قراءة في ديوان: تائه بين الحروف والكلمات للشـــــــــــاعر: الأحمادي المهدي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عزيز عياد
    أديب وكاتب
    • 23-11-2012
    • 17

    قراءة في ديوان: تائه بين الحروف والكلمات للشـــــــــــاعر: الأحمادي المهدي

    يمكن تناول الديوان من عدة مستويات أساسية منها:
    1-على المستوى الدالي:
    ويتضمن:
    أ-حصر معجم الديوان الغالب:
    النص غني من حيث المعجم المستعمل، وغناه هذا أكتسبه من توزعه على عدد من التيمات والحقول الدلالية المتنوعة. إلا أن هناك ألفاظا تجتاح الديوان، فإذا هي تسيطر على ما بين دفاته، فلا تكاد تمر من قصيدة إلى أخرى دون أن تصادفك إحداها أو بعضها.
    من هذا المعجم الغالب نجد:
    التيه، أتيه، الحزن، الأحزان، القمر، الشمس، الشعر الشعراء، القصيدة، الصمت، الأمل، الأشجان، الخيال، الأسى، السماء، الزمن، الكآبة، الدمع، الدموع، الزهور، الزهرة، الورود، طائر الفينق، الرماد، الغسق، السهاد، الجراح، العيون، الآهات، عيون القمر، الحلم، المكان، اللامكان، أسوار، العشق العشاق...
    ب- توزيع معجم الديوان على الحقول الدلالية البارزة:
    ويمكن توزيع هذا المعجم على الحقول الدلالية التالية:
    · حقل التيه:
    تائه التيه، عزلة لا تنتهي، سراديب مخيلتي، المتاهة، متاهات، اهيم، الغربة، في مفترق الطرق، اللامكان...
    · حقل المكان والزمان:
    بغداد، أسوار المكان، ليل، سراديب، الزمن، الليالي، المساء، المكان، السنسن، الساعة، يوم، الفجر، النهار، الصباح...
    · حقل الحيوان:
    حمام، عصفور، تماسيح، الفراشات، طائر النورس، العصافير، البلابل، ثعبان، حيتان الليل الحمراء، وحوش...
    · حقل الشعر والشعراء:
    الشعر، الشعراء، المتنبي، أبو الطيب، قصائد، قصائدي...
    · حقل الدين:
    الله، توضأت، ارتديت لباس الصوف الخشن، نفخة البعث، نعم الرسول محمد(صلى الله عليه وسلم).
    · حقل السياسة:
    حكام، الأمم، المحتل، معاوية، سماسرة التطبيع، سقوط صنم، الربيع العربي، زمن الحجاج...
    · حقل الأمل والعودة:
    أمل، صهوة الأما، تهللت بسمة عريضة بعد صمت طويل، لن أعود، ضاع حلمي، في انتظار شروق قد لا يأتي، كفراشة تحلمين، عائد من منافي الضياع، نحن عائدون، أنا آت...
    · حقل العاطفة:
    عزلة، أحلامي، أحزاني، أشجاني، أغرق، أدفن، أهوي، يعتصرني ألم الحروف، رهبة المكان، سهاد، أجتر الأسى، حقل العشق، أومض العشق، العشاق الآهات، خزان دمعي، مثخنا بالجراح، أنغمس في تعاستي، أحبك، الأفراح، همومي، الكمد، وجد حارق، جزعي، شوقي، جحافل غربة، غريب في بيتي، غريب في ذاتي، أعاني...
    · حقل الطبيعة:
    الشمس، القمر، البحر، الأرض، السنابل، زهرة ، الأشجار، حديقتي، بركان، وردة، الريح، فواكه البحر، الأمطار، يتفتح الورد، السحاب، سحب، ربوة، صخرة، قوي قزح، الرعد، ألسنة النيران، عواصف، الرمال، غيمة، الثلج، أقحوانة...
    · حقل الحياة والموت:
    الموت، الحياة( مقترنة أحيانا بألفاظ من مثل أغتال الحياة).
