 139[22]
    -الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة 140[23]
    - نفسه ص: 140[24]
    نفسه ص: 149[25]
    نفسه ص: 150[26]
    - نفسه 150[27]
    - نفسه ص:151[28]
    - نفسه ص: 139[29]
    نفسه ص: 142[30]
    -الحركة المسرحية بوجدة ص: 140[31]
    - نفسه ص: 140[32]
    - نفسه ص: 141[33]

    - الحركة المسرحية بوجدة ص: 142[34]
    - مجلة الثقافة المغربية المسرح المغربي قراءة في أوراق التنظير: عبد المجيد شيكر ص: 27[35]
    - الحركة المسرحية بوجدة ص:138 [36]
    - الحركة المسرحية بوجدة ص: 139[37]
    - مجلة كلية الآداب ص: 39[38]
    - الحركة المسرحية بوجدة ص:143[39]
    - نفسه ص: 143[40]
    - الحركة المسرحية بوجدة ص: 142. [41]
    -نفسه ص:144 و مسرحية النزيف: محمد ص: 102-103[42]
    - مجلة التأسيس ص:49[43]
    - مسرحية مهرجان المهابيل: ص: 28[44]
    - الحركة المسرحية بوجدة ص: 152[45]
    - نفسه ص: 152[46]
    - نفسه ص: 153[47]
    - نفسه ص: 154[48]
    - مجلة التأسيس ص: 48[49]
    - الحركة المسرحية بوجدة ص:153-154[50]
    1- كتابة التكريس والتغيير في المسرح المغربي- عبد الرحمن بن زيدان- أفريقيا الشرق،1985، البيضاء. ص: 97.
    - الحركة المسرحية بوجدة ص: 151[52]
    3- مسرح عبد الكريم برشيد التصور والإنجاز: مصطفى الرمضاني- مطبعة تريفة بركان- الطبعة الأولى 2007.ص: 29
    - الحركة المسرحية بوجدة ص: 157[54]
    2- الحركة المسرحية بوجدة ص:158
    التعديل الأخير تم بواسطة عزيز عياد; الساعة 18-12-2014, 19:34.
يعمل...
X