صاحبة السيارة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ماجد سليمان
    • 23-11-2014
    • 1

    صاحبة السيارة

    صاحبة السيارة

    لا أحد يعرف لها اسماً أو يثبت لها رسماً. هي تأتي وتفرغ شحناتها وتنصرف. في أولى زياراتها، جاءت بسيارتها الفارهة السوداء، وأوقفتها وسط الحي الشعبي الفقير. وقف الصغار بعيدين عنها البعد الذي يمكنهم من الفرار إن أريد بهم سوء. كان الوقت ضحى، وكان الجو وإيقاع الحياة في الحي راكدين، وكأن ما يروج في الدنيا لا يعني أهل الحي من قريب أو بعيد. يعيشون حياتهم لأن الحياة فرضت عليهم أن يعيشوا، لا لأنهم اختاروا ذلك. بعض الرجال والنساء المتقدمين في السن جلسوا مستندين إلى حائط أو مقتعدين إحدى العتبات. تعلقت الأنظار بالسيدة الأنيقة، كالخارجة من شريط سينمائي عن بنات الذوات، أو من صفحات مجلة شهيرة للأزياء، وسرعان ما التحقت بها من بدت أنها خادمتها والتي انتقلت بسرعة إلى صندوق السيارة الخلفي وفتحته، ثم راحت تخرج منه صناديق كرتونية وأكياساً مختلفة الأحجام، إلى أن أفرغت الصندوق عن آخره، فأقفلت الباب، وراحت تتأمل سيدتها وهي تشير إلى الصغار، وإلى الكبار أيضاً، أن تعالوا وخذوا ما أفاء عليكم الله به من نِعَم.
    كانت السيدة تستر رأسها بمنديل أبيض وتضع على عينيها نظارة كبيرة سوداء حجبت نصف محياها العلوي، وبدت شفتاها قرمزيتين في احتشام ظاهر، وكانت ترتدي قميصاَ أبيض ذا كمين، يعلو لباساً امتد من خصرها إلى كعبي القدمين، متكشفاً عن حذاء أسود ذي كعبين متوسطي العلو. امرأة تخلصت من زينة بنات وسطها، لعل ذلك منها مراعاة لشعور من ستقوم بزيارتهم، ولعله لأسباب أخرى.
    قالت لها الخادم: ــ اتركيه فسيأتون ويأخذونه.
    عملت المرأة بنصيحة الخادم، فالتحقت بعجلة سيارتها، وجلست الخادم خلفها، وانطلقت السيارة ببطء، وراحت المرأة تتطلع من خلال مرآة الباب وكذا المرآة الداخلية للسيارة إلى الصغار يقبلون على السلع ويتخاطفونها، وكاد يشب بينهم صراع واشتباك، لولا تدخل الكبار واستعادة كل شيء، لتنظيم توزيعه.
    بعد ذلك، تكرر قدوم السيدة، واعتاد عليها أهل الحي، وصارت بمجرد حلولها بالساحة، يسارعون للالتفاف حولها، والبعض يسألها، والبعض يعرض عليها طلبات جدية، والمرأة واقفة، تبتسم وتسوي النظارة فوق أنفها المستقيم، وتبتسم، ولا تزيد شيئاً على الابتسام.
    إلى أن كان يوم، واقتربت من السيارة امرأة عجوز، حينها انتزعت المرأة النظارة من فوق عينيها، وانحنت إلى أن صار وجهها موازياً لوجه العجوز، وقالت المرأة:
    ــ أمي اونيدة !
    حدقت العجوز في المرأة، ثم ما لبثت أن صرخت بدهشة وفرحة طاغية:
    ــ من؟ حبيبة؟
    فقالت لها المرأة وهي تقبل رأسها ويدها:
    ــ هي بالذات.
    هزت المرأة رأسها، وكفكفت دمعة انحدرت من مقلتها، ومدت يديها الوانيتين وأحاطت بهما عنق المرأة وهي تقول بصوت يخالطه نشيج البكاء:
    ــ والله، وفيك الخير يا ابنتي، لم تنسي أهلك الأولين، رغم أنك غادرت الحي مع ذويك منذ عام التحاقك بالمدرسة...
    لم تكن "أمي اونيدة" أما لها، بل كانت القابلة التي على يديها رأت عينا حبيبة النور. وطاف شبح تشتيت الشمل بأسر الحي، ورحل منهم من رحل، وغادر أرض الوطن من غادر، وامتلأت أرجاء الحي بسكان جدد وبأطفالهم وأبنائهم من مختلف الأعمار. قلائل فحسب، بقوا هناك يذكرون القادمين الجدد بتاريخ الحارة وأشخاصها القدماء ومعالمها التي آل منها ما آل إلى الاندثار.
    رجعت حبيبة بنفحاتها الكريمة إلى الحي.
    وفي اليوم التالي جاء من يعرض على المرأة العجوز زيارة البيت. وفي الأسابيع التالية تنازلت "أمي اونيدة" عن بيتها لمن رأت أنه يستحقه من ضعفاء الحي، وآوتها التي اتخذت منها أما ثانية، بعد أن استأثر الرحمان بأمها الأصلية.
    التعديل الأخير تم بواسطة ماجد سليمان; الساعة 01-05-2016, 21:46.
  • عبير هلال
    أميرة الرومانسية
    • 23-06-2007
    • 6758

    #2
    قصة جميلة

    تضرب لنا مثلاً بالوفاء والاخلاص
    يسرني أن أكون أول من تعلق عليك..


    مرحباً بك في ملتقانا..

    بورك قلمك المبدع


    كل التقدير لك

    sigpic

    تعليق

    • محمود عودة
      أديب وكاتب
      • 04-12-2013
      • 398

      #3
      نص مفعم بالحب والوفاء .. أبدعت ولكن هناك جملة لم أستطع فهمها يديها الوانيتيت
      مودتي وتحياتي
      التعديل الأخير تم بواسطة محمود عودة; الساعة 25-12-2014, 16:50.

      تعليق

      • عاشقة الادب
        أديب وكاتب
        • 16-11-2013
        • 240

        #4
        كم احببت فعلا ان تكون اخلاقنا هكذا ولاننسى اصولناوأمكنة كانت لنا يوما مأوى
        ولا نتبرأ منها بمجرد ما ان يكرمنا الله برزقه.
        قليلون امثال هذه السيدة نطل من الله ان يكثر امثالها .
        القصة راقية وسرد سلس راقي .
        اسلوبك ولغةمتقنة جعلتنا نتابع تسلسل الاحداث بتشويق ممتع
        ابدعت

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          مساء الورد
          أتصور أن الالتزام الأدبي يلزمك بالرد على مداخلات الزميلات والزملاء
          من يكتب لك يستحق أن ترد عليه
          تحياتي لك
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          يعمل...
          X