    2-على المستوى الدلالي:
    وفيه جانبان : الجانب اللغوي، والجانب الجمالي:
    أ-الجانب الغوي:
    ما يلاحظ على المستوى اللغوي تناوب الأسماء بين الإفراد والجمع
    الأسماء المفردة: وردة، الشمس، القمر، زهرة، قوس قزح عزلة، غريب...).
    الأسماء الجموع: ورود، غربان، الآهات، جحافل غربة العشاق، الأفراح....).
    الجمل الفعلية وهي كثيرة جدا تكاد تغلب على الجمل الإسمية:
    الجمل الفعلية:( يغالب نفسه، يتاجر بك المحتل، أشق نفقا في صدري: أضيع في متاهات اللامكان،غرقت في ليل أوحالك ابهيم...).
    الجمل الإسمية: ( في رحم جرحي غاب صوتي، عشقك وحش يسكنني، حياتي أصبحت معدودة...).
    فالجمل الفعلية تعكس حركية الشاعر إما في الاتجاه الإيجابي في محاولة منه التغلب على صمته، أو في محاولة العودة من منافي ضياعه وكآبته، وإما في الاتجاه السلبي وما أكثره في الديوان،
    أما الجمل الاسمية فهي تعكس بصدق ركونه وفشله، بل واستسلامه في كثير من الأحيان.
    ب-الجانب الجمالي:
    تتعدد الجوانب الجمالية في الديوان من مجازات وتشبيهات:
    من ذلك:
    يغني الليل
    تماسيح تسافر
    انتفضت دمعتي
    بكت الفراشات
    نام الفجر
    يركب حلمي الريح
    شرب الليل كأسا من أحزاني ونام.
    يستهويني بؤبؤ عينيك العسلي كبركان .
    كالطاووس يخطب فينا.
    كنسر هائج.
    على المستوى التداولي:
    إن القارئ للديوان يلحظ بيسر هيمنة الأساليب الخبرية على امتداد قصائده، بينما لا نعثر إلا على بعض الأساليب الإنشائية تتوزعها ثلاثة أنواع:
    الاستفهام:
    لمن أقرأ شعري؟.
    في أي يوم نحن؟ وكم الساعة؟.
    النداء:
    فيا أرض.. أزهري شعرا وسنابل.
    يا صنم........... غرتك الأوهام.
    الأمر :
    عودوا إلى مواطنكم.
    غادرونا... ومخبريكم.
    اصنعي منه رغيف خبز لي وللمتنبي.
    فهيمنة الأساليب الخبرية تعكس طبيعة الديوان الذي يصدر فيه الشاعر عن نفسه، وهمومه، وأحزانه، وعزلته. فهو شاعر تائه لا يجد غير القمر رفيقا، وسكون الليل بلسما، وصمت الليل مؤنسا.
    أما الأساليب الإنشائية فهي من مقتضيات الانفعال بسبب الإهمال والتهميش والإقصاء. ومن مقتضيات الأمل، ومن مقتضيات الانتفاضة من سبات التبعية، وكراهة الاحتلال.
    إن تصفح ديوان " تائه بين الحروف" يحيل على نفسية خاصة، تزدحم بمشاعر اللاستقرار أو الضياع اللذين يميزان نفسية الشاعر واللذين عبر عنهما غير ما مرة بألفاظ التيه، بل وكما سبقت الإشارة إلى ذلك إن مشاعر التيه هذه تسيطر على الديوان كله.
    فما هي الخلفيات المتحكمة في هذه النفسية المستغلقة القلقة، والتائهة المنعزلة؟، هل هي إحساسه بوضعية الشاعر المثقف العربي الذي يعاني الغربة والعزلة والإقصاء والتهميش، وهو بذلك يمثل نموذجا مصغرا له، ممثلا لوضعيته؟.
    لمن أقرأ شعري
    للبحر..للشمس..للقمر.
    أم للمتنبي... وهو ينتظر
    على أرصفة بغداد
    يغالب نعاسه.
    ...
    فالناس عندنا
    بالشعراء قد كفروا..
    والشعراء..من كثرة ضيمهم
    انتحروا...
    لذلك نجده يحلم بـ:
    ...لحظة صدق
    عالم ثقافي وإنساني
    يخلصني من تراكمات أشجاني
    يطفئ ظمأ أحلامي
    يحميني... من التآكل والإقصاء.
    أم هي نفسية الإنسان العربي الحامل لهموم أمته، التي تعاني الإذلال والتبعية والتخلف،
    أم للمتنبي
    يخطب في الناس ويعلن توبته..
    "يا حكام قد ضحكت من جهلكم الأمم".
    والحالمة بمستقبل وإن كان يبدو مستحيلا إلا أنه ممكن التحقق؟
    نحن عائدون
    سنحفر أشعار عودتنا
    على جذوع أشجار الزيتون
    ...
    حتما سنعود
    فمفاتيح بيوتنا
    ما زالت في جيوبنا..
    ورثناها عن أجدادنا.
    أم هي نفسية العاشق الذي ابتلي ففشل:
    ضاع حلمي في الموج
    كضياء قمر لا يأتي
    لأنك أخذت كل عمري
    ورحلت
    فلن أبحر في عينيك
    فما وجد غير التيه سبيلا للتنفيس عن كرباته ومكنوناته:
    إني شخت قبل الأوان
    وسأمضي وحدي
    أجوب الليالي الحزينة
    ولن أعود
    هذه التساؤلات يجمعها خيط ناظم هو أن الشاعر ينطلق من واقعه بعد تأمله وتفحصه، فإذا به يصطدم بصخرة الواقع الأليم المفتوح الأبواب على المجهول، وجهل المصير والمآل. لذلك فهو دائم التيه في:
    عزلة لا تنتهي
    كثير:
    المتاهة
    و:
    المتاهات
    في:
    سراديب مخيلته
    وفي:
    اللامكان
    ويحاول جاهدا التملص من:
    أسوار اللامكان
    أو التحليق خارج:
    أسوار اللامكان
    لأن نفسه ضاقت ذرعا بـ:
    أسوار المكان
    المحروسة بـ:
    عيون معاوية
    وسيف:
    الحجاج
    و:
    المحتل
    ويتاجر بها:
    سماسرة التطبيع
    الذين:
    يقلبون أطراف الضحايا
    ينهشون طراوة الأجساد
    قطعا من لحم آدمي
    يوزعونها بين الأفواه،
    مع نبيذ...
    يتلذذون نكهة الأكباد
    وأمام هذا السيل الجارف من الأسباب يجد الشاعر نفسه في:
    "مفترق الطرق"
    أيعود
    أم:
    لا يعود
    وبعد:
    صمت طويل
    يصرخ:
    لست إرهابيا
    أنا:
    عائد من منافي الضياع
    أيتها الوحوش:
    أيها الحالمون بأرض اللبن والعسل
    عودوا إلى مواطنكم
    فـــ:
    نحن عائدون
    غادرونا... ومخبريكم
    لأننا:
    سنعود مع الفجر
    وتباشير الصباح
    على أسنة الرماح
    غادرونا... ومخبريكم
    حاملين معكم
    عهدكم القديم والجديد..
    فـ:
    حتما سنعود
    فمفايتح بيوتنا
    ما زالت في جيوبنا
    ورثناها عن أجدادنا
    و:
    كلنا نحمل تحت عباءاتنا
    بندقية وحجرا
    فـ:
    منذ الآن
    لن نقف متسولين
    على بوابة الجسر
    نستجدي العبور
    أمام شباك التصاريح.
    لأنكم:
    غيبتم حاضرنا
    ولكنكم:
    عاجزون عن محو ماضينا
    و:
    سرقة مستقبلنا
    و:
    إطفاء شمس غدنا
    يجسد الديوان صراعا بين الألم والصمت والحزن والتيه، والأمل، فالشاعر- من خلال استجلاء الحقل الخاص بالعاطفة- نجده يحس بوحدة قاتلة تجعله يسبح في بحر غربة حقيقة من دون شطآن. فمنذ أول قصيدة نتلمس بوادر التيه الذي سيلج الشاعر عالمه على مدار الديوان، فهو يتساءل:
    لمن أقرأ شعري؟
    وعند مزاوجة حقل الطبيعة بحقل العاطفة- مع التنبيه على أن الغالب على معجميهما يسير في الاتجاه السلبي- تتضح جلية تلك الغربة، وما يستتبعها من الأسى والحزن. فحلكة الليالي لا تحيل غالبا إلا على أمرين: الحزن أو العشق، أو كليهما وهما أمران واقع في شركهما الشاعر:
    وسط ليل بهيم
    أغرق في عزلتي لا تنتهي
    ...
    عوالم من خيال
    أدفن فيها أحزاني وأشجاني
    ...
    أضيع في متاهات اللامكان
    ففي قمره المتسلسل يقول:
    شرب الليل كأسا من أحزاني ونام
    أزهرت في حلكته
    أوراق الخريف
    حتى:
    ضاق صدري
    ازدحم بالكوابيس
    من الرطوبة وسهاد الليالي
    مثخنا بالأشجان
    فأطبق الصمت و:
    كان كل شيء غارقا في الصمت
    عالم يلفه صمت القبور
    إلا من الألم:
    أغرق في تعاستي وأحزاني
    يعتصر قلبي الألم والسقم
    حتى أصبح:
    غريب في بيتي
    غريب في ذاتي
    أعاني
    تحاصرني جحافل الكآبة والغربة
    وأصبح يلوذ:
    ... بالصمت
    ... بعالم الرهبة والصمت
    إلا من أمل،
    وحلم عابر
    وتستمر رحلة الشاعر بين الصمت والحزن برفقة القمر، وكراهة ضوء النهار، حتى لنكاد نشتم رائحة اليأس والركون إلى حلكة الليالي، لأنهما البلسم الوحيد لجراحه.
    · التناص في ديوان الشاعر:
    لا يسلم نص من النصوص نثرية كانت أم شعرية من ظاهرة التناص، التي تتجسد طوعا أو كرها في كتابات أي أديب، فالنص هو فسيفساء من نصوص أخرى، كما تقول جوليا كرستيفا، فالنص لا ينهض إلا بما ترسب في شعور أو لا شعور كاتبه.
    وسنقتصر على نوعين من أنوا ع التناص الواردة في الديوان:
    · تناص أدبي:
    · المتنبي الشاعر:
    المتنبي شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس، كما يقول الثعالبي، وله مكانة كبيرة في الساحة الأدبية والنقدية. نرى الشاعر يزاوج بين واقع الإنسان المعاصر وغربة المتنبي، وهو واقع لا يعرف الاستقرار ويتنكر للشعراء. وهذا يعكس بوضوح غربة الشاعر منذ أول قصيدة بعنوان: عذرا أبا الطيب.
    · تناص أسطوري:
    المقصود بالتناص الأسطوري كما يقول أحمد الزعبي ، استحضار الشاعر بعض الأساطير القديمة وتوظيفها في سياقات القصيدة لتعميق رؤية معاصرة يراها الشاعر في القضية التي يطرحها، من هذه الأساطير نجد:
    · طائر الفينق:
    فطائر الفينق كما تقول الأساطير طائر أسطوري ينتحر حرقا كل ليلة، ثم ينبعث من رماده مرة أخرى، فما علاقة طائر الفينق بنفسية شاعرنا وقضاياه؟
    لعل الشاعر في غمرة صراعه مع اليأس والحزن، والموت والحياة، وثقل وطأة فكرة الموت عليه، لم يفقد تمسكه ببصيص أمل حياة يومض من بين جنبات عتمة الضياع والتيه التي يعيشها، فهو يقيس أمله هذا على منوال طائر الفينق، عل أمله ينبعث ولو من بقايا الرماد الذي احترق فيه، بل ويذهب بعيدا بأمله هذا، بأن ينزاح عن كاهل الأمة رماد التخلف والتبعية والجهل التي ألقت بظلالها الثقيلة عليها.
    · ثنائية الرجل والمرأة:
    لم تغب المرأة عن القصيدة شأن الشاعر المعاصر شأن الشعراء المتقدمين، فالمرأة قد تكون مقابلة للرجل في أصل خلقه، وقد تكون أما، وقد تكون حبيبة:
    تقاليدنا مقبرة
    تنتحر في دهاليزها
    عواطف النساء
    وتسود سلطة الرجال
    إنك النصف الآخر
    فأنت حبلى
    بالثورة.. الحب.. الأمومة.
يعمل...
X